ماذا ينقص جهود محاربة "داعش"؟

ماذا ينقص جهود محاربة "داعش"؟

ماذا ينقص جهود محاربة "داعش"؟


12/06/2023

ياسر عبدالعزيز

مازال تنظيم «داعش» يطرح مخاوف على منطقتنا وعالمنا، رغم اندحاره الواضح ميدانيًّا، وتقلص أنشطته الإرهابية إلى أدنى مستوى ممكن، وفى المقابل، فإن الإرادة الدولية لمواجهته مازالت تظهر قدرًا معقولًا من الصلابة، وتمتلك آليات لتعزيز المجابهة، ولا تنقصها الرؤية. وفى هذا الإطار، جاء الاجتماع الوزارى لـ«التحالف الدولى ضد (داعش)»، والذى انعقد فى الرياض، يوم الخميس الماضى، حيث ناقش المجتمعون سبل تعزيز المواجهة، كما ركزوا آلياتها ضمن أطر عمل تنظيمية محددة، لم تُغفل احتمالات الخطر الميدانية التى يطرحها التنظيم، خصوصًا فى منطقة الساحل الإفريقى.

ويبدو أن الرؤية التى تحكم الإرادة الدولية فى مجابهة «داعش» متسعة إلى حد أنها تبتغى عالمًا من دون المخاطر التى يطرحها هذا التنظيم، بما يعنيه هذا من تقويض أركانه التنظيمية، وقدراته على العمل الميدانى، وسبل إمداده، وأساليب دعايته. ويبدو أيضًا أن تلك الرؤية تترجمها استراتيجية واضحة، ظهرت آليات عملها فى سحق التنظيم ميدانيًّا فى مناطق نفوذه الرئيسية فى العراق وسوريا، ثم ملاحقته فى مواقع أخرى فى المنطقة وخارجها، وصولًا إلى تجفيف منابع تمويله وإمداده بالمقاتلين والمساعدات اللوجستية. كما أن تلك الاستراتيجية أيضًا لم تغفل عن ضرورة إعادة تأهيل المواقع التى قدمت للتنظيم فرص السيطرة والتمدد، حيث تضمنت آليات، واعتمدت ميزانيات لجلب الاستقرار إلى دول مثل سوريا والعراق، والإسهام فى إعادة إعمارها، بموازاة برامج لمحاربة الفقر والتهميش فى دول الساحل الإفريقى، التى تنذر، بظروفها الصعبة، بإمكانية استغلالها من قِبَل التنظيم لتطوير تأثيره العابر للحدود. ولم تقتصر استراتيجية تجفيف المنابع تلك على مقاربة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى الدول القابلة لرفد التنظيم بموارد جديدة، لكنها أيضًا سعت إلى تقويض قدرة «داعش» على استعادة المقاتلين الأجانب، الذين تم حجزهم فى بعض المخيمات؛ إذ طورت آليات لحث البلدان التى ينتمى إليها هؤلاء المقاتلون على استعادتهم، وتأهيلهم، وحرمان التنظيم من إعادة استغلالهم.

.. ورغم أن استراتيجية محاربة «داعش» انطوت على الكثير من الآليات، التى ركزت عملها على مواجهة الأنشطة الدعائية للتنظيم، مثل مراكز المواجهة الفكرية والدعائية («صواب»، و«اعتدال» و«مرصد الأزهر لمكافحة التطرف»)، فإن هذه الاستراتيجية تحتاج المزيد من التركيز على الجوانب الإعلامية والدعائية للتنظيم، وخصوصًا ما يتصل منها بشبكة «الإنترنت».

فمازال التنظيم قادرًا على أن يجند أفرادًا، وأن يدفعهم إلى شن عمليات إرهابية، وأن يبث سمومه عبر بعض الوسائط الإعلامية، فيحرض على العنف، ويشيع التمييز، وينشر الكراهية، رغم أنه فقد معظم قدراته الاستراتيجية.

والواقع أنه لم يكن بوسع العالم أن يهزم «داعش» من خلال عمليات القصف والقتال الميدانى (التى كان لها أثر كبير بكل تأكيد) فقط، فهذا النصر لم يكن ليتحقق من دون هزيمة «داعش» فى ميدانه الأثير الذى هو شبكة «الإنترنت».

فهزيمة «داعش» لم تكن ممكنة من دون تقليص المساحات التى احتلها فى الفضاء الاتصالى الإقليمى والعالمى، عبر استراتيجيته الشرسة للتمركز اتصاليًّا، وهى الاستراتيجية التى لقيت نجاحًا مبهرًا مع صعود التنظيم.

ففى ذروة ازدهار التنظيم امتلك شبكة إعلامية ضخمة ومؤثرة، تكونت من مئات المدونات، كما طور عددًا من المنتديات الإلكترونية، التى عملت كحاضنات إرهابية واستقطبت أفرادًا من مجتمعات عدة؛ كما استطاع التنظيم أن ينتج آلاف المواد الإعلامية جيدة الصنع.

وقد طور «داعش» استراتيجية كاملة لإدارة أعماله على الشبكة؛ ووزع تلك الاستراتيجية على ثلاثة مجالات رئيسة؛ أولها يتعلق بالدعوة إلى نسقه العقائدى، وثانيها يختص بترهيب أعدائه وخصومه وصناعة صورته، وثالثها يتصل بتكريس آليات للاستخدام الميدانى، بحيث استطاع أن يُسخّر «الإنترنت» لخدمة تحركاته وعملياته الإرهابية، ويجعل منها بنية اتصالية أساسية لأنشطته.

يجب أن تدرك دول «التحالف الدولى» وغيرها من الدول التى تجد مصلحة أساسية فى محاربة «داعش»، أن هزيمته لا يمكن أن تتحقق بشكل كامل من دون تقويض تأثيره على الشبكة، وستظل قدرة التنظيم، أو أى من أمثاله، على العودة والضرب مجددًا مرهونة بمسارين؛ أولهما على الأرض، وثانيهما فى «الإنترنت»، وستظل القدرة على ملاحقة هذه النزعات مرهونة بتوحيد الجهود الإقليمية والدولية وصلابة الإرادة.

لذلك، لن يكون بوسع استراتيجية المواجهة أن تنجح من دون إشراك شركات التكنولوجيا العملاقة التى تدير مواقع «التواصل الاجتماعى» بها، وهو الأمر الذى سيحتاج أيضًا إلى تعزيز البيئات التشريعية المحلية والدولية بما يسمح بمواجهة المحتوى الإرهابى وإسكاته، بوسائل قانونية، تراعى الحد الفاصل بين حرية الرأى والتعبير من جانب، وإشاعة الإرهاب والتمييز والكراهية والتحريض على العنف من جانب آخر.

عن "المصري اليوم"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية