من هو حمدي رضا الذي لم يفقد شغفه بتلوين المساحات الرمادية؟

من هو حمدي رضا الذي لم يفقد شغفه بتلوين المساحات الرمادية؟

من هو حمدي رضا الذي لم يفقد شغفه بتلوين المساحات الرمادية؟


23/11/2023

إن كنت من المترددين على منطقة "وسط البلد" في مدينة القاهرة، فسترى (حمدي رضا) بشاربه المميزعلى دراجته البخارية، يحمل مرة الكاميرا، وأحياناً مجرد حقيبة خفيفة، وفي أحيان أخرى أدوات للرسم والتصوير، وستلاحظ سريعاً مدى شغفه بالألوان، بداية من ملابسه، وحين يرفع الكاميرا أمام وجهه ليلتقط صورة ما.

ستدرك شغفه بالظلال حين ترى صور الفوتوغرافيا، ذات اللونين الأبيض والأسود، في معرض من معارضه، أو حتى على صفحاته الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، وسترى ظلالاً حادة تروي قصتها الخاصة من خلال عدسته. 

ولد الفنان البصري والناشط الثقافي (حمدي رضا) بمدينة القاهرة في العام 1972، بمنطقة "بولاق أبو العلا"، ثم انتقلت أسرته إلى منطقة "أرض اللواء"، وهي منطقة شعبية مكتظة بالسكان، تقع بين إمبابة وبولاق الدكرور. أعجب مدرس الرسم بموهبته من سن صغيرة، حتى أنّه احتفظ بقصاصة ورقية عليها رسمة في محفظة نقوده، وأراها لوالدة رضا حين زارت المدرسة، ربما كانت هذة الحادثة من الأسباب التي دفعت رضا للالتحاق بكلية الفنون الجميلة قسم التصوير، جامعة حلوان، والتي تخرج فيها بامتياز مع مرتبة الشرف، في العام 1997، وهو يعيش الآن بين مصر وألمانيا.

🎞

بدأ رضا مشواره المهني أثناء انتظامه في الدراسة، ولم يكن التصوير بالرسم هو وسيطه الوحيد، رغم تميزه ومهارته، بل كان دائم البحث عن وسائط أخرى لخلق مزيد من التحدي  خلال رحلته الفنية، وشارك الفنان تجاربه هذه من خلال العديد من المعارض الفردية والجماعية في مصر وحول العالم، ومن معارضه المميزة: "القاهريون"، والذي أقيم لأول مرة في القاهرة في العام 2005، وهو مشروع تصوير فوتوغرافي بالأبيض والأسود، تكوّن من مشاهدات بدأها حمدي منذ التسعينيات، من شرفة كلية الفنون الجميلة بمنطقة الزمالك، وكذلك من شرفة منزله بمنطقة "أرض اللواء"، يرصد فيها تفاصيل الحياة اليومية البسيطة من منظور عين الطائر، بعد مراقبة دقيقة لحركة الشمس والظلال، وصلت مجموعة الصور إلى (80) صورة أو أكثر مع الأعوام. سافرت (9) قصص من قصص "القاهريون" في العام 2006 إلى كوبا؛ لتعرض في "بينالي هافانا"، ثم عرضت مرة أخرى في مدريد، ضمن معرض جماعي عن التبادل الفني والثقافي بين أسبانيا ومصر 2008 -2009. 

بالنسبة إلى رضا، لم ينتهِ التحدي بخلقه مسيرة فنية مميزة في العالم المحلي والدولي، بل رأى احتياجاً وتحدياً آخرين في منطقته الشعبية التي عاش وما زال يعيش بها، فقرر إقامة "آرت اللوا"، وهي مساحة فنية بدأت بمحل صغير في البيت نفسه الذي يقطن فيه في العام 2007، واستمرت التجربة المميزة لعقد كامل، ساهمت في إثراء وعي أهالي المنطقة بالفنون، وأولت أنشطة "آرت اللوا" التي كانت متنوعة اهتماماً خاصاً بالأطفال والحرفيين في المنطقة، فتوجهت لهم بورش عمل فنية، يقدمها فنانون مصريون وعالميون، وكان من الشروط للفنانين الواعدين الملتحقين ببرنامج الإقامة الفنية المجانية، أن يقدموا ورشة فنية لأهالي المنطقة، ومن الورش المميزة التي لاقت رواجاً على مواقع التواصل الاجتماعي، ورشة تلوين أطباق الدش على أسطح المنازل في العام 2014.

🎞

بدأت المبادرة بمبنى آرت اللوا، ثم امتدت إلى مبانٍ أخرى، فأصبحت ترى في الصورة الرمادية الكبيرة بقعاً متناثرة لألوان مبهجة، وبالطبع شارك أطفال المنطقة في نشاط التلوين والرسم على "الدش"، مع الفنان المصري (هاني حمص)، والفنان الأمريكي (جيسون ستون كينج)، وعلى مرّ الأعوام ساهمت تجربة "آرت اللوا" في إثراء الحوار والتجربة بين الفنانين والمجتمع المحلي، وكذلك بين فناني مصر ودول العالم المختلفة؛ من خلال برامج الإقامة الفنية والتبادل الثقافي.

وكان وجود المشروع في حي مكتظ بورش الحديد والخشب، مساعداً لخلق تعاون بين الحرفيين في المنطقة والفنانين المقيمين في "آرت اللوا"؛ لينتجوا أعمالاً فنية مشتركة تحمل الطابع الشعبي الذي تمتاز به المنطقة، ولم يكن الاهتمام بالمشاريع الفنية فقط، بل امتدّ كذلك لورش تعليم الصحافة للأطفال من سن (12 إلى 16) عاماً، لتعليم الأطفال الكتابة الإبداعية والصحفية، واستمرت الأنشطة المختلفة إلى أن توقف المشروع في العام 2017، كحال العديد من الجمعيات الأهلية بعد صدور قانون الجمعيات الجديد.

وبعد إغلاق المشروع، الذي كان بدعم من منظمات دولية معروفة؛ منها: المورد الثقافي، والسفارة الإسبانية، والسفارة الهولندية ، ومعهد جوته ، استمر (رضا) في مسيرته المميزة بإقامة عدد من المعارض التي لاقت رواجاً، سواء في مصر أو في دول أخرى، آخرها معرضه "الفناء الخلفي"، الذي أقيم في 15 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في أتيليه القاهرة بوسط المدينة، حيث جرى عرض عدة أعمال متنوعة من تصوير أو تصوير فوتوغرافي، لمشاهد مختلفة لا يربطها ببعضها البعض سوى أنّها مرت أمام عينيه الشغوفتين فالتقطها، لبيئته الخاصّة المليئة بالتناقضات، فترى الجمال والتميز مع  القبح، وترى الطبيعة والبدائية داخل التفاصيل الحضرية المزدحمة.

🎞



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية