فيلم باربي في الجزائر... منعٌ غير معلن وتفاعلات مستمرة

فيلم باربي في الجزائر... منعٌ غير معلن وتفاعلات مستمرة

فيلم باربي في الجزائر... منعٌ غير معلن وتفاعلات مستمرة


21/08/2023

أثار المنع "غير المعلن" لفيلم (باربي) في الجزائر موجة جدل لم تهدأ، وأخذت التفاعلات المستمرّة طابع الصراع الإيديولوجي الذي ملأ سماء شبكات التواصل، خصوصاً بعد دخول الإسلاميين على خطّ المواجهة. وإليكم التفاصيل.     

إذا كانت وزارة الثقافة والفنون الجزائرية ما تزال صامتة إزاء الملف، رغم انقضاء (96) ساعة على سحب فيلم (باربي) من القاعات، فإنّ الأديب الجزائري أمين الزاوي دافع بقوة عن الفيلم، ورأى أنّ "من يمنعه قادر على حرق نصف مكتبتنا التراثية الأدبية والفقهية".

الشيخ أبو سنّة: بدعة الإقصاء من مثقف مؤدلج أشدّ خطراً من مقص الرقيب، وكلاهما شرٌ على الإبداع والمبدعين

وفي منشور مطوّل على صفحته الرسمية بمنصة (فيسبوك)، قال الزاوي: "جزائر أبوليوس وسانت أوغسطين وكاتب ياسين ومحمد ديب والأخضر حامينة والشاب خالد ومولود معمري وجان سيناك وجمال عمراني ويوسف سبتي وعبد القادر علولة والطاهر وطار وأمحمد إسياخم ومحمد خدة ومحمد أركون ومالك شبل وعلي مراد والطاهر جعوط وبشير حاج علي والشيخة الريميتي وسيد علي كويرات وبيونة وسيد أحمد أقومي وبوعلام صنصال وياسمينة خضرا وكمال داود وأحلام مستغانمي وكوثر عظيمي ومايسة باي وآسيا جبار، لا تقبل بالرقابة والقص والمنع، وخاصة حين يرتبط الأمر بمنع عمل إبداعي فني تخيلي سينمائي أو أدبي أو موسيقي".

وشاطرت ليلى زاوي رأي مواطنها، مسجّلة أنّ "المنع يعطي صورة سيئة عن الجزائر وشعبها المحبّ والتوّاق للحرية والمثقف والمكتسب لأكثر من لغة ولهجة".

هجوم إسلامي 

كتب الشيخ كمال أبو سنّة: "لا يقلقني فيلم تمّ عرضه أو مُنع من العرض مهما كان محتواه، حين يكون الجزائري واعياً ومحصّناً ومثقفاً حتى النخاع".

ولم يكن أبو سنّة رحيماً بأمين الزاوي، بتشديده: "ما استفزني ممارستك يا أمين للإقصاء حين ذكرت جمعاً من الشخصيات الثقافية والأدبية واستثنيت ـ كما هو ديدنك ـ أسماء كبيرة محسوبة على التيار الذي تخالفه...، "بدعة" الإقصاء من مثقف مؤدلج أشدّ خطراً من مقص الرقيب، وكلاهما شرٌ على الإبداع والمبدعين".

منظر لكوكبة من الجزائريين في قلب العاصمة

وكان تعاطي طارق حيرو أكثر حدّة، فقد رفض ما سمّاها "قضية الإسقاط والمقارنة التي قام بها الزاوي"، وبرّر ذلك بقوله: "شاهدت غالبية مشاهد هذا الفيلم وبالنسبة إليّ، النخبة والطبقة العالية فكرياً من تستطيع مشاهدته وفهم ما يقصده، أمّا أن يشاهده باقي المجتمع، فذاك خطر حقيقي خاصة للأطفال".

وأكمل نقده للزاوي: "لما تحدثت عن كتب السيوطي، وابن حزم، والجاحظ، قمت بمقارنة جائرة مع مخرجة أمريكية مصابة بالمراهقة الحادة وانحراف في الفطرة، طريقة طرح السيناريو فيها ما فيها من سموم منتشرة، وبالنسبة إلى مجتمعنا المحافظ والمطبّق للإسلام أفضل بكثير من البلدان الأخرى، والدليل أنّ فكركم العلماني لم ولن يستطيع أن يكسب شعبية لديه...، ومن غير المقبول منطقياً التفكير في تغيير فطرة الإنسان، وهذا ما يروّج له الفيلم، وذاك ما دفع لبنان ومصر لمنعه".

ولعب خالد درش على وتر الإيديولوجيا، حين لاحظ أنّ الزاوي "ذكر جميع أسماء الفنانين والمثقفين، ولم يذكر أيّ عالم دين، قديماً أو حديثاً...، إلّا ما وافق فكره أو شابه محمد أركون ومالك بن نبي"، وهو ما نفاه الزاوي بإحالته إلى "علي مراد أحد أهم الباحثين في الإسلام وفي حركة الإصلاح الجزائرية جمعية العلماء".

ودفعت لينا فرح بـ "عدم جواز المقارنة بين كتب فقهية تُحذّر من المثلية، وهو أمر ورد في القرآن العظيم لشدة خطورته، وبين فيلم يروّج للمثلية ويبث رسائل تدفع بصغارنا لتقبله على أنّه أمر عاديّ، ماذا تقارن يا أديب؟".

رفض الوصاية

إلى جانب إلحاح فارس خالد أنّ "ممارسة الرقابة في العلن، وإباحة كل شيء في الخفاء، يعدّان نفاقاً"، حرص حمودي عمران على سحب البساط من الإسلاميين، بتنبيهه إلى مخاطر "إيديولوجيا التخلف"، وتابع: "يقولون نحن محافظون، محافظون على ماذا؟ على التخلف والهبل والخرافات؟ يريدون جعل الجميع عالقاً في الماضي...، للأسف نحن نسير عكس عقارب الساعة، وعكس كل العالم".

ناشط: نحن قوم سيّسنا كل شيء، نمتهن الإيديولجية، ونتفنّن في حرب التفرقة، وفي الحقيقة لم نصل يوماً إلى حرية الرأي والتعايش السلمي الحضاري

وتساءل إلياس ترغيني: "الإبداع حرية، الإبداع هو التفكير الحر غير المقيّد، كيف لأمّة تحرّم الإبداع، أي العقل، أن تنهض؟"، وتفاعل الناشط مولود بن زادي مستذكراً ومحذّراً: "في عام 1979 أثار فيلم (حياة برايان) جدلاً كبيراً أدى إلى إدراجه ضمن أفلام الخلاعة وتمّ حظره في بريطانيا وعدد من الدول الغربية بحجة إساءته إلى الديانة المسيحية. من المهمّ أن يقف المثقفون بكل اللغات في وجه مثل هذه الإجراءات التي تحدّ من حريات الأفراد وتخدم التيارات المتشددة/ المتطرفة التي ترغب في فرض توجهاتها ومعتقداتها على بقية العالم من حولها".

وحرص الناشط كريم هلال على رفض الوصاية، قائلاً: "نحن قوم سيّسنا كل شيء، نمتهن الإيديولوجية، ونتفنّن في حرب التفرقة، وفي الحقيقة لم نصل يوماً إلى حرية الرأي والتعايش السلمي الحضاري، ببساطة العاطفة والفشل طغيا على كل شيء، والتحليل الموجه لأغراض سلطوية من أجل منفذ للشرعية الأبوية، وذاك هو الهدف".

وقدّرت راضية قوقة رودسلي أنّ "كل ممنوع مرغوب، وأنا متأكدة أنّ الكثيرين لجؤوا إلى (نتفليكس) لمشاهدته، مع أنّهم لم يكونوا يرغبون في مشاهدته من قبل لولا منعه! وبالتالي لا بدّ من وجود رجل حكيم واحد يكفي بين هؤلاء الذين يصدرون قرارات يحلّلون ويحرّمون".

تهويل وقفز على الواقع 

أسبغ الناشط عبد الرشيد حطابي هالة "التهويل" على منع عرض فيلم (باربي)، وقال: إنّ الأمر ناجم عن "إيديولوجية رأسمالية"، معتبراً أنّ "الفيلم بحدّ ذاته عبارة عن منتوج تجاري بحت، وهو ذو أبعاد ليبرالية رأسمالية لا شكّ فيها".

وجزم حطابي أنّ "الفيلم خالٍ من أيّ صفة للإبداع، وإن كان على الإباحية، فدُور السينما في بلادنا لا تكاد تخلو من مشاهد إباحية، ولم تحدث هذه الضجة الإيديولوجية الباحثة عن تفكيك مبادئ وأسس وقيم الأسرة التي تأسست عليها مجتمعاتنا".

الأديب الجزائري أمين الزاوي

وفي مخاطبته للزاوي، سجّل حطابي: "أتفهمّ صراعك مع الأفكار التي تتعارض مع أفكارك، وتتضارب مع معتقداتك، لكنّ فن وأدب الزمن الذي جئت منه، والزمن الحالي، يختلفان كاختلاف الأبيض والأسود، فالمبدأ تجاري سواء كانت اللعبة رياضية أو فنية أو مسرحية موسيقية، ويبقى المبدأ واحداً وهو صناعة فرد استهلاكي بمعايير عالمية واحدة، وهنا تُنزع حرية القرار ليغيب الإبداع تدريجياً".

بدوره، شدّد عبد الله غزالي على أنّه "من يتجرّأ لإصدار قرار منع كتاب أو فيلم بمثل هذه الحجّة، يمكنه أن يحرق نصف كتب الفقهاء والأدباء والرحّالة والحكماء وغيرهم"، مضيفاً: "في بلدنا كما في بلدان عربية ومغاربية كثيرة، يُسمح بتداول كتاب (حياتي) لهتلر، فهو على سبيل المثال متوافر في كثير من مكتبات العاصمة الجزائرية، وهو ملهم للمجرم السفاح (كلاوس باربي)، باربي الآخر، أو كتاب (معالم في الطريق)، ومثل هذه الكتب هي أكثر خطراً على المجتمع من أيّ فيلم كان".

ناشط: إذا كانت باربي تتنافى مع الآداب وتقاليد الشعب الجزائري، فهل الحريم الذي يملكه السلطان سليمان في المسلسل التركي الذي بُثّ في عدّة قنوات جزائرية من تقاليد الشعب الجزائري؟

وأيّد غزالي منظور حطابي أنّ "الموضوع كلّه يتركّز في الترويج، فالسينما صناعة أكثر من كونها إبداعاً، ومن أدواتها المزيج التسويقي، والترويج واحد من مكونات هذا المزيج"، بينما علّق عبد الرؤوف العباسي: "خيالٌ منعوه، ماذا لو كان حقيقة؟".

من جهته، لاحظ أحسن موداش أنّ "التلفزيون الرسمي بثّ مسلسلات وأفلاماً تركية، إذا قارنتها بما جاء في فيلم باربي، فسيظهر لك أنّه أقرب منه إلى فيلم الرسالة من هذه المسلسلات التركية، إلّا أنّها لم تُمنع، ثمّ إذا كانت باربي تتنافى مع الآداب وتقاليد الشعب الجزائري، فهل الحريم الذي يملكه السلطان سليمان في المسلسل الذي بُثّ في عدّة قنوات جزائرية من تقاليد الشعب الجزائري؟".

تدجين واستغباء 

هاجم المخرج المسرحي محمد شرشال سلطات بلاده بالقول: إنّ المصيبة في الجزائر هي "عدم ممارسة الكثيرين القراءة، لذا فهم يعلمون أنّ الكتاب ليس خطراً، بينما السينما، والمسرح وكل ما بإمكانه جلب الجماهير هو مصدر خطر بالنسبة إليهم، وعليه يعملون على تدجينها وجعلها أداة البروباغندا الممجّدة لانتصاراتهم الوهمية...، تماماً كما عند دون كيشوت".

ناشط: في بعض الموشحات الأندلسية التي بثّها التلفزيون الرسمي في العشر الأواخر من شهر رمضان بذاءة وخلاعة لو سمعتها باربي الدمية لبكت حتى تصبح عيناها من الحياء رمداً

من جانبه، ركّز محمد الصالح على "انتفاء السبب الحقيقي وراء سحب فيلم باربي من قاعات السينما في الجزائر، وأنا شخصياً غير مقتنع بحجّة أنّ بعض مقاطع الفيلم تخدش الآداب العامة وتمسّ بالمعتقد الجزائري".

وجزم المتحدث ذاته أنّ السبب تجاري محض، وذلك يعود لعدّة أسباب؛ منها:

-  عدم وجود قاعات السينما على كامل التراب الوطني، اللهمّ إلّا بعض الأطلال في بعض المدن الكبرى.

-  عدم وجود جمهور ذوّاق للمنتوج السينمائي، إلّا لدى بعض النوستالجيين.  

 -  الأسعار المطبقة في قاعات العرض الجزائرية يستحيل معها الالتزام بالعقد المبرم مع المنتج، لذلك جرى سحب الفيلم من القاعات قبل انقضاء المرحلة التجريبية.

لكنّ الناشط عبد الحكيم صايم نفى الكلام السابق، بكشفه أنّ "فيلم باربي عُرض في مدينة وهران الجزائرية، وكانت هناك طوابير لمدة يومين، على نحو حال دون مشاهدتي له، وبالنسبة إلى ربط إيقاف عرض الفيلم بارتفاع السعر، نقول له: إنّ ثمن التذكرة تراوح بين (800 و1200) دينار (ما بين 8 دولارات إلى 12 دولاراً)، ولم يحل ذلك دون شراء التذاكر".

الإغلاق الثقافي

يعتقد محمد الصالح أنّ "منع باربي هو أكبر إشهار للفيلم، والدليل أنّ كل الصحافة العالمية المهتمة بعالم الفن تحدثت عنه في صفحاتها الأولى، أمّا حجّة الحياء العام، فلا تحدثوني عنها من فضلكم، ففي بعض الموشحات الأندلسية التي بثّها التلفزيون الرسمي في العشر الأواخر من شهر رمضان بذاءة وخلاعة، لو سمعتها باربي الدمية لبكت حتى تصبح عيناها من الحياء رمداً"، في حين حذّر عمر بوساحة: "كل المؤشرات تقول إننا نسير نحو الإغلاق الثقافي تحضيراً لمآسٍ أخرى جديدة".

في المقابل، استغرب حميد بوحبيب منع الفيلم، طالما أنّه متوفر على منصات (ستريمينغ)، وسيصبح عمّا قريب متاحاً لكل من يريده، ولاحظ أنّ "منع فيلم أو رواية، بحجة المساس بالأخلاق والقيم أو الثوابت، مبدأ ثابت في منظومة الفكر الأحادي المتكلس، والإشكال ليس في رداءة الفيلم أو جودته، فالخطر بالنسبة إلى هؤلاء هو إمكانية أن يفكر الناس باستقلالية، أو أن يستمتعوا بأوقات فراغهم على هواهم، لأنّ ذلك يعني عندهم نهاية الوصاية على الذوق العام وعلى حرية الإبداع والرأي. اليوم باسم الحفاظ على قيم الأسرة، وغداً باسم حماية المعلوم من الدين، وبعد غدٍ باسم المصالح العليا للأمّة...، فالمبررات عندهم جاهزة وقائمتها لا تنتهي".

وانتهى عثمان رابحي إلى أنّ المجتمع الجزائري "أصبح مكهرباً ومتناقضاً مع تراثه الجوهري الجميل"، وقال عباس رقّاب: "نحن مجتمع لا تؤثّر فينا لا باربي ولا سالي...، المؤثّر في مجتمعنا حالياً هو (إسكوبار)"، في إشارة إلى الزحف المخيف لتجارة المخدرات على الجزائر.

مواضيع ذات صلة:

من يمنع "فيلم باربي" قادر على حرق نصف مكتبتنا التراثية الأدبية والفقهية

انتفاضة "باربي" على الجَمال المستحيل




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية