ما دلالات ومضامين الانفتاح العربي على دمشق؟

ما دلالات ومضامين الانفتاح العربي على دمشق؟


15/11/2021

لم تشكل زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد مفاجأة لكثير من المتابعين، رغم ما أثارته بعض الأوساط من ملاحظات على الزيارة، وخاصة من قبل أوساط المعارضة السورية في الخارج؛ لأنّ الكثير من الدلائل والمعطيات كانت تؤكد أنّ هناك تحوّلاً عميقاً باتجاه إعادة استئناف العلاقات العربية مع دمشق، بما في ذلك توجّه عدد من الدول العربية، "من بينها الإمارات"، لمطالبة الجامعة العربية بتوجيه دعوة للقيادة السورية للمشاركة في القمّة العربية المزمع عقدها في الجزائر في آذار (مارس) المقبل، تتويجاً لسلسلة من المحطات المتتالية التي أكدت أنّ القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف السوري غادرت مقاربة "المساهمة بإسقاط النظام السوري"، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومعها الكثير من الدول العربية، وفق قناعات بأنّ أقصى ما يمكن تحقيقه في سوريا هو إعادة تأهيل النظام السوري بصورة جديدة وخطاب جديد، لا سيّما أنّ بدائل إسقاط النظام السوري لن تكون بمخرجات أفضل ممّا هي عليه الصومال وليبيا واليمن، وحتى عراق ما بعد صدام حسين، وفقاً للمفاهيم الأمريكية والأوروبية.

مقاربة الإمارات بتطبيع العلاقات مع القيادة السورية تأتي وفقاً لمرجعية جوهرها الانفتاح   عربياً على سوريا، لإبعادها عن التأثير الإيراني

مقاربة الإمارات بتطبيع العلاقات مع القيادة السورية تأتي وفقاً لمرجعية جوهرها الانفتاح   "عربياً" على سوريا، لإبعادها عن التأثير الإيراني، منسجمة مع موقف دول الخليج باستثناء الموقف القطري، ومع الموقف الدولي، لا سيّما أنّ هناك قناعات دولية وإقليمية ترسخت بأنّ التطبيع مع دمشق لا بدّ أن يكون مشروطاً بالتزام جادٍّ من دمشق بإخراج إيران من سوريا، كخطوة أولى تتبعها خطوات تالية، والمضي بتسوية سياسية سوريةـ سورية تستجيب لتطلعات الشعب السوري، عنوانها الأمم المتحدة واللجنة الدستورية.

إقرأ أيضاُ: زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق: عودة سوريا إلى فضائها العربي

واضح أنّ خطوة الإمارات غير بعيدة عن الانفتاح الأردني والمصري على سوريا، بمرجعية توريد الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، والاجتماعات المكثفة التي عقدت بين وزراء الطاقة بالدول المعنية، والاتصالات الأردنية مع الحكومة السورية وبمستويات مختلفة، جاءت في إطار مقاربة أردنية، لم تعترض عليها واشنطن، تتضمن الانفتاح التدريجي على "النظام" السوري عبر خطوات اقتصادية، تتضمن استثناءات من عقوبات قيصر، في ظلّ حلول لأزمات الأردن الاقتصادية، ويبدو أنّ المقاربة الأردنية تحقق نجاحات متسارعة وملحوظة، تمّت ترجمتها على الأرض بانفتاح غير مسبوق على سوريا.

التحفظ الأمريكي والبريطاني على الانفتاح العربي على سوريا لا يشير إلى أنّ هناك رفضاً أمريكياً وأوروبياً تجاه إعادة الاعتراف بحكومة الأسد، وإنّما يعكس جوانب من المطالب الأمريكية والأوروبية واشتراطاتها لإعادة الاعتراف بحكومة الأسد، والقبول بها، تتجاوز مسألة الوجود الإيراني، هذا الوجود الذي تمّ تخفيضه من قبل إيران، فيما تتواصل الضربات الإسرائيلية للميليشيات الإيرانية في سوريا، بالتزامن مع صدور تصريحات من القيادة السورية تعبّر عن رغبة بإنهاء التواجد الإيراني، غير معزولة عن ضوء روسي أخضر جديد لإسرائيل بمواصلة تلك الضربات، عبّر عنها الرئيس بوتين خلال لقائه الأول مع رئيس الحكومة الإسرائيلي "بينت" قبل أيام في روسيا، علاوة على خسارات إيران ووكلائها في المنطقة عبر أزمات يعيشها وكلاؤها في العراق ولبنان، بالإضافة إلى سوريا واليمن، تشير مخرجاتها إلى أنّ النفوذ الإقليمي لإيران والحرس الثوري يذهب باتجاه المزيد من الانحسار، وربما يكون كل ذلك بموافقة إيرانية "غير معلنة"، تمهّد لمفاوضات جنيف حول الصفقة النووية الجديدة، والتي تدلّ مؤشرات على أنها ستشمل النفوذ الإقليمي لإيران وبرنامجها الصاروخي، رغم إنكار الإعلام الإيراني وتصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني لذلك.

ردود فعل دمشق الإيجابية على الانفتاح العربي عليها  غير بعيدة عن ضوء أخضر أرسلته موسكو وطهران للقيادة السورية، في ظلّ تنافس للتكيّف مع المتطلبات الأمريكية والأوروبية

مؤكد أنّ ردود فعل دمشق الإيجابية على الانفتاح العربي عليها  غير بعيدة عن ضوء أخضر أرسلته موسكو وطهران للقيادة السورية، في ظلّ تنافس للتكيّف مع المتطلبات الأمريكية والأوروبية، وقد أرسلت رسائل ذات دلالة بهذا الانفتاح، فعلى صعيد الانفتاح الأردني والموافقة على مرور الكهرباء الأردنية، فإنّ دمشق تدرك أنّ مُشغل الكهرباء الأردنية هو الغاز "الإسرائيلي"، وأنّ إسرائيل هي الطرف غير المعلن باتفاق الكهرباء والغاز المصري الأردني، وتدرك سوريا أنّ الإمارات تنفتح على دمشق بعد توقيعها اتفاق التطبيع مع إسرائيل.

إقرأ أيضاً: وزير الخارجية الإماراتي في دمشق.. ما أهمية الخطوة ودلالات توقيتها؟

وبالخلاصة، فإنّ رهانات الانفتاح العربي على دمشق تتجاوز قضية التواجد الإيراني في سوريا، وترتبط بقضايا ما بعد خروج إيران، أو إعادة مرجعيات وجودها في سوريا، خارج إطار الميليشيات وتهريب الأسلحة إلى لبنان، واستراتيجية طريق "طهران، بغداد، دمشق، بيروت"، في ظلّ تحوّلات عميقة تشهدها المنطقة تذهب باتجاه إنجاز تسويات كبرى عنوانها إيران وإسرائيل على المستويين العسكري والأمني، ومستقبل التنافس على مشاريع إعادة إعمار سوريا على المستوى الاقتصادي، وهو ما تدركه دمشق، ومن خلفها موسكو التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع تل أبيب.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية