هل تخلق احتجاجات تونس أزمة ثقة بين الرئيس والشارع؟

هل تخلق احتجاجات تونس أزمة ثقة بين الرئيس والشارع؟


03/12/2020

 اختار الرئيس التونسي قيس سعيد، منذ وصوله إلى الحكم في تونس، نهجاً شعبوياً يستند إلى الخطابة والوعود الرنانة ومواجهة نفوذ حركة النهضة وتصديه لمنازعتها له في سلطاته، غير أنّ إخفاق الحكومة في تحقيق اختراق في الأحوال المعيشية المتأزمة وزيادة البطالة والفقر ونقص الحاجات الأساسية، مع تفشي جائحة كورونا بما تفرضه من تحديات، فجّر احتجاجات تهدّد بأزمة ثقة ستكون الأولى بين الشارع والرئيس.

تبنّى الرئيس التونسي بداية أسلوب التهدئة، داعياً إلى حوار وطني شامل ينتهي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ما يتيح له التخلص من حكومة المشيشي

وقد حاول الرئيس التونسي مع اندلاع الاحتجاجات قبل أسابيع النأي بنفسه عن التورط مباشرة في موقف مهاجم للاحتجاجات، وهي المبررة بفشل متعاقب للحكومات التونسية، أو مهاجمتها انطلاقاً من أنها ستزيد الموقف تعقيداً ولن تفضي إلى حل، غير أنّ الصمت لم يكن ممكناً أن يستمرّ طويلاً فيما الأجواء تزداد التهاباً، ورقعة الاحتجاجات ترتفع وتزداد حدتها، بوقف الإنتاج وقطع الطرق والدعوة من قبل بعض الجهات إلى "إضراب شامل".

تبنّى الرئيس التونسي بداية أسلوب التهدئة، داعياً إلى حوار وطني شامل ينتهي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ما يتيح له التخلص من حكومة هشام المشيشي التي توالت أخبار الشقاق بينها وبين الرئيس منذ أيامها الأولى.

وفيما وافقت بعض الجهات على الحوار، وفي المقدمة حركة النهضة، عارضت أخرى، وفي مقدّمتها الحزب الدستوري الحر، رافضاً الجلوس إلى طاولة حوار واحدة، فشلت الفكرة ككل في إخراج سعيد من المأزق، إذ إنّ الحوار الوطني المختلف حوله من شأنه تعميق الخلاف السياسي وليس حله.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة التونسية والعودة إلى السيناريوهات المكشوفة

وأمام استمرار السخط الشعبي وتطوّره، اضطر الرئيس إلى التخلي مؤقتاً عن فكرة استبدال الحكومة، ومحاولة السيطرة على زمام الشارع قبل أن ينفلت، والتخلي عن الحياد، بإعلان الرفض الصريح لمحاولات تعطيل مصالح المواطنين والأشغال العامة وقطع الطرق، ما يعني تبنّي موقف من الاحتجاجات.

الرئيس التونسي أكد خلال استقباله المشيشي على "وحدة الدولة واستمراريتها، ووجوب ضمان تواصل سير المرافق الحيوية"

التصريح الذي أطلقه سعيد في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، خلال استقباله الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، عُدّ إشارة خضراء لرئيس الحكومة، الذي أعطى خلال اجتماعه أمس مع الحكومة أمراً "بالتحرّك الفوري لبسط سلطة القانون والتدخّل بالتنسيق مع النيابة العمومية لفتح الطرقات وإعادة تشغيل مواقع الإنتاج التي أدّى توقّفها إلى صعوبات في التزوّد بالمواد الأساسية لدى عموم التونسيين والإضرار بمصالحهم الحيوية وأمنهم العام وأمن البلاد القومي"، بحسب بيان للحكومة.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة التونسية تُصعد من مناوراتها لإرباك العمل الحكومي

وعقب الاجتماع التقى المشيشي بالرئيس التونسي الذي أكد على "مواجهة المجرمين الذين يحاولون تفكيك الدولة، والمسّ بحقوق المواطنين وضروريات عيشهم"، بحسب مقطع فيديو نشرته الصفحة الرسمية للرئاسة على فيسبوك.

كما أكد سعيد على "وحدة الدولة واستمراريتها، ووجوب ضمان تواصل سير المرافق الحيوية".

جهود التقويض في مواجهة التصعيد

وغداة الإعلان الحكومي المتشدّد نحو التظاهرات بهدف تقويضها، دخلت ولاية القيروان (وسط تونس) في إضراب عام صباح اليوم، ما يعكس استمرار الشارع في التصعيد.

ويأتي إضراب القيروان نتيجة دعوة تمّ إطلاقها في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، "احتجاجاً على عدم تفعيل القرارات الحكومية الخاصة بالجهة والمنبثقة عن المجالس الوزارية لعامي 2015 و2017، ومطالبة بحقّ الجهة (المنطقة) في التنمية والتشغيل".

ويشمل الإضراب العام كافة المعتمديات وجميع القطاعات الإدارية والمنشآت العمومية، باستثناء بعض المصالح الحيوية كالصيدليات والأقسام الاستعجالية والمخابز وبعض المرافق الضرورية.

اقرأ أيضاً: بعد 10 سنوات على إسقاط النظام: التونسيون ينتفضون من جديد

في غضون ذلك، اتهم السيد السبوعي، الكاتب العام الجهوي للشغل، الحكومة بالتهميش المتعمد للقيروان، في تصريح لإذاعة "شمس إف إم".

والقيروان ليست الوحيدة، "فالمظاهرات تتزايد مؤخراً في المناطق المحرومة في جنوب تونس ووسطها، وخصوصاً في ولايات داخلية مهمّشة تطالب بالتنمية والتوظيف، مع اقتراب الذكرى العاشرة للثورة التونسية التي اندلعت في ولاية سيدي بوزيد (وسط)، حين أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده، ثم توفي لتنطلق احتجاجات أسقطت نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني (يناير) 2011، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة تواجه مصيراً مهجولاً.. ما سيناريوهات المستقبل لإخوان تونس؟

وتشهد ولايات في جنوب تونس منذ أسبوع اضطرابات ونقصاً في توزيع قوارير الغاز المنزلي، بسبب إضراب عمّال مصنع الغاز بولاية قابس (جنوب)، ويتواصل في ولاية قفصة (غرب) التوقف الكلّي عن استخراج الفوسفات، إثر احتجاجات تطالب بالتوظيف في شركة "فوسفات قفصة" الحكومية.

ولم يتجاوز إنتاج الشركة 4 ملايين طن منذ ثورة 2011، وكانت تنتج أكثر من 8 ملايين طن قبل 2010، ومن المتوقع ألّا تتجاوز كمية الفوسفات المستخرجة 3 ملايين طن في العام الحالي 2020، بحسب الوكالة.

ومنذ أعوام يشهد الحوض المنجمي في محافظة قفصة (غرب) حيث تتركز عمليات استخراج الفوسفات، احتجاجات اجتماعية تطالب بتشغيل العاطلين عن العمل، وخصوصاً الشباب، في الشركة الحكومية.

يأتي ذلك في وقت تواجه فيه تونس تراجعاً تاريخياً لإجمالي الناتج الداخلي بنسبة 7%، ويتوقع أن تسجل عجزاً قياسياً في الموازنة لعام 2020.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية