كيف تستفيد روسيا من الحرب في غزة؟

كيف تستفيد روسيا من الحرب في غزة؟

كيف تستفيد روسيا من الحرب في غزة؟


09/11/2023

يلقى الموقف الروسي من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شعبيةً كبيرة بين العديد من المؤيدين للقضية الفلسطينية، في ظل الازدواجية التي تتعامل بها الدول الغربية مع الأزمة. جاءت الحرب في وقت تشهد فيه العلاقات الروسية – الغربية أسوأ مراحلها، التي ربما لم تحدث خلال الحرب الباردة، ولهذا سعت روسيا للاستفادة من تلك الحرب، وتقديم رؤيتها للأزمة ضمن مسعاها الأشمل لخلق عالم متعدد الأقطاب.

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي ضد الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تبنت روسيا موقفاً سياسياً أقرب إلى الفصائل من إسرائيل، رغم وصف الرئيس الروسي ووزير خارجيته عملية طوفان الأقصى بـ"الهجوم الإرهابي".

وكان صرح فلاديمير بوتين بأنّ "أزمة الشرق الأوسط بدأت بهجوم إرهابي ضد إسرائيليين لكنهم قاموا بانتقام جماعي ضد مدنيي غزة". وقبيل انطلاق العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة قال "الأهم هو أنّ الخسائر في صفوف المدنيين ستكون غير مقبولة على الإطلاق، إذ يعيش هناك ما يقرب من مليوني شخص". وعلى المنوال نفسه صرح وزير الخارجية سيرجي لافروف بقوله " تم ارتكاب هجوم إرهابي غير مقبول على الإطلاق على إسرائيل، وعندما ردت إسرائيل علناً، دون الاسترشاد الكامل بمعايير القانون الدولي، وأعلنت علناً أنّ ردها سيكون بلا رحمة وسيدمر "حماس"، ومن المستحيل تدمير حماس دون تدمير غزة مع غالبية السكان المدنيين".

لم يمنع هذا التوصيف موسكو من استضافة وفد من قادة المكتب السياسي لحركة حماس بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع الحرب في غزة، للتباحث في عدد من القضايا، منها ملف الأسرى الإسرائيليين من حملة الجنسية الروسية، والذين أعلنت حماس عن سعيها للإفراج عنهم.

وفد حماس في موسكو

كما قدمت روسيا مشروعي قرار في مجلس الأمن الدولي بشأن الحرب في غزة، لم يجتازا التصويت بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" ضدهما، واستخدمت موسكو نفس الحقّ ضد مشروع قرار أمريكي في المجلس ينحاز بشكل جلي لإسرائيل.

ولوحظ التحول في الموقف الروسي لمصلحة دعم المشروع المقاوم في غزة، من خلال تغطية وسائل الإعلام التابعة لروسيا والتي تعد أحد المتنفسات للقارىء الباحث عما يدعم القرائن لما يجري في غزة، ويعري، بشكل حثيث، العدوان الإسرائيلي على المدنيين.

توتر إسرائيلي روسي

يرى الباحث الأردني المختص في الشأن السوري والعربي، صلاح ملكاوي، بأنّ موقف روسيا من الحرب في غزة مرتبط بعلاقاتها التي ساءت مع إسرائيل على خلفية دور الأخيرة في الحرب الأوكرانية. وأشار لـ"حفريات" إلى أنّ مستوى التنسيق بين البلدين انخفض خلال الأشهر الأخيرة، بخصوص القصف الإسرائيلي الجوي في سوريا، والذي بلغ ذروته من خلال وجود غرفة عمليات مشتركة في قاعدة حميميم الجوية، ثم انخفض إلى وجود خط اتصال هاتفي، إلى مرحلة قطع الإسرائيليين للتواصل بعد حرب غزة.

تشبيه بوتين لحصار غزة بحصار لينينغراد يساوي بين الإسرائيليين والنازيين، ويعتبر نهاية العلاقة الدافئة بين الرئيس الروسي ورئيس وزراء إسرائيل

يقول ملكاوي بأنّ هناك سببين لسوء علاقات موسكو وتل أبيب، الأول القصف الإسرائيلي في سوريا الذي يستهدف النظام السوري وأدى إلى خروج مطاري دمشق وحلب من الخدمة مرات عدة، والثاني الموقف الإسرائيلي المنحاز إلى أوكرانيا، ولهذا كانت موسكو في حاجة إلى أوراق ضغط على تل أبيب.

وفي تطور لافت نشرت "CNN" خبراً عن موافقة الرئيس السوري بشار الأسد على إرسال نظام الدفاع الجوي الصاروخي "إس إيه – 22" إلى حزب الله بمساعدة فاجنر، وهو الخبر الذي نفته موسكو. تعليقاً على ذلك، يشكك الباحث صلاح ملكاوي، في حدوث ذلك، ويرى بأنّ ذلك نوع من التهديد والضغط على إسرائيل، في وقت تبحث فيه موسكو عن أوراق ضغط عليها. أضاف بأنّ الروس لديهم تقدير موقف للأحداث، واتصالات مع إيران وحزب الله، ويعلمون بأنّ الطرفين لن يدخلا الحرب، ولهذا فالقضية لا تتجاوز ضغط روسي على تل أبيب.

في السياق ذاته، رشحت أنباء عن تمركز ميليشيات موالية لإيران في مناطق النفوذ الروسي في سوريا، واحتمال استخدامها مظلة الدفاع الروسية لتوجيه ضربات صاروخية ضد إسرائيل. بسؤاله حول إمكانية حدوث ذلك، ذكر الباحث المختص في الشأن السوري والعربي، بأنّ كل شيء وارد، معللاً ذلك بأنّه لا سيطرة مطلقة للنظام السوري وروسيا على مناطق جغرافية في الجنوب السوري.

صلاح ملكاوي: هناك سببان لسوء علاقات موسكو وتل أبيب

وأفاد ملكاوي لـ"حفريات" بأنّ الجنوب السوري يخضع لسيطرة ميليشيات وجماعات مسلحة تدين بالولاء لحزب الله وإيران، وحتى الجماعات الفلسطينية التي تطلق قذائف على الجولان المحتل تعمل بالتنسيق مع حزب الله، بينما موقف النظام هو رفض استهداف الجولان المحتل بأي شكل.

أوكرانيا ليست بعيدة

بدوره يرى الباحث في الحركات الإسلامية، هاني عمارة، بأنّ كل الأطراف خاسرة في الحرب الجارية في غزة، بينما الطرف الوحيد الذي حقق مكاسب هو روسيا. ويعلل لـ"حفريات" بأنّ عملية طوفان الأقصى فرضت على إسرائيل أنّ ترد باجتياح القطاع، وإلا سيكون ذلك بمثابة النهاية لها، فما حدث في السابع من أكتوبر لم يكن عملية معهودة وفق حدود الاشتباك التي كانت قائمة منذ الانسحاب الإسرائيلي من القطاع.

أضاف عمارة، بأنّ الغرب لم يكن يريد هذا الصراع، ولا إسرائيل والدول العربية وحتى حزب الله وإيران، لهذا لم يستفد أحدٌ منه، سوى روسيا التي يمثّل لها فتح جبهة أخرى لاستنزاف الغرب بعيداً عن التركيز على حربها في أوكرانيا.

الباحث صلاح ملكاوي لـ"حفريات": موقف روسيا من الحرب في غزة مرتبط بعلاقاتها التي ساءت مع إسرائيل على خلفية دور الأخيرة في الحرب الأوكرانية

ويدعم الباحث المصري تحليله، بأنّ الحرب في أوكرانيا دخلت مرحلة الكمون مع حلول فصل الشتاء، وهي الفترة التي يعيد فيها الغرب إعادة تسليح وتدريب القوات الأوكرانية، استعداداً لموسم القتال الذي يبدأ مع فصل الربيع حتى نهاية فصل الصيف، ولهذا جاءت الحرب في غزة لتشغل الغرب بدلاً من تركيزهم على دعم أوكرانيا.

وبحسب عمارة فهناك مؤشرات على دعم روسي للفصائل في غزة، ومن ذلك حصول الفصائل على صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، والتي يبلغ ثمن الصاروخ الواحد منها نحو 26 ألف دولار، فضلاً عن التطور النوعي في التدريب والتنفيذ لعملية يوم السابع من أكتوبر. وأشار عمارة إلى أنّ مصالح حركة حماس قد تكون التقت مع موسكو، فمن ناحية تريد روسيا إشغال الغرب عن أوكرانيا، وتريد حماس الحصول على دعم روسيا.

بالإضافة إلى ما سبق، يرى محللون غربيون أنّ الحرب في غزة تفيد روسيا والصين في صراعهما مع الغرب. وذكر تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" بأنّ تصريح الرئيس فلاديمير بوتين، وتشبيهه لحصار غزة بحصار لينينغراد (سانت بطرسبرغ حالياً)، خلال الحرب العالمية الثانية، مساوياً بين الإسرائيليين والنازيين، يعتبر نهاية العلاقة الدافئة بين الرئيس الروسي ورئيس وزراء إسرائيل. بالإضافة إلى أنه جزء من الجهود الدبلوماسية الروسية لوضع البلاد، كزعيم للحركة العالمية ضد "الاستعمار الجديد" الغربي.

هاني عمارة: الطرف الوحيد الذي حقق مكاسب هو روسيا

ولا ينفصل ما سبق عن التنافس الروسي – الغربي الواسع النطاق، والذي امتد خلال الأعوام الماضية إلى قارة أفريقيا، التي شهدت الإطاحة بالعديد من الأنظمة السياسية الموالية للغرب، لصالح قادة عسكريين يحظون بدعم روسيا. لهذا يمكن النظر إلى الموقف الروسي من الحرب في غزة وكذلك في العديد من الجغرافيا العالمية إلى أنّ موسكو تستفيد من أية اضطرابات تتعلق بالمصالح الغربية. فضلاً عن أنّه حتى لو لم يحدث تصعيد في الشرق الأوسط، فإنّ موسكو مستفيدة من تحويل القدرات الغربية من أوكرانيا إلى إسرائيل، وإلى عمليات التموضع العسكرية في الشرق الأوسط.

مواضيع ذات صلة:

نتنياهو يريد السيطرة الأمنية على غزة وأمريكا ترفض "إعادة احتلال" القطاع.. أين نقاط الخلاف؟

ما سيناريوهات الحكم في غزة ما بعد الحرب؟

هل نجحت العملية البرية الإسرائيلية في غزة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية