ماذا على العالم أن يفهم حينما تتحدث الصين عن "رائحة البارود"؟

ماذا على العالم أن يفهم حينما تتحدث الصين عن "رائحة البارود"؟


كاتب ومترجم جزائري
14/04/2021

ترجمة: مدني قصري

"رائحة البارود"؛ إحدى العبارات التي تستخدمها بكين لإيصال رسالة الحرب. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّ هذا المصطلح المشحون بالانفعال يستخدمه، عن طيب خاطر، رواد الدعاية الصينيون لإثارة غضب الجمهور في الصين القارية (1). يحاول الحزب الشيوعي الصيني، الآن، إثارة المشاعر القومية، وحشد الشعب الصيني، وربما أيضاً تهيئته للحرب.

والأهم من كلّ ذلك؛ أنّ بكين تُقدّم رؤية أصولية للعالم، وتحاول تشكيل تحالف عالمي مناهض للبيض.

نصح دنغ شياو بينغ، خليفة ماو الأكثر براغماتية، الصينَ "بإخفاء قوتها، إلى أن يحين وقتها"، لكنّ شي جين بينغ يعتقد أن وقت الصين قد حان، وتحليله في هذا الشأن هو أنّ أمريكا تدخل الآن  مرحلة من الانهيار النهائي.

دنغ شياو بينغ

لا شكّ في أنّ شي جين بينغ جاد في تصوراته؛ في كانون الثاني (يناير)، قال لجيشه الآخذ في التوسّع إنّه يجب أن يكون مستعدًا للقتال "في أيّ وقت"، وفي الشهر نفسه، كانون الثاني (يناير)، سحبت اللجنة العسكرية المركزية للحزب من مجلس الأحوال المدنية سلطةَ إصدار أمر تعبئة المجتمع بأسره في حالة الحرب، الدول المتشددة لا تستعد للصراع، لتتراجع بعد ذلك.

سادت "رائحة بارود قوية"، في 18 آذار (مارس)، في أنكوريج، خلال الاجتماع بين الدبلوماسيين الأمريكيين والصينيين، جاء التعبير على لسان تشاو ليجيان من وزارة الخارجية الصينية، في حديث بعد ساعات من انتهاء اليوم الأول للمحادثات الأمريكية الصينية.

الإشارة إلى "رائحة البارود" تهدف إلى تفتيت العالم على أسس عرقية، وأنه يجب على الجميع أن يفهموا أنّ وقت الحرب قد آن أوانه

عندما تتحدث بكين عن "رائحة البارود" يجب على الجميع أن يفهموا أنّ وقت الحرب قد آن أوانه.

الأمر الأكثر إثارة للقلق؛ أن مُروّجي الدعاية الصينيين يعرفون الشحنة الانفعالية القوية التي تنطوي عليها هذه العبارة؛ إذ يتم استخدامها لتذكير سكان البرّ الرئيس للصين (الصين القارية ) بالاستغلال الأجنبي - البريطاني والأبيض - للصين خلال حرب الأفيون، في القرن التاسع عشر، يعمل الحزب الشيوعي الصيني الآن على تأجيج المشاعر القومية لتعبئة الشعب الصيني، وربما إعداده للحرب.

اقرأ أيضاً: الصين تشن حرباً على الوكالات العالمية... ما علاقة الإيغور؟

والأهم من كلّ ذلك؛ أنّ الإشارة إلى "رائحة البارود" تهدف إلى تفتيت العالم على أسس عرقية، والوصول إلى تحالف عالمي مناهض للبيض.

كان هناك أكثر من مجرد رائحة البارود في ألاسكا، اتهم تشاو، من وزارة الخارجية، عضوين بارزين في الوفد الأمريكي، وزير الخارجية أنطوني بلينكين، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، بتجاوز الوقت المخصص لتقديم ملاحظاتهما الافتتاحية، لقد تجاوز بلينكين وسوليفان الأربع دقائق المخصصة لهما بــ 44 ثانية.

رأت "جلوبال تايمز" (Global Times)، صحيفة الحزب؛ أنّ عروض الأمريكيين قد "فاضت بشكل خطير"، وقال تشاو، من وزارة الخارجية، إنّ تجاوز الوقت المخصص للتحدث قد دفع الجانب الصيني إلى الشروع في تقديم عَرضَين استغرقا 20 دقيقة و23 ثانية، أي أبعد بكثير من الدقائق الأربع المخصّصة لكلّ جانب أصلاً.

يانغ جيتشي، كبير الدبلوماسيين الصينيين، ومساعده، وزير الخارجية وانغ يي، قرآ نصوصاً معدّة سلفاً؛ لذلك بدا أنّ الكثير من ملاحظاتهما، وهي في الواقع خطابات طويلة، كانت مكتوبةٌ مسبقاً.

اقرأ أيضاً: التفاهم مع الصين بين ضرورات النظام وخيارات المجتمع

إضافة إلى سخط الدبلوماسيين وتعليقات تشاو التحريضية، هناك عنصر ثالث يستحق الذكر: تم إطلاق الدعاية الصينية ضدّ سياسات وصفتها بكين بالعنصرية، وكانت أمريكا هي الهدف الرئيس لهذه الهجمات.

"كلّ ما تتحدّث عنه واشنطن يتركّز حول الولايات المتحدة وتفوق البيض"، هذا ما جاء في افتتاحية في صحيفة "جلوبال تايمز" الشيوعية، في 19 آذار ( مارس)، في إشارة إلى البشرة الداكنة لــ "بعض حلفاء" أمريكا في المنطقة.

اقرأ أيضاً: الصين تحكم بالإعدام على مسؤولين من الإيغور... هذه التهم الموجهة إليهم

علاوة على ذلك، كانت هذه الحبكة المناهضة للعنصرية علامةً واضحة على حملةٍ صحفية في صحف الحزب الشيوعي الدعائية، كانت جميع المقالات تهدف إلى تنصيب الصين كحامية للآسيويين في الولايات المتحدة، في 18 آذار (مارس)، اتهمت "جلوبال تايمز" "جزءاً من النخبة الأمريكية (بالتواطؤ) في جرائم ضدّ الأمريكيين الآسيويين".

قال تشاو ليغيان من وزارة الخارجية الصينية إن هناك "رائحة بارود قوية" خلال الاجتماع بين الدبلوماسيين الأمريكيين والصينيين

أن تلعب بكين ورقة العِرق في أمريكا الشمالية فهذا ليس بالأمر الجديد؛ فقد حاولت الصين في الماضي تقسيمَ كندا وفق أسس عرقية، وقد شجب لو شاي، سفير بكين لدى كندا، "الأنانية الغربية وتفوّق البيض" في محاولة فاشلة للحصول، في أوائل عام 2019، على الإفراج الفوري عن منغ وانزهو، المدير المالي لشركة "Huawei Technologies"، المحتجز من قبل السلطات الكندية بسبب إجراءات تسليمه كانت قد شرعت فيها وزارة العدل في عهد الرئيس دونالد ترامب.

ظاهرياً، في أنكوراج، أشار يانغ جيتشي، في خطابه الافتتاحي، إلى احتجاجات "حياة السود مهمة" (Black Lives (Matter ، لإعطاء وزن أكبر للاتهام بالعنصرية الموجَّه ضدّ أمريكا.

لم تتصرف إمبراطورية اليابان في الثلاثينيات بطريقة مختلفة: فقد سعت من خلال فضائها من الرخاء المشترك الشهير لشرق آسيا الكبرى، إلى توحيد الآسيويين ضدّ البيض

يواصل النظام الصيني الثناء على قوّة الصين، لكن وفق خطِّ دعاية ما انفكّ يثير القلق، رواية شي جين بينغ هي أنّ الصين تأتي في طليعة صعود "الشرق"، وفي خطاب تاريخي في نهاية العام الماضي، قال شي جين بينغ إنّ "الشرق ينهض والغرب يتقهقر".

لم تتصرف إمبراطورية اليابان في الثلاثينيات بطريقة مختلفة: فقد سعت أيضاً، من خلال فضائها من الرخاء المشترك الشهير لشرق آسيا الكبرى، إلى توحيد الآسيويين ضدّ البيض.

تقودنا مسألة الانقسامات العرقية، مباشرة، إلى "صراع الحضارات"، لصموئيل هنتنغتون، لقد كتب العالم السياسي بجامعة "هارفارد": "في عالم ما بعد الحرب الباردة، ليست الاختلافات الأبرز بين الشعوب اختلافات أيديولوجية أو سياسية أو اقتصادية"؛ "فهي اختلافات ثقافية".

انتقد المحللون والأكاديميون، بشدة، عملَ هنتنغتون الأساسي، عام 1996، لكنْ، سواء كان هذا العمل منحرفاً، أو معيباً، بشكل أساسي، فمن المؤكد مع ذلك أنّ شي جين بينغ يحاول إعادة بناء النظام العالمي على أساس حربٍ حضارية تضع "الشرق" في مواجهة "الغرب".

كان ماو تسي تونغ، بطل شي، قد توقّع بالفعل، أنّ الصين ستقود أفريقيا وشعوب آسيا ضد الغرب؛ لذلك لا يوجد شيء جديد جوهري حول الانقسام العالمي الذي عبّر عنه شي، لكنّ خلفاء ماو سرعان ما تخلوا عن مثل هذا الخطاب العنصري، من أجل تقوية دولتهم الشيوعية برأس مالٍ وتكنولوجيا الغربيين.

اقرأ أيضاً: هل ترتكب الصين إبادة ثقافية بحق المسلمين في شينغيانغ؟

نصح دنغ شياو بينغ، خليفة ماو الأكثر براغماتية، الصين "بإخفاء قوتها إلى أن يحين وقتها"، ويعتقد شي أنّ وقت الصين قد حان، وأنّ انحطاط أمريكا قد اكتمل تقريباً.

نظرةُ شي جين بينغ للعالم شائنة وخاطئة، لكنّ الأمريكيين لا يملكون ترف تجاهلها، يجب أن يعلموا، هُم والآخرون، أنّ في ذهن شي، العِرق هو الذي يحدّد الحضارة، والحضارة هي الخطّ الفاصل الجديد في العالم.

اقرأ أيضاً: دلالات الاستدارة الإيرانية نحو الصين

شي جين بينغ جاد في كلامه؛ ففي كانون الثاني (يناير)، قال لقادة الجيش المتنامي إنّ عليهم أن يكونوا مستعدّين للقتال "في أي وقت"، وفي الشهر نفسه، سحبت اللجنةُ العسكرية المركزية للحزب سلطةَ إصدار مرسوم التعبئة للحرب، من المؤسسة المدنية لمجلس الدولة.

نادرًا ما تستعدّ الدول المتشددة لخوض الصراع، للتراجع عنه، هكذا يتنفس الحزب الشيوعي الصيني رائحة البارود في اللحظة التي يطلق الرئيس الصيني العنانَ لصِدام الحضارات - والأعراق.

هامش:

(1) البر الرئيس للصين (الصين القارية ) ينطبق على جمهورية الصين الشعبية، بدون هونغ كونغ أو ماكاو أو تايوان (وكذلك الجزر الأخرى الموضوعة مثل الأخيرة، تحت سيادة جمهورية الصين) .

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

fr.gatestoneinstitute.org



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية