كيف تستفيد "القرض الحسن" التابعة لحزب الله من مليارات الدولارات؟

كيف تستفيد "القرض الحسن" التابعة لحزب الله من مليارات الدولارات؟

كيف تستفيد "القرض الحسن" التابعة لحزب الله من مليارات الدولارات؟


19/07/2023

لاحظ مراقبون ومحللون سياسيون أنه في الوقت الذي كانت مؤسسات الدولة اللبنانية المالية تتداعى، راحت مؤسسات حزب الله تنمو وتزدهر. وفي نظر كتّاب فإنّ هذا "ليس وليد صدفة، ولا نتيجة معطيات اقتصادية، بل هو المشهد الذي أراده الحزب، ومن أجله عمل على تغيير وجه لبنان التقليديّ، (الدويلة فوق الدولة)، في السياسة والأمن، والاقتصاد، وبات يطرح نفسه من خلال مؤسّساته، بديلاً عن الدولة وأجهزتها"، وفق المحلل السياسي اللبناني جاد فياض.

وتأسست جمعية "مؤسسة القرض الحسن" عام 1982، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وتمّ ترخيصها من وزارة الداخلية اللبنانية عام 1987 بموجب علم وخبر 217/أ.د، وفق الكاتب عبدو راجحة الذي يؤكد أنّ حزب الله عمل ومنذ الثمانينيات على إنشاء مؤسسات مكّنته من بناء اقتصاد خاص به موازٍ للاقتصاد اللبناني، حتى بات يُعرف بـ"الاقتصاد الرديف"، منها "جهاد البناء" و"شركة وعد" و"القرض الحسن" و"النية الحسنة الخيرية" وغيرها.

ولا تخضع "مؤسسة القرض الحسن، باعتبارها جمعية وليست مؤسسة مصرفية، لرقابة القطاع المصرفي أو الهيئات الناظمة أو مصرف لبنان، بالتالي لا تخضع لقانون النقد والتسليف.

الكاتب جاد فياض، لفت في شباط (فبراير) الماضي إلى أنه في حين أقفلت المصارف أبوابها، وأعلنت الإضراب المفتوح، ومنعت اللبنانيين حقّ سحب ودائعهم، التي وقعت تحت قبضة "الهيركات" المقنّع، افتتحت مؤسسة "القرض الحسن" فرعها الجديد في منطقة سوق الغرب - عاليه، "كإشارة جديدة إلى تداعي القطاع بشكل شبه تام. وهي تخطّط لفتح فروع أخرى في مناطق مختلفة، ممّا يُشير إلى النمو الذي تشهده المؤسّسة".

"القرض الحسن" لم تتكبّد خسائر

ويتابع فياض في "النهار" بأنّ مصادر مختصة تلفت إلى أنّه "في وقت خسرت فيه المصارف جزءاً كبيراً من أموالها بالدولار، فإنّ مؤسسة "القرض الحسن" لم تتكبّد أيّ خسائر نتيجة الانهيار، لأنّها ليست مؤسّسة مصرفية بل مالية، ولا تمنح القروض من أموال مودعين، بل إنها تُقرض المال وتحتفظ بالأموال المرهونة (ذهب – عقار...)، وتستوفي المبلغ؛ وفي حال لم يدفع الزبون القرض، يتمّ اللجوء إلى بيع الذهب أو العقار، فتكون المؤسسة قد استرجعت مالها ولم تخسر".

تأسست جمعية مؤسسة القرض الحسن عام 1982

ومن المفارقات اللافتة التي التقطها فياض موقع فرع "القرض الحسن" الجديد، في سوق الغرب. فمن المعروف أنها منطقة لا تقع في نطاق رقعة انتشار حزب الله جغرافيّاً، لا بل إنّها منطقة ذات أغلبية مسيحيّة، وفي محيطها قرى درزية، باستثناء منطقتين شيعيّتَين، هما كيفون والقماطية، في قضاء عاليه. المقصود من ذلك أنّ المؤسسة ليست في بيئتها الحاضنة، بل في أخرى معارضة لسياسات حزب الله، وفي هذا إشارة مهمّة.

ولا يخرج فعل افتتاح الفرع الجديد عن سياق توزيع المساعدات في عكّار بعد انفجار التليل، أو توزيع المازوت الإيراني في عدد من المناطق اللبنانية، كما يمضي الكاتب، ويندرج ضمن مسار واضح، شعاره "تمدّد" الحزب نحو البيئات الأخرى بوساطة المساعدات الاقتصادية والاجتماعية، وهو الباب الأسهل حالياً لاستقطاب الجماهير في ظلّ الظروف المعيشيّة الصعبة الراهنة، وحاجة اللبنانيين إلى كلّ مساعدة تمنحهم القدرة على الصمود.

وكشف المكتب الإعلامي لمؤسسة "القرض الحسن" عن خطط لفتح 4 أفرع أخرى في مناطق مختلفة، ما يعني أنّ النشاط مستمرّ وبوتيرة مرتفعة، ما دام ثمّة خطط للتطوّر والانتشار أكثر.

المصرف المركزي لحزب الله

ولكن ما الدلالات الأبعد لهذا التوسع؟

جمعية "القرض الحسن ليست مجرد مؤسسة منفصلة في الزمان والمكان، وكل ما وضع في سبيل تطوير وتفعيل هذه المؤسسة من تخطيط وتنظيم وجهد مقابل إضعاف وتدمير المؤسسات المالية الشرعية أيضاً ليس مجرد صدفة أو عمل عشوائي، كما يقول في "نداء الوطن" الكاتب عبدو راجحة، فكما صنع حزب الله في لبنان سلاحاً بديلاً وسياسة خارجية بديلة وجسماً سياسياً اجتماعياً كاملاً بديلاً، ها هو يعزز نظامه المالي البديل حتى باتت "القرض الحسن" تدعى "المصرف المركزي لحزب الله".

جمعية "القرض الحسن ليست مجرد مؤسسة منفصلة في الزمان والمكان، وكل ما وضع في سبيل تطوير وتفعيل هذه المؤسسة هدفه إضعاف وتدمير المؤسسات المالية الشرعية

ويتطرق راجحة إلى عقيدة "التيار الشيعي الخميني" الذي إنبثق منه حزب الله، لفهم خلفية هذا العمل الممنهج وهدفه، مبيّناَ أنّ الحركة الإسلامية الإيرانية في لبنان، تبعت المثال الخميني الإيراني في مرحلتين: المرحلة التي سبقت الاستيلاء على الحكم وتقويض الدولة، والمرحلة التي عمل فيها الفريق الخميني على نظم مجتمع موجّه على الحرب الداخلية والخارجية معاً. إن استيلاء آية الله الإيراني على الحكم والمجتمع وإنقلابه على الشاه كان وليد خطط طويلة الأمد، محكمة التدبير، كما يقول الكاتب.

وخرجت التعبئة الخمينية من السر إلى العلن في الأشهر الأخيرة من 1977 عن طريق انتشار منظمات "الدعوة" في معظم أرجاء إيران، وكانت ركيزة المنظمات هذه في المساجد وفي المهديات والحسينيات التي انتقل معظمها إلى أيدي أنصار رجل الدين المنفي إلى العراق، في خاتمة عمل واسع سبق للخميني أن مهد له قبل منفاه. ومن أبرز العناوين التي روّج لها الخميني والتي حملها في محاضراته هي "ولاية الفقيه" أي الطريق الخمينية إلى السلطة (الجمهورية الإسلامية) وسبيل النضال من أجل تشكيل حكومة إسلامية.

خطة الخميني

وبحسب الخميني "لن ينقذ الإسلام، الذي يردّه إلى أمور ثلاثة هي العالمية، التشريعات الاجتماعية وأنظمة الحكومة، سوى العلماء السائرين في طريق المتحدث نفسه". كما يشير الخميني على تلامذته "بتدمير الحكومات التي يعتبرها معادية باتباع خطة من أربعة بنود: مقاطعة المؤسسات التابعة للحكومة، ترك التعاون معها، الابتعاد عن كل عمل يعود بمنفعة عليها، تأسيس مؤسسات قضائية، مالية، اقتصادية، ثقافية وسياسية جديدة".

لا يقوم حزب الله ببناء دولته الموازية فحسب، بل يستغل الأزمة الوطنية في لبنان لتوسيع دوره في القطاع الخاص

وفي ضوء ذلك، تشير تقارير البنك الدولي، إلى أنه سبق انهيار مؤسسات الدولة اللبنانية التخلف عن السداد في آذار(مارس) 2020، وقد سرّع هذا التخلف الانهيار المالي.

 واليوم، كما تقول دراسة أعدتها الباحثتان سمر قزي وحنين غدار، ونشرت على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الأسبوع الماضي، تتطلب استعادة سلامة الوضع المالي في لبنان معالجة الشلل السياسي في البلاد، وبالتحديد الدور المهيمن لحزب الله الذي سيعطل الإصلاحات، لأنه يستفيد ببساطة من الأزمة الوطنية على عدة مستويات. وتشمل مبادرات الحزب توسيع نظامه المصرفي، وبيع الكهرباء والوقود، وبناء شبكة للصرافة، وشراء العقارات والشركات. وبالتالي، لا يقوم حزب الله ببناء دولته الموازية فحسب، بل يستغل الأزمة الوطنية في لبنان لتوسيع دوره في القطاع الخاص.

في حين تعجز المؤسسات المالية اللبنانية عن إعادة الأموال إلى المودعين، استفادت "القرض الحسن" من مليارات الدولارات التي تدّرها التحويلات وشركات الصرافة وتدفق الأموال العراقية

الانهيار اللبناني، وفق الدراسة، اتسم بعجز المؤسسات المالية عن إعادة الأموال إلى المودعين، مما سمح بانتشار اقتصاد نقدي صب في مصلحة حزب الله، حيث استفادت مؤسسة "القرض الحسن" المالية التابعة للحزب من مليارات الدولارات.

وتشمل مبادرات الحزب لبناء دولته الموازية توسيع نظامه المصرفي، وبيع الكهرباء والوقود، وبناء شبكة للصرافة، وشراء العقارات والشركات. من خلال استغلال الأزمة الوطنية في لبنان لتوسيع دوره في القطاع الخاص.

وفي حين تعجز المؤسسات المالية اللبنانية عن إعادة الأموال إلى المودعين، فقد استفادت مؤسسة "القرض الحسن" من مليارات الدولارات التي تدّرها التحويلات وشركات الصرافة وتدفق الأموال العراقية؛ حيث تشهد المؤسسة وكياناتها الفرعية القائمة على النقد ازدهاراً في ظل انهيار المؤسسات المالية اللبنانية التقليدية.

مواضيع ذات صلة:

بعد قرصنتها.. ماذا نعرف عن مؤسسة القرض الحسن التابعة لحزب الله؟

إخوان لبنان: توفير الغطاء السنّي لسلاح حزب الله

كيف تنتهي معضلة سلاح حزب الله المستعصية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية