هل اعتمد الإخوان على الإسلام كمصدر وحيد لإعداد شبابهم؟ دراسة تجيب

هل اعتمد الإخوان على الإسلام كمصدر وحيد لتدينهم؟ دراسة تجيب

هل اعتمد الإخوان على الإسلام كمصدر وحيد لإعداد شبابهم؟ دراسة تجيب


15/01/2024

بعكس الفكرة النمطية السائدة التي تروّج لها الجماعة، تُعدّ جماعة الإخوان المسلمين ابنة زمانها، إذ هي وإن تأثرت بالتيارات والأفكار والجماعات الإشكالية القديمة في الثقافة العربية والإسلامية، إلا أنّها واكبت أيضاً بعض الإنتاج المعرفي الغربي واطلعت عليه، خصوصاً في مجال التنمية البشرية وعلم النفس، وذلك بهدف التمكن من أدوات الإقناع والتجييش لإيديولوجيتهم ونوع تديّنهم.

لذلك يمكن القول إنّ جماعة الإخوان هي جزء من ثقافتها، فهي، مثلها مثل أيّ إيديولوجيا، حصيلةٌ لبعض مكونات بيئتها وموروثها الثقافي، ولكنّها كتنظيم تخضع لعمليات التأثير من حيث أساليب عملها بالتنظيمات المعاصرة لها في العالم، عكس ما يدعيه الإخوان بأنّ تدينهم قائم بالكليّة على فهمهم الصحيح للإسلام كمصدر وحيد لإعداد شبابهم.

وهو ما ورد في دراسة نشرها مركز "تريندز للبحوث والدراسات"، للخبير في الإسلام السياسي الدكتور وائل صالح، بعنوان "جماعة الإخوان المسلمين والعلوم الاجتماعية والإنسانية: هل قرأ البنا جوستاف لوبون ومكيافيلي؟"، وتهدف الدراسة لاختبار مدى جديّة ظاهرة مواكبة الجماعة الإنتاج المعرفي الغربي وتأصلها في جماعة الإخوان.

هل قرأ البنا جوستاف لوبون ومكيافيلي؟

الخبير في الإسلام السياسي الدكتور وائل صالح انطلق في دراسته من اللائحة العامة للمنهاج الثقافي للإخوان، المنشورة في مجلة التعارف، العدد (23)، 6 آذار (مارس) 1940، والتي قال فيها: إنّ جماعة الإخوان فرضت تلك اللائحة على من يرغب من الإخوان في أن يصبح داعية باسمهم.

وتحدّد اللائحة الكتب التي يجب على من يكون داعية قراءتها في مجال العقائد والحديث والسيرة، فضلاً عن قائمة من الكُتُب في الفلسفة وعلم النفس، إذ كان يُطلب من الدعاة في الدورات التدريبية "كتابة تقرير عن الحالة الاجتماعية للريف المصري من واقع قرية أو بندر مع ذكر وسائل النهوض به"، فضلاً عن قراءة كتب تنتمي لمجال العلوم الاجتماعية والخدمة الاجتماعية، "مع التطبيق على الحالة الحاضرة في مصر خاصة والعالم، وخاصة العالم الإسلامي".

كتاب "الرد على الدهريين" لجمال الدين الأفغاني

كما يُطلب منهم، بحسب الدراسة، تحضير (10) محاضرات، منها خطب منبرية بناءً على قراءتهم للكتب السابقة، وأيضاً للكتب الآتية: "إصلاح الوعظ" لمحمد الخولي، و"الخطابة" لمحمد أبو زهرة.

يؤكد كاتب الدراسة أنّه من بين الكتب التي كان يجب على المتدربين قراءتها أيضاً، والتي تكشف عن التوجهات الفكرية الإخوانية، كتاب "الرد على الدهريين" لجمال الدين الأفغاني، وكتابان لمحمد رشيد رضا، وهما "خلاصة السيرة وملخص الدعوة" و"الوحي المحمدي في فلسفة الإسلام"، وكتاب "طبائع الاستبداد" لعبد الرحمن الكواكبي.

كما يتمّ فرض كتب تنقد الاستشراق وتمثلات الإسلام والمسلمين في الكتابات الفكرية الغربية، وكتب يمكن أن نفهم من خلالها نوعية تدين الإخوان وإيديولوجيتهم مثل الكتب التي تتناول تاريخ الخوارج، وكتب تنتقد الصوفية.

جماعة الإخوان، كتنظيم، تخضع لعمليات التأثير من حيث أساليب عملها بالتنظيمات المعاصرة لها في العالم، عكس ما يدعيه الإخوان بأنّ تديّنهم قائم بالكليّة على فهمهم الصحيح للإسلام كمصدر وحيد لإعداد شبابهم

ومن بين الكتب التي تُفرَض قراءتها على المتدربين أيضاً كتب في التاريخ وكتب أخرى تربط بين العلوم الاجتماعية والعلوم البحتة كالطب، ويتزامن ذلك مع محاضرات لحسن البنا كانت تُسمّى "حديث الثلاثاء... دروس متتابعة في الثقافة العامة"، وكانت تُعقد بدار الإخوان المسلمين بميدان الحلمية الجديدة، بعد صلاة العشاء من كل يوم ثلاثاء.

ووفق الدراسة، فقد سبق تلك الدورات إعداد منهج متكامل لإعداد الدعاة ثقافياً، وتولى البنا إعداد هذا المنهج بنفسه، ويقال إنّه عرضه على مجموعة من علماء الأزهر لاستطلاع رأيهم، وكان من بين هؤلاء الشيخ إبراهيم الجبالي الذي أرسل إليه البنا المنهج المنشور في تلك الدراسة مع خطاب مرفق به.

وفي الخطاب طلب البنا من الشيخ إبراهيم الجبالي إبداء رأيه في المنهج المشار إليه، وفي مدى ملاءمة المواد المختارة له، وما يمكن أن يزيد عليه أو ينقص منه لنشر الثقافة في الأمّة، وذلك في إطار رغبة الجماعة في تثقيف بعض أعضائها تثقيفاً خَاصّاً، بما يمكنهم من النهوض "بعبء الدعوة، ونشر الخير بين طبقات الأمّة".

واستنتج الدكتور وائل صالح أنّ جماعة الإخوان لم يكن لديها في تلك الفترة أيّ غضاضة، لا في التعاون مع الأزهر من ناحية، ولا في تكوين دعاتها من خلال كتب غربية في مجالات الفلسفة وعلم النفس والاجتماع والتاريخ، من ناحية أخرى، بما قد يخدم الجماعة في تحقيق أهدافها.

وبحسب الدراسة فقد شُكلت في بداية عام 1940 لجنة البنا برئاسة البنا، وقد اعتمدت اللائحة العامة للمنهاج الثقافي للإخوان، (مرفقة في الدراسة وثيقة رقم 2)، كما وفرت الكتب المفروض على المتدرب قراءتها للبيع بالتقسيط في المركز العام.

كتاب "طبائع الاستبداد" لعبد الرحمن الكواكبي

وتكفل محمد علوي عبد الهادي، سكرتير اللجنة، بشرح غاية المنهج وأغراضه ووسائله في مقالات له بمجلة التعارف، ومن أهم ما جاء فيها، أنّ دعوة الإخوان هي دعوة "الإسلام في القرن الـ (20)"، وهو ما يشكل اختزالاً للإسلام في الإسلاموية واحتكاراً للتحدث باسمه.

كما جاء فيها أنّ الغاية القريبة التي تسعى إليها الجماعة في تلك الفترة هي "إفهام هذا الشعب المؤمن حقوقه وواجباته التي أوجبها له أو فرضها عليه "الإسلام" (كما يفهمه الإخوان أو كما يريدون استخدامه)، واعتبار العلم الوقود الذي تتحقق من خلاله أهداف الإخوان المسلمين.

هذا، وقد استندت الدراسة على إحدى مقالات عبد الهادي التي أعاد نشرها موقع "إخوان ويكي"، لتفصيل هذه البنود، والتي جاء فيها أنّ دعوة الإخوان المسلمين تجتاز طور الجهر بالدعوة، ومطالبة الناس بها، وهي في ذلك مترسمة خُطا الدعوة الأولى؛ دعوة الرسول، صلى الله عليه وسلم.

تحدّد اللائحة الكتب التي يجب على من يكون داعية قراءتها في مجال العقائد والحديث والسيرة، فضلاً عن قائمة من الكُتُب في الفلسفة وعلم النفس

كما جاء في المقال أنّ جهاد الإخوان بات ينحصر الآن في تكوين الشَّعْب المسلم الحقيقي الكامل الإسلام، أو بمعنى آخر: إنّ الغاية القريبة التي نسعى إليها هي إفهام هذا الشعب المؤمن حقوقه التي أوجبها له الإسلام؛ فيطالب بها، وواجباته التي فرضها عليه فيؤديها.

وأنّ الدعوة لتحقيق هذه الغاية في أقرب وقت تحتاج إلى إعداد كل القوى، وتعبئة كل الكتائب، وتوجيه هذا الشباب الطاهر الحر المؤمن؛ ليكون مصابيح الهداية، ونور المعرفة؛ فيرشد الشعب إلى ما له وما عليه.

كذلك يوضح المقال الذي نشره حسن البنا في مجلة الفتح، العدد (103)، 5 تموز (يوليو) 1928، السنة الثالثة، ص (2)، كيف قرأ ميكافيلي عندما اتفق معه على استخدام الدين لتعضيد السلطة السياسية وإضفاء المشروعية عليها، قائلاً: وصلاح الشعب الأدبي والخلقي يساعد الحكومة كثيراً في مهمتها ويوفر عليها جلّ عنائها، فهو من جهة يوطد سلطتها ويدعم أوامرها، حتى قال (مكيافيلي)، على اتهامه في دينه: "يجب على الحاكم أن يعاضد المشروعات الدينية ليدعم بها سلطانه".

ولفت الخبير في الإسلام السياسي إلى أنّ الفكرة الرئيسية لهذا المقال تتلخص، كما يقول البنا، في أنّ الدعوة إلى الله (دعوة الإخوان) "فرض لا مناص منه إلا بالأداء"، وأنّ "الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وأنّ "الناس في كل زمان ومكان على دين رؤسائهم وأولي الحكم".

خلاصة

استندت الدراسة على مجموعة من الوثائق التي تبيّن المدى الذي من الممكن أن تكون جماعة الإخوان المسلمين قد تأثرت به من الإنتاج المعرفي الغربي في مجالي العلوم الإنسانية والاجتماعية في التنظير وفي هيكلة إيديولوجيتها، وكيف قرأ البنا وجماعة الإخوان مفكرين غربيين.

كتاب "الأمير" لنيقولا ميكافيلي

وانتهت الدراسة إلى أنّه لم يكن لدى جماعة الإخوان في مراحلها الأولى أيّ حساسية من اللجوء إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، بشكل علني لإعداد دعاتهم، والاستفادة من تلك العلوم لتحقيق أهداف الجماعة، ممّا  يدحض ما تصدره جماعة الإخوان عن نفسها، من أنّ تدينها قائم بالكليّة على فهمها الصحيح للإسلام، وتمامية ذلك الفهم، ليكون مصدراً وحيداً لإعداد شبابهم ولرؤيتهم للعالم ولسلوكياتهم في الشأن العام، وصولاً إلى حكمهم على الآخرين.

مواضيع ذات صلة:

ما قصة اللعنة التي لاحقت المرشحين لمرشد الإخوان بعد حسن البنا؟

أسرار حوارات القيادي الإخواني أبو شقة مع حسن البنا وأعضاء النظام الخاص‎

هل سرق حسن البنا النار من صديقه السكري؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية