غامبيا: عدوى الصراعات تفتك بأفقر بلد في العالم

غامبيا: عدوى الصراعات تفتك بأفقر بلد في العالم

غامبيا: عدوى الصراعات تفتك بأفقر بلد في العالم


28/02/2024

على الرغم من أنها تعتبر من أصغر الدول الأفريقية، إلا أنّ عدوى الصراعات تفتك بغامبيا، تلك البلد التي والواقعة في منطقة غرب أفريقيا، يحدها من الشمال والشرق والجنوب السنغال، ويخترقها نهر غامبيا الذي يصب في المحيط الأطلسي الذي يحد البلاد من الغرب، فهي ليست أصغر من حيث المساحة فحسب والتي لا تتجاوز 11,300 كم2، بل هي أيضاً صغيرة من حيث عدد السكان  1.96مليون نسمة، أغلبهم مسلمون، كذلك فهي من أفقر الدول على مستوى العالم، بميزانية تقدّر بمئة مليون دولار للعام الواحد فقط، وتتصدر المرتبة الاولى من حيث انتشار الأمراض والأوبئة خاصة مرض نقص المناعة والملاريا، وتعتمد الدولة في دخلها الأساسي على الزراعة والسياحة التي تمثل 71% من دخل البلاد، بحسب مركز الدراسات الأفريقية.

وشاركت غامبيا في معرض إكسبو 2020 في دبي بمعرض حمل عنوان "ملاذ الغد"، وذُكر أنها بلد صغير يُحقق قفزات كبيرة، ويعمل على تحسين البنية التحتية من أجل زيادة القدرة على التنقل، مع استعادة الغابات من أجل إتاحة فرص متجددة وزيادة الإنتاجية الزراعية، إلى جانب تحقيق فعالية الطاقة للاستدامة.

وفي الثامن عشر من الشهر الجاري، بعث سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة برقية تهنئة إلى فخامة آداما بارو رئيس جمهورية غامبيا، بمناسبة ذكرى استقلال بلاده.

كما بعث سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، برقيتي تهنئة مماثلتين إلى فخامة الرئيس آداما بارو رئيس جمهورية غامبيا.

غامبيا في معرض إكسبو 2020 في دبي

ومع صغر حجم الدولة وإمكاناتها إلا أنها لم تكن بعيدة عن عدوى الصراعات على السلطة مثلها كمثل باقي الدول الأفريقية، وكأن الدولة إذا لم تتصارع على السلطة ويحدث بها قتل وتشريد، وفي بعض الاحيان إبادة جماعية لم تحصل على صفة الدولة.

استقلال غامبيا

استقلت غامبيا من المملكة المتحدة عام 1965؛ كملكية دستورية داخل نطاق دول الكومنويلث البريطاني، وتولى داودا جاوارا من حزب الشعب التقدمي رئاسة الوزارة على رأس نظام ديمقراطي يطبق التعددية الحزبية، وبعدها قاد البلاد نحو الاستقلال التام عن بريطانيا، فأصبحت البلاد عام 1970 جمهورية رسمية، وتولى جاوارا رئاستها. 

واعتبرت غامبيا من أقدم الديمقراطيات متعددة الأحزاب في أفريقيا،  فكانت تجري انتخابات كل خمس سنوات منذ استقلالها، وانتخب حزب الشعب التقدمي إلى السلطة، برئاسة جاوارا ولم يكن له أي حزب منافس حقيقي، وفي عام 1981 وقعت محاولة انقلابية تم إحباطها بمساعدة السنغال. وتم بعد ذلك تشكيل اتحاد لفترة قصيرة بين غامبيا والسنغال أطلق عليه اسم سينيغامبيا وذلك في الفترة ما بين1982- 1989. وفي عام 1991، وقعت الدولتان معاهدة تعاون وصداقة بينهما، حتى أجريت آخر انتخابات في أبريل 1992، وبعدها بدأت محاولة الانقلاب.

 

شاركت غامبيا في معرض إكسبو 2020 في دبي بمعرض حمل عنوان "ملاذ الغد"، وذُكر أنها بلد صغير يُحقق قفزات كبيرة

 

 في عام 1994 حدث انقلاب عسكري، بقيادة الملازم أول يحيى جامع، نجح من خلاله في أسقاط الرئيس جاوارا وأوقف النشاط السياسي، بعد 30 عاماً من حكمه، وكان الملازم يحيى جامي في سن الـ 29، من عمره وكانت أولى خطواته، بعد أن نجح الانقلاب غير الدموي، ضبط مقاليد الحكم في يده فقام بإقصاء معارضيه، ثم قام بقتلهم ، وذلك بعد أن أصدر قراراً بترقية رتبته العسكرية من ملازم إلى عقيد في الجيش، واعتبر نفسه المخلّص والمنقذ للبلاد من براثن الجهل والتخلف، الذي ورثه عن الاستعمار، بل وعمل على أن يكون هو القائد الأوحد  في البلاد من خلال إطلاق كل الإمكانيات لقدراته الشخصية. وقد وضع الدستور عام 1996 والانتخابات الرئاسية التي تلاها اقتراع برلماني عام 1997 قاما باسترجاع اسم البلاد غامبيا للوضع المدني.

وترأس جامع حزب سياسي قام بتشكيله تحت اسم "التحالف الوطني لإعادة التوجيه والبناء" تقدم من خلاله في الانتخابات الرئاسية وأعيد انتخابه فيها أعوام 2001 و2006 و2011 على التوالي.

انتخابات 2016 

يعتبر شهر ديسمبر 2016، وبالتحديد في اليوم الثاني من بداية الشهر نقطة تحول في مصير الشعب الغامبي، فبعد 22عاماً من حكم دكتاتوري قائم على القتل والترهيب والعزل لأي شخص يحاول أن يعارضه أو يقف في وجهه، بدأت الانتخابات الرئاسية لتسقط جامي من على عرش السلطة، فبدلت الموازين بيقينه بفوز سهل، وحكم يستمر مستمر، ليجد نفسه فاقداً لكل أماله وطموحاته، بل أنه ربما يتم معاقبته دولياً على اختراقه لحقوق الإنسان، وارتكابه جرائم ضد الإنسانية، كما يقول المركز الأفريقي للدراسات. 

يعتبر شهر ديسمبر 2016، وبالتحديد في اليوم الثاني من بداية الشهر نقطة تحول في مصير الشعب الغامبي

وفقد يحيى جامع، رئاسته للبلاد، ليتم اختيار آداما بارو، مرشح تحالف "الجبهة الديمقراطية المتحدة" (المكونة من ثمانية أحزاب)، ليفوز بالسلطة بإجمالي 45.5 في المائة، مقابل 36.6 في المائة للرئيس يحيى جامي مما أذهل المعارضة وأثار دهشة الغامبيين أنفسهم، الذين توقعوا حدوث تزوير أو فساد، والذي رسخ ذلك رفض الاتحاد الاوروبي الإشراف على هذه الانتخابات، واقتصرت فقط على مبعوثي الاتحاد الافريقي، فكانت نتيجة الانتخابات الرئاسية صاعقة.

 على اثر هذه النتيجة اضطربت تصرفات يحيى جامي. ففي البداية اعترف جامي بهزيمته، بعد أن أعلنت الهيئة العليا للانتخابات الغامبية عن فوز منافسه بأغلبية أصوات الناخبين بفارق قدره 60 ألف صوت ،في خطاب مقتضب له بث مباشرة على شاشة التلفزيون قائلاً إنّ "الغامبيين قرروا أن أنسحب وصوتوا لشخص آخر لقيادة البلاد، ثم أعقب ذلك باتصال هاتفي مهنئا خصمه آداما بارو، مخاطباً إياه بقوله "أنت الرئيس المنتخب لغامبيا، أتمنى لك النجاح والأفضل"، مؤكداً في الوقت ذاته على  نزاهة العملية الانتخابية، ووصفها بـ "الانتخابات الأكثر شفافية في العالم".

 

واعتبر جامع أنّ السلطات الانتخابية ارتكبت "أخطاء غير مقبولة"، داعياً إلى تنظيم اقتراع جديد. وأحدث هذا التراجع صدمة كبيرة في البلاد وفي المحيط الإقليمي الأفريقي وفي أوساط الأسرة الدولية.

 

لكن لم يستمر الوضع إلا ساعات معدودة، ففجر جامي مفاجأته، وأخذ موقفا مضاد، وسحب اعترافه بالرئيس المنتخب، وشكك في نتيجة الانتخابات بعد أن أعلنت الهيئة مراجعة نتائج الفرز النهائية فتقلص الفارق في عدد الأصوات بين المرشحيْن من 60 ألفا إلى 20 ألفا فقط، وهو ما اتخذه الرئيس الغامبي ذريعة للتنصل من قبوله بالنتيجة، متراجعاً عن تصريحاته السابقة في هذا الخصوص.

واعتبر جامع أنّ السلطات الانتخابية ارتكبت "أخطاء غير مقبولة"، داعياً إلى تنظيم اقتراع جديد. وأحدث هذا التراجع صدمة كبيرة في البلاد وفي المحيط الإقليمي الأفريقي وفي أوساط الأسرة الدولية.

انتخابات ديسمبر 2021 

وفي ديسمبر 2021، فاز آداما بارو، بأغلبية ساحقة في الاستحقاق الديمقراطي، وفق ما أعلنت اللجنة الانتخابية. وتعد الانتخابات اختباراً لعملية الانتقال الديمقراطي في البلد الذي يعتبر من أفقر دول العالم، وحكمه الرئيس يحيى جامع مدة 22 عاماً بعد انقلاب دموي قاده في عام 1994. وكان ائتلاف بقيادة رئيس البلاد الحالي آداما بارو، قد أطاح بجامع، الذي حكم غامبيا بقبضة من حديد.

وحصل بارو على أكثر من 53 في المائة من الأصوات، متقدماً بفارق كبير على منافسه الرئيسي أوسينو داربوي الذي حاز 27.7 في المائة من الأصوات، وفق لجنة الانتخابات. 

وفاز بارو في الانتخابات الماضية على الرئيس يحيى جامع، الذي رفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الماضية واضطر في نهاية المطاف لمغادرة البلاد إلى غينيا الاستوائية تحت ضغط تدخل عسكري من دول غرب أفريقيا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية