لماذا تواصل تركيا والإخوان اختراق الشبكات الدينية في فرنسا؟

لماذا تواصل تركيا والإخوان اختراق الشبكات الدينية في فرنسا؟


كاتب ومترجم جزائري
25/10/2020

ترجمة: مدني قصري

شدّد خطاب الرئيس الفرنسي، ماكرون، في مدينة لي مورو (إيفلين)، على النزعة الانفصالية الإسلامية(1)، ونفوذ التأثيرات الأجنبية على الإسلام في فرنسا، من بين هذه التأثيرات؛ تأثير تركيا، التي يواصل الإخوان المسلمون فيها اختراق الشبكات الدينية في فرنسا.

طموح أردوغان

قبل هجوم 25 أيلول (سبتمبر)، أمام مقر شارلي إبدو السابق، قال محمد الحسن ولد الددو(2)، زعيم جماعة الإخوان المسلمين، وهو من أصل موريتاني، والمقيم في قطر، والقريب جداً من تركيا، في تسجيل صوتي بُثّ على يوتيوب؛ إنّ الهجوم على الصحيفة الفرنسية، عام 2015، "كان مستحقاً!"؛ بل إنّ هذا الصديق المقرب ليوسف القرضاوي، عرّاب الإخوان المسلمين، والمسؤول عن الحقل الديني في قطر، قد دعا إلى القتل، على شكل رسالة تحثّ المسلمين على غسل عرضهم بالدفاع عن النبي.

 

وأخيراً؛ فهو أيضاً الشخصية البائسة، العضو في مجلس إدارة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهي هيئة أخرى مقربة من "الإخوان"، الذي طالب المسلمين بمقاطعة المنتجات الفرنسية، باختصار؛ إنّه متحدّث حقيقي لبرنامج أحلام "الريس" التركي.

اقرأ أيضاً: أردوغان يهاجم ماكرون وهكذا ردت فرنسا

منذ وصوله إلى السلطة، عام 2002، لم يُخْفِ أردوغان طموحه في أن يصبح الزعيم السياسي والديني الجديد للعالم الإسلامي، من خلال إظهار صلاته بحركة الإخوان المسلمين، كما لا تُخفِي تركيا أردوغان خطّتها لإحياء الإمبراطورية العثمانية، من خلال تجميع القوة السياسية (السلطنة)، والروحانية (الخلافة)، للقيام بذلك، لا يتردّد رجب أردوغان، الذي عزز استفتاؤه الأخير بشكل كبير السلطة الرئاسية، في استخدام الاستبداد، استبدادُ الحقائق، وليس استبداد الكلمات.

الوجود التركي تعزّز من خلال وسائل الإعلام التركية الدعائية، من أجل التأثير على الرأي العام الفرنسي، مثل "TRT" بالفرنسية، التي تعمل تحت وصاية وزارة الخارجية التركية

عام 2016، بعد محاولة انقلاب فاشلة، أجرى الرئيس ذو السلطة غير المحدودة، حملة تطهير واسعة النطاق ضدّ المعارضين والمسؤولين والقضاة والصحفيين، وغيرهم من الأكاديميين الذين كان من الممكن أن يعيقوا طموحه العثماني الجديد.

وبهذا المعنى؛ يستخدم أردوغان خطاباً عدوانياً تجاه أوروبا، وفرنسا على وجه الخصوص، خاصة بعد فشله في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فقد انتقلت تركيا، في غضون عشرين عاماً، من حليف أوروبي إلى تهديد على عدة مستويات، ويمكن لهذا الهوس اللامحدود أن ينذر بمستقبل مضطرب، الأمر الذي يتطلب مقاربة جديدة في العلاقة الفرنسية التركية تقوم على الوضوح والحزم والمعاملة بالمثل، وفي هذا الشأن؛ ينتقد العديد من المحللين الغربيين، وغيرهم، التراخي الأوروبي تجاه تركيا، مما يمنح لأردوغان الرغبة في تصدير نموذجه السياسي للإسلام التركي، وتعزيز النزعة الطائفية في المجتمعات الأوروبية.

تركيا والإسلاموية

في خطاب يهدف إلى إصلاح تنظيم الطائفة الإسلامية؛ أكّد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مدينة مولوز؛ أنّ "الإسلام السياسي ليس له مكان" في فرنسا، وكان ماكرون قد انتقد وندّد بالسياسة الدينية التي تروّج لها تركيا على الأراضي الفرنسية، "لا يمكن أن نقبل بقوانين تركيا على الأراضي الفرنسية"، وعلى هذا النحو؛ أراد رئيس الجمهورية إظهار المخاطر الحقيقية لـ "الانفصالية الإسلاموية"، مقرونة بتدخّل تركيا التي لا تخضع لقوانين الجمهورية، والتي ترفض التعاون في مسألة إرسال الأئمة وتدريس اللغة التركية في فرنسا؛ لهذا السبب، عندما أعلن رجب أردوغان مؤخراً إنشاء المدارس الثانوية التركية في فرنسا، أعرب وزير التربية الوطنية، جان ميشيل بلانكر، معارضته بوضوح.

في تقرير نُشر عام 2018، بعنوان "مصنع الإسلاموية''(3)، أشار معهد مونتين إلى أنّ هذه الدبلوماسية الدينية التركية أصبحت أداة قوة بين أيدي أردوغان؛ إنّها إستراتيجية تأثير ومراقبة واستغلال الإسلام في فرنسا وأوروبا كأداة تسخير وتأثير، من أجل توسيع الأصولية الإسلاموية، ووفق معهد مونتين؛ "فالأمر بالنسبة إلى تركيا يتعلّق من الآن فصاعداً بتولّي مصير المسلمين الأوروبيين، وبالظهور كحامية لهم".

الدبلوماسية الدينية التركية أصبحت أداة قوة بين أيدي أردوغان؛ إنّها إستراتيجية تأثير ومراقبة واستغلال الإسلام في فرنسا وأوروبا كأداة تسخير وتأثير، من أجل توسيع الأصولية الإسلاموية

هذه الإستراتيجية تستند أيضاً على القنوات الدينية والسياسية التي تجسّد هذه القوة التركية، ومن هذه القنوات، على وجه الخصوص، المديرية التركية الإسلامية للشؤون الدينية (ديتيب)، وهي الهيئة الدبلوماسية الدينية، واتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين، وهو فرع أوروبي لحزب العدالة والتنمية، حزب أردوغان، وهو جدّ نشِط في منطقة باريس، وفي مدينة ستراسبورغ؛ ففي منطقة "غارند إست" (Grand Est)، تحديداً، تقيم غالبية الجالية التركية، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 700000 شخص في فرنسا، وفي عام 2012؛ كان أعضاء هذا الاتحاد هم الذين قادوا حملة عنيفة ضدّ القانون الذي يعاقب على إنكار الإبادة الجماعية للأرمن.

اقرأ أيضاً: فرنسا والمعركة مع الإسلام السياسي

لكنّ فعالية سياسة التسلّل هذه يمكن تفسيرها أيضاً من خلال دعم الأعمال الكبرى، مثل مشروع "أيوب سلطان"، الذي لا تتوقف خارطة طريقه عند بناء مسجد فقط، لكن أيضاً عند إقامة مراكز تعليمية، وكلية، ومدرسة ثانوية، إضافة إلى كلية للفقه الإسلامي لتدريب الأئمة.

فهذا الوجود التركي المكثّف هو الذي تمّ تعزيزه في الفترة الأخيرة، من خلال وسائل الإعلام التركية الدعائية، من أجل التأثير على الرأي العام الفرنسي، مثل "TRT" باللغة الفرنسية، وهي مجموعة إعلامية نشطة تعمل تحت وصاية وزارة الخارجية التركية، كما أنّ مواقع وسائل الإعلام والتحليل، مثل موقع "Medyaturk Info" أو "Red’Action"، الموجّهة خصيصاً للجالية التركية والمسلمة في فرنسا، تمثل أيضاً قنوات نشطة للدعاية المؤيدة لأردوغان.

الإلحاح على الإسلام المستنير

بعد خطاب إيمانويل ماكرون في مدينة لي مورو Les Mureaux"" (إيفلين)، أصبح من الضروري إذاً أن تكون هناك سياسة شاملة، وهيكلة وطنية وإقليمية ومحلية للإسلام، للقيام بذلك، وحتى لا يتوقف الأمر عند سياسة مجرد الخطاب، فإنّه من الضروري أن تطلق فرنسا خطة واسعة النطاق لمحاربة الإسلام السياسي، من أجل تحقيق ظهور إسلام نقي خالٍ من التأثيرات الأجنبية، إسلام مستنير، مندمج في الجمهورية.

الهوامش:

(1) بعد التوترات الحادّة بين باريس وأنقرة حول الحرب في ليبيا، أو الوضع في شرق البحر المتوسط​​، أثار خطاب الرئيس الفرنسي حول العلمانية ومعاينته "أزمة الإسلام" غضب نظيره التركي.

(2) قبل عشرة أيام من الهجوم أمام المقر السابق لـ "شارلي إبدو"، كان الداعية الموريتاني المقيم في الدوحة، بقطر، محمد حسن ولد الددو، وهو شخصية مؤثرة للغاية داخل المنظمة الدولية للإخوان المسلمين، قد دعا بارتكاب جريمة قتل ضدّ الصحيفة الفرنسية الساخرة.

 (3) في "مصنع الإسلاموية"  La fabrique de l'islamisme""، الذي نشره معهد مونتين الفرنسي، يقدّم المؤلف حكيم القروي ومعاونوه، نظرة عامة شاملة عن منتجي وقنوات نشر الإسلاموية في الغرب والشرق، ومن الكمّ الهائل من المعلومات الواردة في هذا التقرير والذي يزيد عن 600 صفحة، تظهر دروس عديدة، وأثار تقرير "مصنع الإسلاموية"، الذي صدر في 10 أيلول (سبتمبر) 2018، جدلاً واسعاً في فرنسا، ويسعى هذا التقرير الذي أعدّه معهد مونتين، بقلم حكيم القروي إلى تنظيم إسلام فرنسا ومحاربة الإسلاموية، وفي هذا التقرير يُعبّر الكاتب عن انزعاجه بشكل خاص من انتشار الأطروحات الإسلاموية على الإنترنت. ويطرح القروي اقتراحه حول "إنشاء مؤسسة مسؤولة عن تنظيم وتمويل الدين الإسلامي": الجمعية الإسلامية للإسلام في فرنسا (أميف)، وإنشاء منظمة محايدة مستقلة عن بلدان المنشأ، ومستقلة عن أولئك الذين يديرون حالياً المساجد في فرنسا وأوروبا.

مصدر الترجمة عن الفرنسة:

www.marianne.net/agora



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية