لماذا خضعت إسرائيل لمطالب حماس الابتزازية؟

لماذا خضعت إسرائيل لمطالب حماس الابتزازية؟

لماذا خضعت إسرائيل لمطالب حماس الابتزازية؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
05/10/2023

ترجمة: إسماعيل حسن
لم يمر سوى أسبوعين على تسّخين حماس الحدود مع إسرائيل، وإرسال المئات من المتظاهرين لحرق الإطارات وإطلاق القنابل اليدويّة تجاه الجيبات العسّكرية على السياج الفاصل، حتى تتنازل إسرائيل بشكل سريع لمطالب حماس وللشروط التي وضعتها من أجل عودة الهدوء، وذلك بعد سلسلة من التهديدات من قبل الجيش بالتوجه إلى تصعيد واسع مع غزة.
 وهنا يبدو أنّ حماس لا تريد تغيير جلدتها وهجر طريق الكفاح المسلح ضد إسرائيل، بل تريد أن تحافظ وتحسّن ضخ الأموال النقدية التي تحولها لها قطر تحت عيون إسرائيل، فبعد قرار الجيش إعادة فتح المعابر خشية من توتر الأوضاع مع حماس التي هددت بالتصعيد هي الأخرى، ترى المحافل الأمنيّة أنّ انخفاض وتيرة الأحداث على السياج وموافقة إسرائيل على مطالب حماس، لا يعني طي صفحتها بصورة نهائية، لأنّها تتوقع أن يكون اليوم القادم هو الاختبار في العودة للحياة الطبيعية، مع العلم أنّ قرار الجيش بعودة تدفق العمال هو محاولة لجلب الهدوء، وعدم الانجرار وراء التوتر الأمنيّ تزامناً مع المخاطر التي تواجهها إسرائيل على المستوى الداخلي وعلى الجبهة الشمالية.
يد حماس العليا
تجربة الماضي تفيد بأنّ ليس هذا ما يكفي بالنسبة لحماس، وأنّه عندما يبدأ اللعب بالنار فسرعان ما يتحول الوضع إلى مواجهة واسعة، فحماس غير راضيّة عن الوضع الاقتصادي المتدهور في القطاع، وتخاطر بأنّ يؤدي الحبل الذي بدأ مده إلى جولة قتاليّة جديدة، فرصد محاولات لإلقاء قنابل المولوتوف والقنابل اليدوية فوق السّياج، وإطلاق النار من بنادق وأسلحة خفيفة كان بمثابة مؤشر خطير، ويعطي درساً عن كيفية تعلم حماس انتزاع التنازلات من إسرائيل، لأنّ التصعيد كان مبادرة مخططة مسبقاً، تسيطر عليها الحركة بكل جوانبها ومراحلها كجزء من آلية انتزاع المزيد من التنازلات.

لقد أخطأ الجيش التقدير عندما تخيّل أنّ جبهة غزة ستبقى في حالة من الهدوء
 ومع ذلك فإنّ عودة العمال الغزيين إلى العمل في داخل إسرائيل، وانخفاض معدل حوادث التوتر على حدود قطاع غزة، لا ينبغي أن يؤدي إلى الشعور بالعودة للحياة الطبيعية للإسرائيليين، لأنّ حماس يدها هي العليا في المرحلة الحاليّة من المواجهة، فهي غير مردوعة ومستعدة للعب بالنار مجدداً، ويتبين أنّ التفاهمات والتوافقات التي تقوم على أساس دفع "الخاوة" لحماس، لا تحل المشكلة في الجنوب ولا ترفع حماس إلى طريق الاعتدال، الذي يحولها في نهاية اليوم إلى شريك بالنسبة لإسرائيل. 
عدم التنازل لحماس
لقد أخطأ الجيش التقدير عندما تخيّل أنّ جبهة غزة ستبقى في حالة من الهدوء، مع استمرار العمليات اليوميّة في الضفة الغربية وملاحقة الإرهابيين، فالهدف الاستراتيجي الذي وضعته إسرائيل هو محاولة الفصل بين غزة والضفة، وذلك في الوقت الذي تفتقر فيه السلطة الفلسطينية للسيطرة على الضفة، مع تصاعد عمليات الإرهاب المدعومة من منظمات غزة، أما في غزة فالصورة مختلفة بالنسبة لها، فهناك حماس التي إنّ أرادت إبقاء الهدوء تبقيه، وإن أرادت الاختراق أشعلت العنف والاحتجاجات، وأمرت جموع المتظاهرين بالذهاب إلى السّياج والاشتباك مع الجيش.

حماس استغلت ما تعانيه إسرائيل من أزمة داخليّة قاسية، وسعيّها للتقارب وإبرام اتفاق سلام مع السعودية، وقد شعرت بأنّها قادرة على تحدي إسرائيل 


 وفي مثل هذا الوضع محظور على إسرائيل الخضوع للضغوط والاستجابة لمطالب حماس، حتى لو كانت مصلحة إسرائيلية تحسين الوضع الاقتصادي في غزة، فالأحداث على حدود القطاع تضع علامات استفهام فوق الفرضيّة التي تقول، إنّ لحماس ما تخسره من اللعب بالنار، وإنّها منصة لدقات قلب السكان الفلسطينيين في القطاع التواقين للهدوء والتهدئة، لعل حماس تؤمن بأنّ الطريق إلى تثبيت مكانتها في القطاع والحرص على رفاهية السكان، يستوجب اللعب بالنار وليس الحفاظ على التهدئة.


 هذا هو المنطق الذي يوجه خطى حماس وهذا هو طريق سلوكها، وللحقيقة فإنّ اللعب بالنار من ناحيتها هو رهان آمن إذ إنّه يمسك بإسرائيل كمردوعة، والدليل ضبط النفس الذي يرد به الجيش الإسرائيلي على التصعيد في الجنوب، بالامتناع عن استهداف مطلقي القنابل ومطلقي النار تجاه القوات على الحدود. 
حماس تستغل ضعف إسرائيل
إنّ مساعي حماس في إدخال المزيد من العمال للعمل داخل إسرائيل، كان يفترض أن يردعها عن البدء بتصعيد أي نوع من العنف، لكنّ الحركة التي حافظت على هدوء نسبي في غزة، روجت في المقابل بقوة للعمليات المسلحة والتحريض في الضفة الغربية والقدس، وبالتالي حددت مسرح الصراعات وكذلك جرعتها وتوقيتها، بجانب الاستمرار بحفر الأنفاق والتشدد في قضية الأسرى، ولذلك يمكن القول إنّ التصعيد الحالي مبادرة مخطط لها مسبقاً، وليس نتيجة حسابات خاطئة غير متوقعة، فالمواجهات العنيفة في منطقة السياج الفاصل بما فيها إطلاق النار، واستخدام العبوات الناسفة وإطلاق البالونات الحارقة عقب إغلاق المعابر، أدى إلى خسائر مالية كبيرة لسكان غزة.

حماس لا تريد تغيير جلدتها وهجر طريق الكفاح المسلح ضد إسرائيل، بل تريد أن تحافظ وتحسّن ضخ الأموال النقدية التي تحولها لها قطر
 


 ولكنّ حماس استغلت ما تعانيه إسرائيل من أزمة داخليّة قاسية، وسعيّها للتقارب وإبرام اتفاق سلام مع السعودية، وقد شعرت بأنّها قادرة على تحدي إسرائيل وانتزاع تنازلات لصالحها، وكانت على اقتناع بأنّ جولة المواجهة المحدودة على حدود القطاع ستنتهي في الزمن القريب، وأنّها ستحصل في المقابل على المزيد من المال القطري وربما امتيازات وتسهيلات إضافيّة، وسيعود الهدوء إلى غزة من جديد.
وهنا يمكن تشبيه تصرفات حماس بعائلة جريمة تدخل أموال الخاوة إلى جيوبها لكنّها لا تغير طريقها وسلوكها، ويجب أن تنهي إسرائيل الموضوع بسرعة، وإلا فإنّها تشجع حماس بمواصلة عادتها ورفع مطالبها، وهكذا فإنّها تقصر فترات الهدوء بين التصعيد والتصعيد.
مصدر الترجمة عن العبرية:
https://www.israelhayom.co.il/opinions/article/14656397




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية