هل يهدد المجلس "الإخواني" الأعلى للدولة حكومة ليبيا الجديدة؟

هل يهدد المجلس "الإخواني" الأعلى للدولة حكومة ليبيا الجديدة؟


20/03/2021

يتطلّب الوضع الليبيّ معالجة عاجلة للعوار الدستوري الكبير الذي تعيشه البلاد منذ الانقلاب على السلطة الشرعية، عام 2014، على يد الإخوان المسلمين والميليشيات الحليفة، وذلك لتحصين منجزات المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، في ظلّ زخم دولي وإقليمي ومحلي للخروج من الصراع طويل الأمد.

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل استعادت ميليشيات الوفاق نشاطها؟.. الدبيبة أمام اختبار صعب

وتسبّب تأخير معالجة هذا العوار في إخفاق اتفاق الصخيرات لعام 2015 في معالجة الانقسام، ودفع البلاد إلى خيار الحسم العسكري، الذي ثبتت استحالته، ما دفع الليبيين والقوى الإقليمية والدولية نحو الحلّ السلمي.

رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة

وتبدو الأوضاع الليبية الداخلية مهيئة لإنجاز تقدم نسبي على طريق الخروج من الانقسام، وبناء مؤسسات متوازنة تدفع نحو الاستقرار، لكن دون معالجة الأزمة الدستورية ستجد أطراف متعددة باباً مفتوحاً للتملص من الالتزامات.

وتُعبر الأزمة السابقة عن نفسها في وجود المجلس الأعلى للدولة، الذي يهيمن عليه الإخوان المسلمون وحلفاؤهم، والذي جرى إنشاؤه بموجب اتفاق الصخيرات لترضية الإسلام السياسي، الذي طرح المؤتمر الوطني العام، المنتهية ولايته، كجسم تشريعي منافس للبرلمان الليبي، المُنتخب شرعياً.

يظلّ المجلس الأعلى عبئاً على التسوية، وأداة مساومة بيد الإخوان المسلمين، بعد انكشاف ضعفهم السياسي في البلاد، عقب جمود الحسم العسكري.

وعبر المجلس الأعلى الذي اكتسب شرعيته بحكم الأمر الواقع فقط، يعاود الإخوان المسلمون التدخل في السلطة الانتقالية الجديدة، والافتئات على دور مجلس النواب، الذي نجح مؤخراً في توحيد صفوفه، ومنح الثقة للسلطة الجديدة، لتكون مسؤولة أمامه، مستنداً في ذلك إلى الإعلان الدستوري لعام 2011، بخلاف المجلس الأعلى الاستشاري الذي لم يجرِ تضمينه في الإعلان الدستوري، مثلما لم يضمن اتفاق الصخيرات.

المجلس الأعلى للدولة

ويترأس القيادي الإخواني، خالد المشري، المجلس الأعلى للدولة، وهو مجلس استشاري لحكومة الوفاق، نُصّ عليه في اتفاق الصخيرات، وكانت مهامه هي؛ التعاون مع مجلس النواب لتعديل الدستور والاستفتاء عليه وإجراء الانتخابات، وإبداء الرأي المُلزم لحكومة الوفاق في مشاريع القوانين قبل طرحها على مجلس النواب، دون إلزام النواب برأيه.

خالد المشري في زيارة إلى طبرق مرافقاً لوفد الدبيبة

وخلقت هذه النصوص تعارضاً دستورياً، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات؛ فمن ناحية جعلت المجلس الأعلى وصياً على الحكومة، بدلاً من أن تكون مسؤولة أمام مجلس النواب، الأكثر تمثيلاً للشعب الليبي، لكنّ انحياز حكومة الوفاق لصالح الميليشيات والإسلام السياسي في الغرب، أدخلها في قطيعة مع مجلس النواب، الذي لم يمنحها الثقة، أو يضمن اتفاق الصخيرات في الإعلان الدستوري.

اقرأ أيضاً: هل تطوي زيارة قيس سعيد إلى ليبيا صفحة "تدخلات الإخوان"؟

واليوم، مع الانفراجة التي تشهدها ليبيا، بعد الاتفاق على سلطة انتقالية جديدة، تتشكّل من مجلس رئاسيّ مستقلّ، وحكومة مستقلة مسؤولة أمام البرلمان، صار وجود المجلس الأعلى للدولة عبئاً على الوضع السياسيّ؛ كونه جسماً سياسياً غير شرعيّ دستورياً، ولا يحظى باعتراف دوليّ كبير، مثل مجلس النواب والسلطة الانتقالية الجديدة.

ومع ذلك، يظلّ المجلس الأعلى عبئاً على التسوية، وأداة مساومة بيد الإخوان المسلمين، بعد انكشاف ضعفهم السياسي في البلاد، عقب جمود الحسم العسكري، وصعود القوى الجهوية في الغرب الليبي، لتتشارك مع الشرق والجنوب في رسم مستقبل البلاد.

اقرأ أيضاً: ليبيا في عهدها الجديد

واستغلّ الإخوان المسلمون سيطرتهم على المجلس لشرعنة التدخّل التركي، ودعم الاتفاقيتين الأمنية والبحرية مع تركيا، ومن المرجّح أن يستمر المجلس في الدفاع عن المصالح التركية، على حساب مصلحة الشعب الليبي، مستنداً إلى الصلاحيات الواسعة التي منحها له اتفاق الصخيرات.

خالد المشري

ويريد رئيس المجلس الأعلى للدولة، الإخواني خالد المشري، الاحتفاظ بموقع مؤثر في الساحة السياسية، بعد أن فقد الإخوان هيمنتهم بحلّ حكومة الوفاق، وتسليم السلطة لحكومة الدبيبة.

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل تدفع حكومة الوفاق ثمن أخطائها بحق الدولة؟

وكان المشري ورئيس البرلمان، عقيلة صالح، قد خاضا جولات تفاوض واسعة، وممتدة على مدار سنوات، منذ عام 2018، طورت نظاماً سياسياً بديلاً بشكل نظري، وهو الذي اعتمدته الأمم المتحدة في ملتقى الحوار السياسي الليبي، وذلك بتشكيل مجلس رئاسي منفصل عن الحكومة، على عكس حكومة الوفاق التي جمعت بين الوظيفتين.

الإخواني خالد المشري من أهم داعمي التدخل التركي

وشهدت مدينة بوزنيقة المغربية مفاوضات صعبة بين الوفدين حول تقاسم المناصب السيادية على أسس جهوية، وجرى الاتفاق على منح إقليم طرابلس مناصب؛ المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، والنائب العام، وديوان المحاسبة، بينما يتولى إقليم برقة منصبي؛ مصرف ليبيا المركزي، وهيئة الرقابة الإدارية، في حين يتولى إقليم فزان المحكمة العليا، وهيئة مكافحة الفساد.

وجاء لقاء بوزنيقة تكملةً لمسار اتفاق الصخيرات، الذي فوّض النواب والأعلى لبحث آلية تقاسم المناصب السيادية، على أن يعود لمجلس النواب الحقّ في تعيين شاغلي هذه المناصب وإقالتهم، بموافقة ثلثي الأعضاء.

المحلّل السياسيّ سالم غانم، لـ "حفريات": عدد إخوان ليبيا لا يتجاوز عدّة مئات، لكنّهم يكتسبون حضورهم من الدعم البريطاني والتركي والقطري والأمريكي والإيطالي

ولا يضمن اتفاق بوزنيقة شرعية للمجلس الأعلى؛ إذ جرت المفاوضات بين الوفدين دون إقرار البرلمان للتعديل الدستوري الذي يشرعن وجود المجلس الأعلى، ولا يعني ذلك إهمال تفاهمات بوزنيقة، والمُرجح الالتزام بها، لأنّها عملية وواقعية في المقام الأول.

وإضافة إلى ذلك، من المتوقع صعود قوى في إقليم طرابلس مع حكومة الدبيبة، تنافس الإخوان المسلمين في التفاوض على اختيار شاغلي المناصب.

ويوضح المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، أنّ القيادي الإخواني، المشري، كان جزءاً من محاولة تقديم الإخوان لأنفسهم على أنّهم "حزب مدني قادر على تغيير ليبيا إلى دولة عصرية، لكن الواقع كشف كذب هذه الدعاوى وزيفها".

اقرأ أيضاً: ترحيب واسع بحكومة الوحدة الوطنية الليبية... ماذا عن أمريكا؟

ويضيف قشوط في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ المشري "انهزم في انتخابات المؤتمر الوطني عام 2012، وفي انتخابات النواب عام 2014، فلجأ إلى الميليشيات، عبر عملية "فجر ليبيا"، وحاز على حصة من السلطة التي انبثقت عن الصخيرات بحكم الأمر الواقع".

المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط

ويردف بأنّ المشري يحاول أن يخلق لنفسه مكانة في المشهد السياسي الحالي؛ لأنّه "يدرك أنّ المجلس الأعلى سيفقد كلّ قيمة إذا قام البرلمان بتضمين اتفاق جنيف السياسي في الإعلان الدستوري، والذي سيُجب بشكل دستوري كلّ جسم سياسي يستند إلى اتفاق الصخيرات".

وبفقدان الإخوان المسلمين للمجلس الأعلى يفقدون جسماً سياسياً أتاح لهم تعزيز نفوذهم سياسياً ودولياً، ودعم الوجود التركي في البلاد، والمساومة على حصة في الحكومة الجديدة.

المجلس والسلطة الجديدة

وحضر خالد المشري جلسة منح النواب الثقة لحكومة الدبيبة، رغم أنّه من أشدّ المعادين للمجلس، وفي ذلك يقول المحلل السياسي الليبي، سالم غانم؛ إنّ "حضوره في طبرق محاولة من الإخوان لإعادة أنفسهم للمشهد بالمنطقة الشرقية التي خرجوا منها بعد عملية الكرامة، لكن جرى تجاهله من عقيلة صالح والدبيبة، ويبدو أنّ بينهما تحالف لتهميش المجلس الأعلى".

اقرأ أيضاً: ما تداعيات أزمة منح الثقة للحكومة الجديدة في ليبيا؟

وأشار غانم، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ "عدد إخوان ليبيا لا يتجاوز عدّة مئات، لكنّهم يكتسبون حضورهم من الدعم البريطاني والتركي والقطري والأمريكي والإيطالي".

 

اقرأ أيضاً: هل سيغادر المرتزقة ليبيا؟.. وماذا عن منح البرلمان الثقة لحكومة الدبيبة؟

ووجّه المجلس خطاباً آخر إلى رئاسة مجلس النواب، تضمّن طلباً بعرض تضمين اتفاق الصخيرات وملتقى الحوار السياسي في الإعلان الدستوري على أعضاء مجلس النواب، بزعم تحصين السلطة التنفيذية الجديدة وملتقى الحوار من الطعون القانونية والدستورية.

المشري يبحث عن دور في المشهد السياسي الجديد

ولم ترد حكومة الدبيبة، أو المجلس، على مراسلات المشري، ويرى المحلل السياسي، محمد قشوط؛ أنّ "المشري يخشى من تضمين البرلمان لاتفاق جنيف في الإعلان الدستوري، دون شرعنة اتفاق الصخيرات، بمعنى أنّه سيجري شطب الصخيرات، بالتالي، المجلس الأعلى للدولة، وهو ما يبدو مرجحاً، خاصة أنّ مقترح الميزانية وصل إلى البرلمان دون اهتمام بعرضها على المشري ومجلسه".

اقرأ أيضاً: خبراء ليبيون: الإخوان تسعى لإفشال السلطة الجديدة

وحازت حكومة عبد الحميد الدبيبة على ثقة البرلمان في جلسته في العاشر من الشهر الجاري، وحلف المجلس الرئاسي اليمين الدستورية أمام المحكمة العليا، وسلّمت حكومة الوفاق السلطة إلى حكومة الدبيبة.

وبحسب ملتقى الحوار السياسي الليبيّ؛ فمن المقرّر إجراء الانتخابات العامة في 24 من كانون الأول (ديسمبر) المقبل.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية