في ظل احتكام حزب الله إلى السلاح... هل ينعش اللبنانيون ثورتهم؟

في ظل احتكام حزب الله إلى السلاح... هل ينعش اللبنانيون ثورتهم؟


17/10/2021

يحيي اللبنانيون اليوم ذكرى مرور عامين على ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) التي انطلقت فيها تظاهرات شعبية مناوئة للسلطة ومطالبة برحيلها تحت شعار "كلن يعني كلن"، في وقت تشهد فيه البلاد اشتباكات مسلّحة تنذر بعودة الحرب الأهلية التي اكتوى بنارها كل اللبنانيين على اختلاف طوائفهم.

اقرأ أيضاً: "حزب الله" وحماية نفوذ إيران في المنطقة

لبنان في هذه الأيام يتخبّط بأسوأ أزماته الاقتصادية والسياسية، بفعل سياسات حزب الله اللبناني، الذي احتكم في الكثير من المناسبات لقوى السلاح لفرض وجهة نظره دون الاكتراث بمعاناة اللبنانيين الشيعة والسنّة والمسيحيين.

فخلال العامين الماضيين اقترب لبنان من الانهيار الكامل سياسياً ونقدياً ومالياً واقتصادياً، وباتت التركيبة المافياوية التي يقوم عليها بعض أقارب الرئيس عون، بالاشتراك مع حزب الله، هي المقاومة لأيّ إصلاح وتغيير.

والمشكلة أنّ حواجز التعطيل ما تزال قوية، فما تعرضت له الثورة هو مزيج من "الاحتواء والقمع"؛ الاحتواء قام به الذين أوحوا أنهم مع مطالب الثورة، ثم عملوا على تطويقها، وادعاء التفريق بين عناصر معتدلة وعناصر متطرفة، والقمع قامت به السلطة الحاكمة والمتحكمة، وأقوى سلاح في أيدي السلطة هو تحريك العصبيات الطائفية والمذهبية التي تشل العقول وتطلق الغرائز في مواجهة كل شيء، حتى الجوع وانهيار الليرة وفقدان الدواء، وفق مقالة للكاتب رفيق خوري في "الإندبندت" العربية.

 

لبنان يتخبّط بأسوأ أزماته الاقتصادية والسياسية، بفعل سياسات حزب الله الذي احتكم في الكثير من المناسبات لقوى السلاح لفرض وجهة نظره

 

اليوم تستعد مجموعة من الناشطين لإعادة إحياء "نبض الشارع" بالتزامن مع ذكرى اندلاع "الثورة"، لأنّ ما بدأ قبل عامين لم يصل إلى خواتيمه، ولأنّ الطبقة السياسية تحاول تعويم نفسها مجدداً، على حد تعبيرهم.

ولذلك، يشهد وسط العاصمة بيروت منذ مطلع الشهر الجاري وقفات احتجاجية يومياً من جانب مجموعة من الناشطين، استعداداً ليوم 17 تشرين الأول (أكتوبر)، يستحضرون خلالها الشعارات والهتافات ذاتها التي رفعوها قبل عامين.

اقرأ أيضاً: خطأ حزب الله وتحولات لبنان

ومع أنّ عدد المشاركين في الوقفات اليومية خجول جداً مقارنة بالسابق، فإنّ القائمين على تلك التحركات يأملون بمشاركة شعبية أوسع في الأيام المقبلة وتحديداً اليوم، بحسب ما قال الناشط سمير سكاف، في تصريح نقلته وكالة الأناضول.

 

رفيق خوري: أقوى سلاح في أيدي السلطة هو تحريك العصبيات الطائفية والمذهبية التي تشل العقول وتطلق الغرائز في مواجهة كل شيء

 

ويوضح سكاف أنّ هناك سعياً من جانبهم من أجل إعادة النبض إلى الشارع، بعدما انقطع مؤخراً على وقع جائحة كورونا والأزمة المعيشية اللتين أبعدتا الناس عن الساحات.

ويضيف أنه في 17 تشرين الأول (أكتوبر) سيجدد المحتجون مطلبهم بتغيير هذه الطبقة السياسية، لأنها هي المشكلة في البلاد، وبالتالي لا يمكن أن تكون جزءاً من الحل، مشبهاً تأليف الحكومة بأنها عملية تخدير للشعب اللبناني.

ويشير سكاف إلى أنّ تأليف الحكومة تم بناء على المحاصصة المذهبية المعهودة، ووفق نهج الفساد المتبع في الحكومات السابقة، مضيفاً أنّ الطبقة السياسية الحالية لا يمكن أن تغير شيئاً من الواقع، وأنّ تغييرها هو الحل.

 

سكاف: المحتجون سيجددون مطلبهم بتغيير الطبقة السياسية، لأنها هي المشكلة في البلاد، ولا يمكن أن تكون جزءاً من الحل

 

من جهته، قال الأستاذ الجامعي والناشط السياسي باسل صالح: إنّ "هناك محاولة لإعادة إنتاج النظام ذاته وتعويم الطبقة السياسية ذاتها، بموافقة دولية وبضوء أخضر فرنسي من خلال "المبادرة الفرنسية".

وهذه المبادرة أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من بيروت، بعد أيام من انفجار ضخم في مرفأ العاصمة، ومن أبرز بنودها تشكيل حكومة جديدة، على أن تتبع ذلك إصلاحات إدارية ومصرفية، لكنّ أطرافاً سياسية لبنانية عدة اعتبرتها "تدخلاً مرفوضاً" في شؤون بلادهم.

لكن ما هو واضح حتى اللحظة أنه لا يمكن إعادة إنتاج النظام ذاته، لأنّ مداميكه الأساسية انهارت، كالمصارف ومرفأ العاصمة، وبالتالي الصيغة التي كانت قائمة منذ الاستقلال عام 1943 انتهت، بحسب صالح.

اقرأ أيضاً: حزب الله.. "عصا إيران" لبسط إرهابها بالعالم

ويضيف: "من الواضح أنّ البلاد ذاهبة نحو مواجهات أعنف وأكثر راديكالية، لأنه لا يوجد نية فعلية بإصلاح جذري، وكل ما في الأمر أنّ هناك محاولة ترقيع للنظام الذي هو في الأساس منهار".

 أمّا المواطنة ألفيا صغبيني، التي تشارك في الوقفات الاحتجاجية اليومية، فتستبعد أن يتكرر مشهد الحشود في الساحات كما حدث قبل عامين، وتقول إنّ السلطة تتصرف وكأنّ شيئاً لم يكن، وتحاول إنتاج نفسها مجدداً، ولكن بأوجه جديدة.

 وتلفت إلى أنه "بعد الانتفاضة وتفجير المرفأ، اعتقدنا أنّ المسؤولين سيغيّرون أداءهم، لكن للأسف لم يحصل ذلك، وهذا ما سبب فقدان اللبنانيين لأدنى مقومات الحياة".

 من جهتها، نقلت شبكة الحرة مقالة للكاتب فارس خشان يقول فيها إنّ ما سُمّي باشتباكات الطيونة، أظهرت حقيقة متظاهري "حزب الله" و"حركة أمل" الذين تحوّلوا بسرعة إلى مسلّحين.

 

فارس خشان: إنّ ما سُمّي باشتباكات الطيونة، أظهرت حقيقة متظاهري "حزب الله" و"حركة أمل" الذين تحوّلوا بسرعة إلى مسلّحين

 

 وقالت المقالة: إنه لم تكن الدماء المراقة، ولا العائلات المرتعبة، ولا التلامذة المختبئون في أروقة مدارسهم، ولا البلاد المنقادة إلى مواجهات تعيد شبح الحرب الأهلية إلى الواجهة والذاكرة، لم تكن تعنيهم، وحده "تدحرج" رأس المحقق الذي طالب به الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله كان يسكن هواجسهم.

 رسالة هؤلاء، حتى قبل أن ينجحوا في استقطاب اشتباك مسلّح مع أبناء المنطقة التي دخلوا إليها بصراخ مذهبي وبشعارات طائفية وبسلوك ترهيبي، كانت واضحة لا لبس فيها: نريد رأس البيطار، سواء على طبق مجلس الوزراء أو في نيران الشارع.

 المصيبة الوطنية، في هذه الحالة، مزدوجة، فـ"حزب الله" وتابعته "حركة أمل" ليسا قوتين معارضتين، كما هي عليه حال حزب "القوات اللبنانية" المشتبه به في التصدّي لفئة تخريبية من المتظاهرين، بل هما قوتان أساسيتان ليس في تشكيلة الحكومة فحسب بل في صناعتها أيضاً.

اقرأ أيضاً: كيف وسع حزب الله تغلغل إيران في دول الشرق الأوسط؟

 وذهاب "الثنائي الشيعي" إلى الشارع من أجل الضغط على الحكومة التي هما ركنان أساسيان فيها يعني أنّهما كشفا ما كان قد بقي مستتراً من وجهيهما الحقيقيين: نحن مع هذا النظام عندما يخضع لأوامرنا، ونحن أعداؤه إذا ما تردّد في تنفيذ ما نطلبه.

 وأضاف خشان: وهذه الحقيقة المرّة التي تعرفها غالبية اللبنانيين وتتجاهلها غالبية السياسيين، هي "أمّ الكوارث" التي يعاني منها لبنان ويتكبّد اللبنانيون أثمانها الغالية.

 إنّ فكرة بناء دولة بالاشتراك مع "حزب الله" هي وهم كبير، سبق أن شرحه بالتفاصيل الدقيقة أوّل رئيس إيراني بعد "الثورة الخمينية" أبو الحسن بني صدر، في كتابه: "مؤامرة الملالي".

 إنّ "حزب الله" بطبيعته التكوينية لا يقبل شركاء، بل يريد تابعين، يمكن أن يتقبّل بعض المختلفين عنه لفترة زمنية "طارئة"، لكنّه سرعان ما ينقلب عليهم ويحوّلهم إلى منفيين أو معتقلين أو قتلى، لا يمكنه أن يتحمّل "كسر كلمته"، فهو عندما ينطق يأمر، وهو عندما يأمر، يزعم أنّه يُنفّذ إرادة سامية.

 

خشان: ذهاب حزب الله و"حركة أمل" إلى الشارع كشف ما كان مستتراً من وجهيهما الحقيقيين: نحن مع هذا النظام عندما يخضع لأوامرنا، وأعداؤه إذا لم ينفذ ما نطلبه

 

 ولأنّه كذلك، فهو محكوم بتنمية قدراته العنفية، يعرف أنّ المجتمع يستحيل أن يتقبّل رؤاه، ولذلك، فإنّه يعمل بلا هوادة على إخضاعه بالقوة، وليس من قبيل المصادفة أنّ "حزب الله"، وأمام كلّ تحدٍّ ذي طبيعة قضائية، يأخذ الاشتباك الشارعي والسياسي والطائفي حتى مداه الأقصى، وفق خشان.

 وقال خشان : في الواقع، إنّ اللبنانيين هم ضحايا خطأ منهجي محلي ودولي، فحزب الله  ليس حزباً طبيعياً يمكن شبك الأيادي معه لإنقاذ لبنان، بل هو تنظيم مسلّح لا يمكن أن يؤمّن استمراريته إلّا على ركام الدولة وأشلاء الشعب وإنهاء الشركاء.

 بالنسبة إلى الناشط السياسي البارز واصف الحركة، فإنّ مسار 17 تشرين الأول (أكتوبر) هو عملية تغيير طويلة، وفي هذا المسار تتحقق الأهداف في النضال الحقيقي والمواجهة الحقيقية.

اقرأ أيضاً: كاد المريب أن يقول خذوني: هل فجّر حزب الله ميناء بيروت؟

  بما أنّ هذا النظام الطائفي لا يولّد إلا الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والحروب الأهلية، طبعاً، يقول الحركة: "هدفنا سيبقى بناء دولة المواطنة المدنية ودولة ديمقراطية وعادلة بمفاهيمها القضائية والاجتماعية".

  ومع ذلك، يخالف الحركة القول إنّ الانتفاضة أضاعت البوصلة، "فالمسار الأساسي واضح...، صحيح أنّ الذي حدث يوم الخميس الماضي ألقى بظلاله على البلد بشكل عام، ولكنّ هذا لا يغيّر القناعات الأساسية التي نناضل من أجلها، وفق صحيفة النهار.

 بدوره، أكد الناشط السياسي والعضو المؤسس لحزب "تقدم" مارك ضو أنّ ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) انطلقت من أجل بناء دولة، بينما أحداث 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 جددت المواجهة بين الميليشيات، في محاولة من الأحزاب الطائفية لإعادة توجيه الاشتباك السياسي نحو صراع طائفي.

 

الحركة: هدفنا سيبقى بناء دولة المواطنة المدنية ودولة ديمقراطية وعادلة بمفاهيمها القضائية والاجتماعية

 

 وينبّه ضو إلى أنّ "أحزاب السلطة، ولا سيّما "حزب الله"، تحاول بقدر المستطاع استغلال الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية وحتى انفجار مرفأ بيروت، للتشويش على القوى التغييرية التي تطرح معادلة سياسية جديدة تخيّر اللبنانيين بين بناء دولة من جهة وحكم المافيا والميليشيات من جهة أخرى".

وما تزال سفيرة لبنان السابقة في الأردن تريسي شمعون متفائلة بإمكان تكرار مشهد 17 تشرين الأول (أكتوبر) وبزخم أكبر.  

 وهي تستند في تفاؤلها إلى أنّ أهداف الثورة، وهي محاكمة الفاسدين وبناء لبنان العدالة والكرامة وبسيادة حرة، هي مبادئ لم ولن تتغير مهما تغيرت الظروف.

  وترفض الاتهامات للانتفاضة بالانهيار الماضي، قائلة إنّ "الثورة أظهرت حقيقة الوضع المالي المنهار في لبنان، وفضحت الفساد والطبقة الحاكمة التي كانت تغطي الوضع المهترئ لكي تستطيع سرقة ما تبقى من أموال في الدولة وصولاً إلى بيع الذهب الذي هو حماية اقتصادنا وماليتنا العامة"، مذكّرة بأنّ تقارير البنك الدولي والهيئات المالية الدولية كانت تحذّر منذ عام 2015 من الوضع المالي، ولم يتحرك أحد من المنظومة الحاكمة، بل بالعكس كانوا يحاولون إخفاء معالم جريمتهم.

اقرأ أيضاً: هل حلّ حزب الله أزمة الوقود في لبنان؟.. هذا ما كشفه نائب إيراني

 وكان "حراك تشرين" بالنسبة إلى رئيس الهيئة التنفيذية لمجموعة "خط أحمر" وضاح صادق معارضة حقيقية أولى من نوعها في تاريخ لبنان، وهو يرفض القول إنها اندثرت، كاشفاً عن "توجه 3 مجموعات من الثورة (تقدم، لقاء تشرين، خط أحمر) للتوحد في حزب واحد، سيعلن عنه في الأسابيع المقبلة".

 وفي المقابل، يرى صادق أنّ أحداث 14 تشرين الأول (أكتوبر) في منطقة الطيونة   تعكس أزمة كبيرة للأحزاب التي رفضتها الانتفاضة، لذلك "هي تحاول إظهار نفسها كمدافعة عن طوائفها"، مشيراً إلى "اصطفاف مذهبي وراء حزب الله وحركة أمل، واصطفاف للمسيحيين، الذين يشعرون بأنهم مهددون، وراء القوت اللبنانية"، وينبه إلى "محاولة دفن التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت من خلال الدم الذي سقط في أحداث 14 تشرين الأول (أكتوبر)". 

 الناشط في حراك "شباب 17 تشرين الأول (أكتوبر)" سعد ضاوي يقول: إنّ "المشهد الجامع والعابر للطوائف الذي عرفه لبنان قبل عامين، خسره لبنان بسبب أحزاب السلطة التي تريده أن يبقى بقعة طائفية لكي تفرض نفسها أكثر.

 

ضو: أحزاب السلطة، ولا سيّما "حزب الله"، تحاول استغلال الأزمات، للتشويش على القوى التغييرية التي تخير اللبنانيين بين بناء دولة وحكم الميليشيات

 

 وعن أعمال العنف في أحداث يوم الخميس الماضي في منطقة الطيونة، يشير ضاوي إلى أنها "تمثل بطبيعتها وعادتها الطبقة الحزبية المجرمة المسيطرة على لبنان وبالتنسيق في ما بينها"، مؤكداً "ثبات أهداف الانتفاضة، والانتصارات في حرم الجامعات والنقابات خير دليل على التوجه نحو التغيير".

عضو المكتب السياسي في تنظيم "تحالف وطني" المحامي وائل همام يؤكد أنّ "يوم 17 تشرين الأول (أكتوير) مفصلي في تاريخ لبنان، فهو اليوم الذي تجسّد فيه عند جميع المواطنين اللبنانيين رفض منطق الطائفية والمذهبية".

 وقارن بين أحداث بيروت الأخيرة وانتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر)، قائلاً: إنّ "منطق أحداث 14 تشرين الأول (أكتوبر) هو منطق حرب، ودولة ميليشيات، وحكم أمراء حرب، في حين ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) هي ثورة شعب حر، لا طائفي، تنادي بقيام جمهورية مبنية على أسس المواطنة والعدالة".

ويعبّر همام عن تمسكه بأهداف ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر)، ويرى أنّ الثورة تراكم مكاسبها تحضيراً للانتصار الكبير في الانتخابات، ولا يستبعد خروقات كبيرة في الانتخابات النيابية، على خطى "تشرينيي" العراق. ويقول إنّ "الجامعات والنقابات جميعها أصبحت تشرينية، ويبقى المجلس النيابي والبلديات، و27 آذار (مارس) يوم الانتخابات سيكون تكريماً لشهداء ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر)، وتتويجاً لدماء وتعب وسهر الثوارعلى مدى عامين".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية