هل تجوز الاستدانة لأداء فريضة الحج؟ .. فتاوى متضاربة

هل يجوز الاستدانة لأداء فريضة الحج؟ فتاوى متضاربة

هل تجوز الاستدانة لأداء فريضة الحج؟ .. فتاوى متضاربة


14/06/2023

مع اقتراب موسم الحج، يتجدد الحديث عن التكاليف المالية الكبيرة التي يتكبدها الراغبون بأداء الفريضة، التي تُعتبر حلماً للآلاف في الدول الإسلامية، وعن نظام الاستدانة الذي يبرز بالتزامن مع موسم الحج في معظم الدول العربية والإسلامية.    

الكثيرون من المسلمين البسطاء يعمدون إلى ادخار المال للحج، وأغلبهم يتقدمون للقرعة التي تجريها الدول قبل أن يمتلكوا التكاليف كاملة، وإذا ما حالفهم الحظ في القرعة، فإنّهم يلجؤون للاقتراض من الأقارب والأصدقاء، أو من جهات إقراضية تمنح التكاليف بفوائد معينة، كما يحدث في مصر على سبيل المثال، حيث أعلن الكثير من المؤسسات الإعلامية المحلية عمّا سُمّي: قرض الحج، وهو عرض قرض حج بفترة سداد تصل إلى (10) أعوام، بفائدة تبدأ من 16%، ممّا يفرض الكثير من التساؤلات حول جواز الاستدانة بفائدة لأداء الفريضة.  

وأوردت شبكة (الإندبندنت) في تقرير لها الكثير من الأمثلة من المجتمع المصري، حيث يقوم المواطنون بالاستدانة لأداء الفريضة أو الاحتكام إلى مبدأ التقسيط، وهو ما ردت عليه دار الإفتاء، وقالت: إنّه "إذا كان المكلف اقتراضه للحج سيحمل نفسه أو من يعول فوق الطاقة، ويعرض نفسه أو من يعول للفتن وما لا يقدرون على تحمله، فيرجح في حقه القول بالحرمة.

أمّا إن كان تحصيل ما يسدّ به الدين سيعطله عن نوافل العبادات ومكارم الأخلاق ومعالي الأمور، فيرجح في حقه القول بالكراهة، فإن لم يكن لا هذا ولا ذاك، وكان يغلب على ظنه السداد بلا ضرر عليه وعلى من يعول، جاز له القرض بلا حرمة ولا كراهة".

الكثير من المؤسسات الإعلامية المحلية تعلن عن قرض الحج، وهو عرض مالي بفترة سداد تصل إلى (10) أعوام، بفائدة تبدأ من 16%

واقع الحال في الشارع العربي وبين جموع الراغبين والآملين والمتمنين أداء الحج يشير في أغلبه إلى الاحتمال الأول الذي طرحته الدار، وهو أنّ "المكلف اقتراضه للحج سيحمل نفسه أو من يعول فوق الطاقة ويعرض نفسه ومن يعول للفتن وما لا يقدرون على تحمله"، وهو الاحتمال الذي أفتت فيه الدار بالحرمة.

الغريب أنّ نقاشات الاقتراض من البنوك والاستدانة من الأهل والأقارب من أجل "زيارة بيت الله" يتعامل معها كثيرون باعتبارها أولوية تفوق أولوية سداد أقساط السكن والتعليم والصحة وفواتير الأكل والكهرباء والماء والغاز، وهذه النقاشات التي تميل غالبيتها إلى ترجيح كفة القدرية، إذ "ربك الرزاق"، و"أخلص النية وسيرزقك الله من حيث لا تحتسب".

نقاشات الاقتراض من البنوك والاستدانة من الأهل والأقارب من أجل الحج يتعامل معها كثيرون باعتبارها أولوية تفوق أولوية سداد الالتزامات المعيشية

وعكس ما توقعه بعضهم من أنّ الدار ستحرّم الاقتراض أو التقسيط من أجل الحج في ظل تدهور الظروف المعيشية الراهنة، وغموض التكهنات حول كل من المستقبل القريب والبعيد، فقد قالت الدار قبل أيام عبر موقعها الإلكتروني على لسان أمين الفتوى بدار الافتاء المصري: إنّه "يجوز شرعاً أداء الحج والعمرة بالتقسيط وبالاتفاق المسبق بين الطرفين"، موضحة أنّ ذلك "من قبيل المرابحة المباحة شرعاً ولا تدخل في باب الربا"، رغم أنّه يترتب على المقترض فوائد بنسبة 16%، وهو ما عرّضه لموجة انتقادات واسعة من نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإعلاميين.

وكان أحد البنوك قد قدّم قرضاً للمعتمرين والحجاج المصريين، من خلال إتاحة الفرصة للحصول على تمويل رحلات الحج والعمرة بحد أقصى (400) ألف جنيه لـ قرض الحج، و(100) ألف جنيه لـ قرض العمرة بعائد تنافسي، ويمنح العميل وثيقة تأمين مجانية.

من جهته، أجاب مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عن سؤال ورد إليه من أحد المتابعين نصه: بعض الناس يقترضون ليحجوا، أو أنّهم يتفقون مع بعض الشركات التي تتيح الحج بالتقسيط؛ لأنّهم لا يملكون مالاً، فهل هذا صحيح؟.

وقالت البحوث الإسلامية، في فتوى سابقة عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك): من شروط وجوب الحج: الاستطاعة، ولا يكلف الإنسان بالاستدانة للحج؛ ولا يستحب له أن يفعل ذلك، لأنّه ليس مستطيعاً، وربما انقضى الأجل وما زال عليه جزء من دين الحج، وفق ما نقل موقع (القاهرة 24).

الافتاء المصرية: يجوز شرعاً أداء الحج والعمرة بالتقسيط وبالاتفاق المسبق بين الطرفين وذلك من قبيل المرابحة المباحة شرعاً

هذا، وأفتى الكثير من الفقهاء بعدم وجوب الاقتراض للحج، وقالت المالكية: "من لا يمكنه الوصول إلى مكة إلا بأن يستدين مالاً في ذمته، ولا جهة وفاء له، فإنّ الحج لا يجب عليه لعدم استطاعته، وهذا متفق عليه".

وقالت الشافعية: "إذا كان قادراً على أن يستقرض ما يحج به، لم يجب عليه الحج؛ لأنّه غَيْرُ مالك للزاد والراحلة، ولأنّه إذا استقرض، صار ذلك ديناً في ذمته، والدين يمنع وجوب الحج عليه".

وهو ما ذهبت إليه المذاهب الشيعية، فقال الإمامية: “لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال. وإن كان قادراً على وفائه بعد ذلك بسهولة، لأنّه تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب"، وكذلك معظم المذاهب الفقهية ذهبت إلى القول نفسه.

البحوث الإسلامية: من شروط وجوب الحج، الاستطاعة، ولا يكلف الإنسان بالاستدانة للحج، ولا يستحب له أن يفعل ذلك

بل إنّ الفقهاء بينوا أنّ من القدرة المطلوبة هنا، أو الاستطاعة المالية، أن يمتلك المسلم نفقة الحج ذهاباً وإياباً، فلو امتلك مالاً للذهاب، ولم يملك مالاً للإياب، لم يجب عليه الحج، ولا يقترض لذلك أيضاً، وعليه أن يمتلك ما يكفيه للنفقة في رحلته، وما يكفي أسرته في غيابه، وكل من يجب عليه نفقته، من والدين، أو من يجب نحوهم التزام مادي عليه.

وهذا بالطبع يتناقض مع شيوخ أحلوا الاستدانة لأداء فريضة الحج دون الاحتكام إلى حرمة الفوائد التي تفرضها عليه الجهات الإقراضية، ممّا تسبب بحالة من الجدل عبر الكثير من المجتمعات العربية، خاصة المصرية، التي تبرز بشكل أوضح من باقي الدول الاسلامية، وفق ما نقلت وكالة (فرانس برس).

وفي الجزائر أيضاً سمح البنك المركزي بصفة استثنائية للمصارف التي تبنت الصيرفة الإسلامية بطرح قروض مصرفية موجهة للحجاج الراغبين في أداء مناسك الحج لهذا العام، وذلك بعد استشارة المجلس الإسلامي الجزائري الأعلى، الذي أصدر فتوى بجواز الخطوة شرعاً، في خطوة لم تلقَ أصداء إيجابية لدى المواطنين، الذين يدركون أنّ القروض المصرفية تلازمها عادة شبهة الربا.

المالكية والشافعية والإمامية الشيعية اتفقوا على عدم وجوب الاقتراض للحج، وأنّ الفريضة لا تجب لعدم الاستطاعة

وتتراوح تكاليف الحج هذا العام  في مصر بين (4-5) آلاف دولار أمريكي، وفي الأردن كذلك، وفي فلسطين أكثر بنسبة قليلة، وفي ليبيا والسودان تتجاوز الـ (7) آلاف دولار، وفي الجزائر أيضاً تكلفته تتجاوز (6) آلاف دولار، هذا عدا عن نفاقات الحجاج خلال أداء الفريضة.

مواضيع ذات صلة:

قبل موسم الحج... إيران تفتتح سفارتها في الرياض

الإخوان في فرنسا يفقدون عوائد الحج والعمرة

أيهما أفضل عند الله "الحج" أم "إطعام مسكين"؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية