موت ومجاعات وأوبئة وخراب... هل تخلى الجميع عن السودان؟

موت ومجاعات وأوبئة وخراب... هل تخلى الجميع عن السودان؟

موت ومجاعات وأوبئة وخراب... هل تخلى الجميع عن السودان؟


06/07/2023

ما تزال الحرب الأهلية في السودان تدفع تجاه مضاعفة آثار المأساة الإنسانية، التي تفاقمت بشكل كبير في الأيام الأخيرة. فوفقاً لتقارير الأمم المتحدة، تمّ إجبار أكثر من (2.2) مليون مواطن على ترك منازلهم داخل البلاد، مع فرار ما يقرب من (645) ألفاً عبر الحدود. ووفقاً للتقارير الأمميّة ذاتها، فإنّ ما يصل إلى (25) مليون شخص في السودان أصبحوا بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والحماية.

من جهتها، دعت منظمة الهجرة الدولية جميع الأطراف إلى ضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، والسماح بوصولهم غير المقيد؛ ليكونوا قادرين على مساعدة الأشخاص الأكثر احتياجاً، في ظل قطع خطوط المواصلات، واستمرار أعمال القتال على كافة المحاور.

وضع ميداني مُعقد

ما تزال أعمال القتال مستمرة بشكل عنيف، خاصّة في ولايات الخرطوم والجزيرة، ودارفور، وشمال وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وبحسب التقارير الأممية، وردت أنباء عن حدوث قصف مدفعي عنيف في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم وفي محيطها.

وفي وسط دارفور، هاجمت قوات الدعم السريع منطقة زالنجي في 27 حزيران (يونيو) الماضي، ونهبت عناصر تابعة لها العديد من المباني الحكومية والمساكن الخاصّة. بينما ما يزال الوضع متوتراً في غرب دارفور، حيث تمّ الإبلاغ عن نشوب قتال عنيف في مورني، وما تزال عاصمة الإقليم، الجنينة، تحت سيطرة قوات الدعم السريع باستثناء منطقة أردماتا.

واستمر القتال في نيالا بجنوب دارفور، مع ورود تقارير عن ارتكاب عمليات نهب وجرائم واسعة النطاق ضدّ المدنيين. وفي 28 حزيران (يونيو) الفائت شنّت قوات الدعم السريع هجوماً على القوات المسلحة السودانية في المنطقة.

ما تزال الحرب الأهلية في السودان تدفع تجاه مضاعفة آثار المأساة الإنسانية

في شمال كردفان والأُبيض جرت عمليات قصف وإطلاق نار متقطعة، بينما استمر القتال في ولاية جنوب كردفان بين قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي يقودها عبد العزيز الحلو، والقوات المسلحة السودانية، وكشفت تقارير عن نزوح أكثر من (200) أسرة من المنطقة.

وفي ولاية النيل الأزرق، استمرت الاشتباكات بين الجيش الشعبي لتحرير السودان والقوات المسلحة السودانية؛ ممّا أدّى إلى نزوح أكثر من (35754) شخصاً، بحسب تقارير منظمة الهجرة الدولية.

تصاعد أعمال العنف الجنسي وانهيار المنظومة الصحية

وفي سياق متصل، أبلغت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة (CVAW) في السودان  عن وجود زيادة مقلقة في حالات العنف الجنسي، حيث وصل العدد إلى (88) حالة، بالإضافة إلى حالات أخرى أكثر بكثير لم يتم الإبلاغ عنها، منذ اندلاع الحرب المستمرة في البلاد.

كما حذّرت مصادر طبية من انهيار القطاع الصحي؛ بسبب النقص الحاد في الإمدادات الطبية والمياه والوقود والكهرباء، فضلاً عن زيادة المخاطر الأمنية على العاملين في المجال الصحي.

هناك زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الجوع، حيث قفز العدد من (11.7) مليوناً إلى (19.1) مليوناً

وأشار نظام مراقبة الاعتداءات على مؤسسات الرعاية الصحية، التابع لمنظمة الصحة العالمية (SSA)، إلى أنّه تم الإبلاغ عن (47) هجوماً على مؤسسات الرعاية الصحية، منذ 15 نيسان (أبريل) الفائت، منها (29) هجمة أثّرت على المرافق، ونحو (20) هجوماً على الأفراد، كما تأثرت الإمدادات بفعل (12) هجمة؛ بالإضافة إلى (8) هجمات أثرت على النقل الخاص بالقطاع الطبي، و(6) هجمات طالت المستودعات؛ ومثلها طالت المرضى.

في 3 تمّوز (يوليو) الجاري حذرت منظمة أطباء بلا حدود من تفشي مرض الحصبة في منطقة النيل الأزرق، في أحد مخيمات النازحين على الحدود مع جنوب السودان.

في شمال كردفان والأُبيض جرت عمليات قصف وإطلاق نار متقطعة

بدوره، تحدث رئيس منظمة الصحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن تأثير الصراع الدائر في السودان على القطاع الصحي، ولفت إلى أنّ "الاحتياجات الصحية للسكان أصبحت كبيرة، وأنّ الوصول إلى الرعاية الصحية أصبح صعباً للغاية، كما أنّ الظروف التي أوجدها الصراع في السودان تزيد من خطر انتشار الأوبئة"، مع وجود زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الجوع، حيث قفز العدد من (11.7) مليوناً إلى (19.1) مليوناً.

غيبريسوس عبّر عن صدمته جراء الهجمات على مؤسسات الرعاية الصحية، فضلاً عن زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وشدّد على وجوب حماية العاملين والمرافق الصحية، وتأمين ممرات خاصّة بالإمدادات الإنسانية والصحية.

مأساة النازحين تتفاقم

وحول إجمالي التقديرات الحالية لحالات النزوح في جميع أنحاء السودان، كشفت منظمة الهجرة الدولية عن نزوح نحو (2,231,523) فرداً (447,031) أسرة. ولوحظ أنّ أعلى نسب من النازحين داخلياً جاءت في ولايات: نهر النيل (16.36%) والشمالية (15.81%) والنيل الأبيض (11.36%) وغرب دارفور (11.12%).

وأفادت الفرق الميدانية أنّ الغالبية (69.85%) نزحت من ولاية الخرطوم، يليها غرب دارفور (11.47%)، ثمّ  شمال دارفور (7.04%)، فجنوب دارفور (6.61%)، فوسط دارفور (4.64%)، ثمّ شمال كردفان (0.34%)، فجنوب كردفان (0.03%)، وأخيراً الجزيرة (0.02%).  

منظمة التراث من أجل السلام قالت: إنّ الحرب في منطقة دارفور الغربية أدّت إلى تدمير (4) متاحف على الأقل

بالإضافة إلى النزوح الداخلي، تسبب الصراع في تحركات كبيرة عبر الحدود لنحو (697151) فرداً، نزحوا إلى الدول المجاورة؛ مصر، وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ووسط أفريقيا وجمهورية الكونغو وليبيا.

من جهة أخرى، حثّت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة الثلاثاء الفائت  الجنرالات المتحاربين في السودان على السماح بمرور آمن للمدنيين، بعد أن تأكد مقتل (28) لاجئاً يستضيفهم السودان في الخرطوم. وقالت الوكالة في بيان صحفي: إنّ المنطقة التي كانوا يعيشون فيها تعرضت لاشتباكات عنيفة في 25 حزيران (يونيو) الفائت، ممّا أدّى إلى سقوط قتلى وجرحى.

مامادو ديان بالدي، المدير الإقليمي للمفوضية، قال: إنّ اللاجئين وغيرهم من المدنيين، هم الضحايا الأبرياء لهذه الحرب المأساوية، وطالب الجميع باحترام القانون الإنساني وحقوق الإنسان، وإعطاء الأولوية لسلامة المتضررين واللاجئين.

تدمير التراث الإنساني في السودان

وفقاً لتقرير نشرته الأسبوع الماضي منظمة التراث من أجل السلام، وهي منظمة غير حكومية للتراث الثقافي على اتصال بالباحثين وعلماء الآثار المحليين، تمّ استهداف (28) موقعاً ثقافياً وأثرياً على الأقل في جميع أنحاء البلاد، وتعرّض معظمها لأضرار كبيرة، حيث يتم استخدام بعض المواقع، بما في ذلك الجامعات لأغراض عسكرية.

حذّرت مصادر طبية من انهيار القطاع الصحي

وبحسب محاسن يوسف، عالمة الآثار بجامعة بحري، قامت قوات الدعم السريع بنشر مقطع فيديو في أوائل حزيران (يونيو) الماضي يظهر قواتها داخل متحف السودان الوطني، الذي يقع في وسط العاصمة الخرطوم، ويضم بعضاً من أقدم القطع الأثرية في العالم، والمومياوات المهمة. وأضافت: "هناك مشكلة حقيقية في الحصول على معلومات كاملة عن حقيقة ما يحدث، وذلك ببساطة لأنّ معظم هذه المواقع تقع في نطاق مناطق القتال".

ويوجد في السودان موقعان من مواقع التراث العالمي لليونسكو، هما: جزيرة مروي، موطن أحد أكبر مجمعات الأهرام القديمة في أفريقيا، وجبل البركل، وهو جبل من الحجر الرملي، بالقرب من المقابر والمعابد والقصور القديمة، التي تنتشر حول مجرى نهر النيل.

منظمة التراث من أجل السلام قالت: إنّ الحرب في منطقة دارفور الغربية، أدّت إلى تدمير (4) متاحف على الأقل. وذكرت المنظمة أنّ سطح متحف نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، تعرض لأضرار بسبب القذائف، ممّا جعل المناطق الداخلية معرضة لتسرب مياه الأمطار، مع اقتراب موسمها في السودان. والمتحف يحتوي على قطع فخارية نادرة، ومجوهرات وأدوات تُظهر تنوع الحضارات التي مرت على دارفور.

مواضيع ذات صلة:

دخول الحركة "الشعبية" الحرب السودانية كطرف ثالث... هل قرأ "الحلو" من كتاب "البرهان"؟

يحلمون بالعودة إلى الحكم... دور "الإخوان" في إشعال الحرب في السودان

المسألة السودانية: قتال إثني وتحركات انفصالية وانتهاكات واسعة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية