ماذا تعرف عن رئيس أذربيجان إلهام علييف؟

ماذا تعرف عن رئيس أذربيجان إلهام علييف؟


06/10/2020

غياث كنعو

رغم أنه ولد وعاش في كنف رجل يعد من خريجي المدرسة الأمنية السوفييتية، وكان مسؤولا كبيرا فيها لاحقا، إلا أن ذلك لم يسعف الرئيس الأذري إلهام علييف ليمتلك ذاك الحس الذي كان لدى والده حيدر علييف، ويجنب بلاده الصراعات والتشابكات الإقليمية والدولية. 

لم يمنحه اسمه أيضا ذلك الإلهام في قراءة ما يجري من حوله. كل ما حمله من إرث والده هو العقلية الاستبدادية الدكتاتورية التي استمدها من حكم دكتاتورية البروليتاريا السوفييتية، فإلى جانب تبوّئه منصب رئاسة الرئاسة فهو رئيس حزب أذربيجان الجديدة أيضا، محولا نظام الحكم في بلاده إلى جمهورية ملكية على غرار كوريا الشمالية ومن ثم سوريا التي انتقل فيها الحكم من الأسد الأب إلى ابنه في مسرحية لم يشهد لها التاريخ مثيلا.

خلع ثوب الشيوعية

علييف الذي ولد في باكو عام 1961 عاصمة جمهورية أذربيجان السوفييتية آنذاك وأكمل دراسته الإعدادية والثانوية فيها، لم يستطع بداية التخلص من نمط التفكير الحكومي السوفييتي بعد تخرجه من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية التابع لجامعة موسكو عام 1982، ومن ثم حصوله على شهادتي الماجستير والدكتوراه عام 1985، ليصبح محاضرا واستاذا في الجامعة ذاتها، لكنه تمكن خلال فترة قصيرة من نزع ثوب الشيوعية عنه وانطلق نحو بناء أذربيجان بثوب جديد، مع احتفاظه بسياسة القبضة المركزية المتشددة، عبر جمعه بين الرئاستين الدولة والحزب.

وقبل شهرين من موعد الانتخابات الرئاسية التي كان فيها والده هو المرشح الوحيد، تم تعيين علييف كرئيس للوزراء، ليصبح بعد ذلك المرشح الوحيد لحزب والده في تلك الانتخابات ويتولّى الرئاسة خلفا لوالده، إثر تعرض الأخير لأزمات صحية أجبرته على تلقّي العلاج في الولايات المتحدة، ويوافيه الأجل هناك بعد معاناة مريرة مع قصور في القلب والكليتين.

سيصبح علييف الابن بذلك الرئيس الرابع لأذربيجان خلال الفترة الممتدة من عام 1991 وهو عام تفكك الاتحاد السوفييتي واستقلالها عنه حتى هذه اللحظة، حيث عين إياز مطليبوف الرئيس الأول للجمهورية الجديدة، مستمرا في فترتين قصيرتين لم تتجاوزا بضعة أشهر قبل عزله، ومن ثم أبوالفضل إلجي بيك، ليتسلم منصب الرئاسة بعدهما الرئيس علييف الأب ثم الابن.

موقع جيوسياسي حساس

بعيدا عن كل ما سبق عن تحول الرئاسة إلى وراثة في هذه الجمهورية التي تتمتع بموقع جيوسياسي معرّض للهزات والتقلبات السياسية والارتدادية منها، إلا أنه يسجل للرئيس علييف الابن الذي يجيد التحدث باللغات الثلاث التركية والروسية والفرنسية أن البرامج الحكومية المتعلقة بالتنمية الاجتماعية – الاقتصادية التي اعتمدها أدت ليس فقط إلى مجرد تقليص الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية بل حتى إلى القضاء عليها.

 وزودت مناطق كثيرة في أذربيجان بالبنى التحتية اللازمة، متقدمة على العديد من المدن والقرى الأوروبية بما فيها الغربية منها. ووفقا لتعليمات علييف، فقد باتت أذربيجان بلدا غازيّا بالمعنى الاستعاري للتسمية، إذ بات ما يقارب 90 في المئة من السكان يعتمدون على الغاز الطبيعي، إلى جانب تطوير شبكة مياه الشرب وشق الطرق وفق المواصفات الدولية وإصلاح القديم منها، وتركت الزيارات الميدانية التي قام بها علييف أثرا كبيرا على آلية وسير العمل بوتيرة عالية، إلى جانب فتح باب مكتبه أمام المسؤولين في الهيئات التنفيذية والمحافظات، الأمر الذي لاقى ترحيبا واسعا، وعزز من مكانة الرئيس لدى الأذريين.

لقد اتخذت مبادرات سياسة الطاقة التي اتخذها الرئيس الشاب والمشاريع الجارية أبعادا عالمية متحررة من الأُطُر الإقليمية، وحولت أذربيجان إلى واحدة من الدول الفاعلة على الساحة الدولية، حيث أنجز في عام 2006 إنشاء خط أنابيب النفط باكو – تبليسي – جيهان. وهكذا، وبعد أن تم توقيع “عقد القرن” بدأ تدفّق ضخم من الاستثمارات الأجنبية إلى أذربيجان التي باتت تلعب اليوم دورا هاما في ضمان أمن الطاقة في أوروبا، لاسيما بعد أن تم إطلاق “تاناب”، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المشروع الذي يعد واحدا من أكبر مشاريع الطاقة في العالم بين أذربيجان وتركيا.

ويضاف إلى التاريخ الذهبي الجديد لأذربيجان وسياسة الطاقة التي تبنتها، وضع حجر أساس “ممر الغاز الجنوبي” لمشروع الطاقة العالمي في القرن الحادي والعشرين، كما تم تمديد “عقد القرن” لمدة 50 عاما أخرى. وبمبادرة من أذربيجان تم تشغيل مشروع عالمي آخر هو إنشاء سكة حديد باكو – تبليسي – كارس ويعتبر هذا المشروع الحيوي الممر الرئيسي للنقل الذي يربط آسيا وأوروبا وفتح آفاقا واسعة أمام أذربيجان.

ونتيجة لسياسة علييف الابن المدروسة جيدا والبعيدة النظر، تطور اقتصاد البلد بسرعة وديناميكية، فعندما انتخب علييف للمرة الأولى، وعد بتأمين 600 ألف فرصة عمل جديدة في البلاد، إلا أنه تجاوز الرقم الذي وعد به، وتم تأمين مليون فرصة عمل جديدة على مدى السنوات الـ14 الماضية. ونتيجة لهذه الخطوات وغيرها، انخفض الفقر من 50 في المئة إلى 5 في المئة، وبات اقتصاد البلد بحسب تقديرات خبراء الاقتصاد الأسرع نموا في العالم، حيث شهد اقتصاد أذربيجان نموا تراوح بين 3 إلى 4 أضعاف.

وضع لا يُحسد عليه

النزاع المتجدد مع أرمينيا نسج علييف علاقات خارجية متوازنة إلى حد ما مع دول الجوار وآسيا وأوروبا والأميركتين والعديد من دول العالم والمنظمات الدولية، ما منحه فرصة المناورة والتحرك على الساحة الدولية، مستغلا الوضع النفطي لبلاده الذي أتاح له اعتبار أذربيجان لاعبا أساسيا في نظام العلاقات الدولية.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم على خلفية الصراع الذي تفجر اليوم بين أذربيجان والجارة أرمينيا؛ كيف سيقود علييف دفة النزاع القديم المتجدد والأسوأ منذ سنوات، في ظل الأجواء الإقليمية والدولية الملبدة بغيوم سوداء حجبت الرؤية ودفعت بطرفي النزاع إلى التشدد بمواقفهما ورفع سقف الشروط لوقف الحرب المستمرة منذ أيام وأوقعت الكثير من الضحايا، لاسيما وأن علييف وعد شعبه بتحقيق الانتصار على القوات الأرمينية بحسب تعبيره؟ 

لقد تسارعت حدة النزاع على خلفية التصريحات المتبادلة بين البلدين، وذلك في ضوء إعلان علييف عن سيطرة قواته على مدينة جبرائيل الاستراتيجية التي يسيطر عليها الجيش الأرمني منذ نحو ثلاثة عقود، وهو الأمر الذي نفته وزارة الدفاع الأرمنية ووصفت هذه الادعاءات بالزائفة.

ومع ذلك صعّد الرئيس الأذري من شروطه المتشددة حيال وقف إطلاق النار ووضع حد لهذا النزاع الذي حصد أرواح المئات من الضحايا، عسكريين ومدنيين من الطرفين، حيث رفض علييف أي نوع من أنواع التفاوض قبل انسحاب أرمينيا من إقليم ناغورني قره باغ من دون شروط، وتقديم الاعتذار عن احتلالها لهذا الإقليم، وفي النهاية اعتراف أرمينيا بأن الإقليم أرض أذرية حينها يمكن التفاوض على وقف إطلاق النار ومن غير ذلك لا تفاوض معها.

السؤال الأكثر عمقا والذي يفرض نفسه أيضا؛ من هو الطرف الإقليمي أو الدولي الذي أشعل فتيل النزاع بين الجارتين، ووضع علييف في مواجهة رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان المتشدد هو الآخر، ليس هذا فحسب، بل سيجد الرئيس علييف نفسه في مواجهة روسيا نفسها وفق الاتفاقيات الثنائية الموقعة بينها وبين أرمينيا، وستوفر لهذه الأخيرة الدعم سياسيا وعسكريا، لاسيما وأن روسيا لن تتخلى عن خط البحر الأسود وبحر قزوين بالكامل بعد أن فقدت منطقة القوقاز إثر تفكك الاتحاد السوفييتي.

 في الحقيقة الأسئلة المطروحة أمام الرئيس الأذري باتت كثيرة ومتنوعة، وماذا سيفعل الرئيس الأذري رغم دعم الجانب التركي له، خاصة وأن حليفته إيران هي الأخرى تقف مع روسيا إلى جانب أرمينيا؟ وكيف سيواجه كل هذه التشابكات والتدخلات؟ وهل سيكون بمقدوره تحقيق الانتصار كما وعد شعبه؟

ويثير ولاء علييف المزودج لكل من إيران وتركيا وبالتوازي معهما روسيا، العديد من التساؤلات وسط ضجيج المعارك الدائرة بين كل من أذربيجان وأرمينيا هذه الأيام. فقد اتهمت وسائل إعلام تركية إيران بإمداد ودعم أرمينيا بآليات عسكرية وسلاح روسي عبر أراضيها، في الوقت الذي يتمتع فيه البلد ذو الغالبية الشيعية بعلاقات مميزة مع طهران. إذ يشكل الشيعة نسبة 85 في المئة من إجمالي سكان أذريبجان البالغ عددهم 10 ملايين نسمة. وهي ثاني أعلى نسبة من المسلمين الشيعة في أي بلد في العالم.

ولكن لا يغيب عن الحسبان أن الأذريين ليسوا محصورين داخل تلك الجمهورية الصغيرة وحسب، بل إنهم يجسدون في إيران ثاني أكبر قومية بعد الفرس بنسبة 16 في المئة، وهم يتمتعون بمكانة مهمة في الدولة، ومناطقهم تعد الأكثر تطورا ورخاء، ما يجعل من حسابات نظام الولي الفقيه تختلف هنا، ولا تتجه نحو نصرة شيعة العالم كما تزعم. وعندئذ يصبح دعم أذربيجان تعزيزا لتلك القومية التي تثير قلق السلطات في الجمهورية الإسلامية التي تعتبر نفسها قطب الشيعة في العالم. 

وفي المحصلة هل سينجح علييف في الحرب كما نجح في الاقتصاد، وينهي هذا النزاع بأقل الخسائر المحتملة، أم أنه سيظل مصرا على عدم وقف القتال لحين انسحاب القوات الأرمينية من الإقليم؟ وفي الأخير هل سيكون بمقدور تركيا الذهاب بعيدا في دعمها ومساندتها لأذربيجان؟   

ختاما يمكن القول إن الرئيس الأذري وضع في موقف لا يحسد عليه، قد يؤدي إلى وضع الأطراف الدولية يدها على هذا البلد الغني بالنفط والغاز، قادم الأيام كفيل بالجواب على مدى قدرة علييف على الخروج منتصرا من هذا النزاع الذي يبدو وكأنه كامن تحت الرماد يشتعل حين الطلب.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية