ما حقيقة وقوف تنظيم داعش خلف الهجوم الإرهابي في مدينة شيراز الإيرانية؟

ما حقيقة وقوف تنظيم داعش خلف الهجوم الإرهابي في مدينة شيراز الإيرانية؟

ما حقيقة وقوف تنظيم داعش خلف الهجوم الإرهابي في مدينة شيراز الإيرانية؟


20/08/2023

في ظل علاقات تحيط بها شكوك عميقة بين القيادة الإيرانية وتنظيمي؛ "القاعدة" و"داعش" لاحقاً، تم الإعلان من قبل الإعلام الرسمي الإيراني عن عملية استهدفت مزاراً دينياً "مرقد أحمد بن موسى" في مدينة شيراز الإيرانية، أسفر عن مقتل شخص وإصابة (8) بجروح خطيرة، وفقاً للمواقع الإخبارية الرسمية وشبه الرسمية الإيرانية (فارس، إرنا، تسنيم، التلفزيون الرسمي)، بالإضافة إلى تصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني في المنطقة.

ولوحظ أنّ الروايات الإيرانية لم تكن منسجمة منذ بداية توالي الإعلان عن العملية، لجهة كيفية التنفيذ فيما إذا كان مهاجماً واحداً، أو مجموعة تضم عناصر، وكيفية الدخول إلى المزار، وفيما إذا كان إطلاق النار من قبل "المهاجم/ المهاجمين" قد تم بشكل عشوائي، وكيفية تحييد المهاجم، هذا بالإضافة إلى تناقض الروايات حول أعداد القتلى والمصابين، فقد "ذكرت وسائل الإعلام الحكومية في البداية أنّ هناك مهاجمين اثنين، وأنّ (4) أشخاص قتلوا في الهجوم، لكنّها عدلت الأرقام لاحقاً، وتحدثت عن مهاجم وحيد، وعن مقتل شخص وجرح (8)، في حين أعلنت وكالة (تسنيم) للأنباء أنّ أحد المهاجمين تم توقيفه في حين لاذ الآخر بالفرار، ورغم أنّ تعدد الروايات أمر مألوف في العمليات الإرهابية، ويرتبط غالباً بتسجيل السبق الصحفي، إلا أنّ التغطية الإعلامية حول العملية ألقت مزيداً من الشكوك حولها.

ولعل ما يلفت النظر في علاقة تنظيم داعش بهذه العملية أنّه لم يعلن مسؤوليته عنها، بل إنّ الإعلان جاء على لسان مسؤولين إيرانيين، حيث أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي أنّ تنظيم داعش تبنّى الهجوم الإرهابي الذي استهدف ضريح شاه جراغ، في حين أنّ تنظيم داعش سبق أن أعلن مسؤوليته عن هجمات سابقة في إيران، بما فيها العمليات التي استهدفت البرلمان الإيراني وضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية، الخميني، عام 2017، كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن العملية التي استهدفت الضريح نفسه أواخر عام 2022، وذهب ضحيتها في حينه (17) مواطناً كانوا يؤدون طقوساً دينية داخل المزار، واعتقل على إثرها عدد من عناصر "داعش" المفترضين، من بينهم أفغانيون وطاجيك، ووفقاً لتسريبات وسائل إعلام إيرانية تم تصفية وإعدام بعضهم خلال الشهرين الماضيين.

 تم الإعلان من قبل الإعلام الرسمي الإيراني عن عملية استهدفت مزاراً دينياً "مرقد أحمد بن موسى" في مدينة شيراز الإيرانية

 ولاحقاً نقلت وكالة (تسنيم) الإيرانية أنّ الإرهابي رحمة الله نوروزاف، منفذ العملية الإرهابية في شيراز، ارتبط بأحد قياديي "داعش" عبر الإنترنت، وانتقل إلى تركيا للتعاون العملياتي مع الجماعة، ثم أصبح عملياً عضواً رسمياً فيها، وبناء على توجيهات له من قبل قيادة "داعش"، توجه إلى أفغانستان وتدرب على يد "داعش" هناك قرابة (3) أشهر، ثم دخل إلى إيران لارتكاب أعمال إرهابية، وهي رواية تزيد من مستوى الشكوك بالعملية، وتطرح تساؤلات أكثر ممّا تطرح إجابات، بما فيها الربط بين المنفذ والساحة التركية وأفغانستان، بالإضافة إلى المحافظات الإيرانية الجنوبية ذات الأغلبية السنّية، والتأكيد الدائم على أنّ عناصر التنفيذ في أيّ عملية إرهابية يحملون جنسيات غير إيرانية، وهي رواية هدفها إرسال رسالة حول قوة الأجهزة الأمنية الإيرانية والاستهداف الذي تتعرض له من دول الجوار على أسس مذهبية.

لوحظ أنّ الروايات الإيرانية لم تكن منسجمة منذ بداية توالي الإعلان عن العملية، لجهة كيفية التنفيذ فيما إذا كان مهاجماً واحداً، أو مجموعة تضم عناصر، وكيفية الدخول إلى المزار

بالإضافة إلى تعدد الروايات الإيرانية حول تفاصيل العملية وتناقضها، وما طرحته من شكوك حولها، بما فيها أنّ إعلان تبنّي تنظيم داعش العملية جاء من خلال التلفزيون الرسمي الإيراني وليس عبر "داعش"، خلافاً لعمليات سابقة، فإنّ ممّا يزيد تلك الشكوك بهذه العملية أنّها جاءت في سياقين، داخلي وخارجي، والإعلان عنها في هذا التوقيت يأتي في إطار خدمة الأجندة والاستراتيجيات الإيرانية.

فعلى الصعيد الداخلي، تتزامن العملية مع الذكرى الأولى لمقتل الفتاة الكردية (مهسا أميني) التي قتلت على يد ما يُعرف بشرطة الأخلاق الإيرانية، على خلفية عدم ارتدائها الحجاب، والانتفاضة التي أعقبت مقتل أميني، وشملت غالبية المناطق الإيرانية، وانتقلت لمطالب بإسقاط النظام، ومواجهات عنيفة مع المتظاهرين، أسفرت عن مقتل أكثر من (450) مواطناً، حسب مراكز ومنظمات دولية، في حين أعلنت أوساط إيرانية رسمية مقتل حوالي (300) مواطن، وتشير تسريبات إيرانية إلى أنّ الأجهزة الأمنية الإيرانية والحرس الثوري أعدت خططاً أمنية شاملة تحسباً لانتفاضات جديدة بذكرى مقتل أميني، لا سيّما أنّ نشطاء على مواقع التواصل يؤكدون أنّ انتفاضات جديدة ستشهدها المحافظات الإيرانية بهذه المناسبة.

هناك شكوك حول عملية بهذا الحجم، وفي منطقة يقطنها غالبية من الفرس، بهدف حرف الأنظار عن الترتيبات الخاصة بذكرى مهسا أميني، حتى لو تم تنفيذها من قبل عناصر "ذئاب منفردة" تتبنّى الفكر التكفيري

وعلى الصعيد الخارجي، فإنّه خلافاً للخطاب الإيراني تجاه أمريكا بوصفها "الشيطان الأكبر"، فقد تم الإعلان في طهران وواشنطن عن التوصل إلى صفقة لتبادل المعتقلين، والإفراج عن أموال إيرانية، (10) مليارات دولار، يفترض أن تُستخدم لشراء الغذاء والدواء، وهي صفقة يلفها الغموض في أوساط إيرانية وأمريكية، قاسمها المشترك تساؤلات فيما إذا كانت تقتصر فقط على تبادل سجناء، أم أنّها تشمل ملفات أخرى، من بينها البرنامجان النووي والصاروخي الإيرانيان، بالإضافة إلى وكلاء إيران في المنطقة، والأدوار التي يمارسها الحرس الثوري وفيلق القدس، وهي تساؤلات تحاول القيادة الإيرانية التغطية عليها بالتأكيد أنّ إيران لم تقدم تنازلات عبر الصفقة، وحققت انتصاراً، عبر خطاب إعلامي مناوئ لأمريكا وقوى الاستكبار.

وفي الخلاصة؛ فإنّ عملية بهذا الحجم، وفي منطقة يقطنها غالبية من الفرس، بهدف حرف الأنظار عن الترتيبات الخاصة بذكرى مهسا أميني، وهي ترتيبات تشكل هاجساً حقيقياً لدى القيادة الإيرانية، بالإضافة إلى ما يشكله توجيه الرأي العام الإيراني لخطر الإرهاب، بدلاً من مناقشة تفاصيل الصفقة التي أنجزتها قيادة الثورة الإسلامية مع "الشيطان الأكبر"، كلها عوامل تلقي شكوكاً أعمق حول العملية، حتى لو تم تنفيذها من قبل عناصر "ذئاب منفردة" تتبنّى الفكر التكفيري، لا سيّما في ظل علاقات غامضة لـ"القاعدة" و"داعش" مع القيادة الإيرانية، كشفتها الخلافات بين التنظيمين، بما فيها المرحلة التي يرجح فيها أنّ (سيف العدل) تولى قيادة القاعدة منذ مقتل زعيمها السابق (أيمن الظواهري).




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية