ماذا تخفي مناورات أردوغان بسحب مرتزقته من ليبيا؟

ماذا تخفي مناورات أردوغان بسحب مرتزقته من ليبيا؟


24/03/2021

تلقّفت وسائل الإعلام العربية ما نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان، بصدور تعليمات تركية للمرتزقة السوريين في ليبيا، بالاستعداد للعودة إلى سوريا، باحتفاء ومصداقية كبيرَين، وساهم توقيت الخبر في ذلك؛ إذ جاء في ظلّ تودّد تركيا إلى مصر والخليج، ومع قرار أنقرة بتجفيف الخطاب الإعلامي التحريضي ضدّ مصر، الذي يقف وراءه الإخوان الفارّون إلى تركيا.

أردوغان يتحايل على الضغوط الدولية لسحب المرتزقة، عبر رحلات الاستبدال، أو سحب الأعداد الكبيرة من المرتزقة الذين لم يقبضوا مستحقاتهم، واستبدالهم بأعداد أقل

وتذهب معظم التحليلات إلى أنّ تركيا ستسحب المرتزقة تودداً إلى مصر، في سبيل تطبيع العلاقات الثنائية، لكنّ خطأ هذه التحليلات، هو وضعها لمصر كمركز في هذا التحوّل التركي، وكأنّ المكاسب التي ستحصل عليها تركيا من مجرد التطبيع مع مصر كفيلة بتبديل سياستها جوهرياً، إلى حدّ التخلي عن ليبيا.

التودّد التركي

ولا يأتي التودّد التركي في إطار صفقة محددة المعالم، يمكن القول إنّها تتضمن سحب المرتزقة من ليبيا، بل مبادرة نحو مصر والخليج، تنتظر استجابة، على عكس الصفقات التي تُعقد بين أطراف محددة، على قضايا بعينها، ولذلك من الصعب تصور أن تضحي تركيا بنفوذها في ليبيا، على أمل تحسين علاقاتها مع دول عربية.

رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، في زيارة غير معلنة إلى تركيا

وكذلك لن يتنازل أردوغان عن نفوذه في المنطقة، خاصة أنّ الملفات الضاغطة بيد خصومه من العرب غير كافية لدفعه نحو ذلك، ولهذا تتطلب قراءة انسحاب المرتزقة من ليبيا، ربطها بدوائر من المصالح والعلاقات أوسع من المحيط الإقليمي، كون الأزمة الليبية غير محصورة بالإقليم، بل هي أزمة دولية في أساسها، منذ تدخل الناتو، عام 2011، ضدّ القذافي، ما أدّى لسقوطه.

اقرأ أيضاً: ليبيا: قرار بتفكيك ميليشيات تابعة للسراج... هل تعود طرابلس إلى دائرة الاقتتال؟

وتبعاً لذلك؛ فهناك حسابات تركية بشأن وجود مرتزقتها في ليبيا تفوق مصالحها المشتركة مع مصر، بل لن يمنع هذا التواجد من حدوث تفاهمات بين الدولتين، ويكتسب الوجود التركي نفوذه من الروابط والعلاقات المنسوجة بكثافة مع القوى السياسية الليبية في الغرب الليبي، والتي بدأت القاهرة في التطبيع معها، رغم تمسكها بالارتباط بتركيا.

ومن جانب آخر؛ لا تتلقف الدول العربية التقارب التركي بمودة، فحجم الخلافات كبير جداً، خاصة مع

، وبينهما تناقض كبير في المصالح الثنائية، وتحديداً في ملف شرق المتوسط، الذي يعدّ أهم ما يجمع الدولتين، إلى جانب الموقف من الإخوان.

ومن زاوية مصر؛ فلا حقوق لتركيا في شرق المتوسط، سوى ما يحدده القانون الدولي، وهي الرؤية نفسها لليونان وقبرص وبروكسل والولايات المتحدة، وهو ما يرفضه أردوغان، والسياسة التركية من قبله، لكنّه من دخل صراعاً من أجله، بسبب الاكتشافات الهائلة للغاز في المنطقة، وما ترتب عليها من تحالفات إقليمية، كانت مصر محورها، عندما رسّمت حدودها البحرية مع قبرص واليونان، ثم تدشين منتدى شرق المتوسط للغاز، بمشاركة أوروبية وأمريكية؛ حيث بات هذا الملف منتهياً لمصر، ومتجاوزاً لأيّ دور تركي.

اقرأ أيضاً: ملف المرتزقة في ليبيا على طاولة الحوار... هل اقتربت نهايتهم؟

وبالنسبة إلى تركيا؛ فلن تتخلى عن نفوذها في ليبيا للسبب ذاته؛ فهي تستخدمه لخلق توتر في المنطقة، بهدف إجبار اليونان وقبرص على إعادة التفاوض حول الحدود البحرية، ولهذا وقّعت الاتفاقية البحرية مع حكومة الوفاق، في 2019.

قطعت مصر والسعودية والإمارات أشواطاً كبيرة في تعزيز العلاقات مع اليونان

وبحسب الصحفي والمترجم المتخصص في الشؤون التركية، عبد الله منصور؛ تقف جملة أسباب وراء تودد تركيا لمصر، منها "شعورها بالعزلة، والتي زادت مع إدارة بايدن، وتوتر العلاقات مع بروكسل، وكوّن مصر بوابة لتطبيعها الأوسع مع دول الخليج، إلى جانب تخفيف انتقاد المعارضة له بسبب القطيعة مع مصر، والتي أثرت سلباً على حقوق تركيا في شرق المتوسط، وفق رؤيتهم".

ويردف منصور، لـ "حفريات"، بأنّ الاقتصاد أهم عوامل التودّد التركي، ويقول "يريد أردوغان إنعاش الاقتصاد عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية مع مصر ودول الخليج، والتي تأثرت سلباً بشكل كبير".

ليبيا في الإستراتيجية التركية

وتحوز ليبيا مكانة كبيرة في إستراتيجية العثمانيين الجدد، التي يرفعها أردوغان بشكل علني، منذ عام 2011، لعوامل أيديولوجية وسياسية واقتصادية.

فمن الناحية الأيديولوجية، يسعى أردوغان لاستعادة الإرث العثماني في ليبيا، والذي امتد لقرون حتى الانسحاب المشين، والتخلي عنها لإيطاليا، في معاهدة لوزان الأولى (أوشي) لعام 1912، وكذلك الإرث العثماني في الدول العربية، عبر وسيط، وهو جماعة الإخوان المسلمين.

اقرأ أيضاً: مفارقة جديدة لأردوغان تتعلق بالمرتزقة في ليبيا!

وحقّق أردوغان نجاحاً كبيراً في ليبيا، بدعم قطري كبير، مستفيداً من القبول في الغرب الليبي بالأتراك، والذي يمتد لجذور تاريخية، خاصة في مصراتة، على عكس إقليم برقة، الذي لا يكنّ أيّ ودّ للإرث العثماني في البلاد.

وسياسياً؛ تأتي أهمية ليبيا من موقعها الجغرافي، الملاصق لشرق المتوسط، ولتشاركها حدود بحرية مع اليونان، وهو ما استغله أردوغان بتوقيع الاتفاقية البحرية، غير الشرعية، مع حكومة الوفاق، والتي أعلن رئيس الحكومة الجديدة، عبد الحميد الدبيبة، قبوله بها، وهي خطوة غير مُبشرة، كون أهم أعضاء السلطة الجديدة يؤيد اتفاقية مخالفة للقانون الدولي، وتضرّ بمصالح ليبيا، فضلاً عن عدم دستوريتها.

بلغ عدد المرتزقة السوريين الذين جنّدتهم تركيا في ليبيا 18 ألف مرتزق

إلى جانب ذلك؛ يرتبط الوجود التركي في ليبيا بعضويتها في حلف شمال الأطلسي، وهو ما سهّل لها التدخل العسكري، بدعم إدارة ترامب، في إطار النزاع بين واشنطن وبروكسل، وكذلك لموازنة الوجود العسكري الروسي، وارتباط وجوده في ليبيا بإدارة علاقاته بروكسل، ونفوذه في أفريقيا.

السياسي الليبي عبد المنعم اليسير لـ"حفريات": المرتزقة يتولون حماية القواعد العسكرية التركية في الوطية ومصراته وغيرها، ولا أعتقد أنّ أردوغان جادّ في سحب المرتزقة

ويحتل العامل الاقتصادي المكانة الكبرى، لوجود فرص اقتصادية ضخمة أمام الاقتصاد التركي في ليبيا، عبر التبادل التجاري، وعقود الشركات التركية، خاصة في مجال الطاقة والإنشاءات، وفوق ذلك؛ الفوائد المالية المباشرة، عبر الودائع الليبية في تركيا، والأموال المُهربة، والعوائد المالية من الخدمات الأمنية والتدريب العسكري والتسليح، وغير ذلك.

وفي هذا السياق، يؤكد السياسي الليبي، عبد المنعم حسين اليسير، أنّ أردوغان لم يأتِ إلى ليبيا لإنقاذ حكومة الوفاق، ولذلك لن يسحب المرتزقة حتى بعدما رحلت الوفاق.

ويردف اليسير؛ بأنّ هدف أردوغان "تحويل ليبيا إلى نقطة انطلاق لبسط نفوذه العسكري والسياسي لما بعد نهاية اتفاقية لوزان، كما يتصور، إلى جانب دخول ليبيا في إدارة علاقته مع روسيا، التي تتواجد عسكرياً هي الأخرى".

هل يسحب أردوغان المرتزقة؟

ذكر المرصد السوري، في التاسع عشر من الشهر الجاري، أنّ أوامر تركية صدرت للمرتزقة السوريين الذين جندتهم في ليبيا، بالتّأهّب للانسحاب خلال أيام معدودة، ويبلغ عددهم 7250 مقاتلاً، بعد العودة السابقة لنحو 10750 مقاتل، بنهاية العام الماضي.

اقرأ أيضاً: تركيا تسحب المقاتلين السوريين من ليبيا... تفاصيل

وأفاد المرصد في تقرير آخر، في 21 من الشهر الجاري، أنّ دفعة من مرتزقة "فصيل السلطان مراد"، ومقاتلين آخرين عددهم 120 مقاتلاً، عادوا من ليبيا، وأضاف أنّ مجموعة أخرى، عدد أفرادها 500 مقاتل، من فصيل "السلطان سليمان شاه" في عفرين، تستعدّ للرحيل إلى تركيا، مرجّحاً سفر هؤلاء إلى ليبيا.

وتنقض الأخبار السابقة توقعات سحب أردوغان المرتزقة من ليبيا، وتفتح الباب أمام تحليلات أخرى، منها أنّ أردوغان يتحايل على الضغوط الدولية لسحب المرتزقة، عبر رحلات الاستبدال، أو سحب الأعداد الكبيرة من المرتزقة الذين لم يقبضوا مستحقاتهم، واستبدالهم بأعداد أقل، وأكثر كفاءة، تؤدي خدمات الحماية والتأمين للقواعد التركية، وفي الوقت نفسه يستثمر ذلك أمام المجتمع الدولي ومصر.

اقرأ أيضاً: هل يهدد المجلس "الإخواني" الأعلى للدولة حكومة ليبيا الجديدة؟

وأشار السياسي الليبي، عبد المنعم اليسير، إلى أنّ المرتزقة يتولون حماية القواعد العسكرية التركية في الوطية ومصراته وغيرها، وأكد أنّه لهذا "لا أعتقد أنّ أردوغان جاد في سحب المرتزقة، ولا يمكن التعويل على ما يفعله، ولهذا يجب أنّ تتولى اللجنة العسكرية (5+5)، والمراقبون الدوليون انسحاب المرتزقة، وذلك بتفتيش القواعد التركية في الوطية وطرابلس والخمس ومصراتة".

السياسي الليبي، عبد المنعم حسين اليسير

ويتابع اليسير: "ما يقوم به أردوغان هو فرض أمر واقع على مصر وباقي الدول العربية، بقبول النفوذ التركي في بلادهم، بما في ذلك قطر والصومال وجيبوتي وليبيا وسوريا، وتحركاته الأخيرة بالتقارب من مصر هي مجرد مناورات وخداع لفرض الأمر الواقع، وسيستمر في هذا الخداع والمناورات حتى تخفت النداءات بخروج القوات الأجنبية من ليبيا".

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل استعادت ميليشيات الوفاق نشاطها؟.. الدبيبة أمام اختبار صعب

وسواء صدقت التوقعات بسحب أردوغان المرتزقة من ليبيا أم لا، فالأمر الأكيد أنّه لن يتنازل عن مكاسبه العسكرية مع غرب ليبيا، خصوصاً مع تزايد دعوات توحيد المؤسسة العسكرية، بما يشكل خطراً على نفوذ تركيا، فضلاً عن حاجتها لسيطرة مستمرة على طرابلس، لضمان التزام أيّة حكومة ليبية بالاتفاقيتَين البحرية والأمنية معها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية