لماذا اعتقلت هيئة تحرير الشام (القحطاني) الرجل الثاني في التنظيم؟

لماذا اعتقلت هيئة تحرير الشام (القحطاني) الرجل الثاني في التنظيم؟

لماذا اعتقلت هيئة تحرير الشام (القحطاني) الرجل الثاني في التنظيم؟


24/08/2023

أعلنت هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً، التابعة لتنظيم القاعدة، الفصيل الجهادي الأبرز في مناطق شمال غرب سوريا، عن اعتقال الرجل الثاني في الهيئة المعروف باسم "أبو ماريا القحطاني، عراقي واسمه الحقيقي ميسر بن علي الجبوري"، ويُعدّ الرجل الثاني في الهيئة بعد الجولاني، بتهمة "العمالة" لقوات التحالف، وأنّه يخضع لتحقيقات، بعد ورود معلومات تحقيقية تؤكد أنّه "أخطأ في إدارة اتصالاته دون استئذان واعتبار لحساسية موقعه"، وفقاً لبيان الهيئة.

رواية الهيئة حول توقيف القحطاني يكتنفها الغموض والكثير من الشكوك، وتتسم بالوهن، وتؤكد أنّ الأسباب الحقيقية لاعتقال "القحطاني لم يتم الكشف عنها، قياساً بسياقات الأهداف الاستراتيجية التي تتطلع الهيئة لتحقيقها، بما فيها من تحولات جديدة، مرجعيتها علاقات الهيئة مع محيطها وخاصة داعميها من جهة، وفصائل "مقاومة أخرى" تزاحم الهيئة في محيط تمركزها بمحافظة إدلب من جهة أخرى، وفيما يلي وقفة عبر محطات تطور الهيئة وتحولاتها، والتي تلقي ضوءاً على السياقات التي تم خلالها "اعتقال" القحطاني، والأهداف التي تتوخى الهيئة تحقيقها من وراء ذلك:

أوّلاً: تُعدّ هيئة تحرير الشام إحدى أبرز الجماعات السلفية الجهادية، تشكلت في أوائل عام 2017 باندماج  جبهة النصرة التابعة للقاعدة مع مجموعة منَ الجماعات الأخرى "كتائب وسرايا وألوية تتبنّى إيديولوجيات جهادية متطرفة"، ورغم خوضها حروباً مع تنظيم (داعش) ووصفها الكثير من الفصائل الجهادية التي تعارضها بأنّها تكفيرية وإرهابية، ومحاولاتها إظهار تحولها إلى حركة مدنية قادرة على ممارسة الحكم وبسط سيطرتها في الشمال السوري، وأنّه ليس من أهدافها إقامة إمارة إسلامية في سوريا، إلّا أنّها ما زالت توصف بأنّها فرع لتنظيم القاعدة في سوريا، وخاصة أنّ عدداً من قياداتها جاؤوا أصلاً من تنظيم (القاعدة)، ولاحقاً من تنظيم (داعش)، وارتبطت الهيئة بعلاقات غامضة مع التحالف الدولي وروسيا، وأقامت صلات مع قوى إقليمية ودولية متناقضة، وهناك شكوك عميقة بارتباطاتها هذه على خلفية تصفية التحالف الدولي لبعض التنظيمات الأكثر تشدداً، مثل (حراس الدين)، ودورها في تصفية "خلفاء داعش، بمن فيهم الخليفة الأوّل أبو بكر البغدادي"، في مناطق سيطرتها، وبالتزامن تخوض الهيئة معارك ضارية في غالبية مناطق المعارضة في الشمال السوري ضد فصائل سورية تضم منشقين عن الجيش السوري، وقوات وتشكيلات كردية في الشمال السوري، بالإضافة إلى مواجهات مع الجيش السوري والقوات الإيرانية، هدفها إعادة إنتاج الهيئة بوصفها حركة مدنية تقاوم التكفير والإرهاب.

رواية الهيئة حول توقيف القحطاني يكتنفها الغموض والكثير من الشكوك

ثانياً: إنّ ما ورد في بيان (الهيئة) لم يتضمن تخوين القحطاني بتهمة إقامة اتصالات مع أعداء، بل اكتفى بأنّه "أخطا" بإدارة  تلك الاتصالات دون استئذان؟ ودون اعتبار لحساسية موقعه؟ وهما تهمتان تتضمنان تزييفاً أكثر من تضمنهما حقائق، إذ أنّ اتصالات القحطاني مع كافة القوى تتم بإشراف وتنسيق وتوجيه من قبل الجولاني نفسه، بما فيها تلك الاتصالات التي تمّت مع القوات الروسية، ومع إيران وحزب الله، عبر تواجد الهيئة في مناطق الحدود السورية ـ اللبنانية.

ثالثاً: إنّ قوننة وضع هيئة تحرير الشام، وتقديمها أمام القوى الإقليمية والدولية بوصفها حركة واسعة تضم أطيافاً مختلفة من المقاتلين، إنّما تقتصر على السوريين، وهو ما ينفي عنها أنّها ملتزمة باستراتيجيات الجهاد العالمي، الذي يضم قيادات وعناصر من جنسيات مختلفة، وهو ما قد يفسر "تغييب" القحطاني، فهو عراقي الجنسية، وبقاؤه في هيئة تحرير الشام وبموقع الرجل الثاني في الهيئة يرسل رسالة باستمرار الدمج بين الجهادية العراقية والسورية، وهو أحد عناوين البنية التنظيمية لتنظيم القاعدة، وداعش لاحقاً، وهو ما تريده الهيئة، يضاف إلى ذلك أنّ القحطاني وبحكم موقعه التنظيمي يوصف بأنّه "الصندوق الأسود" للهيئة، وهو حافظ أسرار الجولاني، وقد أثار قربه من الجولاني حفيظة كثير من القيادات من السوريين في الهيئة، وهو ما يمكن معه تفسير تضارب الروايات بين مرضه ووضعه رهن الإقامة الجبرية وبين اعتقاله، وكلها أوضاع تشير إلى أنّ الجولاني قرر التخلص منه، ولكن بطريقة مختلفة تتضمن رهانات على إمكانية وفاته "دون قتله"، وبما يفضي إلى موت ما يحتفظ به من أسرار.

رابعاً: بالرغم من تقديرات أوساط عديدة بأنّ غياب القحطاني سيؤثر سلباً على قدرات الهيئة، ارتباطاً بما يتوفر لديه من معلومات حول اتصالات الهيئة وتحالفاتها السرية مع جهات عديدة، إلا أنّ المرجح أنّ للجولاني مزيداً من السيطرة على الهيئة، ويحكم قبضته عليها، لا سيّما أنّ عدم تصفية القحطاني تشير إلى أنّه سيتم استثماره من قبل الجولاني عبر استخلاص كافة ما يتوفر لديه من معلومات، وربما تظهر نتائج هذا الاستثمار في عمليات تصفية واسعة للقيادات غير السورية، ولا يستبعد أنّ التسريبات التي تصدرها أوساط في الهيئة والمتضمنة أنّ القحطاني مصاب بـ "سرطان الدم"، وبمعزل عن مدى مصداقيتها، جاءت  للتمهيد عن الإعلان عن وفاته بسبب المرض في مرحلة لاحقة، وحتى لا تثير مخاوف غير السوريين في التنظيم.

مواضيع ذات صلة:

اعتقال أبو ماريا القحطاني أبرز أصدقاء الجولاني... هل تتفكّك "هيئة تحرير الشام"؟

مشروع (هيئة تحرير الشام)... السم القاتل لثورة الشعب السوري




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية