ماذا يجري داخل حزب العدالة والتنمية المغربي؟

ماذا يجري داخل حزب العدالة والتنمية المغربي؟


26/09/2021

تعصف أزمة مركّبة كبيرة بحزب العدالة والتنمية، ذراع جماعة الإخوان المسملين في المغر، بعد خسارة الانتخابات التشريعية.

اقرأ أيضاً: الانتخابات المغربية: الدرس الأخير في مستقبل التيارات الإسلامية

 الهزيمة القاسية التي مُني بها الحزب في الانتخابات البرلمانية المغربية الأخيرة تعود إلى زيادة البطالة وارتفاع معدلات الفقر وتراجع شعبية الإسلاميين في المنطقة، وهو ما أثر على شعبية الحزب لدى قواعده الشعبية، وأثر أيضاً على علاقة القادة التي تشوبها خلافات كثيرة وخصومات وصلت إلى مراحل الاستقطاب، وفق ما نقلت شبكة "بي بي سي".

 

نتائج الانتخابات أثرت على شعبية الحزب لدى قواعده الشعبية، وأثرت أيضاً على علاقة القادة التي تشوبها خلافات كثيرة وخصومات

 

على سبيل المثال، اتخذ عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران من الهزيمة فرصة للانتقام من رئيس الحزب والحكومة سعد الدين العثماني، فقد طالبه بالاستقالة بعد الهزيمة الكبيرة في الانتخابات البرلمانية.

 وحمّل  بنكيران، في بيان نشره عبر صفحته على فيسبوك، مسؤولية خسارة الحزب في الانتخابات للعثماني، قائلاً: "لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة إلا أن يتحمل السيد الأمين العام مسؤوليته ويقدم استقالته من رئاسة الحزب والتي سيكون نائبه ملزماً بتحملها".

 وبعد هذه المطالب أعلنت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في المغرب، بعد الانتخابات بأيام، تقديم أعضائها وعلى رأسهم الأمين العام سعد الدين العثماني، استقالتهم من الأمانة العامة، مع استمرارها في تدبير شؤون الحزب الذي يُحسب على تيار ما يُعرف بـ"الإسلام السياسي".

 فضلا عن ذلك، قررت قيادة الحزب عقب الهزيمة التي وُصفت بالمدوية أن تدعو إلى التعجيل بعقد مؤتمر وطني استثنائي في أقرب وقت ممكن.

 بدوره، وصف الكاتب في صحيفة "هسبريس" المغربية أحمد عصيد ما حصل في الانتخابات بأنه "لم يكن متوقعاً، إذ لا يتعلق الأمر بهزيمة انتخابية أو بمجرد تراجع كما كنا نعتقد، بل بانهيار كامل لتنظيم الإخوان المسلمين بالمغرب، بسقوط مدوّ يعود إلى تآكل في مكونات الكتلة الناخبة للحزب"، وشرخ كبير في قواعده، بالإضافة إلى سوء التنسيق بين قادته ومحاولتهم الايقاع ببعضهم البعض.

 

أحمد عصيد: انهيار تنظيم الإخوان المسلمين بالمغرب بسبب الانقسام الداخلي الحادّ داخله، وسوء التنسيق بين قادته

 

 ويرى الكاتب أنّ هذه الكتلة الناخبة "تفككت" لعدة أسباب؛ منها "السخط الشعبي الذي لم تعُد تنفع معه لعبة الأقنعة التي تعوّد عليها الحزب، أي المشاركة في الحكومة ولعب دور المعارضة في الوقت نفسه، والانقسام الداخلي الحادّ منذ المؤتمر الأخير للحزب، ودينامية الأطراف السياسية الأخرى وعملها التعبوي بأساليب عصرية جديدة".

 وحول ماذا يحدث الآن داخل حزب العدالة والتنمية بعد خسارة الانتخابات، نقل موقع "عربي بوست" الأمريكي عن مصادر متطابقة أنّ عدداً من قادة الصف الأول والثاني في حزب العدالة والتنمية فتحوا نقاشات بشأن مستقبلهم السياسي، سواء داخل الحزب أو خارجه.

 وكشفت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها عن وزيرين وصفتهما بقائدي هذه العملية؛ الأول هو وزير الطاقة والمعادن والبيئة، عضو الأمانة العامة عزيز رباح، وهو أيضاً الرئيس السابق لمجلس مدينة القنيطرة (شمال الرباط)، الذي يُعد واحداً من المسؤولين السابقين داخل شبيبة العدالة والتنمية.

اقرأ أيضاً: إخوان المغرب وإخوان المشرق واختلاف آليات السقوط

 والشخصية الثانية هو وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء عبد القادر عمارة، الذي يشغل منصب المسؤول المالي داخل حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى عضويته في الأمانة العامة للحزب، والذي استمر في هذا المنصب المالي أعواماً طويلة.

 وأوضحت المصادر ذاتها أنّ القياديين رباح وعمارة يعملان على الموضوع منذ فترة، وأنهما عمّقا من خلال مسؤولياتهما داخل الحكومة علاقاتهما مع أعضاء الحزب الذين كانوا يرأسون الجماعات الترابية في المرحلة السابقة.

اقرأ أيضاً: قراءة في نتائج الانتخابات المغربية.. سقوط آخر معاقل الإخوان

 وأفادوا أنّ رباح وعمارة ليسا وحدهما في هذا التحرك، بل انضم إليهما وزراء آخرون يعملون في الخفاء، من قبيل وزير التشغيل السابق وعضو الأمانة العامة محمد يتيم، ووزير الشغل في حكومة سعد الدين العثماني المنتهية ولايتها محمد أمكراز.

 وأعربت مصادر قيادية في الحزب عن استغرابها لتورط مسؤولين آخرين مع عزيز رباح في هذا الأمر، خاصة أنّ الأخير دخل في خصومة شديدة مع عبد الإله بن كيران، الذي يتوعد بإبعاد رباح في حال عودته إلى الحزب.

 

عدد من قادة الصف الأول والثاني في الحزب فتحوا نقاشات بشأن مستقبلهم السياسي، سواء داخل الحزب أو خارجه

 

 واعتبرت المصادر ذاتها أنّ رباح لم يكن على خلاف مع بن كيران فقط، بل دخل قبل فترة من الزمن في صراع مع وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والمجتمع المدني والعلاقات مع البرلمان مصطفى الرميد، وكان ذلك من الأسباب التي دفعت الأخير إلى الاستقالة من الحزب.

 وأشارت المصادر ذاتها إلى أنّ ما يقوم به الرباح أكبر من مجرد نقاش حول مستقبل الحزب، أو حتى البحث عن تأسيس حزب جديد، بل هو أقرب إلى المؤامرة التي تستهدف الحزب الذي نشأ فيه واكتسب منه وضعه في المجتمع والدولة.

 وانتشرت الأسبوع الماضي وثيقة تمثل "تيار استعادة المبادرة"، خرجت من المجهول، أُعلن من خلالها عن رفض قرار الأمانة العامة للحزب التموقع في المعارضة، داعية إلى إرجاء هذه الأمر إلى المؤتمر الاستثنائي المقبل.

اقرأ أيضاً: موت الأيديولوجيا: نهاية تجربة العدالة والتنمية المغربي

 ودعا تيار "استعادة المبادرة"، المنتشر عبر المملكة في الوثيقة الني تناقلتها وسائل إعلام محلية ودولية، منها وكالة "رويترز"، إلى إعادة بناء هياكل الحزب ومؤسساته وفق الآليات الديمقراطية والمشاركة الواسعة بعيداً عن أي تخندق أو اصطفاف.

 وقد حمّل تيار "استعادة المبادرة" الحزب مسؤولية ما جرى، فالذي انتكس في الانتخابات ليس حزب العدالة والتنمية، وإنما مواقف وتنازلات قيادته الحالية التي دفعت أغلب المناضلين والمتعاطفين إلى وضع مسافة مع هذه التجربة.

 وأكد أحد المشاركين في صياغة وثيقة التيار أنّ القيادة الحالية أوصلته إلى القاع السياسي، وهو الأمر الذي كان كثير من الأعضاء والمتعاطفين يحذّرون منه، لكنّ كلامهم لم يكن يروق لهذه القيادة.

 وأفاد المصدر ذاته أنّ الواجب اليوم محاسبة هذه القيادة على ما اقترفته بحق الحزب وبحق المواطنين المغاربة، وطبعاً هذا لن يتم دون أن يُفتح نقاش واسع داخل الحزب وفي محيطه، من أجل عدم تكرار هذه التجربة.

 

ما يقوم به عزيز رباح أكبر من مجرد نقاش حول مستقبل الحزب، أو البحث عن تأسيس حزب جديد، بل هو أقرب إلى المؤامرة التي تستهدف الحزب

 

 ورغم أنّ الأمانة العامة للحزب قدمت استقالتها، فإنها ما تزال تواصل عملها، وفي هذا الاتجاه علم "عربي بوست" أنّ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني شرع في سلسلة لقاءات مع عدد من المسؤولين الحزبيين في الجهات والأقاليم والمدن.

 وكشفت المصادر ذاتها أنّ العثماني حرص في هذه اللقاءات على تقديم روايته لما جرى في الانتخابات، من خلال التركيز على العوامل الخارجية التي أثرت في النتائج النهائية للاستحقاقات التشريعية والجهوية والجماعية.

 وتابعت المصادر ذاتها أنّ العثماني سمع في هذه اللقاءات نقداً كبيراً من طرف مسؤولي الحزب، الذين حمّلوه والأمانة العامة مسؤولية الاندحار الانتخابي بسبب السياسات التي تم تبنيها في المرحلة الماضية.

 وكشفت المصادر نفسها أنّ العثماني كان حريصاً في هذه اللقاءات على تحذير الإخوان من المخاطر التي تحيط بالحزب، ودعا إلى الاتحاد والاعتصام بالحزب، حتى لا يساعد أبناؤه خصومه في الانقضاض عليه.

 وفي السياق ذاته، أرجعت ورقة بحثية الانتكاسة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الماضية إلى 4 مداخل أساسية؛ أولها ضعف البيت الداخلي، من خلال حالة الشرخ القيادي المزدوج بين جناحي الحزب (سعد الدين العثماني وعبد الإله بنكيران) والصراع داخل القيادة التي أدارت المرحلة (مصطفى الرميد وسعد الدين العثماني).

اقرأ أيضاً: محطات لافتة رافقت نكسة "الإخوان" في المغرب

 وبخصوص هذا المعطى، أفادت الورقة التي ألفها الباحث السياسي عبد الإله سطي حول السقوط المدوي لـ"حزب المصباح" في الانتخابات الأخيرة، بأّنّ "الحزب دخل الانتخابات بضعف غير مسبوق في بيته الداخلي، بدأ بالتصدع الذي شهده كيان الحزب إبّان ما سُمي بتعطيل مهمة تشكيل الحكومة التي كلف الأمين العام السابق بإعداد أغلبيتها عام 2016"، وفق موقع "هسبريس".

 

تيار "استعادة المبادرة" يدعو إلى إعادة بناء هياكل الحزب ومؤسساته وفق الآليات الديمقراطية والمشاركة الواسعة، بعيداً عن أي تخندق أو اصطفاف

 

 وأشار الباحث في العلوم السياسية، ضمن المقالة التحليلية المنشورة في منتدى البدائل العربي للدراسات، إلى أنّ الشرخ بين جناحي الحزب "برز أيضاً في مرحلة الترشيحات التي شهدت اعتراضات داخلية غير مسبوقة"، لافتاً كذلك إلى أنّ الولاية الأخيرة لسعد الدين العثماني شكلت "أول ولاية في تاريخ الحزب بدون أطروحة مذهبية".

 المدخل التفسيري الثاني لانتكاسة الحزب، حسب الورقة المعنونة بـ"التصويت العقابي يغلق قوس الإسلاميين بالمغرب... قراءة في مضامين ونتائج الانتخابات التشريعية للـ8 من أيلول (سبتمبر) 2021"، يتجلى في تآكل قاعدته الاجتماعية التي لطالما شكلت البنية الانتخابية الصلبة للحزب.

 وأرجع الكاتب تقلص الكتلة الناخبة إلى عدم وفاء "العدالة والتنمية" بمعظم الوعود والانتظارات الكبرى التي كانت تعلقها على كاهله شرائح واسعة من فئات المجتمع المغربي، مورداً أنّ "البرامج الإصلاحية التي أقدم عليها الحزب في الجانب الاجتماعي اعتُبرت في مجملها ضد مصالح الطبقة المتوسطة".

 المدخل الثالث في قراءة النتائج المحققة يتجسد في قواعد اللعبة السياسية، تبعاً لعبد الإله سطي، هو أنّ "الانتخابات كشفت عن تلاقي موضوعي ما بين إرادة السلطة في المغرب في توقيف تصاعد الإسلاميين، خصوصاً مع وصول حلقة الإدماج السياسي لهذا المكون السياسي منتهاها، مع إرادة جزء كبير من الشرائح المجتمعية في إحداث القطيعة مع هذه التجربة".

اقرأ أيضاً: ماذا سيقدم عزيز أخنوش لتصحيح الإدارة الحكومية في المغرب؟

 المدخل الرابع يلخصه الباحث في "غياب ما كان يُدعى الذراع الدعوية للحزب، أي حركة التوحيد والإصلاح التي كانت الحاضنة المنتجة لنخب الحزب الحاليين"، مبرراً تصوره بـ"الغياب التام لأي دعم معنوي أو مادي من قبل الحركة بخلاف التجارب الانتخابية السابقة".

 

ورقة بحثية ترجع الانتكاسة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية إلى ضعف البيت الداخلي، والخلافات بين قيادات الحزب

 

 وأشارت الورقة إلى أنّ "بداية هزيمة الإسلاميين" بدأت ملامحها خلال انتخابات ممثلي الموظفات والموظفين في حظيرة اللجان الإدارية متساوية الأعضاء، بعدما كشفت النتائج المتحصل عليها تراجع بيّن للذراع النقابية للحزب (الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب)، وبالتالي، فإنّ تلك النتائج كانت توحي بأنّ "الحزب على منعرج سياسي سيؤدي به مستقبلاً إلى تراجع أيضاً على مستوى الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية"، وفق صيغة المقالة.

 يُذكر أنّ وجود حزب العدالة والتنمية داخل البرلمان يتميز هذه المرة بـ"ضعف سياسي"، وبسبب الأزمة المركّبة التي دخل فيها يحتاج إلى وقت طويل من أجل تدشين انطلاقة جديدة".

 وقد حصل حزب العدالة والتنمية على 13 مقعداً برلمانياً مقارنة بـ 125 مقعداً في الانتخابات التشريعية السابقة، وفشل أمينه العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني في تأمين مقعد نيابي له.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية