هل تتخلى تركيا فعلاً عن ورقة الإخوان المسلمين؟

هل تتخلى تركيا عن ورقة "الإخوان المسلمين"؟

هل تتخلى تركيا فعلاً عن ورقة الإخوان المسلمين؟


26/07/2023

بعد أسابيع من انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية، التي حقق فيها الرئيس رجب أردوغان فوزاً عزيزاً، بعد منافسة قوية مع المعارضة، كادت تطيح به بعد عقدين من حكم البلاد، بدأت ملامح خارطة جديدة للسياسات التركية تتضح بشكل كبير، سياسة جديدة قائمة على مبدأ قديم لدى حزب العدالة والتنمية وهو "تصفير المشكلات"، دولياً وإقليمياً، والسعي نحو تفاهمات مشتركة من شأنها تعميق التعاون مع دول الجوار والمنطقة العربية تحديداً، فيما بدا أنّه مراجعة لسياسات أنقرة العدائية التي أنتجت أزمات لا حصر لها. 

هذه السياسة الجديدة لم تكن لتكتمل دون مراجعة شاملة لجدوى استمرار الدعم التركي لجماعة الإخوان المسلمين، كون هذا الدعم هو محور عداء رئيسي مع الدول التي تضع الجماعة على قوائم الإرهاب، وتطالب بتسليم قياداتها للعدالة، وفي مقدمتها القاهرة، خاصة في ضوء تفاهمات مشتركة بين البلدين، أسفرت مؤخراً عن رفع التمثيل الدبلوماسي وعودة التعاون بمختلف المجالات، وأيضاً تعزيز التبادل التجاري. 

هل تخلت أنقرة عن الإخوان؟ 

في سبيل إقرار واقع جديد يتناسب مع مقتضيات المرحلة الجديدة من عمر النظام التركي، بدا العديد من الإجراءات التركية ضد الجماعة مؤخراً، مثل وقف النشاط الإعلامي، وفرض القيود على منح الجنسية لعناصر التنظيم، ومطالبة بعض المطلوبين على قوائم الإنتربول بمغادرة الأراضي التركية، فضلاً عن تجديد التعليمات الخاصة بوقف أيّ هجوم أو انتقاد للقاهرة من داخل تركيا، بدا ذلك مؤشراً على نهج جديد في تعامل أنقرة مع التنظيم، لكنّ السؤال المهم اليوم هو: هل تتخلى تركيا تماماً عن الإسلام السياسي أو عن جماعة الإخوان كورقة سياسية لطالما تم استخدامها لتحقيق عدد من المصالح والأهداف؟ 

الإجابة عن هذا السؤال تتطلب بداية قراءة معمقة في واقع التواجد الإخواني على الأراضي التركية في الوقت الراهن، ومدى فاعلية تلك الإجراءات أو تأثيرها على الجماعة، فالمؤشرات الحية تقول إنّ الجماعة ما تزال تحظى بدعم تركي واسع، وتمارس أنشطتها داخل الأراضي التركية بحرية كاملة، كما أنّ أنقرة لم تتحدث أبداً عن تسليم عناصر التنظيم لمصر، وتحظى قيادات التنظيم بإقامة وصلاحيات واسعة دون أيّ تضييق، بحسب مصادر تحدثت لـ (حفريات) من إسطنبول. 

أحمد سلطان: إسطنبول تستضيف قيادات التنظيم، وعلى رأسهم محمود حسين وصلاح عبد الحق

ومؤخراً تحدثت وسائل إعلام عن نشاط مكثف لعناصر التنظيم الإخواني على الأراضي التركية، خاصة فيما يتعلق بالتدريبات وعقد الأنشطة التنظيمية، بعضها عسكري واستخباراتي، تحدث برعاية تركية كاملة وتحت أعين الحكومة. 

ويذكر الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان، في هذا الصدد، أنّ إسطنبول تستضيف قيادات التنظيم، وعلى رأسهم محمود حسين وصلاح عبد الحق، وهما السلطة العليا في الإخوان، حالياً، فضلاً عن عشرات وربما مئات من عناصر التنظيم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، ويشاركون في كافة الأنشطة التي يقيمها التنظيم داخل الأراضي التركية. 

التشديدات التركية الأخيرة ضد جماعة الإخوان ترتبط بسياسات جديدة يطبقها النظام التركي في ضوء ضغوط داخلية من التيارات القومية، تتعلق بضرورة فرض قيود على المهاجرين واللاجئين داخل البلاد، ومن بينهم أعضاء داخل جماعة الإخوان

ويقول سلطان في تصريح لـ "حفريات": إنّ التشديدات التركية الأخيرة ضد جماعة الإخوان ترتبط بسياسات جديدة يطبقها النظام التركي في ضوء ضغوط داخلية من التيارات القومية، تتعلق بضرورة فرض قيود على المهاجرين واللاجئين داخل البلاد، ومن بينهم أعضاء داخل جماعة الإخوان، مستبعداً أن تكون الحملة ذات طابع سياسي يرتبط بعلاقات تركيا الخارجية. 

ما الأهداف من الإجراءت ضد الإخوان؟ 

يقول الكاتب السياسي من إسطنبول درويش خليفة لـ "حفريات": إنّه من الطبيعي في مشوار بناء الثقة بين أنقرة والقاهرة أن تتبع السلطات التركية سياسة التضييق على جماعة الإخوان المسلمين العرب، سواء من المصريين أو من جنسيات أخرى ينشطون في إسطنبول، وهو ما ظهر جلياً بعد التقارب المصري التركي عقب المصالحة الخليجية في قمة العلا، ثم تبادل الزيارات على مستوى مساعدي وزراء الخارجية والاستخبارات بين البلدين، لتتكلل بزيارة وزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو في النصف الثاني من آذار (مارس) الماضي.

درويش خليفة: لقاء الرئيسين السيسي وأردوغان في الدوحة خلال مباريات كأس العالم، كان له أثر كبير في تعزيز فرص نجاح المصالحة التركية المصرية، وبالتالي تعلم أنقرة جيداً أنّ ملف الإخوان المصريين يحتاج خطوات عملية من قبل السلطات التركية لإتمام المصالحة وتبادل الزيارات بين زعماء البلدين

ويرى خليفة أنّ لقاء الرئيسين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان في الدوحة قبل نهاية العام الماضي خلال مباريات كأس العالم، كان له أثر كبير في تعزيز فرص نجاح المصالحة التركية المصرية، وبالتالي تعلم أنقرة جيداً أنّ ملف الإخوان المصريين يحتاج خطوات عملية من قبل السلطات التركية لإتمام المصالحة وتبادل الزيارات بين زعماء البلدين، الأمر الذي أدى لإغلاق محطات تلفزيونية ومواقع إخبارية تتبع للمعارضة المصرية، والطلب من بعض الإعلاميين البارزين في صفوف الجماعة مغادرة البلاد. 

ويضيف: "وصل الحال إلى أن منعت بعض الدعاة الإسلاميين المحسوبين على الجماعة من البقاء في تركيا بعدم تجديد إقاماتهم وسحب ملفاتهم بخصوص الجنسية، الأمر الذي أدى لسفر البعض منهم إلى ماليزيا والبوسنة، والأوفر حظاً حصل على فيزا ثم لجوء في بريطانيا."

ويتوقع خليفة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية في تركيا، أن يتخلى الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) عن الإيديولوجيا لصالح البراغماتية والمصالح الاستراتيجية، وهو ما عجل من تقاربه مع السعودية والإمارات، وربما مع مصر قريباً.

هل تسلم تركيا عناصر التنظيم لمصر؟ 

هذا السؤال الأبرز والمتكرر في كل حديث يتناول التطورات في العلاقات المصرية التركية، القاهرة تطالب منذ (10) أعوام بتسليم عناصر الإخوان المطلوبين لدى جهات القضاء في مصر، وأنقرة ترفض، ثم تلتزم الصمت، لكنّ الإجابة حتى الآن: (لا). 

لا، كانت إجابة قاطعة من (3) مصادر تحدثوا لـ "حفريات" من إسطنبول، حضر أحدهم اجتماعاً تنظيمياً خلال الأسابيع الماضية، وطرح الأمر بشكل واضح، وبحسب معلومات المصادر، أخبرت مصادر مسؤولة داخل تركيا قيادات التنظيم أنّ عملية التسليم مستبعدة، لكنّ السلطات أعدت قائمة بأسماء عدد من المطلوبين، جميعهم من قيادات الصف الثالث والرابع، طالبتهم بمغادرة البلاد لرفع الحرج عن أنقرة. 

مصدر ضمن الـ (3) لم يستبعد فكرة تسليم بعض العناصر، من أجل إرضاء القاهرة، لكن ليسوا من قيادات التنظيم، ربما بعض الشباب أو المطلوبين ممّن لا يحملون أوراقاً ثبوتية أو إقامة. 

الباحث المصري أحمد سلطان لا يتوقع أيضاً أن تقدم تركيا على تسليم عناصر التنظيم على أراضيها ضمن التفاهمات التي تحدث في الوقت الراهن، لأنّ أنقرة لا تريد التخلي عن الملف بشكل كامل، لكنّها تسعى لتبريد الجبهات دون مساس فعلي بالجماعة، مشيراً إلى الدور الذي قامت به الجماعة لدعم أردوغان في الانتخابات الرئاسية، ممّا يُعدّ مؤشراً على ترتيب تعاون أكثر قوة فيما بينهما خلال الفترة المقبلة. 

مواضيع ذات صلة:

كيف استخدمت تركيا المريدية والإخوان في اختراق المجتمعات الكردية؟

هل غيّرت تركيا سياستها وأصبح الاقتصاد أولاً والسياسة ثانياً؟

الإخوان وتركيا: من الإعجاب بالنموذج إلى التذيُّل السياسي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية