هل الإخوان مؤهلون للحُكم في الجزائر؟

هل الإخوان مؤهلون للحُكم في الجزائر؟

هل الإخوان مؤهلون للحُكم في الجزائر؟


05/07/2023

مع بدء العدّ التنازلي للانتخابات الرئاسية المزمعة في الجزائر عام 2024، عاد متابعو الشأن السياسي المحلي إلى طرح سؤال قديم متجدّد: هل الإخوان مؤهّلون للحكم في الجزائر؟

في تصريحات خاصة بـ "حفريات"، قال الباحث الجزائري د. محمد بغداد: "يبقى هناك طيف من الحكم يراود البعض، والمتمثل في النموذج التركي، إلّا أنّ الأيام تؤكد استحالة تمثّله في حالة إخوان الجزائر لأسباب موضوعية".

ويتصور الأستاذ في المركز الجزائري للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية أنّ "الحديث عن موضوع الإخوان في الجزائر يتطلب النظر إلى البنية التاريخية لهذا التيار والتوقف عن حالات تعاطيه مع الموضوع السياسي وبالضبط منه مفهوم (السلطة)، حيث يجد المتتبّع أنّ هناك قناعة واضحة و(بارزة) أنّهم يأنفون من الوصول إلى السلطة، بمعنى الحصول على الحكم، وهو ما يبرز في خطابهم السياسي وسلوكاتهم الميدانية وما تتضمنه وثائقهم". 

ما تقدّم، يُرجعه د. بغداد لسببين رئيسيين:

أوّلهما: التوليفة السياسية التي قام عليها مفهوم الحكم في الجزائر منذ ما قبل لحظة الاستقلال، وهو أكثر الأطراف السياسية إدراكاً لبديهيات هذه التوليفة، ممّا جعل خطابهم السياسي، وإن بدا في ظاهره خطاباً معارضاً وراغباً في السلطة، إلّا أنّ مضمونه خطاب ذو نزعة تشاركية يرغب في الاعتراف بالوجود السياسي والحصول على وظيفة القيام بخدمات تكون نتيجتها في محصلة عمل وإنجازات السلطة.

ثانياً: خلاصة التجارب التاريخية التي كانت نتيجتها تزيد التراكمات بعدم إمكانية توفر فرصة الحصول على الحكم (على الأقل في المدى المنظور)، وبالذات التجربة المصرية والتونسية، وهي التجارب التي أكدت عدم حصوله على القدرة والطاقة التي تمكنه من الظفر بالحكم، وكانت نتائج "الربيع العربي" تراكماً جديداً زاد من توثيق القناعة خاصة عند الجيل الجديد.

تطلع الشراكة

أبرز ناصر حمدادوش الرجل الثاني في حركة مجتمع السلم (أكبر واجهة محلية للإخوان) أنّ أهمّ وظائف الأحزاب السياسية، هو تولّي مسؤولية الحكم، وممارسة السُّلطة، والحفاظ عليها بالوسائل الديمقراطية السلمية والمشروعة، والعمل على خدمة الوطن من خلالها، والمساهمة في إدارة الشّأن العامّ وفق متطلبات النظام الدستوري.

وفي مقاله الموسوم "الشيخ نحناح وأصعب الاجتهادات السياسية"، لفت حمدادوش إلى أنّ مشاركة (السلم) في مختلف منعطفات الحكم ما بين عامي 1994 و2012، "كانت أوسع من مجرد المشاركة في الحكومة، فهو تطلُّعٌ إلى الشراكة في مؤسسات الحكم".

 الباحث الجزائري د. محمد بغداد

وفي محاولة منه لتبرير التعاطي الإخواني مع الشأن الرسمي، أوضح حمدادوش أنّ ذلك "كان ملتبساً، فقد كان عبارةً عن ضرورة "البدل" عن "الأصل"، إذْ كان ضمن استراتيجية الأساس الواقعي، كوسطٍ بين استراتيجيتين متصارعتين، هما: استراتيجية الإقصاء (التيار الاستئصالي) واستراتيجية المغالبة (الإرهاب)"، في إشارة إلى ما كانت تشهده الجزائر في عشرية العنف الدموي خلال تسعينيات القرن الماضي.

يشدّد الناشط رابح عاشور على أنّ إخوان الجزائر ما زالوا يعانون من "تيه سياسي"، مضيفاً أنّ هذا التيه أفرز تفاعلات سلبية جعلت مواطنيه لا يثقون في قدرة (السلم) وشقيقاتها على الحكم

وذهب نائب عبد العالي حساني شريف إلى أنّ مشاركة (السلم) في الحكومات المتعاقبة "تمّت وفق ضوابط وضعها فقهاء الحركة الإسلامية، ومنها ألّا تكون هدفاً في حدِّ ذاتها على حساب المبادئ والقيم والثوابت، وأن تكون فعلاً لا قولاً، بألّا تكون مجرد مشاركة شكلية ضمن مخططات الغير، وأن تحافظ على الاستقلالية في معارضة ما يخالف مصلحة الدين والوطن، وأن تخضع للتقييم والمراجعة المستمرة وفق معايير موضوعية تقرّر الاستمرار أو الانسحاب منها".

ثغرات وسلبيات

ركّز حمدادوش على الحاجة إلى تقييم حقيقي ومراجعة شاملة لمشاركة (السلم) في ما كان يسمّى "المجلس الوطني الانتقالي" بـ (5) أعضاء، ثم المشاركة في الانتخابات الرئاسية عام 1995، وحضورها بـ (12) وزيراً وكاتب الدولة في حكومات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

ولاحظ أنّ التقييم والمراجعة أبانا عن "ثغرات وسلبيات ليست خافية، وهو ما دعا إلى ضرورة المطالبة بالانتقال من مجرد المشاركة في الحكومة إلى طموح الشراكة في الحكم، بعدما اقتصرت تلك المشاركة في الواقع على طابعها التقني والشكلي في الحكومة، ولم تمتدّ إلى مفاصل الحُكم أفقياً وعمودياً".

حبيب بوخليفة

وتعليقاً على ترشّح الزعيم السابق لإخوان الجزائر، الراحل محفوظ نحناح، في الوصول إلى كرسي الرئاسة في انتخابات 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، سجّل حمدادوش أنّ "طموح الشيخ إلى بلوغ منصب رئيس الجمهورية، سلوك سياسي وانتخابي لم تبلغه قبله أيُّ حركة إسلامية، مع ما يحمله هذا المنصب من الصلاحيات الدستورية في الوصول إلى الحكم، وليس مجرد البلوغ إلى الحكومة، هو خطوةٌ جريئةٌ في رفع الطموح السياسي للانتقال من مجرد المشاركة إلى حقيقة الشراكة".

عمار يزلي: الدولة الدينية، بالمفهوم الكهنوتي اللاهوتي، صارت تمثل في أذهان الجزائريين صورة للعهد الإقطاعي بأوروبا وهيمنة الكنيسة بتحالفها مع الإقطاع على الساكنة، لذا لم تعد هي الدولة المنشودة، على الأقل لدى شرائح واسعة من الشباب اليوم

 

وفي قراءته للانسحاب "المتأخر" لحركة (السلم) من الائتلاف الحاكم في الجزائر قبل (11) عاماً وتشكيلها ما عُرف اعتباراً من عام 2012 بـ "التكتّل الأخضر"، قال حمدادوش: "تشرَّفت الحركة بالمساهمة في التصحيح التاريخي من خلال الائتلاف الوطني الإسلامي، متمنين أن يرقى إلى تحالف قوي، يتّسع لكلّ القوى والأفكار"، مستطرداً: "عانت مدرسة الشيخ نحناح من الضريبة الشعبية لمجرد المشاركة في الحكومة، وتحمُّل المسؤولية السياسية لأخطاء السُّلطة، فكان نحناح يقول ويردّد نحن في الحكومة ولسنا في الحكم".

تبعات التيه

يشدّد الناشط رابح عاشور على أنّ إخوان الجزائر ما زالوا يعانون من "تيه سياسي"، مضيفاً أنّ هذا التيه أفرز تفاعلات سلبية جعلت مواطنيه لا يثقون في قدرة (السلم) وشقيقاتها على الحكم.

وإذ يبدي استغراباً لما يسمّيها "المعزوفة الإخوانية المشروخة والمتضمنة: كنّا في الحكومة وليس في الحكم"، فإنّ رابح عاشور يبدي قناعة أنّ "النضال الحقيقي والتضحية من أجل البرامج والأفكار سقطت من القاموس، وما دام الضمير مات، فلا بدّ أن يتعطل الفكر كذلك، طالما أنّ هذا الفكر لا يضمن مناصب محترمة ولا قيمة معنوية في المجتمع الجزائري".

د . عمار يزلي

وأتى كلام رابح عاشور متقاطعاً مع رؤية السوسيولوجي عمار يزلي بأنّ الدولة الدينية، بالمفهوم الكهنوتي اللاهوتي، صارت تمثل في أذهان الجزائريين صورة للعهد الإقطاعي بأوروبا وهيمنة الكنيسة بتحالفها مع الإقطاع على الساكنة (هذا قبل أن يبرز مفهوم "المواطنة")، لذا لم تعد هي الدولة المنشودة، على الأقل لدى شرائح واسعة من الشباب اليوم.

ويشير عمار يزلي إلى اهتمام الكثيرين بتحقيق العدالة الاجتماعية والإصلاح الاقتصادي والسياسي، وهو ما يؤيده أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر حبيب بوخليفة بالقول: إنّ طبيعة ومعطيات المرحلتين الحالية والقادمة لا تصبّ في مصلحة الإسلاميين وتكريس نظرتهم للدولة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية