هل طالبان قادرة على القضاء على داعش؟

هل طالبان قادرة على القضاء على داعش؟


20/10/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

ليس مقنعاً قطّ المثلُ القائل إنّ الإرهابيّ عند رجلٍ ما هو مقاتلٌ من أجل الحريّة وعند رجلٍ آخر انتفعَ كثيراً من النّزاعات المختلفة في المنطقة؛ لأنّ التّكتيكات الإرهابيّة، بحكم تعريفها، تستهدف المدنيّين المحبّين للحرّيّة بدلاً من أولئك الّذين يمتلكون أدوات القمع. عندما يكونوا إرهابيّين أيضاً، فإنّ من يسمّون بالمقاتلين من أجل الحريّة يسعون، على الأكثر، لإطاحة حكومةٍ لفرض السّيطرة لأنفسهم.

اقرأ أيضاً: لماذا هبّ العالم الغربي لدعم طالبان في أفغانستان؟

في الأعوام القليلة الماضية، في بعض البلدان، تمكّنت الجماعات الإرهابيّة من ذلك، بدرجات متفاوتة؛ عندما استولى داعش على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، وأعلن قيام دولة (بعد كلّ شيء، "الدولة" موجودة هناك بالاسم)، عام 2014، واستولت جماعة الحوثيّ المتمرّدة على العاصمة اليمنيّة بعد فترة وجيزة، بدأ يتّضح، للمرّة الأولى، في "الحرب العالميّة على الإرهاب"؛ أنّ الإرهابيّ عند رجلٍ ما يمكن أن يكون رجل حكومةٍ عند آخر، وهم لا يصنعون حكومات جيّدة (ولا يحكمون بطريقة تعزّز الحريّة).

لم يوحَّد إقليم داعش بالكامل قبل انهياره التّنظيم، وما تزال سلطة الحوثيّين في اليمن محلّ نزاع شديد، لكن في آب (أغسطس)، عندما سيطرت طالبان على كلّ مقاطعة في أفغانستان، شوهِد التّحوّل الكامل لجماعة إرهابيّة إلى سلطة وطنيّة حقيقيّة، للمرة الأوّلى، مرّة منذ جيل.

الخبرة الإرهابيّة والحُكم

ربما تكون طالبان قد تعلّمت من تجارب داعش والحوثيّين؛ أنّ الخبرة الإرهابيّة لا تصلح خبرةً في الحكم، قد تبدو هذه النّقطة واضحة، لكنّها لم تكن واضحة جداً بالنّسبة إلى طالبان، التي ملأت حكومتها بأفراد يتميّزون فقط بعملهم في ساحة المعركة، لقد رفضت تشكيل إدارة انتقاليّة مستمدّة من تجربة أولئك الذين حكموا من قبل، واختارت بدلاً من ذلك التخلّص من كلّ صفحة ممّا عدّته كتاب قواعد فاسدة بالكامل.

الآن، وبشكل ينطوي على مفارقة، لكن بتأثير مأساوي، يتعيّن على طالبان التّعامل مع "مقاتلين من أجل الحرّيّة" آخرين، بدأت تسمّيهم الإرهابيّين، وغياب أيّة مهارة في الحكم يمكن أن يجعل المشكلة مستعصية على الحلّ.

تفجير قندز يهدف إلى استباق أيّ إغراء من جانب طالبان للرّضوخ للطّلبات الصّينيّة المحتملة بترحيل الإيغور إلى الصّين، ونُفِّذ التّفجير فرد من الإيغور ينتمي إلى داعش خراسان

يعدّ تنظيم داعش في خراسان، التّابع لداعش، من بين التّهديدات الإرهابيّة الجديدة في أفغانستان، وقد قتل التّنظيم مئات المدنيّين في أفغانستان، في ظلّ حكم طالبان، ممّا دفع طالبان المذعورة إلى إعادة التّرويج لنفسها كقوّة لمكافحة الإرهاب.

 بعد أن قتل انتحاريٌّ داعشيٌّ نفسه و62 مدنياً في مسجد شيعيّ في قندز، أصدرت سلطات طالبان عدّة بيانات تدين "إرهابيّي داعش خراسان"، وشنّت عدّة "عمليّات لمكافحة الإرهاب".

الذين يتمنّون الخير لأفغانستان

سيكون من الصعب على معارضي طالبان عدم الكشف عن المفارقة، لكن هذا بدوره سيكون خطأ، بدلاً من ذلك، يجب على أولئك الذين يتمنّون الخير لأفغانستان أن يأملوا أن يكون هذا درساً عاجلاً لطالبان، في الفرق بين "الدّولة" و"الحكومة"، بين ما يسمّيه خبراء القانون الدوليّون "السّيطرة الإقليميّة" و"السّيطرة الفعّالة".

يمكن للإرهاب أن يحقّق أحد الأمرين دون الآخر. تمكّنت طالبان، من خلال التّكتيكات الإرهابيّة، من السّيطرة الإقليميّة، لكنّ مكافحة الإرهاب تتطلّب سيطرة فعّالة لا يمكن اكتسابها إلّا من خلال المهارات السّياسيّة والدّبلوماسيّة في الدّاخل والخارج.

من الغريب أنّ الولايات المتّحدة، مهندسة "الحرب العالميّة على الإرهاب"، قد أشارت إلى جهل عميق بهذه الحقيقة في الطّريقة التي تسعى بها إلى إسناد عمليّات مكافحة الإرهاب إلى طالبان. قبل بضعة أشهر، كانت الفكرة القائلة إنّ الولايات المتّحدة ستتعاون مع طالبان في مكافحة الإرهاب مثيرة للضّحك. الآن، واشنطن لا تتعاون معهم فحسب، بل تعتمد عليهم في ذلك.

اقرأ أيضاً: هل باستطاعة طالبان قمع التهديد المتصاعد لداعش؟

قبل المحادثات الثّنائيّة التي جرت في الدّوحة هذا الأسبوع، قال متحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأمريكيّة؛ إنّ واشنطن "ستضغط على طالبان لضمان ألّا يُنشئ الإرهابيّون قاعدةً لشنّ هجمات" في أفغانستان، قد يبدو وجود جماعة مسلّحة تراقب تصرّفات الجماعات الأخرى ميزة، فبعد كلّ شيء، من يعرف التّكتيكات الإرهابيّة أفضل من الإرهابيّين السّابقين؟

مكافحة الإرهاب لا تتطلّب فقط هزيمة الإرهابيّين في ساحة المعركة، بل تتطلّب معالجة تلك الأخطاء بشكل مباشر وتصحيحها، وذلك لإزالة جاذبيّة الجماعات الإرهابيّة

لكن تفجير قندز يُظهِر مدى تعقيد مكافحة الإرهاب بالنّسبة إلى طالبان، كان الهجوم من أعراض كراهية داعش للشّيعة، لكنّ السّبب الآخر والأكثر عموميّة وراء الهجوم هو أنّه يهدف إلى استباق أيّ إغراء من جانب طالبان للرّضوخ للطّلبات الصّينيّة المحتملة بترحيل الإيغور إلى الصّين، بالفعل، نُفِّذ التّفجير على يد فرد من الإيغور ينتمي إلى داعش خراسان.

ما يجب فعله حيال ذلك هو قرار ستواجهه طالبان، الّتي ليس لديها دبلوماسيّون متمرّسون. من ناحية، فإنّ حركة الإيغور المسلّحة داخل داعش خراسان هي حركة "مقاتلة من أجل الحرّيّة" مخضّبة إسلامويّاً من النّوع الذي دافعت عنه طالبان لفترة طويلة. ومن ناحية أخرى، فإنّ حكم دولة مثل أفغانستان، والّتي ستحتاج إلى دعم سياسيّ صينيّ لتنجح اقتصاديّاً، يتطلّب تحديد المصلحة الوطنيّة واختيار معارك الدّولة.

إنّ الإرهاب لا يُعدّك لتحمّل هذا النّوع من العبء، لكنّ الخبرة في الحكومة تفعل ذلك.

فراغ وعود طالبان بالتّسامح والأمن

يكشف تفجير قندز، إضافة إلى ذلك، فراغ وعود طالبان بالتّسامح والأمن لقبائل الهزارة ذات الأغلبيّة الشّيعيّة في أفغانستان، والّتي كان أفرادها الضّحايا الرّئيسين للهجوم. أقول "إضافة إلى ذلك"؛ لأنّ هناك تقارير متعدّدة تفيد بأنّ مسؤولي أمن طالبان أجبروا الهزارة على النّزوح من منازلهم في جميع أنحاء البلاد.

بالنّظر إلى أنّ حكومة طالبان ليس فيها أفراد من الهزارة أو شيعة في أيّ مناصب عليا (وواحد فقط في منصب صغير)، سيكون من غير المعتاد الوفاء بهذه الوعود، لكنّ حقيقة الإخفاق في الوفاء بها هي دليل آخر على أنّ طالبان لا تفهم مدى أهميّتها بالنّسبة إلى السّلامة العامّة. تدرك الحكومات المؤهّلة أنّه تجب حماية مجتمعات الأقلّيّات للحفاظ على التّماسك الوطنيّ، كشكل من أشكال مكافحة الإرهاب، خشية أن تبدأ تلك المجتمعات في تكوين "مقاتلي الحرّيّة" الخاصين بها.

اقرأ أيضاً: داعش وطالبان.. تصاعد صراعات النفوذ والسيطرة

عندما كانت طالبان على الجانب الإرهابيّ من الصّورة، غالباً ما استشهدت بفساد وقمع وعدم كفاءة الحكومة الأفغانيّة السّابقة، كطريقة لكسب المزيد من المؤيّدين، ويستغل الإرهابيّون تلك العيوب في الحكومات.

إنّ مكافحة الإرهاب لا تتطلّب فقط هزيمة الإرهابيّين في ساحة المعركة، بل تتطلّب معالجة تلك الأخطاء بشكل مباشر وتصحيحها، وذلك لإزالة جاذبيّة الجماعات الإرهابيّة للأشخاص الذين لا يستطيعون رؤية ادّعاءاتهم الزّائفة بأنّهم "مقاتلون من أجل الحرّيّة"، وإلى أن تدرك طالبان مدى تعقيد كونها حكومة، سواء في الدّاخل أو في الخارج، فإنّها لا يمكن أن تكون قوّة مكافحة الإرهاب التي تدّعيها.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

سليمان حاكمي، "ذي ناشونال"، 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2021

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2021/10/12/is-the-taliban-capable-of-counterterrorism/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية