هل تفرض اليونسكو ولايتها على مؤسسات التعليم الفلسطينية؟

هل تفرض اليونسكو ولايتها على مؤسسات التعليم الفلسطينية؟


09/09/2020

بهدف طمس هويتها العربية والإسلامية، وعزل مدينة القدس المحتلة عن مناطق الضفة الغربية؛ تتّخذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالمدينة المقدسة، منذ احتلالها عام 1967، سياسة التجهيل والتغلغل في النظام التعليمي، وتحريف المنهاج الفلسطيني بما ينسجم مع "أسرلة" التعليم، وذلك بهدف خلخلته وإحداث انهيار شبه كامل في واحد من أهم قطاعاتها الحيوية، وتضييق الخناق على سكانها وإرغامهم على الهجرة خارجها، وفرض وقائع جديدة على الأرض.

مصادقة الاحتلال على قانون القومية الذي يؤكّد أنّ القدس عاصمة إسرائيل، وأنّ اللغة العبرية هي اللغة الرسمية، ونقل السفارة الأمريكية يمثل هجمة غير مسبوقة على مدينة القدس

ونتيجة للنكبة الفلسطينية، عام 1948، انقسمت مدينة القدس إلى شطرَين: خضع الجزء الغربي منها للسيطرة الإسرائيلية، في حين خضعت الضفة الغربية والجزء الشرقي من المدينة للأردن، وقامت سلطات الاحتلال بفرض ‌"عقيدة ‌أرض ‌الميعاد التوراتية"، ‌لتحقيق ‌أهدافها الإحلالية بالمدينة وإحكام السيطرة ‌الكاملة ‌عليها، بما فيها ‌تعديل ‌ميزانها ‌الديموغرافي‌، والتأثير على العملية التعليمية فيها، وسلخ القدس عن هويتها العربية.

توجد في مدينة القدس المحتلة 155 مدرسة 50 مدرسة تابعة لبلدية الاحتلال، وتضم نحو 42 ألف طالب، و59 مدرسة خاصة تضم نحو 20 ألف طالب، و38 مدرسة تتبع لوزارة التربية الفلسطينية تضمّ 12 ألف طالب، و8 مدارس تتبع وكالة "الأونروا" تضم نحو 3 آلاف طالب، وتتعرض هذه المدارس لتحديات بنيوية تتجسد في النقص الحادّ في عدد المدارس والغرف الصفية، وافتقارها إلى الحدّ الأدنى من الظروف الصحية والتعليمية النشطة.

تتّخذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالمدينة المقدسة، منذ احتلالها عام 1967، سياسة التجهيل والتغلغل في النظام التعليمي

ورصدت حكومة الاحتلال، عام 2018، في إطار خطتها الخماسية، ما يقارب 68.7 مليون شيكل لدعم مؤسسات تربوية تدرّس المنهاج الإسرائيلي، و57.4 مليون شيكل لتطوير وصيانة المدارس التي اختارت المنهاج الإسرائيلي، و67 مليون شيكل لاستئجار بنايات جديدة لهذه المدارس، إضافة إلى 15 مليون شيكل للتعليم التكنولوجي المتطوّر، في خطوة تشكل عنصراً تحفيزياً للمدارس الفلسطينية التي تعاني وضعاً صعباً، لحثّها وتشجيعها على الانتقال من المنهاج الفلسطيني إلى الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: تجربة ضمّ القدس الشرقية تقول: حذارِ من ضمّ الضفّة

وفرضت بلدية الاحتلال في مدينة القدس، خلال عام 2015، المنهاج الإسرائيلي على العديد من المدارس الفلسطينية، كما حوّلت مدرسة "شعفاط السهل الابتدائية" إلى مدرسة إعدادية لتعليم المنهاج الإسرائيلي، وأجبرت الأهالي على تسجيل أبنائهم فيها بعد إغلاق إحدى المدارس المقدسية، كما فتحت قسماً كاملاً لتدريس المنهاج الإسرائيلي في مدرسة "ابن خلدون" في حيّ بيت حنينا، وكذلك واصلت تدريس ذلك المنهاج في مدارس "صور باهر وابن رشد للذكور.

اقرأ أيضاً: الخطة الخمسية لتطوير القدس الشرقية: نـجـاح فـي مـجـالات «الأسـرلـة» فـقـط !

وكانت اللجنة التنفيذية لمنظمة اليونسكو قد اتخذت، في 5 يوليو (تموز) الماضي، قرارَين بالإجماع لمصلحة فلسطين، كان أحدهما؛ ضرورة حماية المؤسسات التعليمية في كافة المناطق الفلسطينية والحفاظ عليها من جميع الانتهاكات الإسرائيلية.

هذه المضايقات دفعت اللجنة الوطنية الفلسطينية للعلوم والثقافة (تابعة لمنظمة التحرير) إلى الطلب من اليونسكو أن تكون الراعية لحقوق التعليم والثقافة في فلسطين عموماً، والقدس خصوصاً، لحماية المؤسسات التعليمية من الانتهاكات، وذلك استناداً إلى قرار اللجنة التنفيذية لليونسكو بضرورة حماية العملية التعليمية والثقافية في الأراضي المحتلة الذي صدر عن المنظمة أخيراً.

لا سلطة رادعة لليونسكو على إسرائيل

من جهته، شكّك حنا عيسى، الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، في أن "تستطيع منظمة اليونسكو فرض ولايتها على المؤسسات التعليمية الفلسطينية بالقدس المحتلة وحمايتها من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة"، مبيناً أنّ "المنظمة لا تمتلك سلطة رادعة للجم انتهاكات الاحتلال، ولن تجد توصياتها، أي طريقة لتنفيذها على أرض الواقع، وتحديداً مع انسحاب دولة الاحتلال من المنظمة خلال عام 2019".

اقرأ أيضاً: بالصور.. البلدة القديمة بالقدس.. غابت زينة رمضان وحضر الدعاء لردع الوباء

ويضيف عيسى في حديثه لـ "حفريات": "وزارة المعارف الإسرائيلية، عندما أعلنت خطتها التي تسمّى "مائة مصطلح" خلال عام 2005؛ كانت تستهدف بذلك اللغة العربية والعملية التعليمية، وطمس الهوية العربية، وتعميق الصهيونية داخل المدارس الفلسطينية بالقدس، وتغيير المناهج الفلسطينية، وإحلال القيم الصهيونية مكانها، وإدخال بعض المصطلحات؛ كالنشيد الوطني الإسرائيلي "هتكفاه"، وجيش الدفاع، وأسماء بعض الزعماء الإسرائيليين السابقين؛ كإسحاق رابين وبيغن وغيرهما، وذلك بما ينسجم مع "أسرلة" منهاج التعليم بالمدينة".

غياب المرجعية الوطنية

ولفت إلى أنّ "مصادقة دولة الاحتلال على قانون القومية خلال عام 2018، الذي يؤكّد أنّ القدس عاصمة دولة إسرائيل، وأنّ اللغة العبرية هي اللغة الرسمية، كذلك نقل السفارة الأمريكية إليها في العام نفسه، كلّ ذلك سمح لقادة الاحتلال بممارسة هجمة غير مسبوقة على مدينة القدس، تعليمياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً، والمضي في سياساتها العنصرية اتجاه المدينة، لفرض المناهج الصهيونية على المدارس الفلسطينية، والسيطرة على مضامينها، بما يتناسب مع الهوية الإسرائيلية ويقوّض العملية التعليمية في القدس".

المنظمة لا تمتلك سلطة رادعة للجم انتهاكات الاحتلال، ولن تجد توصياتها، أي طريقة لتنفيذها على أرض الواقع

وبيّن أنّ "التعليم في مدينة القدس يفتقر إلى مرجعية وطنية موحّدة لإدارة العملية التعليمية في ظلّ وجود عدد من المدارس التي تشرف عليها جهات إدارية مختلفة، كمدارس المعارف الإسرائيلية والأوقاف والأونروا والمدارس الأهلية والمقاولات، لضرب مقومات الهوية الوطنية، وشطب وإلغاء الرواية العربية للقضية الفلسطينية، والسيطرة على مفاصل المجتمع المقدسي وإغراقه بالمخدرات، وتشجيع الطلبة على التسرّب المدرسي، ودفعهم للعمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948، في استغلال ممنهج للأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمرّ بها المقدسيون".

الخبير التربوي أسامه غوشة لـ"حفريات": وزارة المعارف تقوم بتحريف المنهاج الفلسطينية، وحذف العبارات التي تشير إلى احتلال مدينة القدس، واستبدال شعار دولة فلسطين بآخر يحمل مسمّى بلدية الاحتلال

وعمّا هو المطلوب فلسطينياً للنهوض بالعملية التعليمية بالقدس؛ أكّد عيسى على ضرورة تأهيل المعلمين والمدرسين بشكل مستمر، وإتاحة الميزانيات المناسبة لبناء المزيد من المدارس الفلسطينية، وتزويدها بالمرافق الأساسية المهمّة؛ كالمختبرات العلمية، والمكتبات، والملاعب، والقاعات الدراسية لذوي الاحتياجات الخاصة، التي تسهم في المحافظة على الهوية العربية للقدس.

مواطنون من الدرجة الرابعة

بدوره، يقول الخبير التربوي من مدينة القدس، أسامة غوشة، في حديثه لـ "حفريات": "وزارة المعارف الصهيونية تريد النيل من العملية التعليمية بالقدس بشكل عام، ومن الطالب المقدسي بشكل خاص، وهو دليل على حالة العنصرية والتمييز التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية بحقّ السكان العرب، والتي تنظر إليهم على أنّهم مواطنون من الدرجة الرابعة، وهم يشكلون عبئاً على دولة الاحتلال".

ولفت إلى أنّ "السلطات الإسرائيلية تلجأ، للتأثير في العملية التعليمية إلى اعتقال الطلبة، وإبعادهم خارج مدينة القدس، وفصل القرى العربية عن بعضها بفعل بناء جدار الفصل العنصري وملاحقة المدرسين ومنعهم من الوصول إلى مدارسهم، إضافة إلى إغلاق عدد من المدارس الفلسطينية، وذلك للحيلولة دون النهوض بالقطاع التعليمي".

وزارة المعارف الصهيونية تريد النيل من العملية التعليمية بالقدس بشكل عام

وتابع غوشة: "سلطات الاحتلال لا تعترف بشهادة الثانوية العامة الصادرة عن الجهات الفلسطينية لمن يرغب بالالتحاق بالجامعات الصهيونية، وتفرض عليهم اجتياز اختبار "البسيخومتري" لتحديد مدى فرصة التحاق الطلبة بالنظام الأكاديمي بالجامعات الإسرائيلية"، مبيناً أنّ "ما تقوم به سلطات الاحتلال هو خطط ممنهجة لفرض الرواية الصهيونية الزائفة ونشر ثقافة التخلف، و"أسرلة" مناهج التعليم في مدينة القدس".

اقرأ أيضاً: "طريق السيادة": مشروع إسرائيلي جديد لإقامة "القدس الكبرى"

وبيّن أنّ "وزارة المعارف تقوم بتحريف المنهاج الفلسطينية، وحذف العبارات التي تشير إلى احتلال مدينة القدس، واستبدال شعار دولة فلسطين على الكتب المدرسية بآخر يحمل مسمّى بلدية الاحتلال بالقدس، في دلالة واضحة تبيّن وجه الاحتلال القبيح في تجهيل المجتمع المقدسي ونشر ثقافة التخلف".

ودعا غوشة إلى "ضرورة دعم الطلبة والمدرسين في القدس، وإتاحة الميزانيات المناسبة لتعزيز صمود المسيرة التعليمية بالمدينة، وتوفير المنح الدراسية لطلاب الثانوية العامة، تجنباً لالتحاقهم بالجامعات الإسرائيلية، التي تهدف إلى تغييب وعي المقدسيين بوطنهم وحقوقهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية