في الطريق إلى فيينا: هل يسقط الإقليم باليد الإيرانية؟

في الطريق إلى فيينا: هل يسقط الإقليم باليد الإيرانية؟


25/11/2021

حسن فحص

في المسافة المتبقية على موعد الجولة السابعة من المفاوضات بين إيران ومجموعة (4+1) وواشنطن في فيينا، ترتفع وتزداد حدة المواقف التصعيدية من كلا الطرفين، والتمسك بالشروط من أجل العودة لطاولة التفاوض كمقدمة لا بد منها من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي من جهة، وإلغاء العقوبات وإنهاء حال العداء من جهة أخرى.

في الطريق إلى فيينا، وعلى الرغم مما يترسب في طوايا المواقف والتصريحات، وما يدور في الكواليس عن حوارات ولقاءات معلنة وغير معلنة بين طهران وكل الأطراف المعنية بمفاوضات فيينا، وأبعادها وآثارها وتداعياتها لاحقاً، يبدو أن طرفي الأزمة الحقيقيين، أي الأميركي والإيراني، قد توصلا إلى خريطة طريق لإنجاح المساعي والجهود التي يبذلانها للخروج من دوامة الجدل حول البرنامج النووي والعقوبات، وإعادة ترتيب منطقة غرب آسيا عموماً والشرق الأوسط على وجه التحديد، لما تشكله من حساسية عالية في استراتيجية الطرفين على حد سواء.

في الـ 29 من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي يفترض أن تستضيف مدينة فيينا الجلسة المفصلية حول أزمة الملف النووي الإيراني، وتؤسس لفض الاشتباك بين طهران وواشنطن حول أزمة طبيعية ومفهوم إلغاء العقوبات المفروضة على إيران منذ أبريل (نيسان) عام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، باعتبار أنها المدخل الإلزامي لإعادة إحياء الاتفاق الذي من المفترض أن يتحول إلى ملزم لجميع الأطراف بالتنفيذ وعدم العودة لسياسة إفشاله وعرقلة تطبيقه في ما يتعلق بـ "الترويكا" الأوروبية، وعدم الانسحاب منه والعودة لسياسة فرض العقوبات بالنسبة إلى الولايات المتحدة، في مقابل أن تعود طهران وتلتزم بالتعهدات التي سبق أن وافقت عليها عام 2015 عند التوقيع على الاتفاق، بما في ذلك وقف أنشطة التخصيب والعودة للمستويات التي سبق التفاهم حولها.

وفي هذا السياق، ما يسعى إليه النظام الإيراني من خلال الفريق المفاوض، تكريس بعض النقاط قبل الوصول إلى استحقاقات الجلوس إلى الطاولة، بالتشديد على مسألة أن موافقة طهران بالعودة لفيينا تأتي في إطار جهودها لإنهاء الحصار وإلغاء العقوبات، كشرط أساس لأي بحث حول إعادة إحياء الاتفاق من دون تعديل في أي من مواده، وألا يتحول إلى مفاوضات استنزافية والتفاوض من أجل التفاوض، إضافة إلى مطلب مفصلي قد يكون الأهم في استراتيجية النظام التفاوضية، وهو أن يوافق الطرف الآخر، وتحديداً الأميركي، على احتفاظ إيران بما حققته من تقدم في عملية تخصيب اليورانيوم خصوصاً عند مستوى 60 في المئة، تتعهد طهران في المقابل بتسهيل عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية من خلال إعادة تفعيل بروتوكول التفتيش المباغت الذي سبق أن علقه البرلمان في إطار القانون الذي أقره في نوفمبر من العام الماضي 2020 باسم "استراتيجية إلغاء العقوبات والدفاع عن المصالح الإيرانية"، وقد لا تمانع طهران كما في السابق على توسيع دائرة التفتيش لتشمل منشآت جديدة تضعها الوكالة الدولية في دائرة اهتماماتها وشكوكها، كما قد لا تمانع من مشاركة مفتشين عن الإدارة الأميركية مباشرة مع زملائهم الدوليين كما في السابق، وضمن تنسيق متفق عليه.

إلا أن المستجد الذي بدأت الأصوات الإيرانية، بخاصة داخل مؤسسة حرس الثورة العسكرية، ترتفع وتطالب بتكريسه كحقيقة وواقع من المفترض أن توافق عليه الأطراف المشاركة في المفاوضات، لا سيما الطرف الأميركي، هو الاعتراف بالموقع والنفوذ الإقليمي لإيران إلى جانب دورها على الساحة الدولية، انطلاقاً من رؤية هذه المؤسسة بأن العالم لم يعد أحادي القطب، وبالتالي فعلى الولايات المتحدة التخلي عن منظومتها الأحادية والاعتراف بتعددية الأقطاب الدوليين والإقليميين.

هذا الموقف المستجد لحرس الثورة والذي يعبر عما يدور في كواليس القرار في دوائر النظام والسلطة، يصب في سياق استكمال الكلام الذي أعلنه وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان قبل أيام، والذي أكد فيه أن عودة إيران لطاولة التفاوض تأتي من أجل هدف واحد هو إلغاء العقوبات الاقتصادية الأميركية التي تسهل عملية التعاون لاحقاً في مختلف الملفات، وأن تحقيق هذا الهدف سيسهل على إيران عملية التعاون مع واشنطن والأطراف الأخرى في حل القضايا والمسائل الإقليمية، وبالتالي فإن توزيع الأدوار بين مؤسسة الحرس العسكرية ووزارة الخارجية، أي بين الميدان العسكري والإدارة الدبلوماسية، يعني إلغاء الهوامش التي تفصل بين العمل العسكري الميداني والعمل السياسي الدبلوماسي، وأن الدبلوماسية وإن كانت تسعى إلى تحقيق أهداف ومصالح إيران الاستراتيجية، إلا أنها بذلك باتت في خدمة ما حققه الميدان على الساحة الإقليمية، وتعمل من أجل تثبيت ساحات نفوذه، خصوصاً وأن هذه القيادة العسكرية رسمت أهداف التفاوض في إطار "أن الغرب ليس لديه سوى خيار واحد، وهو إنهاء تصرفاته غير المنطقية والالتزام بالحقائق والواقع، وإلغاء جميع العقوبات والاعتراف بحقيقة موقع إيران في المعادلات الإقليمية والنظام العالمي متعدد الأقطاب".

هذا السقف المرتفع الذي لجأت إليه طهران يبدو أنه جاء رداً على الجهود التي قادها المبعوث الأميركي الخاص في الملف الإيراني روبرت مالي، والقمة التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض وبمشاركة الـ "ترويكا" الأوروبية والأردن ومصر، واستثنيت منها روسيا والصين، لرسم استراتيجية التعامل مع الأزمة الإيرانية ما بعد مفاوضات فيينا، والتأكيد على وضع حد للأنشطة الإيرانية المزعزعة في المنطقة، وأن المطلوب من طهران التعامل مع مصادر القلق الدولية والإقليمية، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والحوار والتفاهم، مما يفتح الطريق أمام تعاون بناء بينها وبين هذه الدول، خصوصاً في المجال الاقتصادي.

وقد لجأ مالي إلى التعبير عن الخيارات المطروحة أمام النظام في طهران بوضوح عندما تحدث عن خيار استمرار إيران في سياسة التوتير والتصعيد النووي والأزمات، وبالتالي الإبقاء على سياسات الحصار والعقوبات، والذي لن تكون نتيجته سوى وفاة اتفاق فيينا والتصعيد المفتوح على جميع الاحتمالات، وإما العودة المتقابلة للاتفاق النووي وفتح الطريق أمام علاقات إقليمية اقتصادياً ودبلوماسياً، "وليس هناك كثير من الوقت أمام النظام لكي يختار"، وبالتالي فتح الطريق أمام الجهود الأميركية لاستقطاب حليفي إيران الروسي والصيني للسير في الضغط على طهران، على أمل الاتفاق معهما على سياسة واضحة ضد الأنشطة الإيرانية النووية كما حصل قبل عام 2015، عندما كانت تصدر قرارات مجلس الأمن بالعقوبات بإجماع كل الأعضاء الدائمين.

في المقابل، تراهن طهران على صعوبة أن تكون واشنطن قادرة على جذب موسكو وبكين إلى جانبها، خصوصاً في ظل التصعيد القائم بينها وبين هذين البلدين، فضلاً عن التحرك الإقليمي الذي تقوم به طهران في أكثر من اتجاه، لا سيما في الموضوعين العراقي والأفغاني، وما يمكن أن ينتج من ذلك من مساعدة في تسهيل الحلول على هاتين الساحتين، مما دفع واشنطن إلى محاولة بناء تحالف يضمها إلى جانب الـ "ترويكا" الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وإسرائيل، باعتباره تحالفاً دولياً لإجبارها على تقديم تنازل، في وقت تدرك واشنطن أن الهدف الذي يحرك الحكومة الإيرانية للعودة إلى التفاوض ليس سوى العمل من أجل إلغاء العقوبات والحصول على ضمانات عدم تعطيله مستقبلاً، وهو مطلب لا يمكن أن تتنازل عنه أو تساوم عليه، الأمر الذي يؤكد موقع إيران ودورها في الإقليم، مما يضيق الخيارات أمام واشنطن ويجبرها على الاعتراف بنفوذها في المنطقة والتعامل معها من هذا المنطلق.

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية