كيف سيؤثر فيروس كورونا على حالة الأمن والصراع في الشرق الأوسط؟

كيف سيؤثر فيروس كورونا على حالة الأمن والصراع في الشرق الأوسط؟


06/05/2020

أحمد الباز

لا يزال انتشار فيروس كورونا مستمراً، وحتي الآن لم يتم تأكيد التوصل إلى لقاح، ومن الواضح أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن موعد انحسار انتشار الفيروس. وقد تسببت حالة عدم اليقين تلك في قيام بعض الدول باتخاذ بعض القرارات بشأن الفتح التدريجي للمنشأت لغرض تأهيل البلاد والمواطنين لفكرة التعايش مع الفيروس نظراً أن تعليق الأعمال والحياة بشكل عام لوقت أطول من اللازم  قد يتسبب في تداعيات اقتصادية قد تخرج عن السيطرة ن وما سيرافقها من تداعيات سياسية مُحتملة. لذا يمكن القول أن هناك توجه دولي لوضع حد لحالة عدم اليقين من خلال التعايش مع الفيروس والتعويل في ذلك على الإجراءات الوقائية الشخصية والتدابير الحكومية كذلك.

وفي ظل تصاعد تأثير فيروس كورونا على الوضع العالمي وتسببه في العديد من الضغوطات على القطاعات الحكومية والأفراد في آن واحد. ونظراً لهشاشة منطقة الشرق الأوسط فإن العديد من الأسئلة رافقت رحلة الفيروس، عن تداعياته على كل من السياسة، والأمن، والإرهاب،  والاقتصاد، وبنية الصراعات في المنطقة.

هل ستتسبب تداعيات فيروس كورونا في اندلاع احتجاجات بالشرق الأوسط؟
ليس من المُحتمل أن تندلع تظاهرات في الشارع أو انتفاضة في دول المنطقة، لعدة اسباب:

أولاً:  أن الدول التي لطالما عملت على تثوير الشارع وتحريكه وتقديم الدعم غير الشرعي لحركة الشارع إنما تعاني هي الأخرى من أزمة داخلية تسبب فيها فيروس كورونا وبالتالي ستكون هذه الدول أكثر احتياجاً للتركيز نحو الداخل وليس الخارج.

ثانياً: يسود انطباع لدي قطاع كبير من الرأي العام في العديد من دول المنطقة  أن حكوماته تدير الأزمة في مستوى جيد، ومثال ذلك الأردن، المغرب، الجزائر، ومصر. ويدعم هذا الانطباع عدم تفشي الوباء في دول المنطقة كما حدث في أوروبا والولايات المتحدة. ففي دولة كمصر، يسود شعور في الداخل المصري أن الحكومة تقوم بأشياء إيجابية في حدود قدراتها المالية والتنظيمية، مثل منح إعانة للعمالة غير الرسمية، وتعديل مشروع الضريبة التصاعدية من أجل تقديم الدعم للطبقات الأقل دخلاً، وقد جاء هذا القرار بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تسبب فيها فيروس كورونا . كما أن الحكومة في مصر متفاعلة تماماً مع الشارع وهذا أمر لم يكن يحدث من قبل.

ثالثاً: تفشي فيروس معدى ليس وقتاً مناسباً لحراك في الشارع ، فالخوف من العدوى سيسبب قلق للجمهور. بالإضافة إلى أن الحكومات تفرض سيطرتها حالياً في الشوارع من خلال فرض حظر التجوال ونشر قوات الشرطة والجيش، وهو وضع غير مناسب لحركة الاحتجاجات. على سبيل المثال، تسبب تفشي فيروس كورونا في الحد من حركة الاحتجاجات في لبنان، وكذلك في الجزائر، وفي إيران. لأسباب مرتبطة بقلق الناس من العدوى وعمليات حظر التجوال التي فرضها الفيروس.

يمكن القول أن فيروس كورونا قد يكون هو الثورة، وليس العكس. حيث كشفت الأزمة الناتجة عن تفشي الفيروس عن مواطن الخلل والضعف في قطاعات مختلفة بالبنية التحتية وقطاع الصحة ونسبة غير قليلة من البطالة وأزمة العمالة غير الرسمية التي لا يوجد لديها مظلة تأمين وحماية،  وانعدام المساواة الاجتماعية وتدني الأجور الذي ساهم في دفع ملايين من الناس للذهاب لأعمالهم في وقت الوباء، ما سيساهم في تنبيه العديد من الدول لهذه المشاكل الخطيرة.

كيف ستؤثر أزمة فيروس كورونا على مسار صراعات منطقة الشرق الأوسط؟
سوف يؤثر الشلل الناتج عن أزمة فيروس كورونا على جهود الوساطة الدولية في صراعات المنطقة. حيث ستتعثر الجهود الأممية وقوات حفظ السلام. أى أننا سنكون أمام مستوى استجابة متدنى . فالبعثة الأممية في اليمن على سبيل المثال تحتاج إلى ترتيب لقاءات بين الأطراف اليمنية والسعودية، وهو ما أصبح أمر صعب تحقيقه تماماً، ما سيعطل أى مشاريع لإدارة الأزمة وإنهائها. كما ستتعطل مشاريع الإغاثة وإدارة شؤون اللاجئين.

  سوف يتسبب إنشغال الأطراف الدولية في إدارة أزماتها المحلية في إحداث ثغرة وفراغ قد تستفيد منه الأطراف المتصارعة في الداخل الليبي والسوري لتعميق سيطرتها على مناطق النفوذ أو القفز على مناطق الخصم. وبالتالي قد نرى مزيد من التصعيد العسكري الذى تقوم به أطراف داخلية  لاستغلال الفرصة لتحقيق العديد من المكاسب.

تعتبر الفوضى بيئة مناسبة للحروب غير النظامية، وهذا النوع من الحروب هو المسيطر في سوريا وليبيا واليمن ، وبالتالي فإن هذا الوضع مفيد للجهات العسكرية الفاعلة في هذه البلاد. هذه الجهات سوف تسعى للوصول إلى أعلى مستويات تحقيق المكاسب الممكنة في هذه الأثناء. وفي ظل التركيز الإعلامي والسياسي على أزمة كورونا فقط في كل دولة حول العالم، فإن حركة الصراعات القائمة في العديد من دول المنطقة سوف تصبح في النقطة العمياء تماماً للرصد والمراقبة، وهو أمر مناسب لأطراف الصراع أيضاَ.

كيف ستؤثر أزمة فيروس كورونا على عمل التنظيمات الإرهابية؟
هناك سيناريوهان في هذا الشأن، يجب أن يأخذا نفس المستوى من الاهتمام والجاهزية.

السيناريو الأول: قد تعمل التنظيمات الإرهابية على الاستفادة من انشغال أجهزة الأمن والجيوش في إدارة الأزمة حالياً للقيام بعمليات إرهابية. باعتبار أن الفوضى بيئة عمل  مفيدة  للتنظيمات الإرهابية للقيام بهجماتها. على سبيل المثال سيؤخر هذا الوباء نشر 250 جنديًا بريطانيًا إضافيًا من المقرر انضمامهم إلى جهود مكافحة التطرف  في منطقة الساحل الأفريقي إلى وقت لاحق من هذا العام.  وقد يستغل دونالد ترامب هذه الأزمة في الدفع نحو تحقيق أماله بسحب المتبقي من القوات الأمريكية في سوريا والعراق. بالإضافة إلى ذلك، أنه في حالة ارتفاع معدلات الإصابة في مخيمات اللاجئين، فإن هذا الأمر قد يولد نقم وغضب في أوساط السكان، وعادة ما يكون النقم والغضب فرصة مناسبة للتنظيمات الإرهابية لتجنيد مقاتلين جدد وجذب الغاضبين للتنظيم.

السيناريو الثاني: قد لا تتوسع التنظيمات الإرهابية في شن هجماتها، إلا أنها قد تستغل فترة الجمود الحالية واعتبارها ” وقفة تعبوية” لإعادة التجهيز وبناء العضلات وتحسس مناطق الضرر التي نتجت عن الأزمة، من أجل الاستعداد لشن هجمات في وقت لاحق.

كيف ستؤثر أزمة فيروس كورونا على الأمن الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط؟
لطالما ركزت دول منطقة الشرق الأوسط في تعريفها للتهديدات الأمنية على خطر الإرهاب والعمليات العسكرية دون الاهتمام بتهديدات أمنية ناشئة وجديدة. إلا أن الأزمة التي تولدت عن فيروس كورونا سوف تدفع دول المنطقة إلى الاهتمام بالعوامل الجديدة التي قد ينتج عنها تهديد أمني مثل الحرب البيولوجية والفيروسات والتغير المناخي. وبالتالي إعادة النظر في توجيه موارد المؤسسات الأمنية من أجل الاستعداد لمكافحة هذا النوع من التهديدات واحتوائه كلما كان ذلك ممكناً، وهو ما قد يعني الاهتمام بالمؤسسات العلمية والطبية أو على الأقل تطوير المنشأت المتخصصة لدى القوات المسلحة في الدول التي لا زالت تعتمد بشكل كبير على الإسناد الذي يقدمه القطاع العسكري في أوقات الأزمات.

في ظل محاولة الصين الاستفادة من الأزمة بأي شكل عبر توطيد علاقاتها في الوقت الراهن مع العديد من دول المنطقة. ونظراً أن الولايات المتحدة لا ترغب في وصول الصين إلى مستويات نفوذ عالية في المنطقة، فإن الشرق الأوسط  قد يصبح مسرح تجاذبات بين الولايات المتحدة والصين، بما يؤثر ذلك على استقراره الأمني.

لم يتم تسجيل تهديدات عالية المستوى تطال الأمن الغذائي في دول المنطقة – الدول التي لا يوجد بها صراعات قائمة-، حيث تمتلك هذه الدول مخزوناً استراتيجياً يكفيها إلى فترة من 4:6 أشهر. بالإضافة أن دول شمال أفريقيا لن تتأثر بشكل ملحوظ بتوقف حركة سلاسل القيمة العالمية، حيث أن هذه الدول غير مرتبطة بها ، ورغم أن هذا أمر غير جيد للاقتصاد عموماً في الأوضاع العادية، إلا أن عدم الارتباط بسلاسل القيمة حالياً قد يكون مفيد في إدارة الأزمة، وبالتالي السيطرة على أى اضطراب محتمل.

في حالة عدم احتواء فيروس كورونا، فإننا قد نشهد عمليات إعادة لجوء، بمعنى انتقال اللاجئين من المناطق التي يستقرون بها حالياً إلى مناطق أخرى توفر لهم مستوى معقول من الأمان بحيث لا يصابوا. وهو ما سيشكل ضغط على العديد من دول المنطقة . حيث تم تسجيل ارتفاع في محاولات الهروب بين الحدود السورية اللبنانية نحو الداخل اللبناني.

سوف تستمر إيران في الاستثمار في الأزمة داخلياً وخارجياً، حيث سيتم التوسع في ترويج رسالة مفادها أن عجز إيران في مكافحة الوباء ما أسفر عن سقوط مئات من الضحايا إنما جاء بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وبطبيعة الحال فإن هذا الأمر يصب في مصلحة جبهة المتشددين في الداخل الإيراني بالتأكيد على صحة رؤيتهم بضرورة مواجهة المستكبرين. بينما في الخارج سوف تعمل إيران على ترويج نفس الرسالة في الأمم المتحدة للدعوة لرفع العقوبات عن إيران. وترى دول مختلفة في الشرق الأوسط أن رفع العقوبات عن إيران قد يأتي بتهديدات أمنية مختلفة.

قد تدفع مخرجات الأزمة إلى التركيز على جهود الدولة الوطنية في مواجهة التهديدات، وذلك في ظل عجز التكتلات الإقليمية والدولية عن التنسيق المتبادل، ومثال ذلك أن جامعة الدول العربية متوارية تماماً عن الانظار. ورغم صحة هذا الأمر، إلا أن انهيار الثقة في فكرة “الأمن الإقليمي المشترك” قد يحمل مخاطر أمنية على المدى البعيد، حيث تحتاج دول المنطقة إلى صيغة أمنية مشتركة وليس من صالحها العمل في جزر منفردة.

عن "مركز الإنذار المبكر"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية