كيف تستغل التنظيمات المتطرفة مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها؟

كيف تستغل التنظيمات المتطرفة مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها؟

كيف تستغل التنظيمات المتطرفة مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها؟


16/01/2024

طورت التنظيمات الإرهابية أنشطتها كثيراً خلال الأعوام الماضية، وباتت تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة في الكثير من أعمالها؛ مثل: التجنيد، والتدريب، والتواصل مع أتباعها وداعميها والمتبرعين لها، وهي القضايا التي باتت تثير القلق مؤخراً.

تقوم أيضاً بعض التنظيمات الإرهابية بما يُسمّى "إرهاب الإنترنت"، وهو استخدام الإنترنت بوصفه وسيلة يمكن من خلالها شنّ هجوم إلكتروني، وتنفيذ أعمال إرهابية إلكترونية تخريبية، واختراق أنظمة الأمن والمعلومات، وزراعة الفيروسات القوية.

ومن أبرز وسائل التواصل الاجتماعي: (فيسبوك) و(تويتر) و(إنستغرام) و(تليجرام) و(واتس آب) و(Club House) الذي ظهر مؤخراً واستخدمته جماعات إرهابية مثل؛ جماعة الإخوان المسلمين، وقد انتشرت تلك الوسائل على مستوى العالم كله، ولم يقتصر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الجانب الاجتماعي بين الأصدقاء فقط، وإنّما كان له بُعْدٌ آخر تمثَّل في تكوين الرأي العام والتأثير في اتجاهاته، واتخاذ المواقف والآراء نحو القضايا المهمة والأحداث الحاصلة في العالم.

قضية كتب عنها (مركز تريندز للبحوث والاستشارات) دراسة بعنوان "توظيف الجماعات المتطرفة لوسائل التواصل الاجتماعي... الآليات وسبل المواجهة"، أشار فيها إلى نجاح عدّة تنظيمات إرهابية ومتطرفة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع لنشر أفكارها وتوجهاتها، فضلاً عن استخدامها في تهديد أمن واستقرار بعض الدول والمجتمعات،  إلى جانب استقطاب المزيد من المتطرفين إلى صفوفها.

أهمية وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى المتطرفين

ذكرت الدراسة أنّ العوامل المهمة التي شجّعت التنظيمات الإرهابية على التوسع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها والتحريض على العنف والإرهاب، هي غياب القواعد والمعايير المنظمة لوسائل التواصل الاجتماعي وإمكانية الانتشار من خلال ما يُسمّى (الحسابات الوهمية)؛ حيث يعتبر غياب المعايير المنظمة لوسائل التواصل الاجتماعي من أهم وأبرز وسائل انتشار الجماعات المتطرفة.

طورت التنظيمات الإرهابية أنشطتها كثيراً خلال الأعوام الماضية، وباتت تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة في الكثير من أعمالها

هذه الوسائل - حتى اليوم - لم تحظَ بمعايير تنظّم النشر من خلالها أو تضع معايير محددة للمادة المنشورة لمحاولة منع أيّ نشر للفكر الإرهابي المتطرف، وهذا ما ساعد هذه الجماعات على استقطاب عناصر من جنسيات مختلفة، بعضهم لديه قدرات إعلامية وفنية وتكنولوجيا، ومن هنا استطاعت هذه الجماعات أن تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي لأنّها أكثر شيوعاً وأقلّ أمناً، لذلك تمكنت هذه الجماعات من توظيف أدواتها الإعلامية عبر هذه الوسائل لبثّ مقاطع فيديو وغيرها من المواد الإعلامية المتطرفة.

 

أبرز وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك) و(تويتر) و(إنستغرام) و(تليجرام) و(واتس آب) و(Club House). 

 

كما أنّ إمكانية الانتشار من خلال ما يُسمّى "الحسابات الوهمية" كان أهم أسباب الانتشار لهذه الجماعات أيضاً؛ فقد تمكّن أعضاء هذه الجماعات المتطرفة من خلالها تكثيف وجودهم وأعدادهم على وسائل التواصل الاجتماعي ليكسبوا تأييداً أكبر من متابعيهم، وليشكّلوا من خلال ذلك قوة إعلامية؛ نظراً لإدراك تلك التنظيمات العدد الهائل من مستخدمي هذه الوسائل، وتشير بعض التقارير إلى أنّ أكثر سكان الكرة الأرضية لديهم حسابات عليها ويقومون بمتابعة منشورات هذه الجماعات عن طريق الهاشتاغات التي تفعّلها الجماعات المتطرفة، وذلك ليقوموا بنشر عملياتهم الإرهابية والترويج لها عبر هذه الوسائل.

لماذا تزايد اعتماد التنظيمات المتطرفة على مواقع التواصل الاجتماعي؟

العامل الرئيسي في انتشار الفكر المتطرف عبر الفضاء الإلكتروني، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب الدراسة، يكمن في الخطابات المتشددة والمتنوعة التي تطرحها التنظيمات لاستقطاب عناصر جديدة، أو على الأقل خلق مجموعات متعاطفة معها، تأخذ على عاتقها نقل تلك الأفكار إلى المجتمعات التي تعيش فيها.

 بل انتقلت بعض التنظيمات على غرار تنظيم (داعش) إلى محاولة نشر أفكارها المتطرفة وتوجهاتها العنيفة من خلال استغلال الألعاب الإلكترونية، وخاصة الألعاب الحربية القتالية الأكثر شهرة على مستوى العالم، بإعادة تصميم أجزائها، وتضمينها تعديلات برمجية لإضافة الصور والأصوات التي يروّج لها التنظيم، مثل الأناشيد التي تدعو إلى العنف والإرهاب؛ ليخلقوا بذلك جنوداً موالين لهم في العالم الافتراضي.

 

يعتبر غياب المعايير المنظمة لوسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم وأبرز وسائل انتشار الجماعات المتطرفة.

 

إلى ذلك، وظّفت الجماعات المتطرفة وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف ونشر المحتوى الإعلامي المتطرف لها، خاصة أنّ هذه المواقع الآن أصبحت من أسهل ما يكون، وذلك عن طريق التواصل بين مجموعة من الأفراد أو المجموعات المتطرفة من أجل استقطاب أعضاء آخرين من خارج فئاتهم التقليدية أو من بلاد أخرى.

الجماعات المتطرفة توظّف أيضاً هذه الوسائل الاجتماعية لتروّج لنظريات المؤامرة، حيث إنّ تلك النظريات تُعدّ من العوامل المهمة في استقطاب عناصر جديدة وخلق مجموعات موالية ومتعاطفة، كونها تروّج كذباً وزوراً أنّ كل ما يدور في العالم يأتي في إطار الحرب على الإسلام والمسلمين، وأنّه يجب حماية الأمّة من تلك المؤامرات.

وأشارت الدراسة إلى تزايد الحملات المتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي في الأعوام الأخيرة، خاصة في الدول الغربية التي تدعو إلى كراهية الآخر وعدم تقبّل التعايش معه، سواء كان هذا الآخر مختلفاً دينيّاً أو عرقيّاً أو ثقافيّاً، وهو ما تقوم به بعض المجموعات المتطرفة في الدول الأوروبية، ممّا نتج عنه في الآونة الأخيرة عدد من العمليات الإرهابية في بعض الدول الأوروبية ضد المهاجرين والمسلمين.

الجماعات المتطرفة توظّف أيضاً هذه الوسائل الاجتماعية لتروّج لنظريات المؤامرة

ولفتت إلى تزايد دور مواقع التواصل الاجتماعي في عمليات الإرهاب والتطرف وتعبئة المتطرفين (العنيفين وغير العنيفين)؛ حيث تستغل تلك الجماعات وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أفكارها والتأثير في هذه الجماهير، وبالتالي استقطاب مزيد من الأتباع، وذلك بالنظر إلى صعوبة اتباع وسائل التجنيد التقليدية في التجنيد، وهو ما يسمح لهذه التنظيمات باستقطاب عناصر متعددة من دول مختلفة، ويُعدّ (تنظيم) داعش حالة متميزة في هذا الإطار.

ولا تستغل التنظيمات والمجموعات المتطرفة وسائل التواصل في الاستقطاب ونشر الأفكار الإرهابية فقط، وإنّما أيضاً للتخطيط لشنّ الهجمات الإرهابية، وخداع الأجهزة الأمنية.

آليات مواجهة التوظيف السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي من جانب الجماعات المتطرفة

ترى الدراسة أنّ الأمر بحاجة ضرورية إلى الجهود الدولية؛ وأنّه يجب أن تتعامل الدول مع بعضها بعضاً عن طريق التشريعات الدولية والإقليمية التي تحدّ من استغلال الجماعات المتطرفة للإعلام ولوسائل التواصل الاجتماعي، ومن ذلك على سبيل المثال، ضرورة فرض فرق استجابة للطوارئ الحاسوبية، وتشكيل المنظمات القانونية ضد تهديدات الجماعات المتطرفة.

ويمكن على المستوى التشريعي مواجهة التوظيف السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي من جانب الجماعات المتطرفة من خلال إصدار القوانين التشريعية التي تجرّم هذه الأعمال الإرهابية للجماعات المتطرفة، وتسنُّ عقوبات قاسية يتم تطبيقها بموجب أحكام القانون، وكذلك ضرورة العمل على تفعيل منظومة تشريعية لسدّ كل الثغرات التي يمكن أن تَنفذ من خلالها الجماعات المتطرفة.

كما شدّدت على ضرورة وضع القوانين التشريعية من أجل حظر التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس العقيدة أو المذهب أو الدين، أو الطائفة أو الملة، أو العرق أو اللون، أو الأصل، وتتضمن هذه القوانين غرامة تشمل السجن أو الغرامة أو كليهما معاً، وقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، بسنِّ قوانين تشريعية من أهمها: قانون مواجهة جرائم غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب، وتمويل التنظيمات غير المشروعة.

 

انتقلت بعض التنظيمات على غرار تنظيم داعش إلى محاولة نشر أفكارها المتطرفة وتوجهاتها العنيفة من خلال استغلال الألعاب الإلكترونية.

 

ويلعب التعليم دوراً كبيراً في مواجهة التطرف والإرهاب، ومن آليات مواجهة الجماعات المتطرفة على المستوى التعليمي تفعيل دور التعليم في المجتمع عن طريق إعادة النظر في مناهج الدراسة والأساليب التربوية بعقليات متفتحة.

ومن الآليات أيضاً التي يمكن من خلالها مواجهة هذا التوظيف السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي من جانب الجماعات المتطرفة، وهذه الآليات على المستوى الإعلامي قادرة على تحقيق المواجهة، وذلك من خلال إبراز تناقضات هذه الجماعات المتطرفة وإظهار آثارها السلبية على المجتمع وعلى وعي الجمهور، ومنها التركيز الاحترافي على المغزى من هذه الرسائل التي تتعلق بتوجيه الرأي العام نحو التعاطف مع تلك القضايا الإرهابية، ثم تحويله إلى مجال خصب بهدف التشكيك في الدولة والجدوى من حربها عليه.

وخلصت الدراسة إلى أنّ مواجهة استخدام التنظيمات المتطرفة والإرهابية لوسائل التواصل الاجتماعي تحتاج إلى التعاون والتنسيق المستمر، ليس بين الدول المختلفة فحسب، وإنّما بين المؤسسات الفاعلة داخل الدولة الواحدة أيضاً، من خلال وضع استراتيجية بعيدة المدى تجمع بين تقويض الاستخدامات السلبية لوسائل التواصل، وفي مقدمتها نشر العنف والإرهاب والتطرف والكراهية، وبين الوقاية من تلك الأفكار.

مواضيع ذات صلة:

بعد 20 عاماً من نشرها... رسالة بن لادن إلى أمريكا تهز مواقع التواصل.. ما التفاصيل؟

كيف توظف الجماعات الإرهابية شبكة الإنترنت ومنصات التواصل لغايات الدعاية والتجنيد؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية