هل عادت تركيا إلى الملف الفلسطيني بمقاربات جديدة؟

هل عادت تركيا إلى الملف الفلسطيني بمقاربات جديدة؟

هل عادت تركيا إلى الملف الفلسطيني بمقاربات جديدة؟


03/08/2023

فيما يبدو أنّها رسالة جديدة من القيادة التركية تعكس التحولات العميقة في علاقاتها الإقليمية والدولية، استضافت أنقرة بدعوة من الرئيس التركي أردوغان كلّاً من الرئيس الفلسطيني   محمود عباس، ورئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، كلّاً على حده، فيما التقى بوساطة تركية وفد من قيادات حركة حماس يمثله كل من إسماعيل هنية وصالح العاروري، مع وفد يمثل السلطة الفلسطينية وحركة فتح برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويسبق لقاء حماس ـ فتح في تركيا محطتين؛ وهما: زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية نتياهو إلى أنقرة، واجتماع الفصائل الفلسطينية المقرر عقده في القاهرة، في إطار جهود مصرية لتحقيق اختراقات، وصولاً إلى توافقات ما يُعرف بالحدّ الأدنى من العمل المشترك بين فتح وحماس.

مؤكد أنّ اللقاءات التركية مع الجانب الفلسطيني لا تأتي تحت عناوين "سابقة" اعتمدتها السياسة التركية برعاية حركة حماس واحتضانها وتقديم الدعم لها، على حساب حركة فتح والسلطة الفلسطينية، ولا تأتي مع نتنياهو في إطار علاقات متشنجة مع إسرائيل، ولا احتجاز إسرائيل لبواخر تركية تقدم دعماً لقطاع غزة وحماس، كل ذلك لا شك أصبح من الماضي، فعلاقة تركيا مع الجانب الفلسطيني أصبحت تحت عناوين تقريب وجهات النظر بين فتح وحماس، فيما تسير مع الجانب الإسرائيلي تحت عناوين التعاون "الاستخباراتي" والانفتاح بين البلدين، لا سيّما في القضايا ذات البُعد الاقتصادي الذي أصبح يشكل أولوية لدى القيادة التركية، في ظل أزمات متفاقمة في الاقتصاد التركي.

الجديد في اتجاهات السياسة التركية أنّ لدى الرئيس أردوغان رغبة "مصلحة" في الانخراط بالملف الفلسطيني مجدداً، وبما يعكس حجم التغييرات والتحولات العميقة التي تشهدها السياسات التركية تجاه الملفات المحلية والإقليمية والدولية، هذه الرغبة تمّت ترجمتها وفقاً لتسريبات صدرت عن وزير الخارجية التركي (فيدان) القادم  من عمق الاستخبارات التركية، والتي تفيد بتشكيل "خلية عمل مشتركة بين الخارجية التركية وجهاز المخابرات تضم (5) خبراء أتراك هدفها الانخراط بفاعلية في الملف الفلسطيني عبر إجراء اتصالات تنسيقية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني تمهيداً لإطلاق مبادرة تركية تجترح مقاربات جديدة لاستئناف مفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهو الهدف الذي تعمل عليه قوى إقليمية عربية في المنطقة، وهو هدف غير بعيد عن سياسات أمريكية وأخرى أوروبية تتبنّى استئناف المفاوضات بمرجعية حل الدولتين، وهو ما تؤكد عليه تركيا، وفي تفاصيل الخطة التركية، فإنّ ملامحها، وفقاً لمصادر تركية في أنقرة، تتطلع تركيا للمساهمة في "تدريب المزيد من قوات الأمن الفلسطينية والتنسيق مع دول الخليج ومصر  في الجهود الهادفة للتخفيف من قيود الحصار على قطاع غزة".

 لدى الرئيس أردوغان رغبة "مصلحة" في الانخراط بالملف الفلسطيني مجدداً

مآلات المبادرة التركية تندرج في إطار العديد من السيناريوهات، يعكسها التساؤل حول  احتمالات أن تحقق تركيا اختراقات في العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية، أو في إطار العلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل، ويبدو أنّ كلا الملفين يواجهان تحديات كبيرة وعقبات تقلل من احتمالات تحقيق تركيا لأيّ نجاحات تُذكر، فالخلافات بين حماس والسلطة الفلسطينية في تزايد مع التطورات التي تشهدها الضفة الغربية، لا سيّما أنّ حماس أصبحت تقدم هدف إسقاط السلطة الفلسطينية على هدف مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، رغم خطابها الإعلامي الذي يوحي باتجاه مناقض لذلك، وتركيزها على بحث "قضايا الاعتقال السياسي، حيث قدمت قائمة بأسماء معتقليها في الضفة الغربية، ومحاولة الاتفاق على رؤية وطنية مشتركة في مواجهة الحكومة الإسرائيلية وسياسة التوسع الاستيطاني" في ظل توجهات الحكومة اليمينية الإسرائيلية التي يقودها متطرفون.

إذا كانت أنقرة تدرك ضعف احتمالات تحقيق مبادرتها نجاحات في مصالحة بين الفلسطينيين، أو إنجاز بانفراجة في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، فإنّ ما يمكن أن تحققه خطتها هو تحقيق نجاح وإنجازات في العلاقة بين أنقرة وتل أبيب

وإذا كانت أنقرة تدرك ضعف احتمالات تحقيق مبادرتها نجاحات في مصالحة بين الفلسطينيين، أو إنجاز بانفراجة في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، فإنّ ما يمكن أن تحققه خطتها هو تحقيق نجاح وإنجازات في العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، في الملفات التي تشكل أولوية لدى القيادة التركية، وهي الملفات الاقتصادية ، ويظهر على السطح هنا ما صرّح به الرئيس أردوغان حول زيارة نتنياهو لأنقرة  في جوهر التعاون المتوقع في مجال تصدير الغاز الإسرائيلي لأوروبا، بأنّ تكاليف شحن الغاز الطبيعي من البحر المتوسط إلى أوروبا مرتفعة للغاية، وعندما يأتي الغاز الإسرائيلي عن طريق تركيا سنكون قد دخلنا في عملية مربحة من حيث استخدامه لتركيا أيضاً، وبهذه الخطوة التي سنتخذها، نحن نقيم اتصالات مع نتنياهو للمرة الأولى، وآمل أن يكون هذا التطور بداية فترة أكثر دفئاً في العلاقات التركية - الإسرائيلية".  

أردوغان: نحن نقيم اتصالات مع نتنياهو للمرة الأولى وآمل أن يكون هذا التطور بداية فترة أكثر دفئاً في العلاقات التركية - الإسرائيلية

وبعيداً عن تسريبات "موجهة" محملة بخطابات ثورية تتضمن تأكيدات برعاية تركية لمقاومة شاملة في الضفة الغربية ضد إسرائيل تشترك فيها فتح وحماس، ولا تؤيدها لا سياسات وتوجهات السلطة الفلسطينية، ولا حتى سياسات حماس بالضفة، فإنّ استقبال أنقرة بالتزامن لعباس وقيادات حماس، واستقبال نتنياهو لاحقاً، يأتي في إطار تحولات تركية بعد انتخاب الرئيس أردوغان في فترة رئاسية أخيرة تنتهي عام 2028، أصبح واضحاً معها أنّه تتم إعادة إنتاج تركيا بعناوين جديدة، أبرزها مواصلة مقاربة "صفر مشاكل" في الإقليم، وهو ما يتوقع أن يتواصل في ساحات أخرى مثل ليبيا والسودان بالإضافة إلى سوريا والعراق، قاسمها المشترك "براغماتية" تعالج بـ"واقعية" التحديات التي تواجه الاقتصاد التركي على حساب الإيديولوجيا وشعارات رنانة، تترجم مشروعاً ضخماً بإعادة استئناف الخلافة الإسلامية، على غرار مشاريع كبرى أخرى كانت نتائجها معروفة، مثل مشروع الاتحاد السوفييتي، ولاحقاً المشروع الإيراني بتصدير الثورة الإسلامية وفقاً لمفاهيم ولاية الفقيه الإيرانية.

مواضيع ذات صلة:

سيناريوهات مطروحة لواقع ومستقبل القضية الفلسطينية

لماذا تفشل حوارات المصالحة الفلسطينية؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية