هل تصبح السعودية "سوليوود" الشرق الأوسط؟

أيمن الغبيوي

لربما أن الأوسكاري الشهير توم هانكس لم يكن ليحتاج إلى التوجه إلى صحراء الغردقة بمصر في 2014 لتصوير فيلمه "مجسم من أجل الملك" من أجل أن يحاكي السعودية وتضاريسها حين كان يتحدث عنها في فيلمه لو انتظر سنتين فقط، فالبلاد التي كانت ممانعة للسينما في ذلك الحين أصبحت اليوم في وضع مختلف جداً، حتى إنها تجاوزت دور السينما لتصبح مسرحاً لتصوير أفلام عالمية، منها من اعتلى عرش "هوليوود" وأخرى بسطت نفوذها على سجاد "كان" الفرنسي، وهي ماضية في خططها لتصبح "سوليوود" الشرق الأوسط.

بالعودة إلى هانكس وفيلمه A Hologram for the King الذي عرض عام 2016 والمستند إلى رواية مكتوبة، والذي كان يحكي عن قصة رجل أعمال أميركي هرب من إفلاس بلاده إلى السعودية المزدهرة بنفطها من أجل بناء أحلام جديدة، وفي سياق الفيلم وقع في غرام طبيبة، لكن ثمة مشاهد كانت تظهر البلد آنذاك على أنه صحراء وحسب، ولهذا يقول قائل "لو أن الحائز على أوسكارين صبر حتى اليوم لتغير كثير من قناعاته ولربما ألغى فكرة الفيلم بأكمله"، ذلك في ظل الانفتاح الذي شهدته المملكة على الصعد كافة ومنها قطاع السينما.

وتظل فكرة تصوير الأفلام التي تحكي أو يحكي جزء منها عن السعودية فكرة بائدة لم يعد المنتجون في حاجة إليها منذ أن أطلق العنان لـ"رؤية 2030" في أبريل (نيسان) 2016، وهي الرؤية التي أزاحت الستار عن عوالم "الفن السابع" وصناعته واجتذاب أبطاله وصانعيه.

أفلام عالمية

وعلى رغم حداثة عهد البلاد في هذا القطاع فإن أرضه شهدت تصوير عدد من الأفلام العالمية في أماكن ضاربة في عتاقة التاريخ، كمدينة العلا المدرجة آثارها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي "اليونيسكو".

وكشفت المديرة التنفيذية لوكالة "فيلم العلا" شارلين جونز عن أن ثمة توجهاً للهيئة الملكية لمحافظة العلا إلى استقطاب كبرى شركات الإنتاج العالمية للتصوير في أراضيها، وفي الحوار الذي أجرته اللندنية "الشرق الأوسط" تقول جونز التي تترأس الوكالة منذ أن أسست عام 2020 "سيتم افتتاح منشأة إنتاج عالمية تقدم خدمات متكاملة، وتشمل موقع تصوير تبلغ مساحته 30 ألف متر مربع".

والعلا التي صارت وجهة لتصوير الأفلام السينمائية شهدت عرضاً حصرياً لفيلم "قندهار"، وهو أول فيلم أميركي بإنتاج ضخم تم تصويره بالكامل في المدينة، وهو من بطولة الممثل الاسكتلندي جيرارد بتلر الذي يلعب دور العميل السري توم هاريس، ومن إخراج ريك رومان ووه. وحضر العرض الأولي الممثل البوليوودي علي فضل أحد النجوم الرئيسين في الفيلم.

وشهدت المدينة ذاتها تصوير فيلم "محارب الصحراء" Desert Warrior الفيلم التاريخي الملحمي المستوحى من أحداث حادثة شهيرة لدى المسلمين وهي يوم "ذي قار"، وهو من إخراج روبرت ويات ومن بطولة أنتوني ماكي، وعائشة هارت وبن كينغسلي وشارلتو كوبلي وغسان مسعود وسامي بوعجيلة ولميس عمار وجيزا روهريج، وتجاوزت إيراداته 140 مليون دولار أميركي.

مغريات وتسهيلات

وفي إطار جذب صناع السينما والأفلام بالعالم تقدم السعودية خصماً نقدياً بنسبة 40 في المئة من باب تحفيز جميع أنواع الإنتاج في العلا، إضافة إلى الدعم والتسهيلات اللوجيستية.

وتكشف جونز عن أن وكالة "أفلام العلا" استضافت حتى الآن 694 يوم إنتاج لعدد من الأفلام "العمل جار على مزيد من الإنتاجات العالمية"، من بينها أفلام مهمة من "هوليوود" و"بوليوود" وكوريا الجنوبية، وبحسب جونز سيعلن عنها خلال الشهرين المقبلين.

تجارب 20 دولة تحت أنظار السعوديين

وأتت كل هذه الخطى في إطار سعي متواصل من وزارة الثقافة السعودية التي أطلقت في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 استراتيجية "هيئة الأفلام" التي استندت في بنائها إلى مقارنة معيارية مع أهم 20 دولة في صناعة السينما، وذلك لاستخلاص أفضل الممارسات المتبعة عالمياً، وحدد وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان  وفريقه أن العمل سيمضي "لترسيخ مكانة البلاد في صناعة السينما ولجعل المملكة مركزاً عالمياً لصناعة الأفلام في قلب الشرق الأوسط"، وكانت تلك أولى خطوات "سوليوود" الجديدة.

وتتكون استراتيجية البلاد من شقين، الأول "تطوير سوق محلية من خلال دعم الصناعة وإقامة استوديوهات تصوير سينمائي والاستثمار في دور العرض"، والثاني "جذب اهتمام المنتجين الأجانب والشركات الإعلامية الدولية". وفي هذا الإطار أعلن صندوق التنمية الثقافي السعودي أواخر مايو (أيار) الماضي عن صندوقين في مهرجان "كان" يبلغ حجمهما 180 مليون دولار للبنية التحتية للإنتاج والاستثمار في صناعة الأفلام.

وفي مهرجان "كان" الذي التقى فيه وزير الثقافة السعودي صناع الأفلام حول العالم، عرضت في أرجاء المعرض ملصقات ترويجية لدعم المخرجين الذين يصورون أفلامهم في السعودية، وكان جناح المملكة في "مارشيه دو فيلم "Marché du Film أو سوق الأفلام، الذي يقام على هامش المهرجان ويبحث فيه صانعو الأفلام عن مستثمرين، من بين أكبر أجنحة السوق، حيث استقبل الزوار في شرفة تطل على البحر المتوسط.

سياحة الأفلام

السعودية التي وضعت قطاع السياحة من أهم المحاور الرئيسة في رؤيتها حققت بالأمس، بحسب وزير السياحة أحمد الخطيب، نمواً في الناتج المحلي بنسبة 4.45 في المئة.

ويرى مراقبون أن ثمة اهتماماً بدأ يتنامى لدى شركات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني بالتصوير في السعودية منذ إطلاق التأشيرة السياحية، إذ نفذ عدد كبير من هذه الشركات زيارات للعلا ومناطق سعودية عدة لاستكشاف مواقع التصوير المتنوعة التي لم تستغل بعد، والتي توفر مساحات جديدة وفريدة للتعبير البصري السينمائي أو التلفزيوني.

وحول السياحة ودروبها ثمة مصطلح صنعته السينما وأفلامها، وهو مصطلح "سياحة الأفلام" الذي يشير إلى أن من وسائل الدعاية الفعالة للسياحة وللترويج لمناطق معينة هو إبرازها عبر المشاهد السينمائية، وكثير من البلدان العالمية حققت قفزات سياحية غير مسبوقة بسبب تصوير فيلم فيها، مثل نيوزيلندا التي تشير الأرقام إلى ارتفاع بعائدات السياحة إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار عام 2014، بعد أن صورت فيها سلسلة أفلام "هوبيت".

ولئن كان الدرج أو السلالم التي تربط بين شارعي "شكسبير وأندرسون" في حي برونكس بأميركا مجرد سلالم عادية ومحل عبور خرساني باهت، إلا أنه سرعان ما أصبح مزاراً للملايين من السياح حول العالم بعد أن رقص خواكين فينيكس بشكل أيقوني وهو يتوسط تلك السلالم في الفيلم الشهير "الجوكر" الذي حقق إيرادات تفوق 1.47 مليار دولار أميركي. وصارت تلك منطقة جذب شائع صيتها بنيويورك.

معالم تريد السعودية إبرازها

ولهذا تحرص الرؤية السعودية والطريق نحو "سوليوودها" على إبراز كثير من معالمها وآثارها وطبيعتها المتنوعة، وجاء إطلاق كثير من المشاريع التطويرية في شرق البلاد وغربها من أجل السياحة واجتذاب الملايين.

ولكسر نمطية "الصحراء" التي وقع في شراكها "هانكس" أرادت السعودية برؤيتها الجديدة إبراز ذلك التنوع الرهيب الذي قد لا يعرفه كثر عن طبيعة البلد الخليجي الذي تزيد مساحته على مليوني متر مربع، ففي جنوبه مثلاً يمكنك احتساء قهوتك فوق الغيوم في منطقة عسير التي ترتفع عن سطح البحر بأكثر من 2000 متر، وفي شمال البلاد تستطيع الاستلقاء تحت أشعة الشمس الصافية ومن حولك جبال شاهقة موشومة بآثار ونقوش ملايين السنين السالفة والتي وضعتها "اليونيسكو" ضمن أهم آثار قوائمها. وفي الشمال أيضاً سهول من الخزامى استوحت منها البلاد سجادها الرسمي وطيرانها الجديد "طيران الرياض".

ويعد البلد الخليجي الرابع عربياً في امتلاكه الغابات، وفيه محميات تسابق فيها الغزلان نمورها وتحلق في سمائه طيور نادرة، وعلى الأرض ثمة زواحف كانت قد أوشكت على الانقراض لولا تنبه الحكومة لهذا الأمر وإعلانها ضمن رؤيتها عن أكثر من 10 محميات مهمتها حماية الطبيعة والحياة الفطرية.

وفي وسط البلاد "أكبر صحراء رملية في العالم" وهي صحراء الربع الخالي، وفي غربيها واحات وجزر عذراء حيث البحر الأحمر موطن آلاف اللافقاريات والشعاب المرجانية، وبمحاذاة البحر بجدة الغربية يمكنك قضاء ليلة في "نادي جدة لليخوت" الذي تشعر فيه كما لو أنك في موناكو المزهوة بيخوت أثريائها، وفي البلد الثري الذي لا يكاد يعرف من قبل سوى بالنفط مدن حديثة واحدة منها "بوليفارد رياض سيتي" التي صممت لتحاكي "ميدان سكوير" نيويورك الشهير، وفي الجوار غير البعيد ناطحات سحاب حديثة تضم كبريات الشركات العالمية.

مليار دولار لصناعة السينما

يذكر أنه وللعام الخامس على التوالي لا تزال دور العرض السعودية تتربع على صدارة إيرادات شاشات السينما بالشرق الأوسط منذ طرح فيلم "ذا باتمان" خلال 2019 بالبلاد ليحصل على المركز الـ12 عالمياً من ناحية الإيرادات، بحسب ما أعلنت الهيئة السعودية العامة للإعلام في أبريل الماضي.

وفرض الإقبال المتزايد للجماهير توسعاً في دور العرض بالبلاد، إذ بلغ إجمالي دور السينما 63 داراً حتى نهاية 2022 مقابل 54 في 2021، وبلغ عدد الشاشات لستة مشغلين في المملكة 581 شاشة، تضم صالاتها 59 ألفاً و444 مقعداً، في 20 مدينة، ومن المرتقب أن يصل عدد دور العرض إلى 350 داراً تعرض 2500 فيلم في عموم المملكة وفقاً لبرنامج "رؤية 2030"، فيما تستهدف البلاد زيادة رأسمال صناعة السينما إلى مليار دولار وسط زيادة إنفاق الأسر على الترفيه من ثلاثة إلى ستة في المئة.

عن "اندبندنت عربية