لماذا تضطهد الحكومة الإثيوبية مسلمي بني شنقول ؟

لماذا تضطهد الحكومة الإثيوبية مسلمي بني شنقول ؟


04/10/2020

تتذرّع إثيوبيا باستمرار بأنّ معاهدة 1902، التي تُلزمها بعدم إقامة مشاريع على النيل الأزرق دون موافقة مصر والسودان، باطلة؛ لأنّها فُرضت من قوى استعمارية عليها، لكنّ الذي تتجاهله إثيوبيا هو حصولها بموجب هذه المعاهدة على إقليم "بني شنقول"، ذي الأغلبية المسلمة، والعرقية العربية - الأفريقية، والذي لم يخضع لسلطان أباطرة الحبشة، وكان جزءاً من مملكة الفُونج المسلمة  (1504 - 1821)

الحكومة لا تثق في شعب بني شنقول، وإقليمهم يحتضن سدّ النهضة، أهم مشاريع الحكومة، ورغم تمركز قوات عسكرية كبيرة في منطقة السدّ، إلا أنّهم بدون حاضنة اجتماعية تدعمهم

وعلى أرض ني شنقول" يقع سدّ النهضة الحالي. وللإقليم حدود مشتركة مع ولاية القضارف السودانية، ومناطق من شمال - شرق دولة جنوب السودان، وجرى اقتطاع مساحات كبيرة منه لصالح إقليم أمهرة.

وعملت إثيوبيا منذ استيلائها على الإقليم على تذويب سكانه، ومسخ هويتهم؛ بالتنصير، والتهجير، والتهميش، والقمع، والتغيير الديموغرافي، ورغم ذلك ظلّ شعب بني شنقول (قمز) متمسكاً بهويته المستقلة، ورافضاً التذويب، وهم أقرب إلى الهوية السودانية، حيث تجمعهم العادات والدين والتاريخ مع شعب السودان.

وشهد شهر أيلول (سبتمبر) الماضي تجدد حلقات الصراع العرقي في الإقليم، بعد مقتل ما يقرب من 45 شخصاً، دون تحديد رسمي لهوية القتلى أو المسؤولين عن ذلك، وإثر ذلك أقالت الحكومة المركزية 45 مسؤولاً محلياً.

عنف مجهول

وكانت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية قد أعلنت أنّ ميليشيا مسلحة قتلت 15 شخصاً في إقليم بني شنقول، في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي، في حادث هو الثاني من نوعه خلال الشهر، الذي يشهد مقتل 30 شخصاً، بينهم أطفال ونساء، بعد اختطافهم على يد ميليشيا مسلحة.

قوات من الجيش الإثيوبي

وكان رئيس الوزراء، آبي أحمد، قد اتّهم جماعات بالوقوف وراء العنف، دون أن يسميها، وصرّح عبر تويتر: "جماعات تهدف لإيقاف مسيرة الإصلاحات".

وعلى خلفية الأحداث، أعلنت الحكومة المركزية إقالة 45 مسؤولاً محلياً، بتهمة التقصير الأمني، وأحالت 10 منهم إلى المساءلة القانونية، ولم تُوضح بيانات الحكومة الجماعات المسؤولة عن العنف، أو هوية الضحايا، ممّا أثار الشكوك، خاصةً أنّ مثل هذه الحوادث تحدث لأسباب عرقية.

اقرأ أيضاً: كيف دافع رئيس وزراء إثيوبيا عن سد النهضة أمام الأمم المتحدة؟

وحول ذلك، يقول الصحفي السوداني، إبراهيم ناصر: "أيّة جريمة في إثيوبيا، ولو على نطاق ضيق، لها أصل إثني، لأنّ الصراع الإثني (العرقي) هو المحرك للاضطرابات، خاصةً في مثل حوادث القتل الجماعية هذه".

السفير يوسف ناصر حامد، زعيم حركة تحرير شعب بني شنقول لـ "حفريات": حملة عسكرية يشارك فيها الجيش الوطني، والقوات الخاصة ، وميليشيات من الأمهرة، انطلقت ضدّ بني شنقول

وعن هوية الضحايا والمسؤولين، يُرجّح ناصر في تصريح لـ "حفريات"؛ أن يكون الضحايا من شعب بني شنقول، صاحب الأرض، وجماعات مسلحة أمهرية هي المسؤولة عن الجريمة، على الرغم من ترويج الحكومة لمعلومات بأنّ الضحايا هم من عرقية التيجراي الذين استوطنوا المنطقة، وأنّ الميليشيا من شعب بني شنقول.

ويُعلل ناصر فرضيته بقوله؛ لو كان الضحايا من التيجراي لما مرّ قتل 45 شخصاً، واختطاف العشرات، خلال أقل من 15 يوماً، بهذه السهولة، لذلك الضحايا من بني شنقول المغلوبين على أمرهم.

وفي السياق ذاته؛ يقول الناشط الحقوقي من بني شنقول، نيلسون ناصر: "بيانات الحكومة غير صادقة، فهي تريد اتّهام شعب بني شنقول بارتكاب جرائم عرقية لتبرير الحملة العسكرية التي تقوم بها من أجل السيطرة على المنطقة، من شمال الإقليم حتى سدّ النهضة، وتوطين مواطنين من الأمهرة في تلك المنطقة، ونحن لم نرَ هذه الجثث التي يتحدثون عنها، ولو افترضنا أنّ هناك قتلى، فمن المرجح أنّهم من عناصر الجيش".

اقرأ أيضاً: الأسلحة التركية.. إرهاب عابر للحدود يهدد أمن السودان وإثيوبيا

ويردف نيلسون ناصر، لـ "حفريات": "في اليوم التالي للإعلان عن حادثة مقتل 15 شخصاً، بدأ الجيش، مدعوماً بميليشيات أمهرية، حملة عسكرية ضدّ شعب بني شنقول، وترتكب الميليشيات جرائم قتل وترويع بحقّ السكان، وحرق للقرى، بهدف تخويفهم ودفعهم للهجرة إلى جنوب الإقليم".

وفي تصريح لـ "حفريات"، أكّد السفير يوسف ناصر حامد، زعيم حركة تحرير شعب بني شنقول؛ أنّ حملة عسكرية يشارك فيها الجيش الوطني، والقوات الخاصة، وقوات حماية الجمهورية، وميليشيات رديفة من الأمهرة، انطلقت ضدّ سكان بني شنقول.

تجمع احتفالي لشعب بني شنقول

ويُرجح مما سبق؛ أن تكون القوات الإثيوبية قد بادرت بعملية عسكرية استباقية ضدّ كلّ نشاط سياسي ومجتمعي وعسكري لشعب بني شنقول، المحروم من التنمية، والذي يعاني التمييز، بهدف توطين تجمعات من الأمهرة في المناطق المتاخمة لسدّ النهضة، كي تستفيد الحكومة من زراعة المساحات الزراعية الشاسعة في الإقليم، عبر الاستثمار مع شركات زراعية كبيرة.

تهميش مستمر 

وتحظى عرقية الأمهرة بالحظوة لدى رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، فهم حلفاء في مواجهة عرقية التيجراي، التي أُبعدت عن الحكم بعد رحيل ميليس زيناوي، في 2012.

...

وترى أبناء عرقية الأمهرة أنّهم الأحق بحكم إثيوبيا، ومنهم خرجت سلالة الأباطرة، وتنشط ميليشيات منهم في إقليم بني شنقول، وفي هذا السياق يقول نيلسون ناصر: "الأمهرة يريدون إنهاء النظام الفيدرالي، لأنّهم يطمعون في السيطرة على أراضي بني شنقول".

وبحسب الصحفي ناصر؛ فالأمهرة هي أشدّ الأعراق كراهيةً لشعب بني شنقول، ويُطلقون عليهم لقب "أبناء العالمين"؛ بمعنى أنّهم مشكوك في ولائهم لإثيوبيا؛ لذلك تنشط ميليشيات أمهرية ضدّ الإقليم، وتتوسّع على حساب أرضه.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا تعد السودان ألا تتكرر الفيضانات المدمرة.. ما علاقة سد النهضة؟

وفي عهد الإمبراطور، هيلا سيلاسي، اتبعت الحكومة سياسة التنصير لتذويب هوية شعب بني شنقول، ثم في عهد الديكتاتور منغستو سعت الحكومة لفرض برنامج اشتراكي كبير على كلّ الشعب، وتذويبهم ثقافياً، وانتهى عهده بثورة الأعراق ضدّه، وشارك شعب بني شنقول في الثورة، لكن جرى تهميشه على يد التيجراي، وتتابع التهميش حتى اليوم.

وحول ذلك، يقول الصحفي ناصر لـ "حفريات": "حكومة آبي أحمد خالفت تعهداتها التي رفعتها بالإصلاح، وانتهجت التهميش والتمييز بحقّ شعب بني شنقول، حتى أنّها اعتقلت العشرات منهم بتهمة قتل المغني هيشالو هونديسا، دون أن يكون لهم صلة من قريب أو بعيد بالحادثة".

اقرأ أيضاً: عقوبات على إثيوبيا.. كيف نفهم الموقف الأمريكي من أزمة سد النهضة؟

وتعليقاً على إقالة 45 مسؤولاً محلياً، يقول ناصر: "حكومة آبي اتخذت من أحداث العنف ذريعة لإقالة المسؤولين المحليين، بعد تنامي الروح الوطنية بينهم، ورفعهم مطالب بحقوق شعبهم، بالمخالفة لما عينتهم الحكومة من أجله، وهو التمثيل الصوري للإقليم، دون أن يكون لهم دور فاعل، سوى تجميل وجه النظام".

ما علاقة سدّ النهضة؟

ويقع سدّ النهضة في إقليم بني شنقول، على بعد 20 - 40 كم من الحدود السودانية، وتخشى إثيوبيا من التواصل بين السودان وشعب بني شنقول مرة أخرى.

ويوضح نيلسون ناصر: "الحكومة لا تثق في شعب بني شنقول، وإقليمهم يحتضن سدّ النهضة، أهم مشاريع الحكومة، ورغم تمركز قوات عسكرية كبيرة في منطقة السدّ، إلا أنّهم بدون حاضنة اجتماعية تدعمهم، لذلك افتعلت الحكومة أحداث العنف لتبرير حملة القمع والتهجير التي بدأتها لإبعاد شعب بني شنقول عن شمال الإقليم حتى سدّ النهضة، وتوطين الأمهرة مكانهم".

...

وفي عهد حكومة الإنقاذ وُجدت علاقة بين السودان وبني شنقول؛ حيث سعت الخرطوم إلى تُوظيف هذه العلاقة كورقة ضغط ضدّ إثيوبيا، دون اهتمام حقيقي بحقوقهم.

وفي ذلك، يقول الصحفي ناصر: "حاول البشير استثمار بني شنقول للضغط على إثيوبيا، لكن بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، وجدت حكومة إثيوبيا في ذلك فرصة للتنكيل الواسع بشعب بني شنقول، ووسعت من برامج التغيير الثقافي".

اقرأ أيضاً: ماذا قالت إثيوبيا عن تعليق المساعدات الأمريكية بسبب سد النهضة؟

ويردف ناصر: "تخلى البشير عن شعب بني شنقول، إرضاء لإثيوبيا، وبعد الإطاحة به، لم يعد السودان قادراً على دعمهم، نتيجة التأزم الداخلي، والمهادنة التامة بين حكومة عبد الله حمدوك وحكومة آبي أحمد".

وفي عام 1989 تشكّلت حركة تحرير شعب بني شنقول، وشاركت في إطاحة نظام الديكتاتور منغستو، عام 1991، وفقدت الحركة الدعم السوداني عقب المصالحة مع إثيوبيا، وما تزال الحركة نشطة في الكفاح ضدّ الحكومة المركزية، ويترأسها سفير إثيوبيا السابق في اليمن، يوسف حامد ناصر، المنتمي للإقليم.

الصفحة الرئيسية