مراقبون سودانيون يتحدثون لـ"حفريات": رفاق الأمس صاروا أعداء اليوم

مراقبون سودانيون يتحدثون لـ"حفريات": رفاق الأمس صاروا أعداء اليوم

مراقبون سودانيون يتحدثون لـ"حفريات": رفاق الأمس صاروا أعداء اليوم


18/04/2023

تتوالى المبادرات الساعية لإنهاء الأزمة في السودان والمناشدات لوقف القتال بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي".

فبعد اجتماع على هامش قمة مجموعة السبع في اليابان أمس الاثنين، دعا وزيرا الخارجية الأمريكي والبريطاني إلى "وقف فوري" للعنف في السودان، حيث خلفت اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع 97 قتيلاً. كما دعت وزارة الخارجية الألمانية طرفي القتال في السودان إلى وقف تصعيد الصراع، وفق وسائل إعلام.

وينظر إلى الحرب الآن باعتبارها معركة كانت مؤجلة، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. بدأت التوقعات بصدام الطرفين لحظة سقوط حكم الإنقاذ بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير؛ حيث وجد "حميدتي" نفسه سيد قراره للمرة الأولى، بعد ما شارك في الإطاحة بالرجل الذي يدين له بالفضل في كل شيء.

تكمن أزمة الدعم السريع في شخص حميدتي، الرجل صاحب التطلعات السياسية الكبيرة الذي وجد نفسه فاعلاً أساسياً في مشهد ما بعد ثورة ديسمبر 2018. منذ البداية اختار حميدتي التخلي عن رئيسه البشير، واللحاق بركب الثورة، فكان وسيطاً في الاتفاقيات السياسية وشريكاً أساسياً في صناعة اتفاق سلام جوبا 2020، وتمت مكافأته بمنصب نائب رئيس مجلس السيادة السوداني.

عبر منصبه وسّع حميدتي من علاقاته الإقليمية والدولية، وبدأ في زيادة عدد قواته عبر تجنيد الضباط والجنود من الجيش سواء بعد الاستقالة أو الانتداب، فضلاً عن فتح الباب أمام تجنيد الشباب. استغل حميدتي الفراغ السياسي في المرحلة الانتقالية المضطربة، ليدير قواته بعيداً عن التنسيق مع القيادة العامة للقوات المسلحة، التي يتبعها حميدتي وفق قانون الدعم السريع لعام 2017.

قتال الجيش والدعم

الاشتباكات اندلعت بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، بعد يومين من التوتر على خلفية نشر الدعم السريع لقوات كبيرة قرب القاعدة الجوية في مدينة مروي، شمال السودان، دون تنسيق مع القوات المسلحة.

عبد الماجد عبد الحميد: المعركة ليست سهلة

واتسعت رقعة القتال لتشمل العاصمة الخرطوم، التي شهدت عمليات قتالية بين الطرفين بهدف السيطرة على المواقع الإستراتيجية العسكرية، وامتدت إلى ولايات إقليم دارفور وولايات الشرق ومناطق أخرى في البلاد، ومن المتوقع أنّ يستمر القتال لعدة أيام.

يقول رئيس تحرير جريدة مصادر السودانية، عبد الماجد عبد الحميد، إنّ البلاد تشهد لحظة تاريخية فارقة، ولن يتخلف الشعب السوداني عن سند ودعم قوات الشعب المسلحة، التي وجدت نفسها مضطرة لخوض غمار معركة تم جرها إليها بخبث ومكر، ما كان ينطلي على الجيش السوداني، لولا تهاون قيادته التي كانت تظن أنّ الأمر نزهة سياسية في قلب الخرطوم.

وأضاف الكاتب السوداني لـ"حفريات" بأنّ المعركة ليست سهلة، وثمارها مُرّة وحصادها مؤسف، لكن لا خيار أمام الجيش السوداني غير خوض معركة الخرطوم حتى النهاية.

وبحسب تصريحات قائد الدعم السريع، سيستمر القتال حتى القبض على البرهان وقادة القوات المسلحة وتقديمهم إلى العدالة، بينما أعلنت قيادة القوات المسلحة تصنيف الدعم السريع كقوات متمردة، وأعلنت أنّ قائدها حميدتي مطلوب للعدالة.

من جانبه، يعود رئيس الاتحاد العام للصحفيين السودانيين، الصادق الرزيقي، بالأزمة بين الجيش والدعم السريع إلى وقت تأسيس تلك القوة، التي سببت تباعداً بين قادة الجيش والرئيس المعزول البشير، ما دفع الأخير إلى إصدار قانون "قوات الدعم السريع" لعام 2017.

بدأت الحرب لحظة سقوط حكم الإنقاذ بقيادة عمر البشير؛ حيث وجد "حميدتي" نفسه سيد قراره للمرة الأولى، بعدما شارك في الإطاحة بالرجل الذي يدين له بكل شيء

وقال الرزيقي لـ"حفريات" بأنّه كان واضحاً منذ البداية أن تحالف الدعم السريع مع الحرية والتغيير - المجلس المركزي، يسعى إلى إحياء فكرة قديمة طُرحت في أبريل 2019  بعد أسبوع من الإطاحة بالرئيس البشير، عندما حط في الخرطوم وفد سياسي حمل معه مقترحاً عُد على عجل، كان هدفه تكوين جيش مواز للجيش السوداني من قوات الدعم السريع.

أسباب الخلافات

تنبع مشكلة الدعم السريع في الفترة الانتقالية من قانونه الذي نصّ على تبعيته للقوات المسلحة كمؤسسة، دون وضعه تحت إمرة القائد العام للجيش، أسوةً بجميع أفرع القوات المسلحة. تلك الوضعية تمّ النصّ عليها في مشروع الدستور الانتقالي الذي انبنت عليه المحادثات السياسية التي أنتجت الاتفاق الإطاري.

بدوره يقول الأكاديمي والمحلل السياسي السوداني، محمد تورشين، بأنّ هناك أسباباً متعددة لما حدث من قتال بين الجيش والدعم السريع، منها محاولة دمج الدعم في القوات المسلحة، وما ظهر من خلاف في ذلك الموضوع حول تبعية الدعم ومدة الدمج.

محمد تورشين: أول الحرب الكلام

وذكر لـ"حفريات" بأنّ القوات المسلحة طلبت إدراج الدعم السريع تحت قيادتها أسوةً بفروعها المختلفة، بينما طرح الدعم السريع أنّ يكون تابعاً لمجلس الوزراء. وأضاف بأنّ الخلاف الثاني تمثّل في مدة الدمج؛ طرحت القوات المسلحة مدة عامين، بينما طالب الدعم بمدة 10 أعوام لإكمال الدمج.

وتابع الأكاديمي السوداني، بأنّ الخلافات تصاعدت بين الطرفين، لتبدأ بينهما حرب تصريحات، ومن المعروف بأنّ أول الحرب الكلام. وأشار إلى أنّ المسافات متباعدة بين الطرفين، ولا يمكن أنّ يستقر الوضع كما كان سابقاً، محذراً من أنّ تبعات ذلك القتال سيلقي بظلاله على المشهد السياسي المعقد.

وجاء في الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من كانون الأول (ديسمبر) 2022 "ضمن خطة الإصلاح الأمني والعسكري والذي يقود إلى جيش مهني قومي واحد يتم دمج الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية المتفق عليها"، فضلاً عن تأكيد الاتفاق على تبعية الدعم السريع للقوات المسلحة. وقبل ذلك أكد مشروع الدستور الانتقالي لعام 2022، والذي بُني عليه الاتفاق الإطاري على دمج الدعم السريع، وذكر الاتفاق والدستور الانتقالي أنّ "يكون رأس الدولة قائداً أعلى لقوات الدعم السريع".

الأكاديمي السوداني محمد تورشين لـ"حفريات": المسافات متباعدة بين الطرفين، ولا يمكن أنّ يستقر الوضع كما كان سابقاً، وتبعات ذلك القتال سيلقي بظلاله على المشهد السياسي المعقد

بدأت الخلافات بين الطرفين تظهر للعلن بعد فترة من التحالف، حيث أبدى حميدتي أسفه على مشاركته في أحداث 25 أكتوبر التي وصفها بالانقلاب.

ويعتبر المسار السياسي الذي رعته الآلية الثلاثية والوساطة الرباعية مسؤولاً بشكلٍ كبير عن وصول الخلافات بين الجيش والدعم السريع إلى القتال. بحسب الاتفاق الإطاري تستلم قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي، التي تعلن عداءها لقادة الجيش في كل مناسبة، وتطالب بمحاكمتهم السلطة، ما يعني أنّ الجيش على موعد مع موجة من الإقالات فور تسلم تلك القوى السلطة.

من جانب آخر كانت الحرية والتغيير - المركزي في تحالف مع قائد الدعم السريع، ومنحته مكانة مميزة في مشروع دستورها الانتقالي وفي الاتفاق الإطاري حين جعلت تبعية قواته مباشرة لرأس الدولة، وليس هيئة العمليات المشتركة أو القائد العام للقوات المسلحة، وهو ما يعني أنّ وضع الدعم السريع سيظل قوة شبه عسكرية غير خاضعة للجيش.

تبعات الأزمة السياسية

وفي ظل المسار السياسي برعاية الآلية الثلاثية وجد الجيش نفسه مهدداً؛ حيث يريد المدنيون من تحالف الحرية والتغيير المشاركة في إعادة هيكلة الجيش، في وقت يتحالفون فيه مع الدعم السريع.

كان الجيش انتقد في مرات عدة تدخلات المدنيين في قضايا هيكلة الجيش، فضلاً عن ذلك أقصى الاتفاق الإطاري كل حلفاء الجيش من القوى السياسية والأهلية بحجة أنّهم لم يشاركوا في الثورة، وأناط بمجموعة محدودة من الأحزاب السياسية إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية، عبر تعيين وتقاسم المناصب السيادية، والتي منها رأس الدولة، ومجلس الوزراء، والمجلس التشريعي الانتقالي، والمفوضيات المتعددة، والهيئات القضائية، وغير ذلك من مؤسسات الدولة.

الصادق الرزيقي: تكوين جيش مواز للجيش السوداني

وأمام الضغوط من الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، منظمة الإيقاد) واللجنة الرباعية، وضع الجيش بند دمج الدعم السريع كشرط للتوقيع على الاتفاق النهائي للعملية السياسية وتسليم السلطة، لمنع الدعم السريع من استغلال تحالفه مع الحرية والتغيير في الهيمنة على الجيش.

من جانبه، وظف حميدتي ورقة العملية السياسية وتسليم السلطة للمدنيين في وجه الجيش، واستغل الدعم الغربي والأممي للعملية السياسية للنأي بنفسه عن الجيش، في محاولة لتجنيب قواته الدمج في القوات المسلحة، ليظل في مركز القوة في المشهد السياسي الحالي والمستقبلي.

وتبعاً لمراقبين سودانيين، لم تكن عملية دمج الدعم السريع الذي تعاظمت قوته بعد ثورة ديسمبر 2018 ممكنة؛ حيث أنّها تعني فقدان قائدها للمكاسب السياسية والاقتصادية التي حققها عبر جيشه الخاص، وبدمج ذلك الجيش سيفقد حميدتي أوراق قوته التي جعلته من أبرز الفاعلين في البلاد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية