زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق: عودة سوريا إلى فضائها العربي

زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق: عودة سوريا إلى فضائها العربي


11/11/2021

لم يبدُ مستغرباً الموقفُ الأمريكي من زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى دمشق، أول من أمس، فواشنطن تتخذ موقفاً من النظام السوري ربما لا يختلف كثيراً عن موقف أبوظبي، لكنّ حسابات الأخيرة مختلفة، فهي تركز على مصالح الشعب السوري أكثر من مصالح النظام، وتعتقد أنّ عودة سوريا إلى فضائها العربي أولوية، فيما لا يكترث صانع القرار الأمريكي بهذه الحيثيات، لأنه ما زال يعتقد أنّ الإملاءات وحدها هي التي تحكم قرارات الدول وتحدد بوصلة مصالحها.

وتأتي الزيارة في ظل العقوبات الأمريكية على النظام السوري، وحظر واشنطن للتعامل معه في إطار "قانون قيصر" الذي دخل حيز التنفيذ العام الماضي، ويفرض عقوبات على كل شركة تتعامل مع نظام الأسد الذي يسعى إلى إعادة إعمار بلاده.

وأكدت الإمارات في آذار (مارس) الماضي أنّ قانون قيصر يصعّب عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، طالب دول المنطقة بـ "النظر بعناية في الفظائع التي ارتكبها بشار الأسد نفسه، بحق الشعب السوري على مدار العقد الماضي، فضلاً عن جهود النظام المستمرة لمنع وصول الكثير من المساعدات الإنسانية إلى البلاد والأمن".

وأضاف المتحدث الأمريكي: "كما قلنا سابقاً، لن تعرب هذه الإدارة (الأمريكية) عن أي دعم لجهود تطبيع أو إعادة تأهيل بشار الأسد، هو دكتاتور وحشي".

كتاب ودبلوماسيون ومحللون سياسيون عرب دعوا في وقت مبكر إلى عودة سوريا إلى الحضن العربي، لتفويت الفرصة أمام شهوة الالتهام الإيراني وإلحاق دمشق بالعواصم التابعة له

لكنّ الزيارة الأخيرة لدمشق لا تعني تبييضاً لصفحة النظام السوري، حيث اعتبر المحلل السياسي الإماراتي، الدكتور عبد الخالق عبد الله، في حديث لموقع "الحرة"، أنّ الزيارة تأتي "لصالح الشعب السوري وليس النظام بالضرورة"، موضحاً أنّ "الدافع الأكبر للخطوة الإماراتية هو الجانب الإنساني"، معتبراً أنه "حان الوقت أن يستعيد الشعب السوري عافيته، لاسيما في ظل وجود 10 ملايين سوري مشردين ولاجئين خارج بلادهم".

عبدالله المقرب من حيثيات عقل صانع القرار الإماراتي قال بصريح العبارة: "حان الوقت لتدعم الدول العربية الأشقاء في سوريا لاعتبارات إنسانية أولاً، وبعد ذلك، اعتبارات سياسية"، مشيراً إلى ّ "دول عربية عدة بادرت واتخذت خطوات تجاه سوريا مؤخراً، في مقدمتها الإمارات، والأردن، ومصر، والسعودية".

وأضاف: "الإمارات بادرت ومهدت وتمهد الطريق لباقي الدول العربية للعودة إلى سوريا".

وعن البنود التي سيتم بحثها مع الخارجية السورية، يقول عبد الله: "البند الأول، إنساني بحت، حيث بات من الضروري مساعدة الشعب السوري بعد 11 سنة من المعاناة، إذ إنّ نصفهم مشردون والنصف الآخر في بؤس ما بعده بؤس".

وذكر أنه "سيتم البحث في ملفات سياسية، إستراتيجية، اقتصادية"، مشدداً على أنّ سوريا "تعاني من التغلغل الايراني الذي وصل مستويات بليغة ومن احتلال تركيا في شمالي سوريا وتحديداً داخل إدلب".

وكان كتاب ودبلوماسيون ومحللون سياسيون عرب قد دعوا في وقت مبكر إلى عودة سوريا إلى الحضن العربي، لتفويت الفرصة أمام شهوة الالتهام الإيراني وإلحاق دمشق بالعواصم الأربع التي يزهو قادة النظام الإيراني أنهم يسيطرون عليها.

المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبدالله: زيارة دمشق تأتي لصالح الشعب السوري وليس النظام بالضرورة، والدافع الأكبر هو الجانب الإنساني. لقد حان الوقت أن يستعيد الشعب السوري عافيته

وفي مقال له بموقع "العربية" قال الدبلوماسي والأكاديمي السعودي الدكتور عبدالرحمن الجديع إنّ التفاهمات الإقليمية والدولية لرسم المرحلة القادمة، هي التي دفعت بالتحرك العربي "لترتيب البيت المشترك، وعدم ترك الساحة لسطوة نفوذ إيران الفارسية وأطماع تركيا العثمانية".

ونوه الجديع بأنّ على القيادة السورية إدراك أنّ "الأطماع المحدقة بسوريا أبعد من إعادة الأعمار، بل السيطرة والاستئثار بتوجهات السلطة السورية، وتحويل دمشق إلى تابع مطلق لعمامة الولي الفقيه، كما صرّح من قبل قيادي بارز في الحرس الثوري الإيراني".

ويعتقد الدبلوماسي السعودي أنّ عودة سوريا للجامعة العربية "خيارٌ إستراتيجي يصب في مصلحة النهوض بمستقبل العلاقات العربية، والتصدي لكل من يحاول أن يعبث بأمن الوطن العربي وسلامته وزعزعة استقراره".

ويؤكد الخبير في العلاقات الدولية بسام أبو عبد الله، على ما قاله الجديع، معتبراً أنّ زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق "تشكل أحد مؤشرات التغييرات التدريجية التي بدأت مؤخراً للانتقال إلى مرحلة جديدة من الانفتاح على دمشق، وعودة سوريا إلى دورها الإقليمي والدولي".

 وقال في تصريحات نقلها موقع "روسيا اليوم" إنّ الموقف الإماراتي من سوريا خلال السنوات الماضية تطور من إعادة فتح السفارة في أواخر 2018 ثم توالت الاتصالات بين البلدين بشكل مستمر، إضافة إلى مشاركة سوريا في معرض إكسبو في دبي 2020، واللقاء بين وزيري نفط البلدين في روسيا.

ويقول أبو عبد الله إنّ الإمارات بذلت جهوداً لكسر الحصار الاقتصادي الذي تنفذه الولايات المتحدة على سوريا عبر قانون قيصر.

وحول الزيارة الراهنة يقول عبدالله: من خلال البيان الرئاسي السوري فقد جرى التطرق إلى الواقع العربي والإقليمي، آخذين بالاعتبار أنّ الوزير الإماراتي غادر دمشق إلى عمان، وسبق لملك الأردن أن اتخذ خطوات أخرى ضمن إطار تطوير العلاقة الثنائية، والطلب من الرئيس الأمريكي جو بايدن كسر قانون قيصر فيما يتعلق بخط الغاز العربي.

اقرأ أيضاً: وزير الخارجية الإماراتي في دمشق.. ما أهمية الخطوة ودلالات توقيتها؟

ويرى أبو عبد الله: هناك إعادة تقييم شامل على الصعيد العربي لواقع العلاقة مع سوريا، خاصة بعد انكشاف كثير من الأرواق حول طبيعة الحرب عليها وانكشاف واقع الإرهاب، وتغلغل النظام التركي ومحاولة احتلاله أراضي سورية تحت عناوين مختلقة على حساب الأمن القومي العربي.

ويقول أبو عبد الله إنّ ما تعرضت له سوريا خلال السنوات العشر الماضية أثبت لجميع الدول العربية أنّ إخراجها أو عزلها أو إسقاطها أصبح من الماضي، وأنّ وجود سوريا كجزء من منظومة الأمن القومي العربي أو الجامعة العربية هو أكثر من ضرورة.

اقرأ أيضاً: الإمارات وسوريا.. علاقات تاريخية وأخوة راسخة

ويقول إنّ الجميع بدأ يشعر بذلك، خاصة بعد انكشاف أوراق مثل وجود تنظيمات الإخوان المسلمين، ودعم الإرهاب الذي تقوم به دول إقليمية ودول عربية.

وتحدث المحلل السياسي المقيم من دمشق، المقرب من النظام السوري، شريف شحادة، لموقع "الحرة" عن عدة مؤشرات مهدت للزيارة الحالية، بينها "التوغل التركي في الأراضي السورية والعراقية".

وتنتقد الدول الخليجية خصوصاً السعودية التحالف بين سوريا وإيران، أبرز داعمي دمشق سياسياً وعسكرياً.

وفي خطوة لم تكن لتحصل لولا تبدل في الموقف السعودي، شارك وزير السياحة السوري محمد مارتيني العام الحالي، بدعوة من السعودية، في اجتماع للجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط في الرياض.

ويفترض أن تعيد إيران تقييم إستراتيجيتها في سوريا لتواجه بواقعية المتغيرات الإقليمية والدولية التي طرأت خلال العام المنصرم، بحيث تتوافق مع ضرورات المواجهة مع منافسيها وخصومها، وتفعّل عمليات التنسيق مع حلفائها، إذا كانت راغبة فعلياً في الحفاظ على وجودها في سوريا.

اقرأ أيضاً: السياسة الخارجية التركية واتجاهاتها السائبة

وتعلَم القيادة الإيرانية أنّ انتشارها على جبهة واسعة تمتد من الخليج إلى سوريا لا يسمح لها بحشد ما يلزم من قوى عسكرية لخوض معركة متكافئة، سواء في سوريا أو على المستوى الإقليمي، مع ما سيترتب على ذلك من تداعيات في داخل إيران نفسها.

وفي إطار استشراف مستقبل الوجود العسكري الإيراني في سوريا، يمكن تصوّر السيناريوهات الآتية التي صاغها مركز الإمارات للسياسات، في أبوظبي، في الرابع والعشرين من شباط (فبراير) الماضي:

اقرأ أيضاً: الإمارات وسوريا والرؤية الاستراتيجية

السيناريو الأول، يفترِض اتجاه إسرائيل إلى تكثيف هجماتها ضد القواعد والقوات الإيرانية والمليشيات الأجنبية التابعة لها، في ظل استمرار التواطؤ الروسي- الإسرائيلي، وعجْز النظام السوري عن المساعدة في الحد ممن نتائجها، فتُقرر إيران سحب "فيلق القدس" والإبقاء على عدد محدود من المستشارين، ووضع ميليشياتها الشيعية في تصرُّف القيادة السورية وإشرافها.

السيناريو الثاني، يفترض التوصل إلى تسوية مع الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي، مع التوافق على دور جديد لإيران في المنطقة تلتزم فيه طهران بروزنامة زمنية لسحب "فيلق القدس" والميليشيات الشيعية من سوريا، مع الحفاظ على استثماراتها الاقتصادية في هذا البلد.

السيناريو الثالث، وفيه ترفض إيران أية مساومة على وجودها في سوريا، وذلك انطلاقاً من التكاليف الباهظة التي دفعتها في الحرب، وتقرر ركوب مغامرة الإبقاء على وجودها العسكري، ومواجهة احتمال الدخول في حرب مفتوحة مع خصومها هناك، ولاسيما إسرائيل.

وفي الواقع، لا يزال من المبكر، وفق مركز الإمارات للسياسات، المُفاضَلة بين هذه السيناريوهات أو ترجيح أحدها؛ فالأمر بات يرتبط بمسار المفاوضات المقبلة مع واشنطن، خصوصاً فيما يعود لمطالب إسرائيل والدول الخليجية، والتي تريد وقفاً كاملاً للبرنامج النووي الإيراني، وتغيير السلوك الإيراني التوسعي تجاه دول المنطقة، وسحب ميليشياتها وحرسها الثوري من مناطق التدخل الراهنة الممتدة من اليمن، وعبر العراق وسوريا إلى لبنان.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية