هل غيّرت فرنسا موقفها من الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ؟

هل غيّرت فرنسا موقفها من الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ؟


17/10/2020

موقف مختلف اتّخذته باريس حيال القضية الفلسطينيّة، يأتي متناقضاً ومختلفاً عمّا صدر عنها، برفضها إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل، بما يشير إلى تغيير فرنسا موقفها من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واصطفافها إلى جانب إستراتيجية البيت الأبيض المعلنة.

اقرأ أيضاً: نخب فلسطينية تدعو للخروج من الصندوق والتفكير في الكارثة المحدقة

ويأتي الموقف الفرنسي الجديد بعد تصريحات إريك دانون، سفير فرنسا في تل أبيب، في بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، خلال لقاء افتراضي نظّمه مركز البحوث من أجل دعم العلاقات الإستراتيجية بين أوروبا وإسرائيل، بقوله: "نحن لن نفاوض في مكان الفلسطينيين، هذه مسألة ثنائية، ونحن هنا لنقول إنّه يجب الأخذ بعين الاعتبار الوضع الجديد والرجوع إلى طاولة المفاوضات، وأضاف خلال اللقاء: "الآن لا أحد يعرف هل ستكون هناك في آخر النفق دولة أو دولتان أو لا دولة".

 إريك دانون

ورأى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في 24 أيلول (سبتمبر) 2019؛ أنّ فرنسا تلعب دوراً مهمّاً في دعم القضية الفلسطينية على كافة الأصعدة، وذلك خلال لقاء جمع عباس بنظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على هامش أعمال الدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مؤكداً أهمية تنسيق المواقف على المستوى الدولي.

كذلك أكّدت فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي التزامها بمبدأ "الأرض مقابل السلام"، كما التزمت بنهج المفاوضات المباشرة على أساس القرارَين 242 و338، في مسار مزدوج بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة، والعرب وإسرائيل من جهة أخرى، كما دعمت فرنسا اتفاق أوسلو وما انبثق عنه من تشكيل سلطة حكم ذاتي في غزة والضفة الغربية، وقدّمت الدعم للسلطة الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني.

سياسة إسرائيل تتركز حول إقامة نظام "أبارتايد"، على غرار ما كان في جنوب أفريقيا، وهو أن يكون الفلسطينيون أداة في يد الاحتلال للقمع والاستيطان والتهويد

والتقى وزراء خارجية ستّ دول عربية هي؛ مصر والأردن والإمارات والسعودية والمغرب وفلسطين، إضافة للأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بنظيرهم الفرنسي، في 26 فبراير (شباط) 2018، في العاصمة البلجيكية بروكسل، لبحث إحياء عملية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولإعطاء دور أكبر لأوروبا عبر فرنسا في المبادرات الدولية المقترحة.

أول زيارة خارجية قام بها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بعد إعلان الرئيس الأمريكي، ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل، كانت لفرنسا، بتاريخ 22 كانون الأول (ديسمبر) 2017؛ حيث طلب من الرئيس الفرنسي، ماكرون، أن يكون لأوروبا (عبر فرنسا) دور بديل في رعاية عملية السلام في الشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً: المستعربون: فرق موت إسرائيلية خفيّة تطارد الفلسطينيين

وصوّتت فرنسا، ومعظم الدول الأوروبية، على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2017، بإدانة الموقف الأمريكي من قضية القدس، إضافة إلى إرسال الرئيس الفرنسي لمبعوثه السياسي الخاص  لفلسطين، بيير فيموند، ولقاءاته السياسية، في بداية شهر كانون الثاني (يناير) 2018، مع الرئيس محمود عباس والقيادة السياسية، واستقبال الرئيس الفرنسي شخصياً لوفد من المجلس الوطني والمجلس التشريعي الفلسطيني، برئاسة عزام الأحمد، في قصر الإليزيه في باريس، في 5 كانون الثاني (يناير) 2018؛ حين أكّد ماكرون (الموقف الفرنسي واضح في دعم خيار الدولتين).

حضور فرنسي في القضية الفلسطينية

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، عماد البشتاوي، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "فرنسا تحاول أن تجد لها موطئ قدم في الشرق الأوسط، تحديداً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يعدّ من أبرز القضايا الجوهرية"، موضحاً أنّ سلوك فرنسا في لبنان منذ انفجار مرفأ بيروت، وكذلك في ليبيا، يؤكّد رغبة الرئيس ماكرون أنّ يكون لبلاده حضور في القضية الفلسطينية، كما كانت الولايات المتحدة سابقاً، وروسيا حالياً".

ولفت إلى أنّ "الدبلوماسية الفرنسية تواجه صعوبة كبيرة في إلقاء كامل ثقلها على إنهاء الصراع وحلّ الدولتين، وهو دور لم تنجح به روسيا، التي تعدّ الأكثر تواجداً في القضية الفلسطينية منذ فترة زمنية طويلة، بالتالي؛ فلن تتحدّى فرنسا الموقف الأمريكي، الذي لن يسمح بفرض شروطها على دولة الاحتلال، بعيداً عن الولايات المتحدة، والتي تقف إلى جانب إسرائيل، وبكامل قوتها، وتحاول إفشال كافة الحلول التي تتعارض مع مستقبلها".

اقرأ أيضاً: لماذا لا تعرض التلفزيونات العربية الأعمال الدرامية الفلسطينية؟

وتابع البشتاوي: "الرئيس الفرنسي طرح مراراً إقامة مؤتمر دولي جديد يجمع كافة الأطراف لإيجاد حلّ للقضية الفلسطينية، يقوم على مبدأ حلّ الدولتين، إلا أنّ كافة هذه الدعوات كانت تجابه بالتعنت الإسرائيلي والأمريكي معاً، لعدم اقتناع الإدارة الأمريكية بالدعوات الفرنسية".

عدم منافسة فرنسا للموقف الأمريكي

وعن أسباب تمسّك السلطة الفلسطينية بمفاوضات ترعاها أطراف دولية بالرغم من التطورات الدراماتيكية حول العالم لإقامة دولة فلسطينية، بيّن البشتاوي؛ أنّ "القيادة الفلسطينية ما تزال منذ فترة طويلة تلوح وتستخدم ورقة المفاوضات والدبلوماسية مع الجانب الإسرائيلي، وهي إجراءات غير كافية للضغط على إسرائيل، ولن تأتي ثمارها، والمراهنة عليها غير ممكنة"، مبيناً أنّ "عامل الوقت ليس مع السلطة الآن، التي يجب أن تحرّك أوراقاً أخرى غير المفاوضات؛ كقطع العلاقات بشكل كامل مع إسرائيل والقيام بسلسلة من الإضرابات الشاملة في كافة مناطق السلطة الفلسطينية، للضغط على الجانبَين، الإسرائيلي والأمريكي، وتحريك المياه الراكدة".

وأكّد أنّ "فرنسا غير قادرة على منافسة الموقف الأمريكي، الذي يحتكر مجريات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، مؤكداً أنّ "أيّ تغيير في الموقف الأمريكي يتوقف على الانتخابات الأمريكية القادمة، في تشرين الأول (نوفمبر) المقبل"، مرجحاً أنّه "في حال فوز جو بايدن بالانتخابات؛ فإنّه سوف يتّخذ موقف الرئيس الأمريكي السابق، أوباما، ولن يعطي الحرية الكاملة للاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ قراراته العنصرية بحقّ الفلسطينيين، لامتلاك الأخير موقفاً واضحاً من الضمّ والسياسات الإسرائيلية التعسفية، على عكس سياسات الرئيس ترامب الواضحة، الذي يقف بقوة إلى جانب الاحتلال، ويرفض أيّ حلّ ينتقص من المصالح الصهيونية".

الأكاديمي الفلسطيني عماد البشتاوي لـ"حفريات": ماكرون طرح مراراً إقامة مؤتمر دولي لحلّ الصراع، يقوم على مبدأ الدولتين، إلا أنّ الدعوات كانت تجابه بالتعنت الإسرائيلي والأمريكي

ويعتقد البشتاوي أنّه "في حال نجاح بايدن في الانتخابات الأمريكية؛ فإنّه سيعمل على التنسيق بين فرنسا وبعض الدول في المنطقة، لإعادة الطرفَين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات مجدداً"، مشيراً إلى أنّ "الموقف الفرنسي لن يكون محايداً نحو القضية الفلسطينية، وهو منحاز بشكل كبير مع السياسات الإسرائيلية، رغم الدعوات الفرنسية لعقد لقاءات إسرائيلية فلسطينية".

موقف تابع للولايات المتحدة

من جهته، يقول أستاذ القضية الفلسطينية في جامعة القدس المفتوحة، أسعد العويوي؛ أنّ "الموقف الأوروبي والغربي هو تابع للموقف الأمريكي، ولا يستطيع الخروج عنه؛ لذلك ليس من الغريب أن تتخلّى فرنسا عن القضية الفلسطينية ومبدأ حلّ الدولتين"، مبيناً أنّ "هذه الدول تلعب على عامل الوقت وسياسة الأمر الواقع، وأنّه يمكن تحقيق سلام وحلّ للقضية الفلسطينية، بعيداً عن مبدأ حلّ الدولتين، وهي سياسة تهدف بالأساس لخدمة المصالح الصهيونية".

ويضيف العويوي، لـ "حفريات": أنّ "مطالبة الرئيس الفلسطيني، تحديداً في خطابه أمام مجلس الأمن، في شباط (فبراير) 2018، بأهمية مشاركة دول أخرى، بالإشارة إلى فرنسا والاتحاد الأوروبي في عملية السلام، جاءت لعدم وجود حلول أخرى أمام السلطة الفلسطينية"، مشيراً إلى أنّ "اللاعبين الدوليين، خاصة الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، لن يقبلوا بالموقف الفرنسي، طالما لم يحقق مصالح دولة الاحتلال وأهدافها".

اقرأ أيضاً: كيف تستغل إسرائيل "الكانتينا" لعقاب الأسرى الفلسطينيين؟

ولفت إلى أنّه "في حال قبول السلطة الفلسطينية بمفاوضات ترعاها الولايات المتحدة؛ يعني ذلك رغبة السلطة بأن تبقى القضية الفلسطينية حكراً على الولايات المتحدة، بالتالي؛ القبول بصفقة القرن وبالقضايا التي تمسّ جوهر القضية الفلسطينية العادلة، وهو ما يتهدّد بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".

انتخاب قيادة فلسطينية موحدة

وأكّد العويوي أنّ "على السلطة الفلسطينية عدم المراهنة والتعويل على أيّة دولة كانت، وأن تتجه نحو التمسّك بثوابت القضية الفلسطينية، والمضي قدماً نحو الوحدة الوطنية الشاملة التي تجمع كافة أطياف الشعب الفلسطيني، للوصول إلى انتخاب قيادة موحّدة للشعب الفلسطيني، كي تتمّ مواجهة كافة التحديات المستقبلية التي تمسّ بالقضية الفلسطينية وبحقوقها المشروعة".

وحول إمكانية إقامة دولة واحدة متساوية باعتبار أنّ فكرة تنفيذ مبدأ حلّ الدولتين بعيدة المنال، يقول العويوي: إنّ "سياسة الإسرائيليين تتركز حول إقامة نظام "أبارتايد"، على غرار ما كان في جنوب أفريقيا، وهو أن يكون الفلسطينيون أداة في يد الاحتلال للقمع والاستيطان وتهويد المزيد من الأراضي"، مشيراً إلى أنّه "من غير الممكن إقامة دولة فلسطينية واحدة ديمقراطية تجمع كلّ الفلسطينيين، في ظلّ هذه السياسات العنصرية التي ينتهجها الطرفان الإسرائيلي والأمريكي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية