في ذكرى وفاته... مارسيل خليفة يُحيي "جدارية" محمود درويش

في ذكرى وفاته... مارسيل خليفة يُحيي "جدارية" محمود درويش


09/08/2022

كشف مارسيل خليفة عن عمله الضخم على "جدارية" الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، التي يعمل عليها خليفة منذ عام ونصف.

وتحلّ اليوم 9 آب (أغسطس) الذكرى الـ 14 لرحيل محمود درويش، وهي مناسبة ليكشف خليفة الذي غنّى ولحّن من شعره "أحن إلى خبز أمي"، وغيرها من الروائع، عن عمله الضخم من وحي "الجدارية" التي نشرها الشاعر الفلسطيني الراحل قبل أكثر من (20) عاماً.  

وفي حديث لـ"الشرق الأوسط" يقول خليفة: "قد يذهب الماضي والحاضر والمستقبل، لكنّ (الجدارية) تخطف كل ذلك، وتزّف الزمن في موكب المعنى والصور".

يعود المؤلّف الموسيقي وعازف العود اللبناني إلى البدايات، منتصف سبعينات القرن الماضي، حين قرأ موسيقياً للمرة الأولى قصائد درويش الأولى، ثمّ تحولت بعد حين إلى "نشيد وطني".

ويوضح: "حين رحتُ ألوّن (الجدارية) بقلم الرصاص، بدأتُ اقترافَ الخطيئة"، مضيفاً: "أرهقتني الجدارية، وعذبتني، وأذاقت جفني السهاد. قرأتُها من (20) عاماً وطويتها، ثم عادت اليوم بإلحاح لم أستطع لجمه لتوقظ السؤال عن الفارق بين المدى والصدى".

لا يرفع خليفة رأسه عن المخطوطة ليشرب من الكوب "رشفة" ماء، يجلس لساعات رغم ضجيج العالم الذي يخرق الصمت "أغلقُ على الخارج الأذنين، وأفتح العينين، وأجرّد نفسي عن المكان،  أعيد قراءة كل فقرة ثالثة ورابعة لأدرك كنه الأشياء".

 خليفة: قد يذهب الماضي والحاضر والمستقبل، لكنّ (الجدارية) تخطف كل ذلك، وتزّف الزمن في موكب المعنى والصور

قرأ في "الجدارية" اسمه: مارسيل بن ميشال وماتيلدا من حي "العَرْبة" ببلدة عمشيت الساحلية، "وقرأتُ فيها لوحة الحياة والموت، لأوقد شمعة في عتمة فراغ مُجهد، ولأهَب المعنى للأشياء وأقهر خوفي المدفون لئلا يضيع مني الليل وتنسدل الجفون، وحتى لا يحاصرني طويلاً فتطاردني الظنون، وحين أتعب أعود أقرأ، ثم أكتب، وهكذا دواليك".

بوفاء، يذكر خليفة مَن فارقنا في مثل هذا اليوم: "عندما يصدح صوت درويش تطمئن إلى أنّ الزمان ما يزال حياً، وحظه في البقاء أطول. صوتُه سيأتي كسحابة تعبُر، وعلى الموسيقى أن تعرف كيف تجعل السحابة غمامة، وتبعث في كثافتها الرغبة في التحوّل إلى (مطر ناعم في خريف بعيد)، كي تسقي المعنى الظامئ إلى ما يجعله معنى".

بوفاء، يذكر خليفة مَن فارقنا في مثل هذا اليوم بالقول: عندما يصدح صوت درويش تطمئن إلى أنّ الزمان ما يزال حياً، وحظه في البقاء أطول

ولصوت درويش عنده مفعول السحر، ويقول: "يَفتِنُ ما فاض عن حاجة التعبير. كان لا بدّ لهذه الملحمة الشعرية الموسيقية الغنائية من هواء هو إيقاع صوت درويش، يتسلّل ليروّضه على تنظيم معنى يهيم في (الجدارية)، وهي تخرج مع صوته من بطن الموت، وينضج المعنى، وتتقاطر الصور الموسيقية، صوتان يتبادلان الحب والجمال... الحياة والموت".

وكان خليفة قد كشف في وقت سابق عن رغبة درويش بوضع موسيقى للجدارية، عندما شاركه كما يقول بأمسيتين، قرأ فيهما درويش من الجدارية: "الأولى في قاعة الأونيسكو بباريس، والثانية والأخيرة في قصر الأونيسكو ببيروت في نهاية عام 1999".

وأضاف خليفة: "كنت أريد أن أكفّ عن عبث الغربة والحَجْر المنزليّ المتكرّر والصارم، وأخترع لنفسي حالة "خَلق" في زمن الضجيج والوحشة والغياب".

باح خليفة لمتابعيه: "في نفسي جنون مضاء مهما ضيق على الفلك مساحتي، فكانت الجدارية وجنائنها الواسعة والشاسعة تتسّع لخطوة الحضور وخطوة الغياب، فبدأت بكتابة الموسيقى وتنقيحها من عبث أقوى من بياض الكلمة والنوتة الذي لا ينتهي".

وصدرت الجدارية، في طبعتها الأولى عام 2000، وفيها تجربة مواجهة الشاعر للموت، عندما يعلن: "هزمتك يا موت الفنون جميعها".

وسبق أن تمّت مسرحة الجدارية، وقُدّمت في فلسطين، وفي بلاد أخرى، ويتذكر محبو خليفة ودرويش عملهما المشترك أحمد الزعتر، وهي مغناة اعتُبرت من أبدع ما قدّمه خليفة في الموسيقى.

يُذكر أنّ محمود درويش المولود في 13 آذار (مارس) من العام 1941 يُعدّ أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب والعالميين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، ويُعتبر أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه.

توفي في الولايات المتحدة الأمريكية يوم السبت 9 آب (أغسطس) 2008، بعد إجرائه عملية القلب المفتوح في مركز تكساس الطبي في هيوستن، تكساس، التي دخل بعدها في غيبوبة أدت إلى وفاته.

وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الحداد (3) أيام في كافة الأراضي الفلسطينية حزناً على وفاة الشاعر الفلسطيني، واصفاً درويش بـ "عاشق فلسطين"، و"رائد المشروع الثقافي الحديث، والقائد الوطني اللامع والمعطاء".

وقد ووري جثمانه الثرى في 13 آب (أغسطس) في مدينة رام الله، حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي، وتم الإعلان أنّ القصر تمّت تسميته "قصر محمود درويش للثقافة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية