ماذا بعد إدانة إخوان تونس وجناحهم السري في قضية البراهمي وبلعيد؟

ماذا بعد إدانة إخوان تونس وجناحهم السري في قضية البراهمي وبلعيد؟

ماذا بعد إدانة إخوان تونس وجناحهم السري في قضية البراهمي وبلعيد؟


19/02/2024

كشفت هيئة الدفاع عن المغدورين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عن مسألة لافتة تتصل بمحاولات مشبوهة لتسييس القضاء، وتدمير وإتلاف بعض الأدلة في قضايا تمسّ أمن الدولة، حتى أنّها تقدمت بشكوى جزائية في حق جميع القضاة الذين تسلموا ملف "الجهاز السري"، لأنّهم تورطوا في الصد عن كشف الحقيقة والولوج إلى القضاء.

مسألة تتقاطع مع أزمة تسييس القضاء في فترة حكم حركة (النهضة)، تحديداً في الفترة بين عامي 2013 و2014، التي شهدت تصعيداً لأحد قيادتها نور الدين البحيري في منصب وزارة العدل بحكومة "الترويكا"، وظهرت بعض الممارسات والتحركات التي اعتبر البعض أنّ من شأنها تقويض مسار العدالة أو الضغط على استقلاليتها لجهة السيطرة على الجهاز القضائي. 

وقد بدأت في تونس، بعد (11) عاماً من التعثر، محاكمة المتهمين في اغتيال شكري بلعيد وهو محامٍ وقيادي في حزب (الوطنيين الديمقراطيين الموحد) اليساري التونسي، الأمر الذي كتبت عنه الكاتبة الصحفية عواطف السويدي في مقال تحليلي مطول، نشره موقع (الحل نت)، تساءلت فيه عن السيناريو الممكن بعد اتهام حركة النهضة الإخوانية وجهازها السري بتنفيذ الاغتيالات السياسية. 

اغتيال بلعيد والبراهمي منعرج بتاريخ تونس

وقد نُفذ الاغتيال رمياً بالرصاص في شباط (فبراير) عام 2013، وأعلن تنظيم (داعش) الإرهابي في كانون الأول (ديسمبر) 2014 مسؤوليته عن اغتيال القياديين في الجبهة الشعبية شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي.

وتشمل جلسات استنطاق المتهمين (23) متهماً؛ من بينهم من هم في حالة سراح، وآخرون موقوفون في تهم "القتل العمد والتحريض على ارتكاب جرائم إرهابية والانضمام إلى مجموعات لها علاقة بتنظيم إرهابي، وجمع تبرعات لتمويل أشخاص لهم علاقة بأنشطة إرهابية، وتوفير أسلحة ومتفجرات لصالح تنظيم له علاقة بجرائم إرهابية".

 نُفذ الاغتيال رمياً بالرصاص في شباط (فبراير) عام 2013

وما زال ملف الاغتيال متواصلاً باعتبار وجود تحقيقات أخرى مفتوحة حول من خطط ودبر، ومن قام بحمايتهم على المستوى السياسي وعلى المستوى القضائي، إذ إنّ ملف شكري بلعيد له علاقة وطيدة بملفات أخرى، من بينها ملف "الغرفة السوداء بوزارة الداخلية"،  وملف "الجهاز السري".

واعتبر المقال التحليلي أنّ عملية اغتيال بلعيد، ومن بعده البراهمي في العام  نفسه 2013، مثلت منعرجاً في تاريخ تونس، فقد ساهمت الاغتيالات في نشأة أزمة سياسية في البلاد غيرت مسار الحكم، وانتهت بتغيير الحكومة الائتلافية المكونة من "الترويكا" أحزاب (النهضة والمؤتمر والتكتل)، وتعويضها بحكومة من المستقلين وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في 2014.

وضع حد للتلاعب

كما لفتت صاحبة المقال إلى اقتراب مسار القضية من الحسم، حيث أشاد عميد المحامين حاتم مزيو بانطلاق المحاكمة بعد (11) عاماً من الانتظار، مشيراً إلى أنّ ذلك يُعدّ إيجابياً للعدالة ولتونس بصفة عامة.

كما أكد المحامي عبد الناصر العويني عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد أنّ الهيئة تعتقد أنّ لديها 70% من الحقائق المتعلقة باغتيال بلعيد، مع تواصل العمل من أجل الكشف عن بقية الحقائق والتي سيتم تقديمها تباعاً إلى القضاء.

 

الفترة بين عامي 2013 و2014 شهدت تصعيداً لأحد قيادات حركة (النهضة) نور الدين البحيري في منصب وزارة العدل بحكومة "الترويكا".

 

وأوضح العويني خلال ندوة صحفية عقدتها الهيئة مؤخراً أنّ هذه الأخيرة تتعامل حالياً مع القضاء دون حواجز سياسية، ودون إخفاء الملفات والحقائق، والذي تم تسجيله خلال الفترة الماضية، واصفاً استنطاق المتهمين داخل جلسات المرافعة منذ أسبوعين بانطلاق استنطاق الحقيقة في هذه القضية.

تقاطع الزمن السياسي والقضائي

وعن انتفاء القيود والصعوبات التي رافقت ملف قضية بلعيد قضائياً، تقول عضوة هيئة الدفاع عن شكري بلعيد: إنّ القضية شهدت تعطيلاً كبيراً، وتواصلت لأكثر من (11) عاماً، وتم تقديم شكايات منذ أكثر من عام، ومازلت المحطات القضائية متواصلة.

 

محامون من هيئة الدفاع عن شكري بلعيد أعلنوا أنّهم سوف يرفعون قضايا أخرى لمحاولة إدانة زعماء من حركة (النهضة) و"جناحها السري"، لتبقى كل السيناريوهات واردة.

 

وأضافت إيمان قزارة في تصريح لموقع (الحل نت) أنّ معركة هيئة الدفاع كانت أساساً مع النيابة العمومية التي كانت تمانع في النظر بخصوص الشكايات، ومن أسباب التعطيل حسب تقديرها وضعية المرفق القضائي الذي يعاني من غياب الإمكانيات البشرية واللوجستية لدى القضاء، فضلاً عن سيطرة حركة (النهضة) على القضاء بعد الثورة.

وحول مسؤولية حركة (النهضة) عن هذا الاغتيال، أفادت قزارة بأنّ هيئة الدفاع اشتكت بقيادات في هذا الحزب منذ عام 2018، أبرزهم كمال البدوي وكمال العيفي ومصطفى خذر. وتتواصل الأبحاث مع الطاهر البوبكري وهو مستشار علي العريض، مؤكدة وجود تهم وجهت لهم بشكل رسمي تخص الانضمام إلى تنظيم إرهابي يؤدي إلى وفاق إرهابي ومن ثم إلى الاغتيال.

فرضيات حلّ حركة (النهضة)

المقال أشار أيضاً إلى التحذيرات التي يطلقها أنصار حركة (النهضة) بتوظيف اغتيال بلعيد لتصفية الحساب مع هذا الحزب، لكنّ الإعلامي والخبير في الدراسات الاستراتيجية كمال بن يونس اعتبر أنّه "خلافاً لما يروّج عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، لم يكونا من بين رموز اليسار المتطرف والإقصائي"، رغم انتقاداتهما الحادة لخصومهما، بما في ذلك داخل الجبهة الشعبية (اليسارية القومية)، وفي الائتلاف الثلاثي الحاكم وقتها ولقيادات أحزاب (النهضة والمؤتمر والتكتل)، وخاصة لراشد الغنوشي والمنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر ولرموز "التيار السلفي المتشدد" في تنظيمات (أنصار الشريعة، والقاعدة وداعش).

وتابع كمال بن يونس لـ (الحل نت) أنّ "التحقيقات القضائية والأمنية المطولة التي شاركت فيها مخابرات غربية في عهد الرئيس الباجي قائد السبسي أثبتت أنّ أغلب منفذي جريمتي الاغتيال من بين السلفيين المتشددين التابعين لتنظيم (أنصار الشريعة) الذي صنفته السلطات الأمنية والسياسية في تونس تنظيماً إرهابياً منذ منتصف 2013".

ويلفت كمال بن يونس إلى أنّه، حسب ما ورد في قرارات ختم الأبحاث ودائرة الاتهام، فإنّ أغلب المتهمين في التخطيط والتنظيم ينتمون إلى مجموعات "سلفية متشددة" قريبة من (أنصار الشريعة). في المقابل يعتقد محامون من هيئة الدفاع عن شكري بلعيد أنّ قياديين في حزب (النهضة) وفي حكومة "الترويكا" يتحملون مسؤولية سياسية في جريمة الاغتيال، وأعلنوا أنّهم سوف يرفعون قضايا أخرى لمحاولة إدانة زعماء من (النهضة) و"جناحها السري"، لتبقى كل السيناريوهات واردة.

وبحسب ما ورد في المقال، فإنّه من المرجح أن يكون للقضية تداعيات سياسية في حال إثبات القضاء تورط عناصر من حركة (النهضة).

 

من المرجح أن يكون للقضية تداعيات سياسية في حال إثبات القضاء تورط عناصر من حركة (النهضة).

 

وعن المسؤولية السياسية والأخلاقية للنهضة في قضية بلعيد، يعتبر كمال بن يونس أنّ إدانة شخصيات سياسية من الأحزاب التي حكمت في عشرية 2012-2021، وخاصة بعض قيادات حزبي (النهضة والمؤتمر) بزعامة راشد الغنوشي والمنصف المرزوقي، رهينة بالكشف عن ملفات النيابة العمومية والأمن، مضيفاً: "حالياً كل ما وقع الكشف عنه يدين أساساً تنظيمات سلفية متشددة".

إلى ذلك، يعتقد الإعلامي، بحسب (الحل نت)، أنّ تحميل حكومة "الترويكا" المسؤولية السياسية عن "تغوّل" السلفيين وعن العنف الذي مارسته مجموعات وشخصيات منهم وبصفة خاصة تلك التي تدربت على السلاح في "بؤر التوتر"، مثل ليبيا وسوريا والعراق، ثم عادت إلى تونس لترتكب جرائم إرهابية، أمر منطقي، لأنّ المسؤولية في هذه الحالة سياسية أساساً، والاتهامات قد توجه إلى أغلب الزعماء السياسيين والنقابيين الكبار الذين تصدروا الحكم منذ كانون الثاني (يناير) 2011.

ومن المتوقع أن تستغرق هذه الأحكام القضائية بعض الوقت، إذ ستمر بطوري الاستئناف والتعقيب، لكنّها ستفتح الباب أمام ارتدادات، سواء على حركة (النهضة)، أو على الساحة السياسية ككل.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية