لماذا تسعى إيران وحزب الله وقوات الأسد للسيطرة على دير الزور؟

لماذا تسعى إيران وحزب الله وقوات الأسد للسيطرة على دير الزور؟


24/08/2020

تعدّ منطقة جنوب وشرق دير الزور، أي منطقة البوكمال تحديداً، الرابط الجغرافي بين إيران في الشرق ونظام الأسد وحزب الله في الغرب، لذلك تعدّ المنطقة ممراً جغرافياً مهماً بالنسبة إلى إيران، وربما يكون الممرّ الوحيد أصلاً.

وهذا ما يفسر الاحتجاجات التي اندلعت في 22 من الشهر الجاري؛ حين طالب متظاهرون نازحون إلى ريف دير الزور الشرقي قوات "التحالف الدولي" و"قسد"، باستعادة مناطقهم الواقعة شرق الفرات من قبضة النظام السوري والميليشيات الإيرانية، وذلك بحسب التقرير المصور الذي نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ إذ رفع أحد المتظاهرين لافتة كتب عليها "يسقط العملاء داخل الوطن وخارجه.. أيها العملاء سيأتي دوركم.. انتظروا".

يعتقد المحلل يونس الكريم أنّ الهدف من التواجد الإيراني في شمال شرق سوريا، رغم ابتعادهم عن العاصمة السياسية، هو خلق نفوذ أو جبهة مقابل النفوذ الأمريكي وحلفائه

وشهدت منطقة دير الزور مؤخراً أحداثاً متتالية وصراعات، بين القوى التي تسيطر على المنطقة، فما تزال ميليشيا حزب الله تسطو على بيوت المدنيين في المنطقة؛ إذ إنّ الميليشيا استولت على منزل جديد في قرية التبني (غرب دير الزور)، شرق سوريا، وحوّلته إلى مقرّ لعناصرها، وذلك بحسب تقرير نشر على موقع "الحل.نت" السوري، بتاريخ 16 آب (أغسطس).

 وبحسب المصادر المحلية التي تضمّنها التقرير فقد استولت ميليشا حزب الله "على منزل المدني "سليمان الرحال" في قرية التبني، وحوّلته إلى مقرّ لعناصرها، ونصبت حاجزاً جديداً لها أمامه، ما أجبر الأهالي القريبين من المقر الجديد على ترك منازلهم، خشية الاستهدافات الجوية التي قد تطالهم"، مضيفةً أنّ "صاحب المنزل يقيم حالياً في المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة السورية؛ حيث استولت الميليشيات على منزله دون علمه".

اقرأ أيضاً: ما هدف التعزيزات العسكرية التركية في الشمال السوري؟

في سياق متصل؛ قُتل ضابط روسي وأصيب عسكريان روسيان، ظهر الإثنين 18 آب (أغسطس)، "جراء انفجار عبوة ناسفة مزروعة على جانب الطريق في محافظة دير الزور، خلال مرور رتل عسكري روسي كان عائداً إلى المدينة بعد تنفيذه عملية إنسانية في المنطقة"، وذلك بحسب التقرير الذي نشرته وكالة "سانا" السورية.

وأضاف التقرير؛ أنّ وزارة الدفاع الروسية كانت قد "أعلنت في وقت سابق، اليوم، مقتل ضابط روسي وإصابة عسكريَّين اثنين، في تفجير عبوة ناسفة على جانب الطريق في دير الزور، لدى مرور رتل عسكري روسي كان عائداً بعد تنفيذه عملية إنسانية".

في اليوم التالي على مقتل الضابط الروسي؛ أرسل النظام السوري تعزيزات عسكرية جديدة لمنطقة دير الزور؛ حيث ذكر موقع "دير الزور 24" في تقرير له أنّه تمّ "دخول رتل عسكري ضخم للفيلق الخامس التابع لقوات الأسد إلى مدينة دير الزور قادماً من ريف محافظة الرقة وبادية حمص"، وأفاد مصدر خاص لموقع "دير الزور 24"؛ بأنّ "قوات النظام، وبإيعاز من القوات الروسية، تعتزم إجراء عمليات تمشيط واسعة لبادية دير الزور الجنوبي".

اقرأ أيضاً: أطفال بلا تعليم.. متى يتوقف نزيف سنوات السوريين؟

كما شهدت منطقة بادية الميادين انسحاباً للميليشيات الإيرانية باتجاه مركز المدينة، وبحسب موقع "دير الزور 24"؛ فقد كانت الميليشيات الإيرانية قد "أخبرت قوات الأسد بأن ترسل مجموعات لتغطية النقاط في البادية"، وبحسب ما أفادت مصادر "دير الزور 24"، فإنّ هذا الانسحاب كان "بحجة وصول معلومات للقيادة الإيرانية عن أنّ التحالف يبيّت نية قصف جميع مواقع الإيرانيين في البادية".

وعن خلفيات تمدّد الوجود الإيراني والميليشيات العسكرية الموالية له في دير زور قال المحلل الاقتصادي السوري، يونس الكريم، لـ "حفريات": "يعود تمدّد الإيرانيين في دير الزور إلى نصيحة أو إستشارة روسية لزوجة الرئيس السوري، أسماء الأسد؛ إذ إنّه، بحسب المعلومات التي سُربت عن طريق موقع "تاب ناك"؛ تقضي بنزع الاستثمارات الإيرانية التي منحت لهم، لأنّهم كانوا قد منحوا سابقاً عقوداً بمزارع موجودة بمناطق مثل داريا في دمشق والساحل السوري، لكن تمّ استبدال تلك المناطق، بمناطق أخرى في ريف دير الزور، كونها منطقة عشائرية سنيّة، وكونها أيضاً تقع على حدود التواجد الأمريكي، إضافة لتواجد الإدارة الذاتية وداعش".

اقرأ أيضاً: أردوغان ومشروع الجيب الإخواني شمال سوريا

وأضاف الكريم: "بإمكاننا اعتبار ما حصل بمثابة توريط الإيرانيين بتلك المنطقة، وما حدث فيما بعد هو انحسار لسيطرة داعش في تلك المنطقة، وكان الأكراد قد بدأوا حرباً مع التجمعات والعشائر العربية هناك، كما أنّ للفقر في المنطقة دوراً مؤثراً، كانت نتيجته حملات التشيِّع في المنطقة، وهذه الحملات ليست بالجديدة، بل هي قديمة، لكن تمّ ضخّ أموال كبيرة جداً من أجل حملات التشيّع الجديدة، وبالتالي بات الإيرانيون يملكون سيطرة على المكان، خاصة مع وجود ردّات فعل عنيفة على تواجد داعش في المنطقة سابقاً".

وتابع الكريم كلامه: "طبعاً، تمّ الاتفاق بين الإدراة الذاتية والإيرانيين وحزب الله على كثير من النقاط، وهذا الأمر أعطى لتلك الاستثمارات أهمية كبيرة، وجاء بعد ذلك فتح معبر البوكمال، الذي تمّ تجهيزه وإعطاؤه لإيران، منذ عام 2018، وتمّ افتتاحه عام 2019، وهذا المعبر يتاخم حقول النفط التي تسيطر عليها قوات "قسد"، وهي تحت حماية الأمريكيين، وهنا أقصد حقل "العمر" وحقل "الكونيكا"، وحقل الغاز، وباقي الحقول الموجودة في المنطقة، وعلى الطرف الآخر هناك معبر "البلوك رقم 12"، الذي تسيطر عليه روسيا  منذ عام 2004".

اقرأ أيضاً: الذئاب الرمادية .. طليعة الغزو التركي لشمال سوريا

 وكان هذا المعبر، يردف الكريم، "قد تعرّض للقصف الإسرائيلي أكثر من مرة، ورغم ذلك تمّ تجهيز المعبر من قبل النظام السوري، كون قوات الحشد الشعبي والقوات الإيرانية وقوات أخرى موالية لها باتت تسيطر عليه، حتى إنّ قاسم سليماني ذكر أكثر من مرة تواجده في مدينة البوكمال وانتشار المنظمات التابعة للحرس الثوري الإيراني التي تقوم بشراء الأراضي والمحلات من أهل وسكان مناطق في البوكمال لصالح الإيرانيين".

ويرى المحلل الاقتصادي السوري أنّه "بعد افتتاح هذا المعبر أصبحت القوات والميليشيات الإيرانية تسير بموازاة القوات الأمريكية. وفي عام 2020 توترت العلاقات بين الروس والنظام السوري نتيجة تسريب الروس لفضائح الأسد والفساد الحاصل داخل النظام، عندها قام بشار الأسد وأسماء الأسد بإعطاء الإيرانيين حقّ الاستثمار في "بلوك رقم 12"، الذي هو فعلياً تحت السيطرة الروسية، وسيطرة شركة "كولف ساندز" الإنكليزية، بالشراكة مع شركة "سويوز نفط غاز" الروسية، هذا الحقل بات اليوم للإيرانيين الذين شكلوا من خلاله قاعدة عسكرية وقاعدة اقتصادية أيضاً، وأخذوا ينتشرون ويتغلغلون في مناطق شمال شرق سوريا، ونقصد هنا منطقة دير الزور، التي هي فعلياً تحت سيطرة "قسد" والأمريكيين، وفلول سلطة نظام الأسد، إضافة إلى داعش، هذه هي القوات الفعلية التي تسيطر على المناطق".

اقرأ أيضاً: تركيا تحتل من سوريا أضعاف ما تحتله إسرائيل

ومنذ ذلك الوقت بدأ الإيرانيون، كما يتابع يونس، "باستثمار الأراضي الزراعية على ضفاف نهر الفرات، وشكّلوا لأنفسهم طبقة من الموالين عبر عملية التشيّع والاعتماد على الفقراء وإعادة التغيير الديموغرافي من خلال المذهب السنّي – الشيعي، وتقويض بعض العلاقات العشائرية، كما تمّت استمالة بعض رؤساء العشائر، كما حدث مع نواف البشير، وهو أحد أبرز شيوخ عشيرة البكارة".

اقرأ أيضاً: هل تفشى فيروس كورونا داخل سجون الميليشيات التركية في سوريا؟

ويعتقد الكريم أنّ "الهدف من التواجد الإيراني في شمال شرق سوريا، رغم ابتعادهم عن العاصمة السياسية، هو خلق نفوذ أو جبهة مقابل النفوذ الأمريكي وحلفائه بالمنطقة؛ إذ يتمّ التغاضي عن التواجد الإيراني في المنطقة والحفاظ على مصالحهم في سوريا، مقابل دمار "سلامة" القوات الأمريكية، وأيضاً دمار الإدراة الذاتية وقوات "قسد"، كلّ ذلك بدأ يعطي لنا تفسيراً لتوجّه الأمريكيين، اليوم، نحو العقوبات الاقتصادية والابتعاد عن المجابهة المباشرة، رغم تواجد الإيرانيين على حدود مباشرة معهم.

وبسؤاله عن رأيه فيما يخص عملية الاستيلاء والسطو على المنازل من قبل ميليشيا حزب الله، أجاب الكريم: "بإمكاننا اعتبار عمليات السطو على المنازل بالتفصيل الصغير ضمن عملية أكبر، وهي شراء ولاءات العشائر في المنطقة، كشراء ولاء نواف البشير من عشيرة البكارة، كما ذكرت سابقاً، والذي أصبح ولاؤه لإيران، واليوم هناك صراع على عشيرة العكيدات، وأدى هذا الأمر للسيطرة على افتتاح بعض المضافات هنا وهناك، لأنّ القضية هي أنّ من يسيطر على العشيرة، يسيطر على مساحات جغرافية واسعة وعلى موارد بشرية ومالية ضخمة، إذاً؛ العملية هنا هي عملية شراء نفوذ، وعملية أخذ هذا المنزل أو ذاك، هو إشارة ودليل على أنّ هذه العشيرة أو القبيلة أصبحت من مناصري إيران أو روسيا أو النظام السوري أو الأمريكيين أو (قسد)".

اقرأ أيضاً: سوري من ذوي الاحتياجات الخاصة قضى تحت التعذيب بيد فصائل موالية لتركيا

أما المحلل السياسي السوري، ماجد علوش، فقال لـ "حفريات": تعدّ مدينة دير الزور تحديداً، ومنطقة شرق الفرات عموماً، منطقة صراع إقليمي دولي، وسيلعب غناها الثرواتي دوراً مهماً في مستقبل الأحداث في سوريا.

الأمريكيون وضعوا أيديهم على الضفة الشرقية للفرات؛ حيث المكامن الأساسية للثروة".

وأضاف: "أما الإيرانيون؛ فليسوا معنيين في قضية الثروة، فهم بددوا ثروات هائلة في بلادهم، فلا تعنيهم الثروة في شرق الفرات إلا من ناحية أنّها تخفّف الأعباء الاقتصادية المترتبة عليهم من خلال تكاليف حماية النظام السوري، لكنّ الإيرانيين يعتمدون في سياساتهم على التغلغل الاجتماعي، يحاولون خلق ركائز في المجتمع حيث يتواجدون، أو حيث يسمح لهم بالتواجد، بالطبع هم حاولوا في سوريا عموماً، وفي دير الزور منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما أسسوا، بمساعدة جميل الأسد، أخ الرئيس الراحل حافظ الأسد، جمعية المترضى، وحاولوا نشر المذهب الشيعي في المنطقة، ولم يكن ذلك حبّاً بالمذهب، إنّما لتحويله من حالة اجتماعية إلى حالة سياسية مرتبطة بالمراكز الإيرانية".

المحلل السياسي السوري ماجد علوش لـ "حفريات": دير الزور تحديداً، ومنطقة شرق الفرات عموماً، منطقة صراع إقليمي دولي، وسيلعب غناها الثرواتي دوراً مهماً في مستقبل الأحداث في سوريا

من ناحية أخرى؛ يرى علواش أنّ منطقة جنوب وشرق دير الزور، أي منطقة البوكمال تحديداً، تعدّ الرابط الجغرافي بين إيران في الشرق ونظام الأسد وحزب الله في الغرب، لذلك تعدّ المنطقة ممراً جغرافياً مهماً بالنسبة إلى إيران، وربما يكون الممرّ الوحيد أصلاً.

ويؤكد أنّ الحفاظ على هذا الممرّ هو هدف إستراتيجي إيراني: "كيف تسعى إيران للحفاظ عليه؟ كما قلت سابقاً؛ عبر نشر المذهب، وعبر الإرهاب الذي تمارسه ضدّ السكان، والفقر المدقع الذي تعيشه المنطقة، ونزوح أكثر من 75% من سكان دير الزور، إما إلى خارج المدينة، أو إلى خارج سوريا".

ويضيف أنّ "عدد السكان المتبقي في مدن الفرات الثلاثة، أي دير الزور والميادين والبوكمال بات قليلاً جداً، ما يجعل السيطرة عليها سهلة".

وفي إطار هذه الإستراتيجية الإيرانية؛ كنشر المذهب بوصفه ركيزة سياسية دائمة لها، وإصرارها أيضاً على الحفاظ على الممرّ البري بينها وبين النظام السوري، تستخدم إيران، وفق علواش، عصابات غير منضبطة ومنفلتة، من بينها عصابات حزب الله وعصابات أفغانية وباكستانية مذهبية، تقوم على الاستيلاءعلى بيوت المدنيين ونهبها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية