في تقرير غير مسبوق: 7 أسباب تصنع الإرهابيين في فرنسا

في تقرير غير مسبوق: 7 أسباب تصنع الإرهابيين في فرنسا


04/01/2022

هذه سابقة بحثية في فرنسا وفي أوروبا، بل سابقة مقارنة مع العديد من الدول العربية، أن يصدر تقرير يدقق في الأسباب المركبة لاعتناق شباب مسلم الحالة الجهادية، عبر تورطهم في ظاهرة التطرف العنيف، من أجل رسم خريطة شاملة حول الظاهرة.

استهدف التقرير معتقلين إسلاميين، وأشرف عليه عالم السياسة، غزافييه كروتييز، وهو بروفيسور العلوم السياسية في جامعة سانت جرمان أون لاي  بباريس، ومتخصص في سوسيولوجيا العنف السياسي والعنف الجماعي والتشدد والإرهاب، صدر له في سنة 2017 كتاب "جنود الله: أحاديث الجهاديين المعتقلين"، كما أشرف سابقاً مع الباحث لوران موكيلي على صدور موسوعة "العنف السياسي في أوروبا". وصدر التقرير الذي استعرضت مضامينه صحيفة "لوموند" في ملف خاص، بطلب من لجنة مكافحة التطرف العنيف، والمنبثقة عن الإدارة السجنية في فرنسا.

اقرأ أيضاً: إخوان فرنسا: عقود من الانتشار والتغلغل والازدواجية

شمل التقرير ثلاثة أصناف من المتشددين: معتقلون في الملف، معتقلون في حالة احتياط أو مدانون في قضايا التطرف العنيف، بعدد إجمالي وصل حتى بداية تشرين الأول (أكتوبر) 2021 إلى 454 معتقلاً، منهم 384 رجلاً و70 امرأة.

استمرت مدة إنجاز المهمة داخل السجون الفرنسية بين شهرين وثلاثة أشهر، تأسيساً على جدول بيانات جاهز سلفاً، يتعلق بحالات المعتقلين المتورطين في قضايا التطرف العنيف، ولا يشمل حالات معتقلي الحق العام من المشتبه فيهم بالتورط في الملف نفسه، وعددهم يناهز 650 حالة، وقد تميزت هذه المرحلة بإجراء حوارات مباشرة مع جميع المعتقلين المعنيين بالتحقيق، بهدف معرفة مسارهم الاجتماعي والمهني، طبيعة السوابق في الانحراف، معالم الشخصية الشخصي ومعطيات أخرى.

 

كان المحدد الاجتماعي والاقتصادي حاضراً في الأسباب المؤدية أو المغذية للتطرف العنيف

جاءت أولى الخلاصات لتؤكد أنّ الظاهرة نجدها في شتى جهات فرنسا، سواء تعلق الأمر بالمدن الكبرى (حوالي 60 في المئة من المعتقلين) أو المدن الصغيرة التي يقل عدد ساكنتها عن 30 ألفاً من المواطنين (حوالي 17 في المئة)، مع نسبة 2 في المئة لمعتقلين قادمين من البوادي.

كان المحدد الاجتماعي والاقتصادي حاضراً في الأسباب المؤدية أو المغذية للتطرف العنيف؛ إذ إنّنا نجد في ثنايا نسبة 54 في المئة القادمين من عائلات متواضعة الدخل المادي، أن 84 منها من عائلات تعاني الفقر المدقع، وبالكاد 16 في المئة فئة قادمة من وسط عائلي ميسور، ولكنها لم تسلم من تأثير الدعاية الجهادية في الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

وإجمالاً، أحصى التقرير سبعة أسباب رئيسية تقف وراء بزوغ التطرف العنيف، وجاءت كالتالي:

ــ هناك بداية تأثير الخطاب الدعوي، وتصل نسبته إلى 19 في المئة، وموزعة تفاصيله على حضور قوي لمعارف وممارسة دينية عند المعتقلين المعنيين به، والتورط السابق في ملف الاعتداء على أشخاص وممتلكات.

ــ نجد أيضاً تأثير الهشاشة النفسية، بنسبة تصل إلى 21 في المئة، وموزعة بدورها على اتجاهين: يرتبط الأول بالمرور من حالة عزلة اجتماعية، بينما يرتبط الثاني بوجود ماضٍ عائلي مضطرب.

ــ هناك كذلك دور الانحراف الذاتي البعيد عن ارتباطات تنظيمية، سواء كانت عائلية أو مرتبطة بصداقات أو منظمات، وتصل نسبة هذا المحدد إلى 18 في المئة، موزعة تفاصيلها على وجود سوابق في مشروع السفر إلى أماكن النزاع، تصفح العالم الرقمي، أو التورط في ولاءات بناءً على التعرض لصدمة نفسية.

ــ تأثير الانحراف المجتمعي وتصل نسبته إلى 11 في المئة، خاصة مع القاصرين، وضحايا الإدمان على المشروبات الكحولية والمخدرات، أو المعتقلين الذين كانت لديهم سوابق عائلية غير سوية.

 أحد المفاتيح التفسيرية التي كشف عنها التحقيق تواضع الحصيلة التعليمية للمعتقلين بأرقام أدنى بكثير مقارنة مع المعدل الوطني

ــ تأثير التذمر والاحتجاج بنسبة ناهزت 12 في المئة، وضمن هذه الخانة، نعاين مرور المعتقلين على ممارسة فنون الحرب، السفر لأماكن النزاع، أو التعرض لصدمة بسبب مشاهدة أشرطة وأخبار خاصة بالمسلمين في المنطقة، وتم التأكيد هنا على تأثير أخبار سوريا وقطاع غزة ومناطق أخرى.

ــ من الأسباب الرئيسية كذلك نجد التأثر بنزعة الذكورية بنسبة قاربت 11 في المئة، وموزعة على اتجاهين: تأثير صريح لعلاقة انصهارية مع الأم، وتعرض المتطرف العنيف لتأثير المحتوى الإعلامي والرقمي.

 

اقرأ أيضاً: البرلمان الفرنسي يناقش خطر الإخوان... وأزمة بين فرنسا والاتحاد الأوروبي بسبب هذه الجمعية

ــ وأخيراً، سبب  سابع صُنّف في خانة "العلامة الخاصة"، لأنها تهم فئة أقلية ناهزت نسبتها 8 في المئة، تتميز بامتلاك معلومات دينية متواضعة، أو ذات سوابق قضائية في توفير دعم لوجيستي يهم الظاهرة.

وضمن هذه الملفات السبعة، خلُص المشرف على التقرير، غزافييه كروتييز، في الحوار الذي أجرته معه "لوموند"، أنّ الملف الأول والخاص بالشق الدعوي يبقى الأكثر حضوراً والأكثر إثارة للقلاقل؛ لأنّ الأمر يهم فاعلاً مؤمناً بقضية ومنخرطاً فيها، إضافة إلى أنه في الحالة الفرنسية، يرفض الدولة والجمهورية، وليس صدفة أن يكون الفاعل النضالي الأكثر تنظيماً والأكثر تورطاً في حالات الاعتداءات على الأشخاص والممتلكات.

بخصوص تأثير وجود الأطفال على احتمال النزوع نحو التشدد الديني والانضمام للحالة الجهادية، لاحظ غزافييه كروتييز أنّه بشكل عام، غالباً ما نعاين غياب الأطفال لدى الرجال المتورطين في قضايا الإرهاب ــ كما لاحظ ذلك مثلاً مع مجموعات اليمين المتطرف واليسار المتطرف أو المجموعات الانفصالية في إقليم الباسك أو إيرلندا ــ ولكن الجديد مع الحالة الجهادية في فرنسا، وجود عائلات لديها أطفال، كما لو أنّ الانخراط هنا عائلي وليس شخصياً، مع حضور تأثير قوي للأم، وأحياناً يتعلق الأمر بالأخت الكبرى، وتفسير ذلك مرتبط بمحددين: إما رغبة نسائية في إثبات الوجود أو رغبة في الفرار من الواقع.

من مفاجآت التقرير عدم دقة الخطاب السياسي السائد بفرنسا حول دور الانحراف المجتمعي بتغذية الحالة الجهادية

كما قلّل غزافييه كروتييز من تأثير العامل النفسي؛ لأنه كان متواضعاً في الخلاصات، بخلاف الأمر مع تأثير حالات الإدمان على الكحول والمخدرات، والتي ناهزت 28 في المئة مع أن المعدل الوطني يناهز 20 في المئة.

من مفاجآت التحقيق أيضاً، التقليل من الخطاب السياسي السائد في فرنسا بخصوص دور الانحراف المجتمعي في تغذية الحالة الجهادية؛ حيث اتضح أنه محدد نسبي وليس محدداً مفصلياً، بدليل إنه ضمن 353 حالة من ملفات التحقيق، اتضح أننا لا نجد أي أثر لانحراف مجتمعي في ملف 245 حالة. كما تمّ التقليل من تأثير عامل الهجرة؛ حيث كان متواضعاً جداً، وهذه نتيجة تؤكد بعض القراءات البحثية التي صدرت خلال العقد الماضي بخصوص مسؤولية الوسط المجتمعي والمحيط العائلي والنهل الديني والظروف الاقتصادي، مقارنة مع تأثير عامل الهجرة.

 

اقرأ أيضاً: فرنسا وحديث الإسلاموفوبيا من جديد

أحد المفاتيح التفسيرية التي كشف عنها التحقيق، تواضع الحصيلة التعليمية للمعتقلين، بأرقام أدنى بكثير مقارنة مع المعدل الوطني، وخاصة نسبة نيل شهادة الثانوية العامة، أو البكالوريا، ومن بين التفسيرات التي أوردها غزافييه كروتييز أنّ هذا النقص التعليمي يعوضه المتطرف العنيف في النهل من العلوم الإسلامية، كتعويض عن تواضع النهل في المؤسسات التعليمية الجامعية.

من بين أرقام التقرير، نقرأ أنّ 65 في المئة من المعتقلين لا تتوفر له معرفة بالأوضاع السياسية والجيوسياسية للشرق الأوسط، 46 في المئة أكدوا أنهم مروا من حالة صدمة بسبب الانتماء للمسلمين في الساحة الفرنسية، 75 في المئة ينتمون إلى عائلات من أصول مسلمة، و25 في المئة من معتنقي الإسلام.

 

اقرأ أيضاً: هل صار ماكرون وفرنسا عقدة أردوغان؟

بخصوص الحصيلة الدينية لدى المعتقلين؛ أي المعلومات الدينية المتوافرة لديهم، بصرف النظر عن طبيعتها، فكانت الأرقام دالة، منها أنّ 46 في المئة عند فئة من المعتقلين، نهلوا المعلومات الدينية من العائلة، واصطلح عليه غزافييه كروتييز بـ"الإسلام الثقافي البعيد عن التورط في الحالة الجهادية"؛ ثم 27 في المئة جاء نهلها الديني من دور العباد؛ أي المساجد، مقابل 17 في المئة كان أصل نهلها الديني إما من علاقات الصداقة أو من التردد على العالم الرقمي، 7 في المئة كان أصل النهل يهم الارتباط الزوجي. وضمن مجمل المعتقلين، اتضح أن 54 في المئة لديهم معلومات دينية متواضعة أو ضعيفة.

 لا مفر من مراقبة مضامين مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، خاصة أن الأمر لا يهم الحالة الجهادية وحسب

في ما يتعلق بممارسة الصلاة والشعائر الدينية، اتضح أنّ حوالي 43 في المئة من المعتقلين يمارسون الشعائر بشكل منتظم، مقابل غيابها لدى 5 في المئة، ونسبة 28 في المئة لدى فئة تمارسها بشكل متواضع، أو تمارسها بشكل متقطع مع فئة رابعة ناهزت نسبتها 24 في المئة.

نأتي لأسباب الانحراف نحو الحالة الجهادية عن المعتقلين المعنيين بالتحقيق، حيث نجد أنّ دور العالم الرقمي وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي حاضر بقوة، بحيث يصل إلى 70 في المئة، بما يُفسر المتابعات البحثية التي تسلط الضوء خلال السنوات الأخيرة على ظاهرة الجهاد الرقمي، وميزته الرهان على مواقع التواصل الاجتماعي وليس الرهان على العمل الميداني تحت إطار جماعة أو تنظيم.

اقرأ أيضاً: ما هي مسؤولية العثمانيين عن احتلال فرنسا للجزائر؟

ضمن الأسباب أيضاً، نجد أنّ 53 في المئة من المعتقلين المعنيين، طرقوا الحالة الجهادية بسبب علاقات الصداقة، أو بسبب تأثير المنظمات والجمعيات وصالات الرياضة، مع حالة 29 في المئة، أو جاء اعتناق التطرف العنيف عبر بوابة العائلة، وناهزت النسبة هنا 25 في المئة.

بخصوص التوصية الأهم التي يقدمها غزافييه كروتييز على ضوء قراءة خلاصات التحقيق والتعريف بحيثياته للمسؤولين والرأي العام، فقد اعتبر أنه لا مفر من مراقبة مضامين مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، خاصة أنّ الأمر لا يهم الحالة الجهادية وحسب، وإنّما يهم حتى ظواهر مجتمعية أخرى من قبيل التحرش التعليمي، كما اقترح تكوين مؤطرين دينيين لكي ينخرطوا في التصدي لخطاب الإسلاميين في ضواحي المدن الفرنسية، لولا أنّ هذا أمر مستبعد في قراءات وخيارات الحكومة الفرنسية، على حد قوله.

اقرأ أيضاً: إغلاق مساجد في فرنسا هل يمنع التطرف؟

من المتوقع أن يكون للتقرير ما بعده أوروبياً وعربياً على حد سواء، بل قد يكون سبباً في صدور مراجعات بخصوص تدبير ظاهرة التطرف بحكم تحقيق هذا السبق الفرنسي في القراءة البحثية والمدققة في الظاهرة، بشكل لم يسبق أن عايناه من قبل، ولو توقفنا عند الحالة المغربية مثلاً، ورغم تحقيق مجموعة تراكمات قامت بها مؤسسات حقوقية ودينية وغيرها، بل وصل الأمر مؤخراً إلى درجة صدور كتاب جماعي حول "تفكيك التطرف العنيف" تحت إشراف مؤسسة دينية، إلا أنه لم يتم حتى حدود اللحظة إنجاز دراسة مفصلة على غرار التدقيق والتفصيل الذي جاء في التحقيق أعلاه، والأمر نفسه نعاينه في تفاعل العديد من دول المنطقة العربية مع ظاهرة التطرف العنيف.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية