هل تستخدم قضية لوكربي لابتزاز ليبيا للتطبيع مع إسرائيل؟

هل تستخدم قضية لوكربي لابتزاز ليبيا للتطبيع مع إسرائيل؟


03/01/2021

يخشى ليبيون كثيرون من تعرّض بلادهم لموجة جديدة من الابتزاز، عقب قرار القضاء الأمريكيّ فتح التحقيق في قضية لوكربي، خاصّة أنّ القرار يتزامن مع اقتراب رفع التجميد عن أرصدة وأصول ليبية في الخارج.

القرار أثار السخط؛ خشية تحميل الدولة مسؤولية جديدة، بعد أنّ سُوّيت القضية، ودفع القذافي تعويضات تُقدَّر بـ 2.7 مليار لعائلات الضحايا، وهو المعلن فقط.

علاوة على صحة إجراءات محاكمة 2001، باتت صحف إسكتلندية وأوروبية، عديدة تشكك في ضلوع ليبيا في حادث لوكربي، وتربط إيران أكثر بالحادث

وكانت تقارير سابقة تحدثت عن براءة ليبيا من المسؤولية عن انفجار الطائرة الأمريكية، فوق لوكربي في اسكتلندا، وحمّلت إيران المسؤولية، فضلاً عن إعادة القضاء الإسكتلندي التحقيق في صحّة إجراءات محاكمة لوكربي الأولى، والتي أُدين فيها الليبي المقرحي.

وفي موقف وطني؛ قرّرت الحكومة الليبية، في شرق البلاد، تكليف لجنة قانونية للدفاع عن ليبيا في المحافل الدولية ضدّ إعادة فتح التحقيق، خشية من ابتزاز الدولة في قضية سُوّيت سابقاً.

النبش في لوكربي

أعلن المدعي العام للولايات المتحدة الأمريكية، ويليام بار، في مؤتمر صحفيّ، توجيه الاتّهام إلى ضابط سابق في المخابرات الليبية، في عهد معمر القذافي، ويدعى أبو عجيلة مسعود خير المريمي، بالمسؤولية عن صنع القنبلة التي انفجرت في طائرة رحلة الخطوط الجوية الأمريكية، بان أمريكان، رقم 103، فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا.

حطام الطائرة الأمريكيّة

وذلك في القضية المعروفة باسم "لوكربي"،  في 21 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والذي يصادف الذكرى السنوية الـ 32 للانفجار، الذي وقع في 21 كانون الأول (ديسمبر) 1988.

وأسفر الحادث عن مقتل جميع ركاب وطاقم الطائرة، وعددهم 259 شخصاً، من بينهم 190 أمريكياً، وآخرين ينتسبون إلى 19 دولة، إضافة إلى مقتل 11 من سكان بلدة لوكربي.

اقرأ أيضاً: هل تسلك أمريكا بايدن طريق ترامب في ليبيا؟

وقال مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، كريس وراي، وهي الجهة التي تولّت التحقيق في القضية منذ البداية: "إعلان اليوم يجب أن يذكر العالم بأنّ "الأمريكيين عندما يتعرّضون للأذى، فإنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي وحكومة الولايات المتحدة لن يتوقفوا أبداً عن السعي لتحقيق العدالة لمواطنينا، بغضّ النظر عن المكان الذي يأخذنا فيه ذلك، أو المدة التي يستغرقها الوصول إلى هناك، أو مدى صعوبة الطريق".

وأشار التقرير، الذي نشرته وزارة العدل الأمريكية، عبر موقعها الإلكتروني، إلى أنّ مسعود شغل مناصب مختلفة في جهاز المخابرات الليبي، بما في ذلك كخبير في بناء الأجهزة المتفجرة، منذ عام 1973 وحتى الإطاحة بنظام القذافي في 2011.

اقرأ أيضاً: لماذا تبقي تركيا مرتزقتها في ليبيا؟

واتّهم التقرير مسعود بالمشاركة في  في الهجوم الذي استهدف ملهى لابيل ديسكوتيك، غرب برلين، في ألمانيا، عام 1986، والذي أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين، وإصابة العشرات بجروح خطيرة، تسبّبت في إعاقة عدد منهم.

 وتحدّث التقرير عن الصلة بين مسعود والمتهمَين السابقَين في محاكمة لوكربي السابقة؛ عبد الباسط المقرحي، والأمين خليفة فحيمة، حيث التقوا في مالطا، وتعاونوا على إعداد الحقيبة المتفجرة.

المدّعي العام الأمريكيّ ويليام بار

وقال التقرير: "بعد مرور ثلاثة شهور على العملية، التقى مسعود وفحيمة، وآخرين، بالقذافي، وشكرهم على أداء الواجب الوطني".

وأبدى المدّعي العام تفاؤله بتسليم أبو عجيلة محمد مسعود للولايات المتحدة، والمسجون لدى سلطات حكومة الوفاق، وقال: "لا أسباب تدفعنا للاعتقاد بأنّ من مصلحة هذه الحكومة أن تكون على صلة بهذا العمل الإرهابي المُشين".

اقرأ أيضاً: نُذر الخطر في ليبيا

وردّاً على الموقف الأمريكي، دعا وزير الداخلية بالحكومة الليبية، في طبرق، المستشار إبراهيم بوشناف، إلى تشكيل فريق قانوني سياسيّ لديه إلمام بالقانون والعلاقات الدولية للدفاع عن ليبيا، بعد تعالي أصوات في الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة فتح ملف قضية لوكربي.

وأوضح بوشناف، في تصريح صحفي؛ أنّ الهدف من إعادة فتح القضية هو استباحة الموارد الليبية، معتبراً أنّ الموضوع أصبح  ملحّاً، ويجب العمل عليه بسرعة، بعيداً عن المواقف السياسية.

شكوك حول التحقيق

وأعاد فتح التحقيق إلى الواجهة الشكوك العديدة حول صحة اتّهام ليبيا في تفجير الطائرة الأمريكية، وصحّة التحقيقات والمحاكمة، وبات واضحاً أنّ هناك دوافع سياسية وراء اتّهام ليبيا.

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد نشرت تقريراً، بتاريخ 11 أيار (مايو) 1989، عقب عام من الحادث، أشارت فيه إلى أنّ المخابرات الأمريكية تعتقد أنّ إيران هي المتورط في الحادث، وليس ليبيا.

اقرأ أيضاً: ليبيا: الصّراع بين السّراج وباشاغا يهدّد بحرب بين طرابلس ومصراتة

وذكر التقرير، الذي استند إلى شهادة عميل مخابرات أمريكي؛ أنّ إيران، بالتعاون مع أعضاء في جبهة التحرير الفلسطينية، خططت لوضع القنبلة المصنوعة من مواد بلاستيكية، وكانت مخبأة في حقيبة سفر، على متن الطائرة، ونفّذت ذلك فتاة أوروبية، كانت على علاقة عاطفية بطالب عربي، وحملت الحقيبة دون أن تعرف بمحتوياتها.

المتّهم في قضية لوكربي، عبد الباسط المقرحي، في المحاكمة

وعقب إصدار الحكم بإدانة المقرحي، عام 2001، نشر موقع "سويس إنفو" تقريراً حول مجريات المحاكمة، جاء فيه: "اكتسبت جلسات الاستماع مصداقية في صفوف المراقبين الأجانب، و كان كثيرون توقعوا إخلاء سبيل المتهمين لنقص الأدلّة، إلا أنّ الحكم الصادر بإدانة المقرحي و تبرئة فحيمة يبدو متناقضاً، ولا يخلو من أبعاد سياسية، لكنّه لا يجيب عن كافة الأسئلة، ومنها الجهة، أو الجهات، التي دبّرت عملية تفجير الطائرة المنكوبة".

اقرأ أيضاً: ليبيا والعبث التركي

عام 2000؛ قام الأمين العام للأمم المتحدة، بإرسال الفيلسوف النمساوي، هانز كوشلر، إلى لاهاي، ليكون ملاحظاً لمجريات محاكمة لوكربي، وقال كوشلر عن مجريات المحاكمة: "بعد كلّ شيء، وبحسب ما أعرف، وما شاهدت، فإنّ الحكم الصادر كان خاطئاً".

وفي تقرير نشره موقع "دويتشه فيله"، عام 2013، ذكر الكاتب والمتخصص في شؤون الاستخبارات، إريش شميت-إنبوم، أنّه يعدّ محاكمة لوكربي محاكمة سياسية، وقال:"مجريات المحاكمة أظهرت بوضوح أنّ هناك صفقة عقدت وراء الكواليس، لا تخدم الحقيقة، وإنما تسمح للطرفين بحفظ ماء وجههما السياسي".

اقرأ أيضاً: من عشرات الجنسيات.. الميليشيات في ليبيا تتاجر بالمهاجرين

ويعتقد الكاتب إنبوم، أنّ واشنطن عقدت عزمها على التخلص من القذافي، وحين لمس ذلك، قبل بالصفقة، وتحمّل المسؤولية رسمياً عن الانفجار، ودفع التعويضات، وصولاً إلى رفع العقوبات الدولية عنه، والقبول به رئيساً لليبيا مرة ثانية.

واللافت للنظر؛ غياب المخابرات الأمريكية عن التحقيقات، وظهور مكتب التحقيقات الفيدرالي مكانها في القضية، ورصد مراقب الأمم المتحدة في المحاكمة، هانز كوشلر، وجود عضوين من مكتب التحقيقات الأمريكي في قاعة المحاكمة، ظلّا يتحدثان مع المدّعين طوال جلسات المحاكمة.

اقرأ أيضاً: اللواء خالد المحجوب لـ "حفريات": المرتزقة والأتراك في ليبيا إلى زوال

ويشكّك الإصرار الأمريكي على الربط بين المتهم المُبرَّأ، الأمين فحيمة، والمتهم الجديد، أبو عجيلة مسعود، في جدية الاتّهام الأمريكي، والذي يضرب عرض الحائط بقرار المحكمة الذي بنت عليه أمريكا حقّها في طلب التعويضات لاحقاً.

الفيلسوف النمساوي، هانز كوشلر

وفي هذا السياق؛ نشر الصحفي والسياسي الليبي، مصطفى الفيتوري، مقالاً في صحيفة "ذا ناشونال" الإسكتلندية، وترجمه موقع "بوابة أفريقيا الإخبارية"، قال فيه إنّ ويليام بار سمح لنفسه بالإعلان عن لائحة الاتهام الجديدة، مع التجاهل التام لحقيقة أنّ كبار قضاة إسكتلندا الخمسة تساءلوا  حول ما إذا كان هناك خطأ قضائي في محاكمة لوكربي الأولى، عام 2001، أم لا.

اقرأ أيضاً: باحثة فرنسية: العملية التركية في ليبيا تموّلها قطر

وأضاف الفيتوري: "هذا ليس ما يتوقّعه المرء من الرجل القانوني الأعلى لقوة عظمى مثل أمريكا، قد يكون الرئيس الليبي الراحل، معمّر القذافي، شريراً، كما يراه كثيرون، ولا يعود هو، ولا المقرحي، ومع ذلك كان مخلصاً وصادقاً بشأن لوكربي".

مخاوف من الابتزاز

وعلاوة على نظر المحكمة العليا في إسكتلندا في صحة إجراءات محاكمة 2001، باتت صحف إسكتلندية وأوروبية عديدة تشكّك في ضلوع ليبيا في حادث لوكربي، وتربط إيران أكثر بالحادث.

ومن المؤكد لدى المتابعين للقضية، بل وجهات التحقيق في إسكتلندا، أنّ الكشف عن حقيقة الحادث أمر مستحيل، ولا يدفع الليبيين اليوم بإعادة التحقيق، لكنّهم يبنون على التسوية التي عقدها نظام القذافي، مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ودفع على إثرها تعويضات، قُدّرت بـ 2.7 مليار دولار لعائلات الضحايا.

الناشط الليبي مفتاح ياسين، لـ "حفريات": لا أستبعد أن تكون هناك مساومة لليبيا من إدارة ترامب للقبول بالسلام مع إسرائيل، مقابل إغلاق لوكربي للأبد

وحول المخاوف الليبية، يقول الناشط الليبي، مفتاح فرج ياسين: "الموضوع لا يرتقي إلا للابتزاز، وقضية لوكربي حُسم الأمر فيها، وحكمت المحكمة فيها، ودُفعت تعويضات لأهالي الضحايا تقارب الثلاثة مليارات دولار، وخرجت تقارير، من سنة أو سنتين، تقول إنّ ليبيا ليست هي المنفذ لهذا التفجير، بل إيران".

الناشط الليبي، مفتاح فرج ياسين

ويردف ياسين، لـ "حفريات": "الآن يعيدون اتهام ليبيا، مع اقتراب فكّ الحظر عن الأصول الليبية المجمدة في الخارج، وهو ما يدفعنا للاعتقاد بأنّ هناك مساومة تلوح في الأفق على أموال الشعب، ولا أستبعد أن تكون مساومة من إدارة ترامب للقبول بالسلام مع إسرائيل، مقابل إغلاق القضية للأبد".

اقرأ أيضاً: بلطجة أردوغان تفرم جهود الحل في ليبيا

وطالب ياسين الجامعة العربية بدعم ليبيا، وقال: "هذا ابتزاز، بعد أن فقدت ليبيا سيادتها، وعلى الأشقاء العرب الالتفاف حول الدولة الليبية، وحمايتها من أطماع الغرب والدول الإقليمية، وإصدار قرار من الجامعة العربية بمنع أيّة دولة من التصرف في أصول وأموال الدولة الليبية، وعدم فتح أيّة قضايا تخص نظام القذافي إلا بعد أن تكون هناك حكومة منتخبة، وبرلمان منتخب".

وعام 1992؛ فرض مجلس الأمن، عقوبات على ليبيا، بضغط من الولايات المتحدة وبريطانيا، وعام 1998 تمّ الاتفاق على التسوية التي سمحت بمحاكمة المقرحي وفحيمة في هولندا، ورفعت العقوبات عقب دفع التعويضات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية