مَن يعبث في مسيرة الإصلاح الثوري في السودان؟

مَن يعبث في مسيرة الإصلاح الثوري في السودان؟


05/08/2020

بإعلان الانسحاب الذي قدّمه تيار من تجمّع المهنيين السودانيين لتحالف قوى الحرية والتغيير، فُتح الباب على مصراعيه أمام تكهّنات بانشقاقات ثورية، أو محاولات للتشويش على المسار الثوري الذي ينتهجه السودان، منذ انتفاضة كانون الثاني (ديسمبر) 2018، في وجه النظام الإخواني برئاسة المخلوع عمر البشير.

بيدَ أنّ الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادي بقوى الحرية والتغيير، المهندس عادل خلف الله، نفى هذا الانسحاب، مؤكداً تماسك التحالف الثوري؛ إذ لا يعبّر هذا الإعلان عن أبسط قواعد التجمّع كإطار ديمقراطي نقابي واسع.

مسوّغات الانسحاب

في بيان نُشر عبر صفحة تجمّع المهنيين السودانيين (SPA)، السبت الماضي، عزا إعلان الانسحاب إلى أداء تحالف قوى الحرية والتغيير (FFC)، منذ نيسان (أبريل) 2019، الذي، على حدّ وصفهم، اتّسم بالارتباك وتفضيل المصالح الضيقة، ووضع الاعتبارات التكتيكية قبل المصالح الإستراتيجية.

عزا تجمّع المهنيين السودانيين إعلان الانسحاب إلى أداء تحالف قوى الحرية والتغيير (FFC)

ويرى محللون أنّ هذا الانسحاب ربما جاء رغبةً في التنصل من المسؤولية عن الحالة الاقتصادية المزرية التي وصلت إليها البلاد، خاصة بعد عام من تولي حكومة تصريف الأعمال، وتأثر البلاد بفيروس "كوفيد – 19"؛ لذلك فإنّ هذا الانسحاب، الذي وصفه البعض بالإجراء غير المناسب في الوقت غير المناسب، يسعى لبناء موقف أيديولوجي، خارج إطاره المهني/ النقابي الذي قام عليه منذ البداية.

اقرأ أيضاً: لماذا يبدو موقف السودان من سدّ النهضة "منزلة بين المنزلتين"؟

وبحسب الكاتب الصحفي السوداني، وعضو اتحاد المهنيين، عبد الرحمن فاروق؛ فإنّ الانقسام المزعوم من تجمّع المهنيين محصور ببعض الشخصيات والتكتلات، وليس بالتجمّع بأكمله، وهذا الإعلان الذي جاء بمثابة صدمة لقوى الثورة، لا يعبّر عن تجمّع المهنيين، ولا يمثّل أيّ تهديد لقواها المختلفة".

أكثر ما يربك المشهد السياسي السوداني؛ حالة الانقسام الكبير الموجود، والتي تدفع بعض المحللين إلى القول إنّها تغذي الجناح العسكري والإخواني؛ وتعيد السودانيين إلى الخلف كثيراً

وأضاف فاروق، في تصريح لـ "حفريات": "يجب على تجمّع المهنيين التماسك والتركيز فيما بني لأجله؛ فهو تكتّل نقابي مهني خدمي واجتماعي بالدرجة الأولى، غير معنيّ بالسياسة، ومن أراد منهم أن يمارس السياسة فلا يمارسها داخل التجمع، بل عليه الذهاب لحزب سياسي لبلورة أيديولوجيته، فمثل هذا الانسحاب، من وجهة نظري، لا يمثل سوى محاولة لتسييس التجمّع، والأغلبية من أعضائه يرفضون هذه الإزاحة السياسية؛ إذ إنّ مثل هذا الانقسام يفتح مجالاً لإنعاش الحركات الانفصالية المسلحة، ويهدّد عملية إحلال السلام في دافور، التي لا يسلَّط عليها الإعلام بشكل كافٍ، وهي إحدى المناطق الموبوءة بالحرب؛ إذ لا يقلّ الصراع فيها خطورة عمّا يجري في سوريا أو العراق".

المعضلة الدستورية

قبل أن يعلن التجمّع انسحابه المفاجئ، قام حزب الأمّة اليميني السودانيّ بتجميد عضوية الصادق المهدي، ما جعل الموقف السياسي أكثر ارتباكاً، رغم المسارَين المختلفَين، إلّا أنّه كان مؤشراً لحالة من الفرز العميق للقوى السياسية، تجلّت بشكل كبير بعد توقيع الحركة الشعبية لتحرير السودان "قطاع الشمال"، برئاسة عبد العزيز الحلو، على وثيقة اتفاق يجب بمقتضاه فصل الدين عن الدولة، ومنع الأحزاب القائمة على أساس دينيّ، وإلغاء أيّة قوانين شُرعت على أساس التمييز والفصل الديني، وطالب الاتفاق أيضاً بأن يكون النقاش الدائر بين الحركة والحكومة الانتقالية أحد آليات صناعة الدستور، وهو ما عدّته العديد من القوى السياسية محاولة لقطع الطريق على المؤتمر الدستوري الذي أقرّته الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، ووصفها البعض بأنّها بذلك  تضع حكومة عبد الله حمدوك في مأزق دستوريّ غير سياسي؛ إذ إنّ الوثيقة الدستورية التي تسير البلاد بمقتضاها، كان قد وقّع عليها مع المجلس العسكري تجمّع المهنيين السودانيين، نيابة عن قوى الحرية والتغيير.

منذ سقوط البشير، في نيسان (أبريل) 2019، وتجمّع المهنيين لديه العديد من التعليقات حول أداء قوى الحرية والتغيير

ومع تصاعد الأصوات المنددة بمثل هذا الانسحاب، يرى فاروق، بأنّه مع الاعتراف بالدور الكبير الذي قام به تجمع المهنيين، قبل وخلال فترة الثورة، إلّا أنّ انسحابه لن يؤثر على الحراك الشعبي، على عكس ما يروّج، ربما كان هذا سيحدث في بداية اندلاع الثورة، أمّا الآن فالأمور أكثر استقراراً، حتى لو لم تبدُ كذلك، بيد أنّ الانشقاقات التي تحدث داخل قوى الحرية والتغيير، تخلق حالة من الاستقطاب بين أبناء الثورة، لا نخشى منها شيئاً، سوى أن تتغذّى عليها الجماعات المسلحة".

الصحفي السوداني، وعضو اتحاد المهنيين، عبد الرحمن فاروق لـ"حفريات": الانقسام المزعوم من تجمّع المهنيين محصور ببعض الشخصيات والتكتلات، وليس بالتجمّع بأكمله، وهذا الإعلان جاء صدمة لقوى الثورة

وقال عضو سكرتارية تجمّع المهنيين السودانيين، المؤيد للانسحاب، عمار الباقر: "منذ سقوط البشير، في نيسان (أبريل) 2019، وتجمّع المهنيين لديه العديد من التعليقات حول أداء قوى الحرية والتغيير، باختلاف تياراتها المشاركة في الإعلان؛ إذ تحتاج الحركة إلى مراجعات عميقة، وتغييرات على أصعدة عديدة، حتى تتمكّن من استيعاب كافة القوى الثورية الموجودة في المجتمع السوداني، ومجاراة الأجواء الثورية والمطلبية".
وأبلغ الباقر، "حفريات"، بأنّ هذه الهياكل القائمة، "لا تعبّر عن القوى الثورية الحيّة، التي نراها حاضناً للفترة الانتقالية، كما أنّنا لم ننسحب من إعلان الحرية والتغيير، بل انسحبنا من الهياكل المكونة وهي ذات عدد محدود".

انسحاب أم تفكيك؟

في حديثه لـ "حفريات"، قال الصحفي السوداني وعضو تجمّع المهنيين، محمد إبراهيم: "يعاني تجمّع المهنيين من مشكلات بنيوية عديدة، بعد سقوط البشير، ظهرت إلى العلن حين دعا التجمّع إلى محاسبة بعض أعضاء التجمع داخل قوى الحرية والتغيير؛ إذ ظلّت هذه الخلافات في تصاعد حتى نهاية الانتخابات، التي تمّت في أيار (مايو) الماضي، والتي نتج عنها انسحاب عدة لجان ذات أهمية وثقل سياسي، كانت الأولى منها لجنة الأطباء المركزية، والتحالف الديمقراطي للمحامين، والحقيقة التي لا بدّ من أن يواجه بها التجمّع نفسه؛ هي حالة الانقسام الحادّ بين تيارات مختلفة داخل تجمّع المهنيين السودانيين، لكن ما لا ننكره هو معاناة السودان من وضع سياسي يتّسم بالتشظّي والهشاشة والانقسامات، كما أنّ مشكلات الحكومة الانتقالية لا تخفى على أحد؛ إذ تعاني من التفكّك، نتيجة الصراع بين الجناح العسكري والمدني والدولة العميقة، وأعتقد أنّ الوضع المتسم بهذه الحالة من التفكيك، يجب أن يتماسك؛ فالأمر لا يحتمل إثارة البلبلة والمزيد من الانقسامات؛ لذلك أرى أنّ هذا الانسحاب غير مقبول، إذ جاء في غير وقته".

أكثر ما يربك المشهد السياسي السوداني؛ حالة الانقسام الكبير الموجود، والتي تدفع بعض المحللين إلى القول إنّها تغذي الجناح العسكري والإخواني؛ فهي أشدّ من حالة الانقسام التي حدثت في الستينيات من القرن الماضي، ثمّ الثمانينيات، ما جعل السودان فريسة سهلة للإخوان؛ إذ يتطلب الوضع الراهن اتفاقاً واسعاً بين العديد من القوى السياسية، على مستوى القضايا الكبرى على الأقل، وإلّا فإنّ الزمن سيعود بالسودانيين إلى الخلف، الذين قبعوا ثلاثين عاماً تحت حكم عسكري إخواني فاشي، انقضّ على مقدّرات البلاد والعباد.  

الصفحة الرئيسية