نظرةٌ على النفوذ المتنامي لحزب “باس” الإسلاموي الماليزي

نظرةٌ على النفوذ المتنامي لحزب “باس” الإسلاموي الماليزي

نظرةٌ على النفوذ المتنامي لحزب “باس” الإسلاموي الماليزي


16/01/2023

موري هنتر

بالنظر إلى الانتخابات العامة الأخيرة في ماليزيا، فإن الفائز الحقيقي فيها هو الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا (باس). فاز الحزب بعدد 49 مقعدًا من أصل 62 مقعدًا تنافس عليها من إجمالي 222 مقعدًا في البرلمان الوطني. امتد دعم الحزب إلى ما هو أبعد من الساحل الشرقي، والمناطق الشمالية، من شبه الجزيرة الماليزية التي كانت تعتبر قاعدة دعمه التقليدية. وقد أظهر الملايو من الطبقة الوسطى وموظفو الخدمة المدنية دعمًا قويًا للحزب في المناطق الحضرية الخارجية، والعاصمة الإدارية الفيدرالية، وهي مناطق لم يتمكن الحزب من اختراقها من قبل.

إضافة إلى ذلك، حقق الحزب نجاحاتٍ في ولاية بينانج، التي تعتبر واحدة من أكثر المناطق ليبرالية في الدولة، حيث فاز بمقعدين في دائرة كيبالا باتاس في ولاية بينانج، التي كانت تقليديًا معقلًا للمنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، وفي دائرة بيرماتانج بواه في الولاية ذاتها، وهو مقعد شغله لفترة طويلة أحد أفراد عائلة رئيس الوزراء الحالي أنور إبراهيم، ودافعت عنه هذه المرة ابنته، نور العزة أنور التي تحظى بشعبيةٍ كبيرة.

النشأة والتطور

تأسّس الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا في عام 1951 باسم “جمعية الملايو الإسلامية”، من قبل مجموعة من علماء “المنظمة الوطنية الماليزية”. كان العديد منهم أعضاء في كل من المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، والحزب الإسلامي لعموم ماليزيا في الوقتِ نفسه، ويشاركون المشاعر المعادية للاستعمار والقومية في ذلك الوقت.

في عام 1956، غادر العلماء “المنظمة الوطنية الماليزية” بشكلٍ جماعي لتشكيل الحزب الإسلامي لعموم الملايو احتجاجًا على منحهم مناصب ثانوية في حكومة تونكو عبد الرحمن (تونكو لقب ملكي الملايو). رأى تونكو عبد الرحمن أن الدولة بحاجةٍ إلى التكنوقراط، بدلًا من العلماء لتوجيه التنمية الاقتصادية للأمة.

أصبح الهدف الأساسي للحزب الإسلامي لعموم الملايو إقامة دولة إسلامية، قائمة على الشريعة الإسلامية. وكان هذا على النقيض من حكومة التحالف -آنذاك- التي أرادت تطوير الدولة بطريقةٍ علمانية على غرار بريطانيا. في وقتٍ لاحق، غيّر الحزب الإسلامي لعموم الملايو اسمه إلى الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا في عام 1971.

مجتمع معزول

على الرغم من الأدّاء غير المنتظم للحزب الإسلامي لعموم الملايو، ولاحقًا الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا، في الانتخابات، كان لدى العلماء رؤية طويلة الأجل للبناء على شبكةٍ واسعة من المدارس الدينية التقليدية والمدارس القرآنية، في جميع أنحاء المنطقة. كانت هذه المدارس تملكها وتشغلها عائلات الأساتذة والأستاذات منذ أجيال.

توسّع الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا في إنشاء المساجد المجتمعية، ورياض الأطفال، في جميع أنحاء الدولة. وسعى الحزب للانخراط في الحياة المجتمعية، حيث كان الأعضاء يُصلُّون معًا، ويرسلون أطفالهم إلى المدارس الإسلامية التي يديرها الحزب، ويعيشون حياتهم أقرب ما يمكن إلى منظور إسلامي. ويتمثل أحد الأهداف الأساسية لهذه المجتمعات الريفية في التصويت لحزبٍ يرعى حياتهم الإسلامية، ويُروّج للإسلام.

اليوم، يُدرّس الإسلام كدين للإقصاء لدرجة أن أولئك الذين لا يعتنقون المعتقدات نفسها يوصفون بالكفار. حتى اللحوم التي يذبحها المسلمون الذين لا يعتنقون أيديولوجية الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا تُعتبر حرامًا. أدّى ذلك إلى فصل أعضاء الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا عن الملايو الآخرين في المجتمعات الريفية القريبة. ويمكن رؤية ذلك بوضوحٍ شديد خلال الانتخابات، حيث تعرض العديد من القرى أعلامًا سياسية مختلفة. الأخضر للحزب الإسلامي لعموم ماليزيا، والأزرق الداكن للجبهة الوطنية (باريسان ناسيونال)، والأزرق الفاتح (الذي تغيّر إلى اللون الأحمر في الانتخابات الأخيرة) لتحالف الأمل (باكاتان هارابان).

انجذب المهنيون الحضريون الشباب إلى الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا. وعيّنهم الحزب في مناصب قيادية، والأهم من ذلك، ساعدهم في تأسيس أعمالٍ نمت في النهاية إلى شبكات التصنيع والتجارة والتجزئة. كما أنشأ هؤلاء المهنيون الشباب مدارس إسلامية حضرية، واكتسبوا نفوذًا في المدن. ويعمل الحزب على توسيع دائرة نفوذه في ولايات نيجري سيمبيلان وملاكا وجوهور الجنوبية.

ينصبُّ تركيز الحزب على إنشاء مجتمعاتٍ متماسكة، والتركيز على التعليم الإسلامي بين الشباب، بدلًا من السعي وراء طموحاتٍ سياسية قصيرة الأجل مباشرة في هذه المجالات.

القيادة والأيديولوجية

يخضع الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا لإشراف العلماء المحافظين، الذين هم في الأساس زعماء دينيون، تعلموا العلوم الإسلامية في مصر والأردن. وقد تأثّر العلماء ذوو التوجهات السياسية بكتابات حسن البنا، وسيد قطب، وأبو الأعلى المودودي. كما تأثّروا بالحركة السياسية المعروفة باسم “الجمعية الإسلامية”، وجماعة الإخوان المسلمين، الذين يعتقدون أن المجتمع يجب أن يقوم على نظامٍ شامل للحياة يحكمه القرآن والسنة، كما يفسِّره العلماء.

يحكم الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا مجلس العلماء المركزي (DUPP) الذي يطوّر الأيديولوجية، ويصوغ الخطاب العام. ويرأس مجلس العلماء الإندونيسي أحمد يحيى. الهيئة الأيديولوجية العليا هي مجلس علماء الحزب، برئاسة المصري- الأردني محمد زواوي صالح، وهو أيضًا عضو في البرلمان.

يستخدم علماء الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا نظامَ حلقات الدراسة الإسلامية، تحت إشراف مشرفين معينين من قبل مجلس العلماء لتعزيز الخط الأيديولوجي للحزب بين المجتمعات. وكما في مراجعة القضايا السياسية الحالية، حيث يتم تزويد أعضاء الدائرة بالمعرفة والروايات ذات الصلة للرد على أعداء الإسلام المتصوّرين.

تطوّرت أيديولوجية الحزب، وأُعيد تفسيرها على مرِّ العقود. مع صعود “نيك عزيز نيك مات” و”فاضل محمد نور” خلال فترتي السبعينيات والثمانينيات، فُسّر الإسلام على أنه دين شامل. وقد صاغ فاضل نور خطاب الحزب لجذب المهنيين الشباب في المناطق الحضرية لتنويع القيادة. أغرى الحزب المعتدلين بشعار “الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا للجميع”، عندما انضم إلى التحالف متعدد الأعراق، ( Pakatan Rakyat)، لمحاربة حكومة “الجبهة الوطنية” خلال الانتخابات العامة لعام 1999. في ظل هذا الموقف المعتدل، حصد الحزب 27 مقعدًا في البرلمان الفيدرالي. ومع ذلك، فإن الحظوظ الانتخابية للحزب ارتفعت وانخفضت خلال العقد التالي. في الواقع، في عام 2004، كاد الحزب أن يُدمّر، وخسر الزعيم الحالي عبد الهادي أوانج مقعده الفيدرالي. بالإضافة إلى ذلك، هزمت حكومة الحزب في ولاية تيرينجانو هزيمة ساحقة بعد فترة ولاية واحدة.

تحسّنت حظوظ الحزب مرة أخرى، فيما أصبح يُعرف باسم تسونامي الانتخابات ضد المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة في عام 2008. فاز الحزب بحكومة ولاية قدح، وأصبح نزار جمال الدين من الحزب رئيس وزراء ولاية فيرق (Perak)، وشارك الحزب في حكومة ولاية سيلانجور.

شهد الحزب انقسامًا كبيرًا في عام 2015، حيث ترك المعتدلون “الإردغانيون” (وصف مستعار من صعود شعبية إردوغان في تركيا كرمز للإسلام المعتدل الذي يقبل بالديمقراطية) والمهنيون الحزبَ لتشكيل حزب أمانة الوطني (Parti Amanah Negara). وقد ترك ذلك الحزب من دون أي عناصر معتدلة داخل مجالس القيادة. ومرة أخرى، كان العلماء الذين يقودهم الآن عبد الهادي أوانج يسيطرون بقوة.

أيديولوجية متشددة

أيديولوجية الحزب بقيادة عبد الهادي تؤمن بوجهة نظرٍ مفادها أن العلمانية أيديولوجية تستهدف نزع الإسلام من المجتمع، وبالتالي يجب معارضتها. رأى أن الإسلام لا يمكن أن يؤثّر على المجتمع بدون الشريعة. لن يكون للحزب تأثير على المستوى الفيدرالي، ولكن يمكنه التأثير على المجتمع من خلال حكومات الولايات التي يسيطرون عليها. أصبح هذا واضحًا جدًا في ولاية كيلانتان حيث يتم حظر دور السينما وغيرها من فعاليات الترفيه الحيّة. خصصت محلات السوبر ماركت والمتاجر الكبرى أقسام دفع منفصلة للرجال والنساء، وحظر الحزب العديد من العادات الماليزية التقليدية لكونها “غير إسلامية”.

كان عبد الهادي يرى أن المفتين التقليديين هم من النوع الخانع سياسيًا، وجاهلين، ويصدرون الفتاوى التي تخدم أسياد مؤسساتهم. ونتيجة لذلك، كان ينظر إلى المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة على أنها آلية تدعم ديمومة الحكم غير الإسلامي والاستعمار الجديد، وبالتالي، اعتبروا الكفاح ضد المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة جهادًا.

ومع ذلك، اعتبرت مفارقة حيث خدم الحزب في التحالف الوطني والائتلاف الوطني، حيث كانت المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة هي المهيمنة. كان لعبد الهادي نظرة بعيدة المدى، حيث رفض تولي أي وزارات رئيسة، باستثناء الشؤون الدينية. وقد اختير عبد الهادي مبعوثًا خاصا للشرق الأوسط لتعزيز مكانته كرجل دولة من جماعة الإخوان المسلمين على الساحة الإسلامية الدولية، حيث كان نشيطًا لسنواتٍ عديدة. بصفة عامة، ترى جماعة الإخوان المسلمين في الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا نموذجًا سياسيًا يُحتذى به، وتدعو عبد الهادي بانتظام للتحدث في الفعاليات الدولية.

وضع الحزب اليوم

أدّى العدد الهائل من الطلاب الذين أُرسلوا إلى الخارج إلى القاهرة والأردن، لدراسة العلوم الإسلامية، إضافة إلى أولئك الذين درسوا الإسلام محليًا، إلى تضخم صفوف الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا. كان التعليم الأداة الأساسية، مع شبكة المدارس وقنوات التواصل الاجتماعي الشعبية التي تصل إلى الشباب. يصل نفوذ شبكة الحزب التعليمية إلى ولايتي صباح وساراواك. استفادت حركة الدعوة عبر الجامعات التي يدرس فيها الملايو في الخارج من الشعور بالوحدة لرعاية وتطوير المؤيدين. وقد أدّى إضفاء الطابع العام على نظام التعليم في ماليزيا إلى تطوير قيم أكثر تحفظًا لدى الشباب مقارنة بالأجيال السابقة. كما أثّر الشباب على آبائهم لتبني وجهة نظر إسلامية أكثر تحفظًا.

يمكن رؤية هذا التأثير في استطلاعٍ حديث أجراه مركز ميرديكا. أجريت مقابلات مع حوالي 1,200 شاب من الملايو تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا، حيث وافق 82 في المائة منهم على أن القرآن يجب أن يحل محل الدستور. ويمثل هذا ارتفاعًا من 72 في المائة في عام 2010. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد 60 في المائة منهم أنه يجب اتباع القادة الإسلاميين دون مساءلة. ويمثل هذا ارتفاعًا من 48 في المائة في عام 2010.

حاليًا، لا يسيطر الحزب على مناطق الهيئة الفيدرالية لتطوير الأراضي الماليزية (فيلدا) والهيئة الاتحادية لتوحيد وتأهيل الأراضي (فلكرا) التقليدية داخل معاقل الملايو فحسب، بل تمكّن أيضًا من الفوز بمقاعد خارج مناطقه التقليدية. الحزب يؤمن أن السياسة امتداد للإسلام. وبما أن المسلمين يمثلون الآن 69 في المائة من سكان ماليزيا البالغ عددهم 30.2 مليون نسمة، فإن تأثير الحزب آخذٌ في الازدياد. واليوم، وصل أعضاء الحزب إلى أكثر من مليون شخص.

علاوة على ذلك، نجح الحزب في تغيير سردية “سيادة الملايو” المهيمنة في قلب المناطق الريفية. كانت هذه هي الأيديولوجية التي استخدمتها المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة بنجاح لعقود للحفاظ على قبضة انتخابية خانقة على قلب الدولة. وقد صوّت الملايو لصالح الحزب لأنهم أرادوا التصويت لمجتمع إسلامي. ونتيجة لذلك، أصبحت المسائل المتعلقة بالاقتصاد وتكاليف المعيشة قضايا ثانوية.

ماذا عن المستقبل؟

من غير المتوقع أن يخفّف الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا من أيديولوجيته في عهد عبد الهادي، بل ومن المتوقع أن يسير وريثه المحتمل، إدريس أحمد، على الخط الحالي للحزب. ولقد غادر معظم المعتدلين “الإردوغانيين” الحزب، تاركين العلماء المحافظين يعملون دون كابح أو منازع.

لقد أظهر “انقلاب شيراتون” في فبراير 2020، الذي أسقط حكومة “تحالف الأمل” واستبدلها بحكومة تتمحور حول الملايو، لعبد الهادي أن الحزب يمكن أن يقود الحكومة الفيدرالية. والآن، أضحى الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا أكبر حزبٍ سياسي داخل ائتلاف “التحالف الوطني” في البرلمان. لكن الملك لم يدع الائتلافَ لتشكيل حكومة بعد.

في الوقت الحالي، يعتقد الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا أن هذا أفضل وقت لأسْلمة ماليزيا. هذا هو السبب في أن الحزب يعمل على زعزعة استقرار الحكومة الجديدة بتعليقاتٍ عنصرية وتحريضية ويكفّر المعارضين. وفي ولاية تيرينجانو، يضغط الحزب لتمرير تشريع جديد يُجرِّم الحمل خارج إطار الزوجية.

ومع ذلك، فمن المحتمل أن يجلب هذا النهج غير المتسامح إلى نتائج عكسية على الحزب الإسلامي لعموم ماليزيا. ذلك أن أدّاء الحزب الجيد خارج مناطقه التقليدية يعود جزئيًا إلى غضب السكان تجاه المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة بسبب قضايا الفساد، ومن ثم كان الحزب بديلًا مناسبًا للملايو المسلمين. لكن في هكذا أوضاع، قد يتراجع دعم الحزب في الانتخابات المقبلة.

وختامًا، يمكن القول إن ماليزيا تقف الآن عند مفترق طرق. خمسون عامًا من أسْلَمة الحكومة والتعليم، أفرزت حزبًا إسلاميًا يتمتع بموارد جديدة، ويحظى بدعم قوي. المعركة حول أسلمة ماليزيا في المستقبل ستُخاض في المدارس الدينية التقليدية، والمدارس القرآنية، في جميع أنحاء الدولة، حيث أصبحت هذه المدارس قاعدة قوة للحزب، تُغذِّي أيديولوجيته المتطرفة، وتروّج لها.

وكما استغرق الأمر أجيالًا من الحزب لبناء هذا، سيستغرق أيضًا جيلًا لتغيير المواقف. هذا إذا ما توفّرت لدى حكومة أنور إبراهيم الجديدة الإرادة والقدرة للقيام بذلك.

عن موقع "عين أوروبية على التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية