مسيّرات إيرانية لروسيا ضد أوكرانيا: هل تنجح طهران بالضغط على واشنطن؟

مسيّرات إيرانية لروسيا ضد أوكرانيا: هل تنجح طهران بالضغط على واشنطن؟


10/08/2022

تسود تخوفات عديدة من وجود دعم إيراني لروسيا في الحرب على أوكرانيا، من خلال تزويد الجيش الروسي بطائرات مسيّرة ذات قدرات قتالية، الأمر الذي سبق أن حذّر منه مسؤولون أمريكيون. ورغم مراوغات طهران المستمرة في هذا الأمر، لكنّ الولايات المتحدة أكدت حصول موسكو على مسيّرات قتالية وأخرى انتحارية.

التعاون العسكري بين روسيا وإيران.. ما الجديد؟

التنسيق أو التعاون الأمني والعسكري بين طهران وموسكو ليس أمراً جديداً، بل إنّ هناك تفاهمات عديدة بينهما في عدة ملفات سياسية وإقليمية، منها الحرب الأهلية السورية، منذ عام 2015، تحديداً، وكذا الأزمة النووية.

ولذلك؛ عقّب الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، على تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، بخصوص نيّة طهران تقديم مئة طائرة بدون طيار  لروسيا؛ بأنّه "لا توجد تطورات جديدة، وتاريخ التعاون بين إيران وروسيا في مجال التقنيات الحديثة يعود إلى ما قبل الحرب في أوكرانيا".

وقبل أيام، قال مستشار الرئيس الأوكراني، أليكسي أريستوفيتش، إنّ إيران بعثت لروسيا نحو 46 طائرة بدون طيار. وأردف: "وفق بعض التقارير يبدو أنّ استخدامها قد لوحظ بالفعل".

كما ألمح تقرير لصحيفة "ذا تليغراف" البريطانية؛ بأنّ "روسيا تخطط لاستخدام قمر صناعي إيراني جديد ستشرف على إطلاقه للتجسس على الجيش الأوكراني وتحسين جمع المعلومات الاستخباراتية".

الباحث خليل عزيمة: هل سيستمر دعم طهران مع المراوغة الروسية؟

ويمكن القول؛ إنّه بعد الفشل الإستراتيجي لموسكو في حربها على أوكرانيا، والخسائر الفادحة التي تكبدتها، فضلاً عن تأثير العقوبات ليس فقط على الاقتصاد الروسي، بل وعلى قطاع الصناعات العسكرية، اتّجهت موسكو إلى طهران لتزويدها بالمسيّرات، حسبما يوضح الباحث المتخصص في الشؤون الروسية، خليل عزيمة.

ويوضح عزيمة، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ أجهزة التحكم والتصوير في المسيّرات الروسية هي صناعة غربية، ومع فرض العقوبات الغربية على موسكو واجهت صناعة هذه المسيّرات عقبات كثيرة مع الاستنزاف المستمر للمخزون الروسي أمام الضربات الأوكرانية.

التنسيق أو التعاون الأمني والعسكري بين طهران وموسكو ليس أمراً جديداً، بل إنّ هناك تفاهمات عديدة بينهما في عدة ملفات سياسية وإقليمية، منها الحرب الأهلية السورية، والأزمة النووية

ومن ثم، لجأت روسيا إلى إيران لتزويدها بالمسيّرات، مقابل تعزيز موقف إيران في ملفات أخرى، على رأسها الملف النووي والأزمة السورية، الأمر الذي ظهر واضحاً خلال القمة الثلاثية الروسية - التركية - الإيرانية في طهران. يقول عزيمة.

وهناك تساؤل يطرحه الباحث المتخصص في الشؤون الروسية، دون إقرار جواب، فيقول: "هل سيستمر دعم طهران مع المراوغة الروسية أمام رغبة الأولى المحمومة في الاستحواذ على أسواق النفط، إضافة إلى التوافق التركي الروسي على محاولة إقصاء الدور الإيراني في سوريا؟

قدرات إيران في صناعة المسيّرات

إذاً؛ تتطابق المعلومات الأخيرة مع التقديرات الأمريكية والغربية التي أوضحها، خلال الشهر الماضي حزيران (يونيو)، مستشار الأمن القومي الأمريكي، والذي قال إنّ واشنطن تعتقد أنّ مسؤولين من روسيا زاروا مطاراً في إيران، في الآونة الأخيرة، لتفقد طائرات مسيّرة ذات قدرات هجومية.

وأوضح سوليفان في بيان: "نجري تقييماً لمعلومات بشأن تلقي وفد روسي رسمي عرضاً حول طائرات مسيّرة إيرانية ذات قدرات هجومية، على حدّ علمنا هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها وفد روسي هذا المطار لحضور مثل هذا العرض".

وأردف: "معلوماتنا الاستخبارية تشير إلى أنّ الحكومة الإيرانية تستعد لتزويد روسيا، في غضون وقت قصير للغاية، ما يصل إلى مئات الطائرات المسيّرة الطائرات المسيّرة، بما في ذلك طائرات قتالية".

كما لفت سوليفان إلى أنّ "إيران تستعدّ لتدريب القوات الروسية على استخدام هذه الطائرات المسيّرة، وأنّ أولى الدورات التدريبية كان مفترضاً أن تبدأ في مطلع تموز (يوليو) الماضي".

 وعرض بيان مستشار الأمن القومي الأمريكي مجموعة من الصورة التي التقطتها الأقمار الاصطناعية، وقد أظهرت طائرات بدون طيار إيرانية "شاهدها وفد الحكومة الروسية..."، موضحاً أنّه تم "عرض طائرات مماثلة في زيارة روسية ثانية للمطار في 5 تموز (يوليو) الماضي".

سوليفان: إيران تستعدّ لتدريب القوات الروسية على استخدام هذه الطائرات المسيّرة

واللافت أنّه في التوقيت نفسه لحدوث هذه التطورات المهمة والمؤثرة في الصراع بين موسكو وكييف، كان التلفزيون الرسمي الإيراني، يكشف "الوحدة البحرية الأولى من حاملات الطائرات المسيّرة التابعة لبحرية الجيش الإيراني، وتضمّ سفناً وغواصات قادرة على نقل كلّ طرازات الطائرات المسيّرة، من القتالية إلى المخصصة للرصد والتدمير". وبثّ التلفزيون الإيراني مجموعة من اللقطات لـ "كلّ أنواع الطائرات المسيّرة التي يتم إنتاجها من قبل الجيش ووزارة الدفاع حلّقت فوق مياه المحيط الهندي لإظهار قدراتها".

كما صرح قائد الجيش الإيراني، اللواء عبد الرحيم موسوي: "نظراً إلى الموقف العدائي لنظام الهيمنة (يقصد الولايات المتحدة وحلفائها)، من الضروري أن نزيد من قدراتنا الدفاعية يوماً عن يوم". وشدّد على أنّه "إذا ارتكب الأعداء خطأ، ستكون هذه (الطائرات المسيّرة) لهم بالمرصاد".

هل تتحمّل موسكو وطهران العقوبات حتى النهاية؟

وفي حديثه لـ "حفريات"، يوضح المحلل السياسي والمعارض الإيراني، حيدر  فارس؛ أنّ النظام الإيراني يعيش في مأزق صعب، وهذا المأزق ناتج عن الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تسببت فيها العقوبات الأمريكية، والتي وصلت لأعلى مراحلها بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالانسحاب من "خطة العمل الشاملة المشتركة"، ثم تنفيذه سياسة "الضغط القصوى".

رغم وعود بايدن الانتخابية بإحياء الاتفاق النووي، والذي قد يكون مخرجاً لطهران من وضعها الاقتصادي المأزوم، إلا أنّه لم يتم إحراز أيّ تقدّم، حتى الآن، والسبب وراء ذلك، بحسب فارس، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ النظام الإيراني قد منح أكثر من 50-70٪ من اقتصاده للحرس الثوري، والأخير تطالب طهران برفعه من قائمة الإرهاب، حيث يرى النظام في طهران أنّ تحسين وضعه الاقتصادي مشروط بهذه الخطوة.

الباحث في الشؤون الروسية، خليل عزيمة لـ "حفريات": لجأت روسيا إلى إيران لتزويدها بالمسيّرات مقابل تعزيز موقف إيران في ملفات أخرى على رأسها الملف النووي والأزمة السورية

ويتابع: "الحلّ الآخر هو أن يتمكّن المرشد الإيراني، علي خامنئي، من تجرّع كأس السمّ، وأن يكون مستعداً للتوقف عن تقدمه في صنع القنبلة الذرية، إضافة إلى التوقف عن احتلال المنطقة من خلال وكلائه ومليشياته، ناهيك عن صناعة الصواريخ الباليستية. وفي حال تحقّق كلّ ذلك، يمكن أن نتوقع إنقاذ الاتفاق النووي من الإنهيار ، وإزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، لكنّ خامنئي لا يرغب، بأيّ حال من الأحوال، في ذلك؛ لأنّه سيهدم، على الفور، أساس ولاية الفقيه، وسردياته عن الهلال الشيعي".

وردّاً على هذا المأزق، حاول الملالي تنفيذ ما يسمى "فتح أبواب إيران ناحية الشرق"، وفق المحلل السياسي والمعارض الإيراني، كما استفادت روسيا إلى أقصى حدّ من وضع النظام الإيراني الراهن، بل ساهمت (موسكو) في تعقيد الأوضاع، من خلال عرقلة أيّ تقدم محتمل في المفاوضات النووية عبر مواقف حادة تجاه الغرب. ويردف: "مثلما حققت موسكو استفادة قصوى من وجود إيران في سوريا، فإنّها تفعل الشيء نفسه في أوكرانيا، ويمكن القول إنّ طهران تضغط على الغرب والولايات المتحدة من خلال تعاونها واقترابها من الشرق، بحيث إذا لم تستجب لمطالبها، وتكون أكثر مرونة، فإنّها ستواصل تحركها تجاه روسيا والصين".

ويختتم: "من الناحية السياسية، اعتماد موسكو على إيران في شراء الأسلحة والمسيّرات يضعف، إلى حدّ كبير، مكانة روسيا بين القوى العالمية، ويظهر أنّها ضعيفة للغاية ومقيّدة. وفي المحصلة؛ لا يمكن اعتبار تورّط النظام الإيراني في الحرب الروسية الأوكرانية أمراً جيداً؛ لأنّه على المدى الطويل لن تكون روسيا أو نظام الملالي قادرين على تحمّل الضغوط الاقتصادية من الغرب".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية