هل تطبق روسيا "النموذج القبرصي" في أوكرانيا؟

هل تطبق روسيا "النموذج القبرصي" في أوكرانيا؟


24/01/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

تُقرع طبول الحرب بصوت أعلى قليلاً هذا الأسبوع، بعد فشل المحادثات الدّبلوماسية. وجّهت روسيا المزيد من القوّة العسكريّة إلى الحدود الأوكرانيّة، وضرب هجوم إلكترونيّ ضخم مواقع الحكومة الأوكرانيّة، وسرت إشاعات بأنّ من يسمّون بالمخرّبين الرّوس يتخفّون عن الأنظار في شرق أوكرانيا تحسباً لأوامر من موسكو.

السّبب الجديد الذي يجعل العديد من المحلّلين يتوقّعون أن تشنّ روسيا هجوماً هو أنّ حكومتها منذ فترة طويلة لا تعتبر أوكرانيا بلداً حقيقيّاً، إنما إقليماً روسياً، كما أوضح الرّئيس فلاديمير بوتين، في مقال من 5,000 كلمة الصّيف الماضي، بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أنّ موسكو تخشى أن تصبح أوكرانيا، في حال استقرارها، عضواً في حلف شمال الأطلسيّ وربما الاتّحاد الأوروبيّ، ممّا يؤدّي إلى وصول تلك الكتل القويّة المعارضة لروسيا إلى حدودها.

اقرأ أيضاً: الغرب يُسلم أوكرانيا "أسلحة فتاكة" قبل اجتياح روسي متوقع

من المرجّح أن يكون مثل هذا التّفكير هو الدّافع وراء ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، عام 2014، وما نتج عنه من صراع في شرق أوكرانيا، حيث يسيطر الانفصاليّون المدعومون من روسيا على أجزاء من مقاطعتَي دونيتسك ولوهانسك. ومع ذلك، فقد فشل هذا على ما يبدو في إضعاف أوكرانيا بشكل كافٍ أو تقويض ديمقراطيّتها: لقد قلّل الرئيس فولوديمير زيلينسكي بشكل كبير من النّفوذ الرّوسيّ، وحلف شمال الأطلسيّ والولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ والمملكة المتّحدة وتركيا أظهروا في الأشهر الأخيرة استعداداً متزايداً لدعم كييف.

ولذلك، قد يمثّل الأمر مرّة أخرى حالة عجز بالنّسبة إلى روسيا، وقد تكون النّتيجة المثالية لموسكو عندما يتعلّق الأمر بأوكرانيا، في حال اندلاع حرب، شيئاً مثل الوضع الحاليّ في جزيرة قبرص، التي قُسّمت منذ الغزو العسكريّ التّركيّ الّذي وقع عام 1974، والذي سعى إلى تفادي انقلاب مدعوم من أثينا.

إنّ احتلال تركيا للثّلث الشّماليّ من الجزيرة، المعروف باسم "جمهوريّة شمال قبرص التّركيّة"، المعترف بها فقط من قِبل تركيا، فشل في منع جمهوريّة قبرص من الانضمام إلى الاتّحاد الأوروبيّ، عام 2004، لكن وفق جميع الحسابات الأخرى تقريباً، قد تنظر تركيا إلى الغزو على أنّه نجاح.

 

اقرأ أيضاً: روسيا لا تقدم "قائمة طعام" في أزمة أوكرانيا... هل هذه إشارة للحرب؟

كما أوضحتُ العام الماضي، فشلت المحادثات في حلّ النّزاع وإعادة توحيد الجزيرة مراراً وتكراراً، لدرجة أنّ أنقرة ورئيس "جمهوريّة شمال قبرص التّركيّة"، المدعومة من تركيا، إرسين تتار، يدعوان الآن لحلّ الدّولتين، بعد عقود من الضّغط من أجل اتّحاد ثنائيّ، يُشارك أكثر من أربعة من كلّ خمسة (81 في المئة) من القبارصة الأتراك هذا الحلّ، وفق استطلاع أجري عام 2020.

السّبب الجديد الذي يجعل العديد من المحلّلين يتوقّعون أن تشنّ روسيا هجوماً هو أنّ حكومتها منذ فترة طويلة لا تعتبر أوكرانيا بلداً حقيقيّاً، إنما إقليماً روسياً، كما أوضح بوتين

ومع ذلك، فإنّ هذا يرجع إلى حدّ كبير إلى أنّ المستوطنين الأتراك يمثّلون الآن حوالي نصف سكّان "جمهوريّة شمال قبرص التّركيّة"، ما أدّى إلى تغيير الطّبيعة التّديّنيّة والموقف السّياسيّ للجمهوريّة.

إنّ الأربعين ألف جنديّ تركيّ، المتواجدين في شمال قبرص، حوّلوها إلى دولة تابعة، حيث تستطيع أنقرة تشكيل كلّ شيء من القوانين إلى المناهج الدّراسيّة، وحيث تعمل على الوصول إلى موارد الطّاقة في المياه المتنازع عليها المحيطة بالجزيرة.

في العام الماضي، أنشأت تركيا قاعدة طائرات بدون طيار في الشّمال. تقول نيقوسيا إنّها تزيد التّوترات وتسلّط الضّوء على أجندة أنقرة "التّوسعيّة". قال الأمين العام للأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش، في تقرير صدر مؤخّراً، إنّه إذا استمرّ الزّخم الحاليّ، فإنّ تسوية تفاوضيّة لقبرص قد تصبح بعيدة المنال قريباً. في الأسبوع الماضي فقط، انسحبت الولايات المتّحدة من مشروع خطّ أنابيب مخطّط له مع قبرص واليونان وإسرائيل؛ لأنّ ترْكه شمال قبرص من المرجّح أن يزيد التّوترات مع تركيا. ودعونا لا ننسى أنّ كلّ هذا مُحاط بتوترات مستمرة بين الخصمين القديمين، تركيا واليونان، اللتين خاضتا عدة حروب وكادتا أن تعاودا الضّربات مجدّداً في صيف 2020.

تُقرع طبول الحرب بصوت أعلى قليلاً هذا الأسبوع، بعد فشل المحادثات الدّبلوماسية

كما هو الحال مع وجهة نظر موسكو المزعومة عن كييف، لطالما كانت السّياسة القبرصيّة لحزب العدالة والتّنمية التّركيّ الحاكم متماشية مع جهوده المحلّيّة لبناء هويّة قوميّة قويّة وهدفه الإقليميّ المتمثّل في إبراز القوّة، كما هو مفصّل العام الماضي في "المجلّة البريطانيّة لدراسات الشّرق الأوسط".

هناك أيضاً أوجه تشابه تاريخيّة: حكمت الإمبراطوريّة العثمانيّة قبرص لأكثر من ثلاثة قرون، تماماً مثلما سيطرت الإمبراطوريّة الرّوسيّة وبعدها الاتّحاد السّوفيتيّ على أوكرانيا.

في الوقت نفسه، فإنّ الجانب الأوروبيّ من الجزيرة، المقيد بالوجود المستمرّ لـ "جمهوريّة شمال قبرص التّركيّة"، طوّر ميلاً إلى الأعمال غير المشروعة. مثل العديد من الدّول الأصغر في جميع أنحاء العالم التي تحتاج إلى حلفاء كرماء، بنت قبرص اقتصادها حول قطاع ماليّ موجّه نحو جذب الاستثمار الأجنبيّ.

 

اقرأ أيضاً: هل تغزو روسيا أوكرانيا؟ توقعات أمريكية ورصد استخباراتي

إنّ انخفاض الضّرائب وقلّة التّنظيم ووجود الكنيسة الأرثوذكسيّة جعلها ملاذاً للمستثمرين الرّوس. قبل عقد من الزّمان، كانت الودائع الرّوسيّة في البنوك القبرصيّة تبلغ بالفعل 31 مليار دولار، أي أكثر من النّاتج المحلّيّ الإجماليّ للجزيرة، ثمّ امتدت الأزمة الماليّة في اليونان، عام 2013، إلى قبرص، وعرضت الحكومة الجنسيّة على الأجانب الرّاغبين في استثمار مليوني يورو (2.2 مليون دولار) في العقارات.

كما أصبح ما لا يقلّ عن اثنين من الرّوس المفروض عليهم عقوبات أمريكيّة وعدد من الشّخصيّات الماليزيّة والكمبوديّة المرتبطة بجرائم مالية في بلادها مواطنين قبرصيّين بموجب المخطّط. ومنذ ذلك الحين، شدّدت نيقوسيا عمليّة المراجعة وبدأت تحقيقاً لتجريد عشرات الأشخاص من الجنسيّة؛ بسبب "أخطاء" محتملة.

 

اقرأ أيضاً: محكمة كندية تغرم إيران... ما علاقة إسقاط الطائرة الأوكرانية؟

لكنّ المشكلة أبعد ما تكون عن الحلّ. قال ستيليوس أورفانيدس، الصّحفي الاستقصائيّ القبرصيّ، لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "لا تعرف أبداً نوع التأثير الذي تمنحه عندما تعطي جوازات سفر ذهبيّة لأشخاص مرتبطين بأنظمة غامضة".

وجّهت روسيا المزيد من القوّة العسكريّة إلى الحدود الأوكرانيّة

الاستقطاب السّياسيّ، والتّوترات العسكريّة، والتّدخّل الغربيّ المتردّد، والمعاملات الاقتصاديّة المظلمة التي تتيح ملاذاً للأولغاركيّين، كلّها أشياء تشبه قليلاً الطّريقة التي قد تتصوّرها روسيا لاحتلالٍ جزئيٍّ لأوكرانيا، ولا يعني هذا أنّ قبرص دولة غير جذّابة أو فاشلة.

تجتذب الشواطئ الرّائعة والعديدة لقبرص حشوداً من السّياح في الصّيف ويُنظر إليها عموماً على أنّها ديمقراطيّة مستقرة. ومع ذلك؛ فإنّ الوجود العسكريّ التّركيّ يمنح الجزيرة شعوراً بوجود برميل بارود جاهز للانفجار (تشابه آخر مثير للاهتمام: فكما أنّ روسيا هي المصدر الرّئيس للاستثمار الأجنبيّ في قبرص، فإنّ تركيا، اعتباراً من العام الماضي، هي أكبر مستثمر أجنبيّ في أوكرانيا).

تصاعدت التّوترات بشكل خاصّ في الشّمال مؤخّراً، بسبب التّأثير المدمّر لهبوط الليرة التّركية، التي اعتمدتها "جمهوريّة شمال قبرص التركيّة"، عام 1976، والإحباط من نفوذ تركيا مع اقتراب الانتخابات البرلمانيّة الأسبوع المقبل. هذا، وتواجه المنطقة حظراً دولياً طويل الأمد، وتعتمد بشكل كبير على الاقتصاد التّركي.

قد تكون النّتيجة المثالية لموسكو عندما يتعلّق الأمر بأوكرانيا، في حال اندلاع حرب، شيئاً مثل الوضع الحاليّ في جزيرة قبرص، التي قُسّمت منذ الغزو العسكريّ التّركيّ عام 1974

في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، أفادت وسائل إعلام محلّية عن قائمة تضمّ أكثر من 40 من القبارصة الأتراك البارزين الممنوعين من دخول تركيا، بما في ذلك الرّئيس السّابق لـ "جمهوريّة شمال قبرص التّركيّة"، مصطفى أكينجي، والعديد من كبار المحامين والنّشطاء والصّحفيين. لم يتعامل القبارصة الأتراك بلطف مع قيام الدّولة التي من المفترض أنّها أحسنت إليهم بإسكات أولئك الذين لا يوافقون على سياساتها.

أدّت القائمة السّوداء، إلى جانب الصّعوبات الاقتصاديّة المتزايدة، إلى نزول آلاف القبارصة الأتراك إلى الشّوارع احتجاجاً على ما يرونه تجاوزاً لأنقرة. وقد دعا كثيرون إلى مقاطعة الانتخابات، ورأوا أنّ الانتخابات تسيطر عليها تركيا بشكل أساسيّ، وأطلق البعض منظّمات تعارض أنقرة وتدعو إلى حلّ فيدراليّ.

قال سينير إلسيل، الذي يرأس نقابة المعلّمين القبارصة الأتراك، وهو من الممنوعين من دخول تركيا، لصحيفة "الغارديان"، الأسبوع الماضي: "تركيا هي أكبر مشكلاتنا"، وأضاف: "يجب أن ترفع يديها عن قبرص وأن تأخذ ليرتها وترحل".

ومع ذلك، إذا كان الأمر سوف يستغرق الأوكرانيّين المحتلّين من قِبل روسيا قرابة نصف قرن ليبدأوا في الاتّحاد والانتفاض، فمن المرجّح أن تكون موسكو راضية عن النّتيجة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 20 كانون الثّاني (يناير) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/01/17/could-russia-follow-the-cyprus-model-in-ukraine/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية