ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟


15/07/2023

كان الخميس 13 تموز (يوليو) يوماً قاهرياً مشهوداً فيما يتعلق بالحرب السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ هبط جميع الجيران أرض مصر، ولم يتخلف أحد، بما في ذلك الجارة الشرقية والجنوبية الشرقية للسودان؛ الأكثر تناقضاً مع مصر ومع قيادة الجيش السوداني أيضاً، إذ لم يتوانَ رئيس الوزراء الإثيوبي في حضور اجتماع قمّة دول جوار السودان بجانب رؤساء، إريتريا، جنوب السودان، أفريقيا الوسطى، رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، الأمر الذي اعتبره مراقبون نجاحاً كبيراً وغير مسبوق فيما يتعلق بالمبادرات الخاصة بإنهاء الحرب السودانية.

منبر الحد الأدنى

اللافت في الأمر أنّ جميع دول الجوار تركت خلافاتها البينية، صغُرت أم كبُرت، جانباً، والتأمت في القاهرة لتخرج ببيان ختامي من (8) بنود، وقد أكّد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وضرورة الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها ومنع تفككها أو تشرذمها، والتعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل، وضرورة تحمل المجتمع الدولي والدول المانحة لمسؤولياتهم، والقلق البالغ إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية، وإدانة الاعتداءات المتكررة على المدنيين والمرافق الصحية والخدمية، وتسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار، بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، وتشجيع العبور الآمن للمساعدات لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجاً داخل الأراضي السودانية، ودعوة مختلف الأطراف السودانية لتوفير الحماية اللازمة لموظفي الإغاثة الدولية، والتأكيد على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار.

 رئيس الوزراء الإثيوبي

واتفقت الأطراف على تشكيل آلية وزارية مكونة من وزراء خارجية دول جوار السودان الـ (7) على أن ينعقد اجتماعها الأول  في العاصمة التشادية أنجمينا؛ من أجل وضع خطة تنفيذية لوقف القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بما يفضي إلى التوصل إلى حلٍّ شامل عبر التواصل المباشر بين الأطراف السودانية المختلفة، والتكامل مع الآليات القائمة، بما في ذلك هيئة إيغاد والاتحاد الأفريقي، فضلاً عن تشكيل آلية اتصال تتكفل ببحث  الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة على مستقبل واستقرار السودان، ووحدته وسلامة أراضيه والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار، ووضع الضمانات التي تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار، ودراسة آلية المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب السوداني.

ما خفي وما ظهر

إلى ذلك، يبدو الموقفان، المصري والإريتري، أكثر اتساقاً وقرباً، ويعتقد مراقبون أنّ كلا الدولتين تنطلقان من رؤية ذاتية خاصة بهما في النظر إلى كيفية حل الأزمة السودانية وإيقاف الحرب، فالرئيس الإريتري إسياس أفورقي أكد منذ انطلاق الحرب أنّه ضد التدخل الدولي والإقليمي في السودان، وأنّ الحل ينبغي أن يكون سودانياً خالصاً، وهذا موقف مبدئي راسخ لدى أفورقي لا يتزحرح عنه، بغضّ النظر عن تبدل الأحوال والظروف، فالرجل ظلّ رافضاً للتدخلات الخارجية في القارة الأفريقية على الدوام، وفي حالة مقاطعة لمعظم الاجتماعات والقمم التي تنظمها المؤسسات والهيئات الدولية والإقليمية كالأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وإيغاد نفسها؛ لذلك كان حضوره قمّة القاهرة أمراً مثيراً للجدل والاهتمام، فقد وصف الرئيس الإريتري قبل أيام قليلة من حلوله بالقاهرة لدى لقائه نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار في العاصمة أسمرة، وصف جميع المبادرات الدولية والإقليمية الجارية بأنّها محض (بازارات سياسية).

يبدو الموقفان، المصري والإريتري، أكثر اتساقاً وقرباً، ويعتقد مراقبون أنّ كلا الدولتين تنطلقان من رؤية ذاتية خاصة بهما في النظر إلى كيفية حل الأزمة السودانية وإيقاف الحرب

لكنّ مراقبين آخرين يرون أنّ رؤية أفورقي تنطلق من خلافات مكتومة بينه وبين حليفه الرئيس الإثيوبي آبي أحمد؛ ناتجة عن أسلوب الأخير في إنهاء حرب تيغراي التي شارك فيها الأول بفعالية، وكان التدخل الإريتري في تلك الحرب العامل الحاسم في انتصار الجيش الإثيوبي على متمردي تيغراي؛ لذلك اختار التوجه إلى القاهرة واستثمر منبرها لتوجيه نقد لاذع ومبطن وغير مباشر لاجتماع إيغاد الذي التأم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وعارضه أفورقي بقوة وقاطعه، وخصّص كلمته في قمّة دول الجوار للتنديد بالتدخلات الخارجية في الأزمة السودانية ووصفها بأنّها تطيل أمد الحرب ولا تساعد على حلها.

جوار هش

من جهة مقابلة، يرى محللون سياسيون أنّ مشاركة رئيس الوزراء الإثيوبي في هذه القمة، رغم خلافاته مع مصر فيما يتعلق بسد النهضة، جاءت للتقليل من تأثير وجود نظيره الإريتري، وأنّ رئيس الوزراء الأثيوبي لم يرد أن يترك الساحة لأفورقي لكي يسوّق وجهة نظره المناوئة لمبادرة (إيغاد)، فكان حضوره من أجل خلق حالة من التوازن والعمل على التخفيف من وطأة تصريحاته الناقدة لقيادة الجيش في قمة (إيغاد) الأخيرة، وإن لم يتزحزح عنها كثيراً، فقد أشار في كلمته بمنبر القاهرة إلى ما يسميها بحالة فراغ القيادة في السودان.

 رئيس المجلس الرئاسي الليبي

بالنسبة إلى تشاد، فموقفها ربما هو الأقرب إلى الموقف المصري، فأنجمينا تخشى مغبة انتصار قوات الدعم السريع في الحرب الدائرة في السودان، إذ أنّ منسوبي هذه القوات ينتمون إلى الجماعات العربية (البدوية) نفسها التي تعارض حكومة ديبي الابن، ومن قبله حكومة أبيه، وبالتالي فإنّ انهيار الجيش السوداني النظامي ربما سيؤدي على المدى القصير والمتوسط إلى انهيار مماثل في تشاد التي تشارك السودان في نحو (40) قبيلة أفريقية وعربية، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان معرفة من هو السوداني ومن هو التشادي، وبالتالي فإنّ إمكانية تسرب المعارضة من البلدين والإرهابيين عبر حدودهما المشتركة أمر لا يمكن السيطرة عليه إلا في ظل مناخ من السلام والوئام، لذلك فإنّ من مصلحة أنجمينا إيقاف الحرب بأسرع ما يمكن، حتى لا ينتقل التأثير إليها، وفقاً لمتابعين للعلاقات بين البلدين الجارين.

الجميع في خطر

من جهتها، فإنّ جمهورية أفريقيا الوسطى التي ظلت حكومتها برئاسة  فاوستين أرشانج تواديرا تحتمي بمجموعة (فاغنر) الروسية، أصبحت الآن في مهب الريح، بعد تأكيد العديد من التقارير الأمنية والصحفية  على انسحاب أعداد كبيرة من مقاتليها من أفريقيا الوسطى في الآونة الأخيرة؛ بما يعني احتمال عودة التمرد إلى الواجهة مرة أخرى، ولربما اتخذت من السودان، حال تحوله بسبب الحرب إلى دولة فاشلة، منصة للهجوم على العاصمة بانقي وإسقاط النظام القائم، ممّا يجعل استقرار الأوضاع في السودان أمراً بالغ الأهمية وهدفاً حيوياً لحكومة تواديرا.

بطبيعة الحال، فإنّ الجارتين ليبيا وجنوب السودان ستكونان أول المتأثرين بالحرب، فالأوضاع السياسية والأمنية فيهما شديدة الهشاشة وقابلة للانفجار في أيّ لحظة،  وتربطهما، خصوصاً جنوب السودان التي نالت استقلالها وانفصلت عن الخرطوم 2011، علاقات ووشائج قوية بالسودان، وكثير من المشتركات والتداخلات، لذلك وجد الجميع في لقاء القاهرة مساحة للتعبير عن مخاوفهم من استمرار الحرب في السودان، ورؤيتهم في حل الأزمة الناجمة عنها بأسرع ما يمكن، فلا أحد بمنأى عن تداعيات حرب الخرطوم.

مواضيع ذات صلة:

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد

السودان يدخل "مرحلة جديدة" من الحرب.. ما التفاصيل؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية