هزة سياسية في أفق انتخابات مجالس المحافظات العراقية

هزة سياسية في أفق انتخابات مجالس المحافظات العراقية

هزة سياسية في أفق انتخابات مجالس المحافظات العراقية


19/11/2023

من أهم مرتكزات السياسة الخارجية الناجحة للدولة أن يكون البلد مستقراً داخلياً، حيث إنّ التماسك الاجتماعي هو أحد أركان الاستقرار، بل أهمها، لأنّه يرتبط ويتأثر بشكل مباشر باستقرار العملية السياسية، وثبات مسارها في أفق سياسة داخلية واضحة المعالم.

إنّ (20) عاماً من الاضطرابات السياسية والأمنية، التي أنتجتها التوافقية الشكلية في حكم العراق، وتحت مظلّة نهج المحاصصة في ظل السلاح المنفلت، وقوى اللّادولة؛ جعلت من العراق دولة غير مستقرة داخلياً، من الناحية السياسية والأمنية، وأكثر سوءاً من الناحية الاجتماعية، التي تعكس ما تضمره القوى والأحزاب السياسية من نزاع وتناحر، يفتقر لشرف الخصومة والمنافسة الديمقراطية، والتي عبّرت أخيراً عن شكلها الواضح والصريح، وعن مفهومها عمّن يشكل الحكومة، وهو الطرف الأكثر جرأة على هتك القانون وسفك الدماء، وتجلّت بذلك المفهوم بتشكيل حكومة الإطار التنسيقي، الذي امتلك أغلبية صريحة ومقرة له في خلق الأزمات والمشاكل الداخلية، وفاز بها على غريمه التيار الصدري الذي حقق أغلبية جماهيرية وبرلمانية واضحة ومقرة له أيضاً. 

إبعاد الحلبوسي عن منصبه بقرار المحكمة الاتحادية، وإسقاط زعامته للمكوّن السنّي، يتخذ أبعاداً مختلفة القياس محلياً ودولياً، إلّا أنّها تتشكل بصورة القادم القريب، الذي لا يخلو من أحداث أمنية لا تقلّ وطأة عمّا قبل العام 2018

إنّ العراق، منذ تشكيل حكومة السوداني، نعم بهدوء نسبي، رافقته جملة من القرارات التشريعية والتنفيذية، أبرزها التعديل الثالث لقانون الانتخابات (الذي تبنتّه القوى التقليدية، وعارضته القوى الناشئة)، وتحديد موعد انتخابات مجالس المحافظات؛ إلّا أنّ هذا الهدوء غير كافٍ ليخفي معالم المرحلة الحالية سياسياً، وصراعاتها داخل وخارج بيوتاتها الحزبية والتحالفية، وما يمرّ به البلد من ظروف اقتصادية، وما تدفع به العملية السياسية التي لطالما وصفت بالعرجاء؛ الأمر الذي يجعلنا نحدد موقع العراق الحالي في الخارطة السياسية، وهو على شفا حفرة من نار، تحاول بعض القوى تلقفه بوساطة حلول ترقيعية، وفوضى مقننة ومسيطر عليها من جانب أحادي؛ تطيل من عمر العملية السياسية الحالية فيه، وهذا السيناريو عرفه العراقيون في 2011-2012، والأخرى تدفع به إلى تصفير المعادلة السياسية، وإعادة صياغتها، وكلتا القوتين تنطلقان من واقع أحداث المنطقة الإقليمية وتأثيراتها، ومن منظور دولي لشكل النظام في العراق بعد العام 2024.

مهم جداً أن نعلم سبب قرار المحكمة الاتحادية بإنهاء عضوية رئيس مجلس النواب العراقي، ومدى صحته قانونياً ودستورياً، إلّا أنّ الأهم أن نعي جيداً ما وراء هذا القرار، وما مدى تأثيره على الانتخابات المرتقبة لمجالس المحافظات، التي أعلن التيار الصدري مقاطعتها، على لسان زعيمه السيد مقتدى الصدر، والتي تسود ظروفها الحالية أجواء التخوف والقلق من التأجيل أو الإلغاء، ويبدو أنّ عزوف الناخبين عنها يتسع كلما اقترب موعدها.

إبعاد الحلبوسي عن منصبه بقرار المحكمة الاتحادية، وإسقاط زعامته للمكوّن السنّي، يتخذ أبعاداً مختلفة القياس محلياً ودولياً، إلّا أنّها تتشكل بصورة القادم القريب، الذي لا يخلو من أحداث أمنية لا تقلّ وطأة عمّا قبل العام 2018، بل ربما أكثر سوءاً، إذا ما اتخذ الحلبوسي وحزبه مسار المعارضة، "وللمعارضة أشكال مختلفة أدت إلى سقوط ثلث العراق في السابق"، وهذه جملة اقتبسناها من خطاب الحلبوسي قبيل رفعه الجلسة، ومغادرته منصة الرئاسة في مجلس النواب. ولا نقول إنّ القصد منها التهديد أو الوعيد من جانبه، إنّما تدفعنا ذاكرتنا لنقف ولو لبرهة عند أحداث العام 2012، لا سيّما في الساحة السياسية للمكوّن السنّي ومشروع زعامة رافع العيساوي، الذي تلاشى بتهم كثيرة وأحكام بالسجن.

ولا بدّ من الإشارة إلى إمكانية أن يكون الغرض ممّا وراء هذا القرار هو الدفع بالحلبوسي للانسحاب من الحكومة والبرلمان والانتخابات، والاصطفاف مع التيار الصدري، في موقفه المعارض للمنظمومة السياسية.

ومحلياً أيضاً، لا بدّ من الوقوف عند مشروع تعديل قانون مفوضية الانتخابات الحالي، ليسمح بتمديد ولايتها إلى ما بعد إتمام جميع الإجراءات والنتائج والطعون في انتخابات مجالس المحافظات  القادمة، إذ أنّها، وفق القانون الحالي، تنتهي ولايتها قبل الموعد المحدد لإعلان النتائج النهائية، وهذا الأمر يترك فوضى تسود أجواء الديمقراطية في الانتخابات القادمة، الأمر الذي يستدعي رئيس برلمان جديد، يؤدي هذه المهمة بأسرع وقت، وبشكل سلس؛ يقتل مخاوف التأجيل والإلغاء، والذي بدوره يتطلب تشريعاً قانونياً.

قد يكون الغرض ممّا وراء هذا القرار هو الدفع بالحلبوسي للانسحاب من الحكومة والبرلمان والانتخابات، والاصطفاف مع التيار الصدري، في موقفه المعارض للمنظمومة السياسية

وبالنسبة إلى الإطار التنسيقي، فإنّ التخلص من خصم ومنافس سياسي بحجم محمد الحلبوسي، وحليف سابق لغريمه التيار الصدري، هو أمر في غاية الأهمية، في ظل أحداث مرتقبة قد تخلخل من بنيان العملية السياسية وتصدع أركانها.

إنّ زعامة الحلبوسي سياسياً، وإن كانت نسبية على مكوّنه؛ إلّا أنّها تشكل مخاوف جسيمة بالنسبة إلى الإطار التنسيقي، فهي متنامية بحجم تأثيرها في الرأي العام داخلياً، وتدعم قدرته على إقامة العلاقات دولياً، وحصوله على الدعم الدولي، لا سيّما الإقليمي الذي يجعله ركيزة أساسية، ورقماً ثابتاً في المعادلة السياسية بصياغتها الجديدة، وهنا تظهر حتمية التخلص من مشروع هذه الزعامة، التي تكاد توازي زعامة السيد مقتدى الصدر، كما أنّ فسح المجال بشكل أكبر لسياسي المكوّن السنّي الممكن السيطرة عليهم، والمحجمة طموحاتهم، هو أمر يضفي الطمأنينة في نفس الإطار التنسيقي.

الحلبوسي رجل السيطرة وإعادة إعمار الأنبار وزعيمها، رغم ما وصف به من دكتاتورية وسلطوية مارسها على مجتمعه، إلّا أنّه بنظر الكثيرين، الرجل القائد القادر على حماية المحافظة، وهذه الصفات قد تقتل صاحبها في زماننا هذا، وفي ظل أحداث غزة ومشروع تسكين الفلسطينيين النازحين  في صحراء الأنبار، يعتبر وجود سياسي سنّي قادر على اتخاذ القرار في العراق، وله القدرة على تشكيل تحالفات كبيرة سياسياً وجماهيرياً، يشكّل خطراً كبيراً على هذا المشروع وتحقيقه، وهنا يتحقق البُعد الدولي في إزاحة الحلبوسي من منصبه، بهدف الإطاحة بزعامته.

وإذا ما أردنا أن نأتي تفصيلاً في ما يخص ملف غزة وإسرائل، وأبعاد التطبيع إقليمياً، وتأثيراته على المشهد العراقي، فإنّنا نحتاج لأكثر من هذا السرد، إلّا أنّني اعتقد أنّ العراق يمثل باكورة الأحداث الأمنية التي تتبعها تغيرات جيوسياسية على أرضه ومحيطه، ولا أستبعد التوافق الأمريكي الإيراني في هذا الصدد.

* رئيس المكتب السياسي لتجمع الرقابة الوطني العراقي.

مواضيع ذات صلة:

أمريكا تفرض عقوبات تستهدف جماعات بالعراق مدعومة من إيران... لماذا؟

البنتاغون يعلن حصيلة الهجمات التي طالت قواعده في سوريا والعراق



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية