ما بعد "حماس" والمواجهة الأمريكية - الإيرانية في العراق

ما بعد "حماس" والمواجهة الأمريكية - الإيرانية في العراق

ما بعد "حماس" والمواجهة الأمريكية - الإيرانية في العراق


16/11/2023

سلطت الزيارة السريعة لوزير الخارجية الأميركي لبغداد الضوء على الدور الذي يُحتمل أن تلعبه إيران في مرحلة ما بعد "حماس" أو مرحلة ما بعد حرب غزة، وهو دور قد يخرجها من عزلتها وهي تدير الميليشيات في المنطقة إلى مساحة تُعامل من خلالها على أساس كونها دولة تحترم المواثيق والقوانين الدولية. وكل ذلك مرتبط باستمرار إيران في التزام موقف الحياد من إسرائيل وما تنوي تنفيذه في القطاع الذي قد لا تستمر "حماس" في إدارته. ذلك لأن العودة إلى مرحلة ما قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) صارت بعيدة المنال بالنسبة إلى محور المقاومة الذي ربما كان يأمل أن يخرج منتصراً بعدما تمكنت حركة "حماس" من القيام بضربة مفاجئة غير مسبوقة في تاريخ الصراع. وليس مهماً بالنسبة إلى صناع القرار المقاوم الدمار الذي لحق بقطاع غزة. ولأن المقاومين هم وكلاء إيران فلا بد من أن يكون لها مكان في مفاوضات تهدف إلى إعادة رسم خرائط المقاومة.

لم يكن رد فعل العالم الخارجي متوقعاً لا من قبل "حماس" ولا من قبل إيران وأذرعها. وهو دليل على نقص في الخبرة السياسية. ففي وقت وحدت الحرب المجتمع الإسرائيلي بعد انقسامات كادت تطيح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإنها أدت إلى وقوع انقسامات في محور المقاومة، أساسها أن إيران بعدما شعرت أنها ستكون منبوذة بالمطلق لو أنها وقفت وراء "حماس"، فضلت الصمت ونأت بنفسها. ذلك موقف لم يسبق لها أن اتخذته عبر كل الحروب التي شهدتها غزة. 

رسالة تعاون وطمأنة

ولكن ما موقع العراق على الخريطة بعدما هيمنت عليه الأحزاب الموالية لإيران والميليشيات الملحقة بالحرس الثوري الإيراني، والتي تم تجميعها في إطار الحشد الشعبي الذي تمت مأسسته صورياً لكي يُقال إنه يقع تحت سلطة القائد الأعلى للقوات المسلحة؟ ظاهرياً بدت الميليشيات كما لو أنها في حل من الموقف الإيراني الحذر والصامت من حرب غزة، فهي لم تلتزم ذلك الموقف حين عادت إلى سيرتها الأولى في قصف القواعد العسكرية الأميركية بطريقة غلب عليها الحذر تحاشياً لوقوع إصابات بشرية أو أضرار مادية كبيرة احتجاجاً على الاصطفاف الأميركي وراء خطة نتنياهو في الانتقام من خلال ممارسة أقصى درجات العنف سعياً وراء هدف اقتلاع "حماس". غير أن ذلك القصف غير المؤثر والذي لم يكن جديداً لم يكن الدافع وراء زيارة أنتوني بلينكن الخاطفة لبغداد واجتماعه مع رئيس الوزراء العراقي، والدليل على ذلك أن الأخير طار مباشرة إلى طهران ليجتمع مع خامنئي، وهو ما يؤكد أنه حمل رسالة أميركية إلى إيران لا صلة لها بما يقوم به جناح المقاومة في العراق. وبعدما أفصح حسن نصرالله عن النأي بحزبه عن مشاركة "حماس" في حربها، فإن الرسالة الأميركية لا تتعلق أيضاً بضبط الجبهة الشمالية لإسرائيل، ليس حفاظاً على سلامة لبنان، بل رغبة في عدم تشتيت جهود الجيش الإسرائيلي. ربما كانت رسالة طمأنة. غير أنها بالتأكيد ليست رسالة تهديد.

السّوداني رسولاً آمناً

السؤال "أما كان في إمكان الولايات المتحدة أن تكلف شخصية عربية رفيعة المستوى غير السوداني لحمل رسالتها إلى طهران؟"، ما فعله رئيس الوزراء العراقي، وقد قام بمهمة ساعي بريد بين واشنطن وطهران أنه ذكر الميليشيات بأن الولايات المتحدة لا تزال تثق بالعراق كونه لا يشكل خصماً لها، وأنها شريكة في مسؤولية الدفاع عنه، وبخاصة على مستوى حماية نظامه السياسي الذي أشرفت على تأسيسه. أما الولايات المتحدة فقد وقع اختيارها على السوداني شخصياً لأنها تعرف جيداً أن طهران تثق به، ليس لأن تحالف الإطار التنسيقي المقرب منها وضعه في منصبه فحسب، بل لأنه أيضاً كان في غير مناسبة قد عبر عن انحيازه إلى إيران مقارنة بمواقفه من المحيط العربي. لقد ضربت الولايات المتحدة عصفورين بحجر واحد من خلال اختيار السوداني حاملاً لرسالتها إلى طهران. فهي أكدت أن العراق، بغض النظر عما تفعله الميليشيات، لا يزال موضع ثقتها أولاً، وثانياً وضعت إيران في مواجهة مسؤولياتها الإقليمية التي تتعلق بإدارة ميليشياتها في العراق ولبنان واليمن بطريقة منضبطة. كان ضرورياً بالنسبة إلى إيران أن تفهم أن الحشود العسكرية الأميركية لا تستهدفها. وليس في الإمكان إقناعها إلا من خلال رجل لا يخامرها الشك فيه. 

استعراض لأغراض داخلية

بعد الرسالة الأميركية سيكون من الصعب على إيران أن تغير موقفها الصامت من الأسلوب الهمجي الذي انتهجه نتنياهو في معالجة مسألة وجود "حماس" في غزة. أما التصريحات العابرة التي يدلي بها الرئيس الإيراني أو وزير خارجيته، فإنها لن تضعف الاطمئنان الإسرائيلي إلى أن محور المقاومة سيظل يمارس ألعاباً نارية لن تؤدي إلى خروج الحرب عن السيطرة. وليس قصف القواعد الأميركية في العراق المتكرر إلا جزءاً من سيناريو وافقت عليه الولايات المتحدة من أجل إخفاء انخراط إيران في المخطط الأميركي الهادف إلى حماية إسرائيل مستقبلاً من خلال تغيير الواقع السياسي في غزة، أما من خلال نزع السلاح فيها ووضعها تحت إشراف دولي إو إعادة دمجها بالضفة الغربية تحت إشراف حكومة موحدة. وليس مطلوباً من إيران سوى أن تلتفت إلى وضعها الداخلي وتعيد النظر في مسرح عملياتها بعيداً من إسرائيل. أما في ما يتعلق بالمواجهة الإيرانية - الأميركية في العراق فهي جزء من برنامج استعراضي تؤدي الميليشيات فيه دورها تأكيداً لإخلاصها للنهج المقاوم، وهو الأسلوب الوحيد التي تذكّر من خلاله بضرورة أن تكون موجودة على الأرض في مواجهة أي مطالبة متوقعة بحذفها من الخريطة السياسية الداخلية. 

عن "النهار العربي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية