فرار إرهابيين من سجن المرناقية بتونس... أبعد من مجرد حادث أمني

فرار إرهابيين من سجن المرناقية بتونس... أبعد من مجرد حادث أمني

فرار إرهابيين من سجن المرناقية بتونس... أبعد من مجرد حادث أمني


09/11/2023

استطاعت وحدات من الأمن والجيش التونسي صباح 7 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري القبض على (4) إرهابيين فارين من سجن المرناقية بتونس.

وجدت العناصر الأمنية الفارين متحصنين في جبل بوقرنين، بالضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، في حين ألقي القبض على آخر بمساعدة من المواطنين، قبلها بيومين، بحي التضامن بولاية أريانة.

وقد نشرت وزارة الداخلية بياناً "تشكر فيه جميع وحداتها التي لا تدخر جهداً في مكافحة الإرهاب، وتعقب الإرهابيين والتصدي لهم حماية للمواطنين، وحفاظاً على حرمة الوطن". بيد أنّ ذلك لا يمنع أنّ الملابسات التي حدثت في عملية الفرار، تطرح عدداً من التساؤلات والسيناريوهات حول كيفية حدوث واقعة الفرار، والأهداف الحقيقية وراء ذلك، والأفراد والجهات التي سهلت عملية التهريب من سجن المرناقية، الذي يعتبر من أعتى السجون التونسية وأكثرها تحصيناً.

تصريحات الرئيس تكشف المؤامرة

وقد أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أنّ عملية فرار (5) إرهابيين من سجن المرناقية كانت عملية "تهريب" وليست فراراً. وقال سعيد خلال لقائه وزير الداخلية كمال الفقي: إنّ كل القرائن والدلائل تؤكد أنّ الإعداد للعملية تم منذ أشهر، ورفض كل التفسيرات التي قدمتها الداخلية عقب الكشف عن العملية. كما اعتبر الرئيس سعيد أنّ "الصور التي تم نشرها لا علاقة لها بالواقع، وما كان لها أن تنشر أصلاً؛ حيث تهدف إلى تحويل وجهة الأبحاث"؛ في إشارة إلى ما نشر من صور تزعم أنّ الإرهابيين الـ (5) فروا من نافذة السجن بعد تقطيع جزء منها.

الإرهابيون الذين فروا من سجن المرناقية هم: حمد المالكي، ولقبه ''الصومالي''، وعامر البلعزي، ورائد التواتي، وهم متورطون في عمليات إرهابية خطيرة، منها جريمتا اغتيال الشهيدين محمد البراهمي في تموز (يوليو) من العام  2013، وشكري بلعيد في شباط (فبراير) من العام نفسه.

تمّ القبض على الإرهابيين

وفي السياق نفسه، أكد سعيد خلال لقائه وزيرة العدل ليلى جفال، على ضرورة التدقيق في كل ملابسات حادثة التهريب التي حصلت يوم الثلاثاء، نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بالسجن المدني المرناقية، وتحميل كل طرف مسؤولياته في أسرع الأوقات.

وشدد سعيد على ضرورة التوصل بسرعة إلى من نفذ عملية التهريب، خاصة من خطط لها، سواء من الداخل أو الخارج، مشيراً إلى أنّه "ما كان لهذه العملية أن تحصل، إلا بتخطيط من جهات لا توجد وراء القضبان".

استحالة السيناريو المعلن

في هذا الإطار، يذهب علي الزرمديني، الخبير الأمني والعميد السابق بالحرس الوطني التونسي، إلى أنّ هذا السجن محصن بصورة كبيرة ومعقدة، وفيه كل المواصفات الأمنية التي تتطلبها السجون التي تضم عناصر خطيرة على كل المستويات، سواء عناصر "الحق العام أو العناصر الإرهابية أو غيرها من العناصر التي تصنف كعناصر خطرة".

ويتابع الزرمديني في تصريحاته، التي خص بها "حفريات"، أنّ سجن المرناقية فيه كل التجهيزات الإلكترونية الضرورية، وقد شيد في مطلع الألفية الجديدة خلال حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بمواصفات عالية. بيد أنّ الثغرة الأساسية هي بالأساس تبدو في متابعة الأفراد، من خلال إدارة أمن الأفراد، وكذلك على مستوى الاستخبارات والاستعلامات الداخلية، حيث متابعة المساجين وتدقيق تصرفاتهم وتحركاتهم، وكل ما يدور حولهم. ولا يمكن الشك في متانة التحصينات ودقة الأحزمة الأمنية التي عززت منذ اللحظة التي ضمّ فيها هذا السجن تلك العناصر الإرهابية.

علي الزرمديني: المعاينات التي جرت لم تثبت أنّ هنالك أيّ ثقب أو أيّ ممارسة تقليدية نعرفها، تعتمدها الأطراف المسجونة للفرار من السجن

ويرى العميد السابق في الحرس الوطني التونسي أنّ حديث الرئيس يأتي من منطلق أنّ هذا المعطى أو الطريقة التي تمّت بها واقعة الهروب، والمعاينات التي جرت، لم تثبت أنّ هنالك أيّ ثقب أو أيّ ممارسة تقليدية نعرفها، تعتمدها الأطراف المسجونة للفرار من السجن. وبالتالي، لا يمكن أن يكون واقع التحصينات سوى تأكيد أنّ ثمة تواطؤاً داخلياً، لا ينحصر في العناصر التي تم التحقيق معها حالياً، بل يتجاوزها إلى العدد الكبير من العاملين في هذا السجن.

إذاً، والحديث ما يزال للخبير الأمني علي الزرمديني، لا يمكن وصف ما جرى سوى من خلال عملية استقطاب داخلية أكيدة، تمّت من طرف المسجونين للسجانين، وهي طريقة معتمدة في كل السجون، وتعتمدها العناصر الإرهابية، ولنا في تجارب سجن الحسكة في سوريا، أو مخيم الهول، وغيرها من السجون في العراق، ما يثبت هذا التوجه لدى الجماعات الإرهابية من حيث الاستقطاب؛ سواء عقائدياً أو من خلال بعض المعطيات الأخرى؛ منها الرشاوى، إلى آخر ذلك من المعطيات التي  تعتمدها هذه الجماعات. كذلك لا ننسى أنّ الأعوام الـ (10) التي مرت بها تونس كانت أعواماً تعيسة بكل المقاييس، وخصوصاً المؤسسة الأمنية والمؤسسة السجنية، وكل مؤسسات الدولة، حيث عمدت السلطة التي تولت الحكم في ذلك الوقت (يقصد حركة النهضة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في تونس)، نحو تعمد المنظومات كاملة تغيير عقيدتها بالأساس، وفرض الولاءات، بعيداً عن أمن وسلامة الوطن، ممّا يدفع نحو مفهوم غرس ما يُسمّى بالأمن الموازي على كل المستويات والإدارة الموازية والقضاء الموازي، والوطن يجني ذلك النهج الفاسد، خلال عشرية النهضة السوداء.

إنّ العناصر التي فرت من سجن المرناقية عناصر شديدة الخطورة، وهي تمثل في حقيقة الأمر الجناح العسكري لتنظيم أنصار الشريعة، الذي اندمج داخل هياكل وتنظيمات إرهابية، من بينها تنظيما (داعش والقاعدة) وهم ولا ريب يشكلون خطراً حقيقياً على اعتبار أنّهم متمرسون بالعمل العسكري، وقد خرجوا من سجنهم، ولديهم يقين أنّ الأرض والعباد في "كفر مبين"، فضلاً عن ارتباطهم مع كل التنظيمات المسلحة في دول الجوار، خاصة بؤر التوتر، في ليبيا وسوريا، وغيرها من المناطق.

الأمن الموازي واحتمالات الاختراق

ويلفت العميد السابق علي الزرمديني إلى خطورة سيناريو التواطؤ، وتوفر عناصر الدعم التي حظي بها الفارون، خاصة من داخل البلاد، ويقصد هنا من خارج منظومة السجن، لأنّ ذلك يوفر لهم غطاء وسياج حماية، سواء مع سيناريو وجودهم داخل البلاد، أو نقلهم  صوب نقاط حدودية، تمهيداً لخروجهم من البلاد، الأمر الذي يدفع العميد السابق لوضع كل الاحتمالات قيد الاشتباك، دون ترجيح رواية على أخرى.

 علي الزرمديني: هذا السجن محصن بصورة كبيرة ومعقدة

إلى ذلك يؤكد الزرمديني أنّه من الصعوبة بمكان حسم مكان اختباء تلك العناصر الهاربة، رغم واقعة اقتحام السجن، وبيان إدارة الحرس الوطني، كون تراكم الخبرات التي حققها في أعوام عمله، يدفعه إلى التأكيد على صعوبة أن تقوم عناصر بهذه الدرجة من الخطورة بعملية إجرامية مباشرة بعد هروبهم. ويرى أنّ ثمة مغامرة لا تتناسب مع درجة خطورة مثل تلك العناصر، ويستطرد قائلاً: الاحتمال الجائز في مثل تلك الأحداث هو التوافق مع أفراد وتنظيمات موالية لتنفيذ مثل تلك الأعمال؛ لتضليل أجهزة الأمن، وتشتيت عملها في البحث والتتبع.

في بيان رسمي نشرته إدارة الحرس الوطني حول واقعة سطو مسلح على فرع بنكي ببومهل، قالت الإدارة: "تبعاً لتعهد الإدارة الفرعية لمكافحة الإجرام، بإدارة الشؤون العدلية للحرس الوطني ببنعروس، بالبحث في ملابسات قضية سطو على فرع بنكي بجهة بومهل شرق العاصمة التونسية، ونتيجة المتابعات الفنية، تبين وجود (2) من هويات الإرهابيين الفارين من السجن المدني بالمرناقية، تمّ على إثرها التخلي عن القضية لفائدة القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، وتكليف الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب بإدارة مكافحة الإرهاب للحرس الوطني للبحث والمراجعة".

عواطف السويدي: تزامنت عملية هروب المساجين أو تهريبهم، مع إصدار أحكام بحق زعيم حركة (النهضة) راشد  الغنوشي، وختم الأبحاث بشأن علي العريض

وتشير الكاتبة التونسية عواطف السويدي إلى دلالة بيان الإدارة العامة للحرس الوطني، حول عملية السطو المسلح على البنك في منطقة بومهل شرق العاصمة التونسية، وربط تلك الواقعة بفرضية أنّ الفارين من سجن المرناقية ما زالوا داخل البلاد، وأنّ الأجهزة المعنية ستواصل عملية البحث والتعقب. 

وتتابع السويدي في إطار تصريحاتها لـ "حفريات" أنّ الاشتباك حول ملابسات الواقعة في تونس يقع داخل التصريحات التي أدلى بها الرئيس قيس سعيد، عقب الإعلان عن فرار المسجونين، والتي أشار فيها إلى أنّ واقعة الفرار جاءت نتيجة عملية تهريب جرى التخطيط لها منذ أشهر، وهي الرواية نفسها التي يتحدث عنها من يسمّون أنفسهم مفسري المشروع، وأنصار الرئيس؛ عبر  ظهورهم في المنصات  الإعلامية، وهناك بعض المعطيات التي تذهب نحو المضمون نفسه، كون العملية تمّ الإعداد لها منذ شهر ونصف تقريباً.

وترى عواطف السويدي أنّها عملية تطرح نقاط استفهام عديدة، وتضع المنظومة الأمنية والسجنية على المحك، وتؤكد أنّ الاختراقات متواصلة، خاصة على مستوى الأمن الموازي، وهي الظاهرة التي عانت منها تونس، والمسألة التي عرفتها البلاد  خلال فترة حكم حركة (النهضة)  في أعوام ما بعد العام 2011.

عواطف السويدي: واقعة الفرار جاءت نتيجة عملية تهريب جرى التخطيط لها منذ أشهر

وتزامنت، بحسب السويدي، عملية هروب المساجين أو تهريبهم، مع إصدار أحكام  بحق زعيم حركة (النهضة) راشد الغنوشي، وختم الأبحاث بشأن علي العريض، واستمرار إيداعه بالسجن، الأمر الذي تجدر من خلاله الإشارة إلى سياق سياسي حاكم للواقعة، ويشي بمؤشرات على حضور الارتباط فيما بين منفذي العملية، أو من سهلوا واقعة هروبهم من سجن المرناقية، الذين هم، في تقديرها، من عناصر الأمن الموازي، بالإضافة إلى عناصر خارجية، ممّا يضع عنوان التواطؤ داخلياً وخارجياً كعنوان رئيس لهذه العملية، كما أنّها تعكس عمق الاختراق الذي جرى للإدارة التونسية في كل منظوماتها، وذلك رغم مجهودات الدولة التي رفعت مؤخراً شعار تطهير الإدارة؛ وهو المشروع الذي جاء من أجله أحمد الحشاني رئيس الحكومة، خلفاً لنجلاء بودن، الذي كلفه سعيد بتنفيذ هذه المهمة.

مواضيع ذات صلة:

تونس: ملف الإرهاب يعود بقوة... هل تمّ القبض على الإرهابيين الذين هربهم الإخوان؟

بعد القبض على عدد من قادتها.. ما مصير مؤتمر حركة النهضة الإخوانية؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية