محلل سياسي: سيصلح بايدن ما أفسده ترامب.. في هذه الملفات

محلل سياسي: سيصلح بايدن ما أفسده ترامب.. في هذه الملفات


كاتب ومترجم جزائري
24/11/2020

ترجمة: مدني قصري

من المعاهدة النوويّة الإيرانيّة إلى التعليق الدائم لضمّ الضفة الغربيّة، كيف ستكون سياسة الرئيس الأمريكيّ تجاه الدولة العبريّة؟

دينيس شاربيت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إسرائيل المفتوحة، يفكّ شفرات الكرة البلورية الجيوسياسية، في حواره مع موقع "ماريان".

وكان آخر كتاب نشره شاربيت هو "إسرائيل ومفارقاتها"، (دار الفارس الأزرق، 2018)، وآخر مقال منشور: "ديمقراطية إسرائيل تحت اختبار نتنياهو" (السياسة الخارجية، المجلد 85، العدد 3، 2020).

هنا تفاصيل الحوار:

هل سيغيّر وصولُ جو بايدن إلى البيت الأبيض السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل؟

دينيس شاربيت: في السياسة الخارجية، تسود الاستمرارية بشكل عام، لأنّ مصالح الأمة لا تختلف باختلاف الانتخابات، لا سيما أنّ العلاقات الثنائيّة، كما هو الحال بين إسرائيل والولايات المتّحدة، قائمة على تحالف يمتدّ لأكثر من نصف قرن، فيما يتعلّق بالاستمرارية، فإنّ العلاقة الخاصة التي تمّ تشكيلها، على المستويات الإستراتيجيّة والعسكريّة والدبلوماسيّة والاقتصاديّة، ستبقى على حالها كما هي.

سيتطلب صعودُ بايدن إلى الرئاسة، تعديلات رمزية وجوهرية

 منذ أن حلّت الولايات المتحدة محلّ فرنسا كحليف مميّز لإسرائيل، تمّ تأسيس إجماعٍ من قِبل الحزبين على الفور: يدعم الديمقراطيّون والجمهوريّون دولة إسرائيل، ووجودها وازدهارها، ويسعون أيضاً للحفاظ على تفوّقها العسكري النوعيّ من حيث التسلّح.

خلف المصافحات الدافئة بين نتنياهو وبايدن ستظهَر الابتساماتُ حادّة، وقد يساعد هذا العهد الجديد في الانتقالَ من مبدأ المتعة (ترامب) إلى مبدأ الواقع (بايدن)

هذه السياسة غير قابلة للتغيير، خاصة أنّ الاتّجاه السائد للإدارة الأمريكية، بغضّ النظر عن الضّيف الذي سيقيم في البيت الأبيض، هو الانسحاب من المنطقة التي تدخّلت فيها كثيراً منذ حرب الخليج الأولى؛ نظراً إلى أنّ الولايات المتحدة الآن في وضع يمكّنها من ضمان استقلالها في مجال الطاقة مع احتياطيات الغاز الصخري المتاحة لها، فإنّها تبدو مستعدة لتكليف إسرائيل بمهمة أن تكون محور تحالف دفاعي إقليمي، تمّ وضع معالمه الأولى، من خلال ترامب، مع الإمارات والبحرين.

اقرأ أيضاً: هل تنطلي إصلاحات أردوغان المتأخّرة على بايدن؟

 لقد اعترف بايدن، علناً، بأنّ هذا كان إنجازاً إيجابياً، وقال إنّه سيواصل هذا الجهد الذي افتتحه سلفه بنجاح.

سيتطلب صعودُ بايدن إلى الرئاسة، تعديلات رمزية وجوهرية.

من المؤكّد تقريباً أنّ بايدن سيلتزم أيضاً بمبدأ الاستمرارية فيما يتعلّق بالسفارة الأمريكية، التي أقيمت بالفعل في القدس منذ عامين ونصف العام، سيُبقي بايدن على هذا القرار؛ لأنّه، فضلاً عن أنّ السفارة تقع الآن في القدس الغربية، لا في القدس الشرقية، التي ضمّتها إسرائيل منذ عام 1967، فإنّ إعادة مقرّ السفارة الأمريكية إلى تل أبيب ستفسَّر، وبحقّ، على أنّها تدبير انتقامي، دون أيّ مبرر في سياق الوضع الراهن.

اقرأ أيضاً: تفاؤل حذر: مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية في ظل إدارة بايدن

سيكون الأمر نفسه بالنسبة إلى الاعتراف بمرتفعات الجولان التي ضمّتها إسرائيل، لا أحد، بما في ذلك في أوروبا، يحلم بمطالبة إسرائيل بالتفاوض على معاهدة سلام مع بشار الأسد، سيتطلّب وصولُ بايدن إلى الرئاسة، تعديلاتٍ رمزيّة وجوهريّة، لكن ليس في هذين المكسبَين.

وماذا ستكون طبيعة هذه التعديلات؟

دينيس شاربيت: أولاً: إقالة السفيرَين الحاليَّين في واشنطن والقدس؛ الأول، رون ديرمر، وكان مهندس التقارب مع الحزب الجمهوري الذي شجّعه وأظهره بعنايته، والثاني: ديفيد فريدمان، لم يكن مخلصاً لإسرائيل فحسب، بل لسكان المستوطنات الذين كان بمثابة طفلهم المحبَّب، أو "البابا نويل"، من المسلَّم به أنّ نظام الغنائم الخاص بالولايات المتحدة يتوقع هذا النوع من التغيير، لكن من المؤكّد أنّ هُوية السفير الأمريكي الجديد ستكون مؤشراً على التغيير القادم، وحجمه؛ هل سيكون عضواً من فريق أوباما السابق، يعرف الملف الإسرائيلي مثل ظهر يده، أم دبلوماسياً محنكاً سافر حول العالم، ويبحث عن منصب مرغوب في القدس، في نهاية حياته المهنية؟ من يدري؟!

الأمر المؤكّد؛ أنّه حتى يميّز نفسه عن ترامب، سيرغب بايدن في إعادة إرساء الوضع السابق في العلاقة الإسرائيلية الأمريكية، أي إثبات أنّه إذا كان هناك تقارب بين المصالح، فقد يكون هناك اختلاف أيضاً، فهو يدرك تماماً الشكوك التي تحيط به في إسرائيل، وأنّ ثلثي الإسرائيليين يريدون أن يفوز منافسُه (ترامب)، وسيكون حريصاً على تصحيح أخطاء الماضي القريب، كان أوباما أوّل رئيس أمريكي يرفض استخدام حقّ النقض ضدّ قرار مجلس الأمن الذي يدين عدم شرعية المستوطنات.

اقرأ أيضاً: "إخوان اليمن".. في بالون اختبار بايدن

صحيح أنّ ذلك كان قبل ثلاثة أسابيع من مغادرته البيت الأبيض، وأنّ نتنياهو، قبل عام ونصف، تحدّى أوباما من خلال الظهور في جلسة خاصة للكونغرس ومجلس الشيوخ المجتمعين، للتشكيك في الاتفاق الذي كان على وشك التوقيع مع إيران.

يتمتّع بايدن بالفسحة التي منحها إياه ترامب بقطع العلاقات مع الفلسطينيين.

لقد ذهب ترامب إلى أبعد من ذلك بكثير في التقارب الإسرائيلي الأمريكي؛ فمع قطيعته مع موقف أسلافه، اعتنق ترامب، بشكل أحاديّ، خطّ الحكومة الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: جو بايدن وجماعة "الإخوان"

يمكننا دائماً الاعتقاد بأنّ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس هو أمر رمزيّ، وكذلك الاعتراف بضمّ إسرائيل لمرتفعات الجولان، وفي نهاية المطاف، ففي خطّته المشهورة للسلام، يَدْعَم ترامب، رغم كلّ المصاعب، حلّ الدولتين، ولا يمكن إنكار أنّه خالف سياسة جميع أسلافه، "المدعومة"، بحسب زعمهم بالإجماع الدولي.

سيعيد بايدن قاعدة اللعبة، التي كانت ما تزال سارية حتى وصول ترامب: عندما تتّخذ الحكومة الإسرائيلية مبادرة غير مناسبة، تحتفظ واشنطن بالحقّ في التعبير علناً عن خلافها، مع الامتناع عن توجيه انتقاد شديد اللهجة لدولة إسرائيل، أو الموافقة على فرض أيّة عقوبة عليها من أيّ نوع، ستكون سياسة بايدن الخارجية في الشرق الأوسط هي استعادة هذا الإجماع السابق، هذا لا يعني، بأيّ حال من الأحوال، الابتعادَ عن إسرائيل.

وبماذا يمكن أن يتأمّل الفلسطينيون؟

دينيس شاربيت: يتمتع بايدن بحرية المناورة التي منحها له ترامب، رغم أنفه، بقطع جميع العلاقات مع الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية: لقد أغلق مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن، والقنصلية الأمريكية في القدس، التي كانت تدير العلاقات مع الفلسطينيين، وتعليق المساعدات الموجهة لمكتب اللاجئين URNWA)) ولبرامج التنمية والتعاون (USAID) سيكون من السهل على بايدن التراجع عن هذه القرارات.

يتفق الجميع على وجوب ظهور جيل جديد من القادة في إسرائيل وفلسطين لإحياء الأمل في العودة إلى المفاوضات، في انتظار ذلك؛ سيتمّ نسيان خطة ترامب

قد نعتقد أنّ هذه الإيماءات ليست مهمة، لكنّ اللهجة والمناخ لن يكونا جيّدَين بعد الآن، يتفق الجميع على وجوب ظهور جيل جديد من القادة في إسرائيل وفلسطين لإحياء الأمل في العودة إلى المفاوضات، في انتظار ذلك؛ سيتمّ نسيان خطة ترامب، ومعها مشروع الضمّ الذي تعهّد نتنياهو بتعليقه مؤقتاً، مع بايدن ستكون الأمور نهائية.

يجب على الفلسطينيين أن يتعلموا من عزلتهم، سيستمرّ الجمهوريون، مع ترامب أو بدونه، في الاعتماد على الإنجيليين، وسيستمرّون في هذه الأحادية المؤيدة لإسرائيل، إذا عادوا إلى السلطة في غضون أربعة أو ثمانية أعوام، إنّه وقت قليل؛ ففي غضون ذلك ما يكفي من الوقت للفلسطينيين للتغلب على انقساماتهم الداخلية، التي من دونها لن يظهروا كمفاوضين ذوي مصداقية.

اقرأ أيضاً: هل ينقذ بايدن الأكرادَ من براثن "المستبد" أردوغان؟

لقد بدأ سباق مع الزمن في كلّ من إسرائيل وفلسطين، لن يهرع الأمريكيون لمساعدتهم، وكي يعرضوا عليهم مهمة مساعي حميدة، إذا لم يهزّ الرأيُ العام في كلا الجانبين، الحكّام.

يخشى الإسرائيليون حدوث تغيير جذري في مواجهة إيران ...

دينيس شاربيت: ما يزال جو بايدن مقتنعاً بأنّ إلغاء المعاهدة كان خطأ، وأنّ الاستقرار الإقليمي يتطلب صياغة اتفاقية جديدة.

في الحقيقة؛ المعضلة قائمة من جانب نتنياهو: هل سيتمسك بمواقفه، أم أنّه يفضل التأثير على محتوى الاتفاقية؟ ستجري الانتخابات الرئاسية في إيران، في ربيع عام 2021: قد يُحرَم المحافظون، الذين لم يرغبوا في الصفقة الأصلية، من نصرٍ يعتقدون أنه مضمون، سيكون الاتفاق مع إيران أيضاً وسيلة لبايدن لاختبار استئناف العلاقات عبر الأطلسي، خاصّة فرنسا وألمانيا.

اقرأ أيضاً: بأيّ معنى سيختلف بايدن في تعامله مع دول الخليج وإيران؟

باختصار؛ لن تكون النغمة والأسلوب متماثلَين؛ فخلف المصافحات الدافئة بين بيبي وبايدن (هل سيدعوه إلى البيت الأبيض فوراً بعد تنصيبه كما فعل ترامب؟)، ستظهَر الابتساماتُ حادّة، وبالنسبة إلى إسرائيل والإسرائيليين، قد يساعد هذا العهد الجديد في الانتقالَ من مبدأ المتعة (ترامب) إلى مبدأ الواقع (بايدن).

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

ww.marianne.ne



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية