ما حدود الصفقة الأمريكية ـ الإيرانية وتداعياتها؟

ما حدود الصفقة الأمريكية ـ الإيرانية وتداعياتها؟

ما حدود الصفقة الأمريكية ـ الإيرانية وتداعياتها؟


13/08/2023

شكّل الإعلان عن التوصل عبر الدوحة لصفقة تبادل أسرى بين واشنطن وطهران، ثم الإعلان عنها بالتزامن في طهران وواشنطن، حدثاً بارزاً في الشرق الأوسط، لا سيّما أنّه جاء في ظل تصعيد متبادل في المنطقة بين أمريكا وإيران، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول توقيت الإعلان عن الصفقة وبمرجعيات: حدود الاتفاقيات الجديدة مع واشنطن، والموقف العربي منها، ومستقبل العلاقات التحالفية الإيرانية الوثيقة مع روسيا والصين، وفيما إذا كنا أمام نموذج تركي جديد يذهب بانحيازات "ناعمة" لجهة واشنطن والغرب، وما مصير الانحياز الإيراني "المشكوك فيه" بوقوفها مع الصين وروسيا؟ وهل العلاقة مع موسكو وبكين مجرد أوراق تفاوض يتم التلويح بها من قبل كثير من الدول للحصول على مكتسبات من واشنطن؟

الإعلان عن هذه الصفقة لم يكن مفاجئاً للمتابعين، فقد سبقته خطوات مشابهة قبل عدة أشهر عبر بغداد، حيث تم الإفراج عن حوالي ملياري دولار من الأموال الإيرانية في العراق، بضوء أمريكي أخضر، وبغطاء سداد ديون مستحقة لطهران، كما أنّ إنجاز الاتفاق عبر الدوحة لا يشكّل مفاجأة، في ظل وساطة قطرية قائمة ومعلنة بين واشنطن وطهران إلى جانب وساطات مسقط وبغداد، ويبدو أنّه، وبترتيب أمريكي، تتقاسم العواصم الـ (3) ملفات الخلافات بين طهران وواشنطن.

الإعلان عن الصفقة الجديدة يؤكد "صوابية" مواقف خليجية، بما فيها المصالحة التي تمّت بوساطة صينية بين الرياض وطهران، بالإضافة إلى مواقف دولة الإمارات بمواصلة الانفتاح على طهران، في ظل تقديرات تتضمن شكوكاً عميقة بحدود وآفاق "الخلافات" بين طهران وواشنطن

الاتفاق الجديد الذي تم الإعلان عنه جاء بوصفه إعلان اتفاق تبادل "معتقلين" في أمريكا وإيران، وإفراج عن أموال إيرانية محجوزة في بنوك كوريا الجنوبية وبنوك أوروبية ستحوّل إلى قطر والعراق قبل وصولها الى إيران تتراوح بين (6 ـ 10) مليارات دولار، وأنّها ستستخدم لغايات شراء مواد وسلع غير عسكرية، ومن الواضح أنّ واشنطن وطهران، ولأسباب مرتبطة بالرأي العام في البلدين، تحاولان إظهار أنّ أيّاً منهما لم يقدّم تنازلات للطرف الثاني، لكنّ تسريبات تصدر من واشنطن تؤكد أنّ "الصفقة" الجديدة ما هي إلا رأس جبل جليد من اتفاق أوسع، وفي تقديرنا أنّ الإدارة الأمريكية ليست بوارد الإعلان عن إنجاز صفقة شاملة، لذا ستذهب إلى إنجاز تفاهمات استراتيجية مع القيادة الإيرانية، "وهو ما تؤكده تقديرات أمنية إسرائيلية وأوروبية"، استناداً لحسابات أمريكية مرتبطة بالانتخابات الأمريكية، وتنفيذاً لتوجهات الإدارة الديمقراطية التي لا تريد الإعلان عن صفقة شاملة يتوجب عرضها على الكونغرس وبالتالي إفشالها.

الصفقة الجديدة، ورغم محاولات التهوين من آفاقها من قبل واشنطن وطهران، إلا أنّها تطرح تفسيرات لكثير من التطورات في المنطقة

الصفقة الجديدة، ورغم محاولات التهوين من آفاقها من قبل واشنطن وطهران، إلا أنّها تطرح تفسيرات لكثير من التطورات في المنطقة، وتفتح آفاقاً لسيناريوهات قادمة بخصوص علاقات طهران مع كل من موسكو وبكين، وذلك على النحو التالي:

أوّلاً: جاء الإعلان عن الصفقة بالتزامن مع تصعيد متبادل بين أمريكا وإيران في أبرز (3) عناوين، وهي: تصعيد في مياه الخليج بإرسال أمريكا المزيد من حاملات الطائرات من بينها (روزفلت) التي تعمل بالطاقة النووية، وزوارق موجهة، بالإضافة إلى قيادة الأسطول الخامس في البحرين، ومواصلة تشكيل تحالفات عسكرية "بحرية وبرية" هدفها المعلن مواجهة تحركات إيران وبحرية الحرس الثوري التي تؤثر سلباً على تأمين الممرات البحرية والتجارة الدولية، وبالتزامن تشهد مناطق شرق الفرات في سوريا تصعيداً تقوده روسيا وإيران ضد التواجد الأمريكي في المنطقة، فيما يشكل التصعيد بين حزب الله اللبناني وإسرائيل العنوان الثالث، ويلاحظ أنّ التصعيد المتبادل بين إيران، ومعها حزب الله، وخصومها محسوب بدقة، فلا صواريخ تسقط في شمال إسرائيل، رغم الضربات الإسرائيلية المتصاعدة ضد أهداف إيرانية في سوريا، ولا إغراق قطع تتبع للبحرية الأمريكية في مياه الخليج، فيما لا تقتل الصواريخ والمسيّرات الإيرانية الجنود الأمريكيين والإسرائيليين.

وفي تقديرنا أنّ هذا التصعيد المتبادل يندرج في إطار مفاوضات بين طهران وواشنطن، وهدفه التغطية على التفاهمات الجديدة التي ربما تتوسع "أو هي بالفعل شاملة"، وأنّ ما يجري يأتي لإخراجها للرأي العام، خاصة بالنسبة إلى إيران التي لا تستطيع أن تغطي أيّ تفاهمات مع "الشيطان الأكبر" إلا عبر مواصلة تصدير خطابات ثورية، وهو ما يمكن معه تفسير زيارة قائد الحرس الثوري الإيراني (إسماعيل قاآني) لشرق سوريا ولبنان، لنقل تعليمات القيادة الإيرانية، خاصة لحزب الله اللبناني، بعد الإعلان عن الصفقة وحدودها.

رغم أنّ الصفقة المعلن عنها بحدود تبادل السجناء والإفراج عن أموال إيرانية مجمدة، لا تشكّل اتفاقاً كاملاً يشمل قضايا الخلاف الأخرى مع أمريكا، إلا أنّه يؤسس لتفاهمات لاحقة تشمل هذه القضايا، وربما تظهر تباعاً وفقاً لمقاربة "الخطوة بخطوة"، وستنعكس بالضرورة على ملفات كثيرة في المنطقة

ثانياً: الإعلان عن الصفقة الجديدة يؤكد "صوابية" مواقف خليجية، بما فيها المصالحة التي تمّت بوساطة صينية بين الرياض وطهران، بالإضافة إلى مواقف دولة الإمارات بمواصلة الانفتاح على طهران، في ظل تقديرات تتضمن شكوكاً عميقة بحدود وآفاق "الخلافات" بين طهران وواشنطن، وإمكانية اجتراح دول الخليج مقاربات تحول دون أن تكون أوراقاً بيد واشنطن أو طهران، وربما لم يكن مصادفة أن يتم افتتاح سفارة الرياض في إيران بالتزامن مع الإعلان عن الصفقة، غير أنّ الأهم أنّ دول الخليج يرجح أن تذهب إلى مزيد من التوازن في بناء علاقاتها مع طهران وواشنطن، لا سيّما أنّ طهران وواشنطن تجيدان مقاربة "الخطوة بخطوة"، وهي المقاربة التي طرحتها القمّة العربية على القيادة السورية، ويبدو أنّ طهران أقرب إلى ترجمتها من دمشق.

موسكو وبكين لن تنظرا بعيون راضية للصفقة،

ثالثاً: إنّ موسكو وبكين لن تنظرا بعيون راضية للصفقة، رغم اختلافات حسابات الصين وروسيا، إذ يتوقع أن تستوعب بكين الصفقة بصورة أكبر من قدرة موسكو على هضمها، استناداً لقوة الدبلوماسية الصينية ونعومتها وتركيزها على عناوين اقتصادية، وهي مضمونة في إيران، في ظل المنافع المتبادلة بين الطرفين، فيما تشكّل الصفقة بالنسبة إلى موسكو ضربة جديدة بعد الضربة التي وجهتها أنقرة لموسكو بانحيازات جديدة وتفاهمات مع واشنطن، رغم ما يظهر على السطح من انحيازات إيرانية وما يوصف بعلاقات "استراتيجية" بين طهران وموسكو، خاصة في مجالات الدفاع والتسليح، التي تطورت بعد الحرب على أوكرانيا، واستيراد روسيا طائرات إيرانية مسيّرة، ويرجح أنّ موسكو قد تؤجل ردود فعلها تجاه طهران، في ظل ما تشكّله إيران بوصفها "الحليف المتبقي" لموسكو، والأدوار التي يمكن أن تؤديها لصالح موسكو في الشرق الأوسط ومناطق أخرى.

وفي الخلاصة؛ رغم أنّ الصفقة المعلن عنها بحدود تبادل السجناء والإفراج عن أموال إيرانية مجمدة، لا تشكّل اتفاقاً كاملاً يشمل قضايا الخلاف الأخرى مع أمريكا، وخاصة البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين، بالإضافة إلى تدخل إيران في المنطقة عبر الحرس الثوري والوكلاء، إلا أنّه يؤسس لتفاهمات لاحقة تشمل هذه القضايا، وربما تظهر تباعاً وفقاً لمقاربة "الخطوة بخطوة"، وستنعكس بالضرورة على ملفات كثيرة في المنطقة.

مواضيع ذات صلة:

إيران تجس نبض المغرب... ما شروط الرباط لتطبيع العلاقات مع طهران؟

لماذا استدعت إيران قيادات حماس والجهاد الإسلامي إلى طهران؟

هل تشهد علاقات طهران مع موسكو وبكين تحولات بعد اتفاق نووي مع أمريكا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية