ما بعد "طوفان الأقصى"... إسلام سياسي برعاية إيرانية

ما بعد "طوفان الأقصى"... إسلام سياسي برعاية إيرانية

ما بعد "طوفان الأقصى"... إسلام سياسي برعاية إيرانية


07/11/2023

أظهرت مؤشرات عدة منذ انطلاق ما يُسمّى بـ "طوفان الأقصى" يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، انبعاث جماعات الإسلام السياسي من جديد بشقّيها؛ السنّي والشيعي، فيما تلعب جماعة الإخوان كأداة مركزية في هذا الانبعاث ووراءها كل التيارات الجهادية، بالتحالف مع ما يُسمّى بـ (ولاية الفقيه) والجماعات والميليشيات الموالية له.

الإخوان أداة مركزية

ورغم التباعد الإيديولوجي الكبير بين الإخوان كجماعة سنّية وإيران كدولة (شيعية اثني عشرية)، سنجد أنّه لم يكن ثمة مشكلة في التعاون بينهما، سواء مع حركة حماس، أو مع الإخوان، كتنظيم دولي، الذين التقى قادتهم بالإيرانيين أكثر من مرة في لندن وجورجيا وغيرها.

ستلعب جماعة الإخوان دوراً مركزياً في هذه المسألة، فرغم المتناقضات الفكرية فإنّه لا مشكلة لدى الجماعة أن تبيع نفسها، أو تغير جلدها، فلا يمكن أن نمرّ فوق ساحة من ساحات الصراع الإقليمي دون أن نصطدم بها هنا أو هناك، مع أو ضد، وربما نجدها مع وضدّ في الموقف الواحد، دون أدنى خجل، بيد أنّ الناظم في كل هذه الألعاب هو مصلحة الجماعة؟

سيتحرك الإسلام السياسي عن طريق السيطرة على ما يُسمّى المؤسسات والمراكز المعنية بمقاصد الشريعة، ويعمل من خلال منتديات الوحدة الإسلامية الإيرانية

لم يكن هناك مشكلة أيضاً بين تنظيم القاعدة والإيرانيين، ولا مشكلة مطلقاً في التعاون بين جماعة الإخوان وإيران، وبمراجعة محدودة لوثائق (أبوت أباد) التي وجدت بحوزة مؤسس القاعدة أسامة بن لادن، سنجد أنّ مناقشات كثيرة جرت مع أيمن الظواهري وأعضاء شورى التنظيم حول الإقامة والتعاون مع الإيرانيين، وتم حسم المسألة بالموافقة على جعل إيران دولة إقامة ومرور.

ويقيم الآن الزعيم المحتمل للقاعدة سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) في طهران، وتتحدث مصادر متعددة عن إدارته التنظيم من هناك، ممّا أدى إلى مشكلات بينية في فرع اليمن، وفروع التنظيم بأفريقيا، وهذ ما حدا بخالد باطرفي ليخرج مؤخراً لينفي أيّ علاقة مع طهران، رغم ثبوت ذلك بعدم استهداف التنظيم للمصالح الإيرانية مطلقاً.

وفي أوروبا وأمريكا اللاتينية لم تمنع الخلافات الإيديولوجية من التعاون بين جماعة الإخوان، التي تسيطر على الحقل الديني، مع المنظمات الشيعية والإيرانية، مثل الرابطة العالمية لأهل البيت، التي تضطلع بدور مهم في أوروبا، لا سيّما بناء المساجد والمدارس والمراكز الثقافية والجمعيات الخيرية، ومسجد الإمام علي في هامبورج Imam Ali Mosque in Hamburg، ومنظمة الشباب العربي الإسلامي في أيرلندا، ومنظمة الرابطة الإسلامية (Islamic League)، ومؤسسة الخوجة العالمية للشيعة الاثني عشرية، ومؤسسة الإمام علي (Imam Ali Foundation)، ومؤسسة دار الإسلام في لندن، ومؤسسة الإمام الخوئي، وهي منظمة نشطة بشكل خاص في الولايات المتحدة وبريطانيا، ومركز هامبورج الإسلامي بألمانيا.

وترى أغلب التيارات الإسلاموية أنّه لا مشكلة في التعاون مع إيران، لأنّها حليف يمكن الوثوق به، بسبب تقاطع المصالح بينهما، وأنّه سيكسبهم قوة في المناورة، ويوفر الدعم لهم، وهذا ما يتضح في مثال (حماس والجهاد الإسلامي)، كما سيخفف الضغط السياسي والتمويلي حال فقد الشريك العربي.

رعاية إيرانية للإسلام السياسي 

عقب "طوفان الأقصى"، سيحصل اندفاع شعبي إلى تيارات الإسلام السياسي، بعدما ثبت أنّ مجموعات مسلحة محدودة يمكنها أن تفعل أكثر ممّا تفعله الجيوش النظامية، خاصة إذا كانت القضية هي دينية من الأساس، وتتعلق بما يُسمّى التحرر الوطني من الاحتلال، وهذه هي الإشكالية الكبرى، وهي محاولة الإسلام السياسي استنساخ ما جرى في دول أخرى برعاية إيرانية.

ومن المتوقع أن يتسارع هذا التمازج، لأنّ الطرفين، الإيراني والإخواني، يحتاج كلٌّ منهما للآخر، من أجل تحقيق عدد من الأهداف؛ ومنها: زيادة الضغوط على الأنظمة العربية والإسلامية المطبعة مع إسرائيل من أجل إلغاء هذه الاتفاقيات أو العمل على الإطاحة بها.

وتطبيق ما يُسمّى (وحدة الساحات) كمحور مفاهيمي وناظم للعلاقة بين الإيرانيين وميليشياتهم والجماعات والميليشيات السنّية، من خلال صياغة وجهة استراتيجية- سياسية، حيث تندرج كافة أعمال المقاومة تحت مِظلّة المفهوم الواسعة، ثم تجييش وتحريك تعاطف الشارع الإسلامي مع الفلسطينيين، كخطوة أولى، وبعد انتهاء معركة غزة، وأيّاً تكن نتائجها، المخطط تحويل الأمر إلى مناسبة غضب شامل، والتحريض ضد الأنظمة والحكام العرب، ووصمهم بالعمالة لأعداء الدين والعروبة، وإطلاق حملة كبيرة واسعة متنوعة للاستقطاب والتجنيد والحشد الشعبي والجماهيري.

يقيم الآن الزعيم المحتمل للقاعدة سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) في طهران، وتتحدث مصادر متعددة عن إدارته التنظيم من هناك

وحال نجاح إيران في ضبط العلاقة مع الإخوان وتيارات الإسلام السياسي الأخرى، فمن المتوقع الاستفادة من حالة العاطفة والتجييش بسبب ما جرى في قطاع غزة، كخطوة أولى، قد تفضي إلى حروب أهلية بغية إضعاف الأنظمة العربية، خاصة التي تعتبرها إيران "خائنة" أو متآمرة عليها بتحالفها مع أعدائها، والخطوة الثانية هي اللقاءات التنسيقية بين قادة هذه المجموعات، لتفعيل التعاون الأمني-العسكري-الديني-الإعلامي بين القاعدة والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين والعمليات الخارجية التابعة لحزب الله، أي كلّ التنظيمات السنّية والشيعية الجهادية.

ومن المتوقع أن يتحرك تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ودول الساحل وشمال أفريقيا لضرب أهداف حساسة، وثمة عدة معطيات تدل على ذلك، وهو بيانات تنظيم (القاعدة) الأخيرة، التي هدد فيها بكل وضوح بالقيام بعمليات إرهابية في عواصم خليجية.

ويُعتقد أنّ الإسلام السياسي بعد "طوفان الأقصى"، سيتحرك عن طريق السيطرة على ما يُسمّى المؤسسات والمراكز المعنية بمقاصد الشريعة، ويعمل من خلال منتديات الوحدة الإسلامية الإيرانية، ومنتديات الوسطية العالمية، وكذا دعم السلفية الخليجية المستقلة والحركية.

أمّا الصيغة الحركية له، فهي اللّامركزية لكل المؤسسات الإخوانية والشيعية وبواجهات لا تحمل اسم كلٍّ منهما، والتنسيق الدائم بين الشبكة الجديدة وخلق فضاءات جديدة، على سبيل المثال: جمعية العون المباشر، ونماء للزكاة والتنمية المجتمعية، ومنظمة النصرة العالمية للرسول، وجمعية النجاة الخيرية، والهيئة الخيرية الكويتية، وبيت التمويل الكويتي، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، ومؤسسة النصر العالمية، والحملة الدولية لإسعاف بيت المقدس، وحملة كلنا مريم العالمية.

وأخيراً، التنسيق الدائم بين الشبكة الجديدة وخلق فضاءات أخرى، مثل منتديات الوسطية العالمية، والأممية الإسلامية، كبديل عن التنظيمات الصارمة المكروهة من كثير من الشعوب والمواطنين، ثم على الناحية السرية التحرك في دوائر: الميليشيات والفصائل المسلحة، والعمل السري في بعض البلدان، وتحويل الحركات إلى تجمعات فكرية في بلدان أخرى، وعمل مؤسسات فكرية نهضوية داخليّاً، ومؤسسات أخرى عالمية، واستمرار اختراق المنظمات الحقوقية والجمعيات المناهضة للعنصرية والكراهية في الدول الغربية من طرف المنظمات الإخوانية، وتوحيد ساحات الصراع في الوطن العربي، والتوافق بين أذرع إيران بالمنطقة (حزب الله ـ جماعة الحوثيين ـ الحشد الشعبي) وتنظيمات الإخوان المسلمين تحت رعاية الحرس الثوري.

مواضيع ذات صلة:

هل يكون "طوفان الأقصى" انعطافة في سياسة واشنطن ضد إيران؟

لماذا نفى نصر الله صلة إيران بـ"طوفان الأقصى"؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية